الأمن الإقليمي ومخاطر العالم الإفتراض على الشباب العربي

الأمن الإقليمي ومخاطر العالم الإفتراض على الشباب العربي
د ياسر عبدالله

أصبح الشباب العرب يعيشون في عالمهم الإفتراضي كما هو حال الشباب في كافة أنحاء العالم، وبدا الإنترنت جزء لا يتجزأ من حياتهم، يستخدمونه في كافة مناحي الحياة: الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية. وأصبح هذا العالم منفذ للتعبير عن أراء الشباب يستخدمونه دون قيود أو رقابة وبلا حدود، ولم يقف حد الاستخدام لمواقع التواصل الاجتماعي "هي أبرز وأهم مخرجات العالم الافتراضي" عند التعبير عن الرأي او ممارسات هويات والاطلاع على اهتمامات ، بل تجاوز ذلك ليصبح أساس العلاقات الاجتماعية الفردية منها والجماعية ، فأصبحت تشاهد الأسرة الواحدة منفصلة عن ذاتها تحت سقف واحد ، وأصبحت تفتقد تلك النشاطات واللقاءات التي كانت تجمع الشباب بسبب انشغالهم بعالمهم الافتراضي وعمل مجموعات افتراضية على حسابتهم يعتقدون أنهم من خلالها يعيشون حياتهم بأمن وأمان .

لكن الأيدي الخفية لم تتركهم في حياتهم التي يعيشونها ، بل بدأت أجهزة الأمن المعادية لكل دولة بالعبث في خصوصيات الشباب العربي واختراق حساباتهم ، والعمل على نشر ثقافات تشوه انتماءهم  ، ولن يقف ذلك إلى حد التعدي على الخصوصيات والتخريب والعبث والإختراق ، بل وصلت الأمور إلى التواصل معهم في العالم الحقيقي لأهداف متعددة ، منها تحول الشباب العرب إلى جيل منحرف أخلاقيا ، وجيل بعيد عن قيم وأخلاق العرب ، وأصبحت تجد بعض الشباب يدافعون عن العادة الغربية الدخيلة عبر مواقعهم ويطالبون بحريات شخصية لسلوك يتعارض مع الدين والعادات والتقاليد ومنها هؤلاء؛ "المثليين"، وهذا لم يأتي من فراغ وليس وليد يومنا هذا، إنما تراكمات إهمال الحكومات لاستخدامات الشباب العرب للإنترنت وعدم تضمين مناهج التعليم في الدول العربية مواد تعليمية حول الاستخدام الآمن لمواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكل عام ، فقد ترك الشباب يعبثون بأنفسهم بهذا التكنولوجيا دون توجيه أو رقابة أو حتى قيود قانونية على  استخدامها .

وعند الحديث عن فلسطين نموذجا نجد أن الشباب الفلسطيني تزايد عدد مستخدميه للفيس بوك مثلا إلى 1.7 مليون مستخدم في العام 2015 في حين أن عدد المستخدمين للفيس بوك بالعام 2011 وصل إلى 750 الف مستخدم ,أي أن هناك تنامي هائل في استخدام تلك المواقع من قبل الشباب الفلسطيني ، وقد استخدم في كافة مجالات الحياة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية, ولكن للأسف بشكل عشوائي دون توجيه أو رقابة من أي جهة كانت . لهذا فقد برزت بعض الظواهر السلبية في المجتمع وقد أصبحت المحاكم تعج بالقضايا المرتبطة بالأنترنت وخصوصا مواقع التواصل الاجتماعي منها الأخلاقية والجرائم والابتزاز وغيرها .

ومن أهم الجهات المعادية التي تتربص بالشباب العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص هي دولة الاحتلال الصهيوني، والتي أنشأت وحدة "8200" تلك الوحدة التي تتجسس الكترونيا على الشباب بكافة الأشكال ; اختراق، عبث، سرقة، تشويه، ابتزاز. تلك الوحدة تراقب حسابات الفيس بوك للشباب وتعمل على استدراجهم من أجل الابتزاز وإجبارهم على التجسس على أبناء شعبهم لصالح أهداف خاصة رسمتها دولة الكيان الصهيوني، وأصبحنا نسمع مؤخرا عن محاكمات إسرائيلية للشباب الفلسطيني " ذكور وإناث" حول منشورات على حسابتهم وتقدم لهم المحاكم الإسرائيلية لوائح اتهام بسبب تلك المنشورات وأحكام تصل إلى أكثر من عام .

ومن هذا المنطلق إن بقيت الدول العربية تعيش حالة من اللامبالاة بأهمية تلك المواقع وخطورتها ، وإن لم تعمل على تعديل مناهج التعليم في تلك الدول بما يتلائم مع تطورات التكنولوجيا ، وخصوصا تعديل المناهج بحيث تتضمن الاستخدام الآمن لمواقع التواصل الاجتماعي , حتما فإن الجهات المعادية وفي طليعتها دولة الاحتلال ومن خلال اللواء الالكتروني للتجسس "820" سوف تخترق المجتمعات العربية وتتلاعب في عقول الشباب وتجعل منهم دواعش وجواسيس على دولهم ، لهذا يتوجب على جميع الدول العربية أن تستيقظ من غفوتها وان تضع السياسات والخطط الإقليمية والمحلية لنهوض بالشباب العربي وحمايته من العالم الإفتراضي الذي بدأ يفتك بالمجتمعات العربية ،و بالعادات والتقاليد والثقافة وبشكل متسارع .