طولكرم: نساء يسردن لـ "دنيا الوطن".. حكاية معبر "الطيبة" والزحف المحفوف بالمخاطر والاذلال

طولكرم: نساء يسردن لـ "دنيا الوطن".. حكاية معبر  "الطيبة" والزحف المحفوف بالمخاطر والاذلال
طولكرم ـ خاص دنيا الوطن ـ همسه التايه

في كل مرة تنتظرها خلف لوح زجاجي، لا يظهر منها سوى قبعة عسكرية وعينان حاقدتان، تلوح بيديها لتجبرها على الدخول عنوة في قلب غرفة لعينة، تحيطها كاميرات المراقبة من كل حدب وصوب، وباب كهربائي تتحكم فيه عن بعد، لتحشرها وحيدة تلتقط أنفاسها لا حول لها ولاقوة، بإنتظار المجهول المحفوف بالمخاطر،  متحلية بالصبر، ومسلحة بإرادة لا تلين، ويقلب يحمل ابتهالات الفرج القريب .

تبقى وحيدة لأكثر من خمسة عشر دقيقة، لتتسارع نبضات قلبها إيذانا بإيقاد حرب الأعصاب، قبل إجبارها  على خلع ملابسها كاملة من قبل من عكرت صفو اللوح الزجاجي بملامحها الخشنة، والتي تتلذذ وأعوانها في رؤيتها كما خلقها الباريء.

تدافع عن نفسها وجسدها بعنف، وترفض الخنوع والرضوخ والإمتثال لأوامر تتجدد في كل لحظة ولا تكاد تنتهي، لتنتصر لإرادتها لبضع دقائق، وما أن تحاول لملمة جرحها الذي يتجدد في كل يوم على هذه المساحة الخانقة،حتى تفاجأ بأخرى ذات رائحة نتنة تقترب منها لتمرير آلة ضغينة ترصد ما يحمله جسدها البريء المثقل بالهموم والآلام.

الأرملة " أم محمد " والتي إجتازت منتصف العقد الثلاثيني وتسكن مخيم طولكرم، وتعمل في الداخل المحتل في زراعة التوت لأكثر من ثلاث سنوات لتأمين قوتها وإبنها ووالدتها وشقيقتها المطلقة، تضطر إلى الخروج من منزلها الساعة الثالثة والنصف فجرا لضمان الوصول إلى المعبر قبل الأزمة والتزاحم.

ورغم ذلك لم تسلم أم محمد من الأزمة والتدافع والوقوع على الأرض والإحتكاك المباشر مع الرجال، وكأنها تزحف في ممر المعبر قبل دخول الجانب الإسرائيلي بإنتظار المجهول المحفوف بالمخاطر.

وتسرد أم محمد تفاصيل قاسية عن اللحظات الصعبة التي تواجهها على معبر الطيبة جنوب محافظة طولكرم والذي يطلق عليه "معبر الموت"، حيث تقول لمراسلتنا في طولكرم ـ والتي تحتفظ بإسمها بناء على رغبتهاـ :" تتعرض النساء لضغوظات على معبر المعبر خلال عمليات الإزدحام عند الجانب الفلسطيني بالإضافة إلى عمليات التفتيش المذلة والقاسية من قبل جنود الإحتلال الإسرائيلي عند الجانب الإسرائيلي".

وأضافت :" أصعب مرحلة بالتفتيش على معبر الطيبة عندما يتم إدخال النساء إلى غرفة " الليزر" وهي غرفة زجاجية بحجم الشخص ، حيث يتم كشف جسد كل من يدخلها بشكل عاري تماما ". مشددة على أن الغالبية التي تدخلها هي من النساء".

وأكدت على أن تعرض العديد من النساء لأشعة الليزر يتسبب لهن بأمراض قد لا تحمد عقباها كمرض السرطان وغيره، بالإضافة إلى الحالة النفسية التي تعيشها النساء جراء تفتيشها ورؤيتها عارية تماما على أجهزة الكمبيوتر الخاصة برصدهم على المعبر".

وأكدت على المعاناة التي تعيشها وغيرها من النساء العاملات على "ممر" المعبر وتحديدا على الجانب الفلسطيني في ظل الإزدحام والأزمة يومي الجمعة والأحد، متمنية على أصحاب القرار والمعنيين بالعمال الفلسطينيين ضرورة العمل على تنظيم حركة المعبر وإيجاد آليات لإجبار النساء والرجال على الإلتزام في الأماكن المخصصة لكل منهما، لأن وجود الشباب في ممر النساء يؤدي إلى تدافعهن وعدم قدرتهن على الوقوف نتيجة تزاحم الرجال.

وتمنت على الحكومة الفلسطينية خلق فرص عمل للنساء الفلسطينيات حتى لا يتم إستغلالهن على المعابر الإسرائيلية وأرباب العمل، داعية إلى إيجاد حلول والتخفيف من المعاناة والضغط على المعبر وتحديدا على الجانب الفلسطيني من خلال وضع آرمات إرشادية تؤكد على مدخل الرجال والنساء من أجل الإلتزام بذلك.

ولم تكن مها 46 عاما والتي تعمل في مجال زراعة التوت لأكثر من سبع سنوات لإعالة والدتها المريضة، بأفضل حال من سابقتها، حيث تضطر إلى الخروج قبل بزوغ فجر الصباح من أجل حجز دور على ممر المعبر قبل الإزدحام والتدافع.

وأشارت إلى تعرضها قبل بضعة أيام لرضوض وكسر بساقها اليمنى، نتيجة التدافع على الممر قبل الدخول للجانب الإسرائيلي والذي يتزاحم به أعداد كثيرة تصل إلى 500 شخص تقريبا.

وناشدت الجهات والمؤسسات المعنية إلى تنظيم المعبر من الجانب الفلسطيني ، داعية المسؤولين إلى زيارة المعبر للإطلاع على الأزمة والإحتكاك غير المعقول والمقبول بين الشباب والنساء.

وشددت على أن إجراءات التفتيش من قبل جنود الإحتلال قاسية جدا وتحديدا على النساء اللاتي يتم إجبارهن على دخول غرفة الليزر ومن ثم شبحهن، مشددة على أن الليزر يشكل خطرا كبيرا على حياة العمال والعاملات.

وكانت مها قد تعرضت لمواقف قاسية أثناء عمليات التفتيش بعدما تم إجبارها على دخول الغرفة الحديدية المحصنة بالحديد والتي تبلغ مساحتها مترين في مترين ونصف ولا يتوفر به سوى شباك صغير وأجواء معتمة ومقيتة تشعر كل من يدخلها بالرهبة والخوف. مؤكدة أن الهدف من البقاء في الغرفة هو التفتيش العاري واللعب بالأعصاب والنفسية.

وتؤكد أن تعرضهن للتفتيش من قبل المجندات وجنود الإحتلال الإسرائيلي مرهون بأمزجتهم وتلذذهم بتعذيب العامل الفلسطيني.

ودعت المسؤولين عدم زيارة المعبر من أجل إلتقاط الصور وإنما بهدف الإطلاع على معاناة العمال والعاملات وإيجاد حلول لهم.