الفخاري قبل قدوم إبراهيم ليست كالفخاري بعد رحيله .. من السكون في وجه العدوان إلى التمرد

الفخاري قبل قدوم إبراهيم ليست كالفخاري بعد رحيله .. من السكون في وجه العدوان إلى التمرد
رام الله - دنيا الوطن
لا يخلو تاريخ القضية الفلسطينية من قصص البطولة والتضحية والصمود ، ولا يخلو من قصص الثبات والمواجهة في وجه العدو الإسرائيلي جُلها كانت قصصاً لاطم فيها الكف المخرز وبل حقق انتصاراً مؤزراً ضد العدو في جولات كثيرة.

من هذه القصص قصة الشهيد الحاج إبراهيم سعيد حماد العمور ابن قرية الفخاري الواقعة على الحدود الشرقية لمدينة خانيونس ، الحاج إبراهيم الذي غّير مجرى حياة القرية بأكملها وللأبد سيبقى هناك فرق بين الفُخاري قبل الحاج إبراهيم والفخاري بعد رحيله.

في البداية نعرف لكم تلك القرية "الفخاري" الوقعة شرق مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة على الشريط الحدودي الفاصل بين القطاع وفلسطين المحتلة عـام 1948م ، يعتمد سُكانها على الزراعة وأعمال البناء ، حيث تشتهر المنطقة بزراعة اللوز الزيتون التين الشوكي ، وتعتبر سلة غذائية للمدن الجنوبية للقطاع ، وتتميز بحقولها الشاسعة ومبانيها الريفية التقليدية.

مع بداية الانتفاضة الثانية عام 2000 بقيت الفخاري بعيداً عن حالة الاشتباك مع العدو الاسرائيلي كباقي مناطق التماس مع العدو الإسرائيلي إلا في حالات نادرة نفذ فيها أفراد من قوات الأمن الوطني التابعة للسلطة الفلسطينية آن ذاك عمليات نوعية تتمثل بزراعة عبوات ناسفة لدوريات العدو.

كانت آليات الاحتلال تتوغل في تلك المنطقة لتدمير وإتلاف المحاصيل الزراعية بين الفينة والأخرى دون أي شكل من أشكال المقاومة المُسلحة نظراً لطبيعة القرية الجُغرافية ، رويداً رويداً بدأ سكان تلك المنطقة مع بداية 2005 يتلمسون طيفٍ خافت لرجال المقاومة في تلك المنطقة ، لكنها لم تكن بضراوة مناطق التماس الأخرى مثل منطقة مخيم خانيونس الغربي.

تلمس سُكان تلك المنطقة ذلك الطيف للمقاومين في صد العدو الاسرائيلي في كل محاولة توغل تهدف لتجريف الأراضي الزراعية ، إما بإطلاق النار من بنادق آلية خفيفة أو تفجير بعض العبوات ناسفة  ضد آليات العدو المتوغلة وقد تصل أحياناً لإطلاق القذائف المدفعية (هاون) على معسكرات الجيش الرابضة على الحدود الشرقية.

وكلما أشتد عُود هؤلاء المقاومون ازداد تساؤل أهالي القرية عن هوية هؤلاء الشُبان الذين لم يتجاوز عددهم يد الكف الواحدة.

بقيت هذه التساؤلات مطروحة على بال كل مواطن داخل "الفُخاري" حتى منتصف حزيران عام 2007 ، في إحدى الليالي التي اعتاد فيها السُكان النوم على أصوات الانفجارات الناتجة عن القصف المدفعي أو أصوات الاشتباكات بالأسلحة الخفيفة ، وبعد أن هدأت أصوات الانفجارات بعدة دقائق سُمع صوت انفجار قوي هز كل القرية.

خرج المواطنون يبحثون عن مكان الاستهداف  ، وما ان وصل المواطنين لمكان القصف حتى وجدوا ثلاثة من رجال المقاومة يتبعون (كتائب الشهيد عز الدين القسّام) مدرجين بالدماء نتيجة لغارة إسرائيلية من طائرة استطلاع بدون طيار ، كان من بين المُصابين الحاج (إبراهيم سعيد حماد العمور).

دهشةُ سكان الفخاري وعائلة الحاج إبراهيم فاقت كل شيء ، فإبراهيم الشاب الخجول الهادئ الأنيق كان فارساً بطلاً ونداً للعدو الاسرائيلي يقصفهم كل ليلة ويعود لبيته دون ان يشعر أي أحد من أسرته "أمه وأبيه" ، فقد الحاج إبراهيم في تلك الليلة يده اليُسرى في القصف الاسرائيلي الغاشم الذي استهدفه ومجموعته.

ووفقاً لمحدثٍ عسكري من كتائب القسام ظهر في فيديو سيرته الذاتية فإن الحاج (إبراهيم) كان النواة الأولى للعمل المقاوم في منطقة الفخاري ، وبذلك يحق لنا أن نقول الفخاري قبل إبراهيم ليست الفخاري التي بعده.

لا يذكر أهالي الفخاري للحاج إبراهيم إلا كل الحب والخير ، كان يصل كل قريب وصديق ويعود كل مريض ، ويحسن على كل مسكين ، عمل لاحقاً في مستشفى الأوروبي كسكرتير طبي لم يبخل على كل سائل يطرق بابه.

مرت الأيام والشهور وتزوج إبراهيم ورزقه الله بأربعة بنات و صبي ، وبدأت حرب العصف المأكول (الجرف الصامد) عام 2014 بعد إحراق المستوطنين في الضفة الغربية للطفل أبو خضير ، وما أن بدأت الحرب البرية حتى التحق الحاج إبراهيم بصفوف المقاتلين في الصفوف المتقدمة برفقة الشهيد القائد باسل أبو النجا.

استعد الحاج إبراهيم وباسل لمواجهة طليعة القوات الاسرائيلية الكبيرة المتوغلة بكمين مُحكم في الفُخاري ، ووفقاً لشهود عيان من سكان المنطقة فإن حجم القوات المتوغلة كان كبير جداً ، قدرت لاحقاً وفقاً للإعلام العبري بكتيبة مظليين معززة بعشرات الآليات والدبابات.

ويضف الشهود أنه منذ اللّحظة الأولى التي توغل فيها العدو الاسرائيلي لم يهدأ تبادل إطلاق النار كان تشتد بين الفينة والأخرى مر اليوم الأول والثاني حتى مساء اليوم الثالث حين أقدم الاحتلال بقصف المنزل الذي تحصن فيه الشهيدان "إبراهيم و باسل" باستخدام طائرات مقاتلة بعد أن عجز الجنود الاسرائيليين عن مواجهتهم.

لم يكتفي الاحتلال بذلك فحسب بل قام باختطاف جثماني ابراهيم وباسل في محاولة للانتقام من عائلاتهم ، بعد أن أثخنا الشهيدان في صفوف قوات العدو المتوغلة ، حيث اعترف العدو حينها بمقتل 3 من قواته وإصابة آخرين في تلك الاشتباكات ، وقد تبنت (كتائب القسّام) الكمين وأطلق عليه إسم كمين (ذو الفقار).

تمر الأيام والليالي ولا تزال عائلتا الحاج إبراهيم و باسل تنتظر عودة جثامين أبنائهما في أي صفقة تبادل للأسرى وأن تتم لهُما جنازة عسكرية مهيبة تليق بهما وأن ويواريا الثرى في الأرض التي استبسلا في الدفاع عنها.