أبو عمار صاحب الهوى المصري .. تأييد الداخل وانفلات الخارج - دور سوريا التخريبي والانقاذ الأردني

أبو عمار صاحب الهوى المصري .. تأييد الداخل وانفلات الخارج - دور سوريا التخريبي والانقاذ الأردني
خاص دنيا الوطن
الفصل الثالث عشر

الفصل الثالث عشر يحمل معه الكاتب تعبير صريح لصاحب الهوى المصري القائد الرمز أبو عمار فبعد العديد من اللقاءات ولقاءه الخاص مع الرئيس المصري وبعد أشهر من القتال في بيروت وطرابلس وتكالب العديد من الأطراف عليه شخصيا وعلى القضية التي حملها بوجدانه غادر ابو عمار أرض الكنانة محاطا بالطمأنينة من الدعم المصري التاريخي لفلسطين وللعودة بمكانتها ودورها في الساحة العربية وكذلك الدولية مما سيدع حدا لأنظمة عربية قررت محاولة مصادرة القرار الفلسطيني المستقل والسيطرة عليه والتخلص من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على رأسها عرفات نفسه وهم أي الأنظمة المعنية لا بد من القول أنها لم تكن متفرجة فقط كما أشار الكاتب بل ساهمت في خسارة الثورة لقواعدها الفلسطينية في لبنان وحاولوا التخلص من قياداتها في طرابلس تحت حجة الإصلاح الذي بالأصل يجب أن يبدأ بهم. والحقيقة التي ذكرها الكاتب الشاهد دون حواجز أو تردد أن الوحدة الوطنية الفلسطينية أصابها شرخ كبير بعد مأساة طرابلس والخروج من بيروت كما المح إلى ضعف مركز القيادة بعد تشتت القوات الفلسطينية رغم قناعة عرفات بالبيت الفسطيني الذي لا يمكن أني يضيق بأبنائه مرددا دائما قولا لماتسي تونغ " لتتفتح كل الأزهار في حديقة الثورة " ويتذكر الكاتب كيف منع الأسد عضو اللجنة التنفيذية الفلسطينية محمد زهدي النشاشيبي من مغادرة سوريا لحضور اجتماعات تنفيذيو منظمة التحرير لا بل فرض عليه الإقامة الجبرية كي تفقد اللجنة شرعية اتخاذ اي قرار وهذا عدى على ان علاقة عرفات مع بعض قيادات الفصائل الفلسطينية الأخرى قد توترت بسبب الإنشقاق الذي حصل في حركة فتح ولأسباب أخرى تتعلق بسلامتهم وسلامة عائلاتهم في سوريا وبالجدير بالذكر هنا أن النظام السوري اعتقل العديد من الكوادر الفتحاوية والقى بهم في السجون لرفضهم الإمتثال للضغوطات السورية كما فرض الإقامة الجبرية على قيادات في الإنشقاق الذي حدث في حركة فتح بعد ان شعرت هذه القيادات بعد الانشقاق بوقت قصير أنها مؤامرة تستهدف الثورة وحدث خلاف كبير داخل اطار المنشقين اتخذت سوريا من خلالها قرارات ضد بعض هذه القيادات وما عزل نمر صالح وفرض الإقامة الجبرية يدخل ضمن رؤية سوريا في احتواء حركة الإنشقاق وفرض املاءاتها عليها .

لقد بدا كما شرح الكاتب في سياق هذا الفصل وكأن القضية الفلسطينية جراء الخروج من بيروت ومن ثم الإنشقاق وموقف الفصائل الأخرى منه وحرب طرابلس وتشتت القوات الفلسطينية قد يأخذ فلسطين إلى مكان ليس مكانها ومع احتدام الخلافات وتكثيف دور المخابرات السورية لكن بعض القيادات في الفصائل الأخرى شعرت بحقيقة ما يحدث وبدأت بمحاولات الإتصال مع القيادة الشرعية التي يمثلها ياسر عرفات وتحقق ذلك بأن التقى العديد من هذه القيادات لأبوعمار في تونس الذي أكد لهم حرصه على وحدة الموقف الفلسطيني ورفضه لكل أشكال الفرقة وقد ذكرهم بإنشقاق فتح معبرا عن رفضه لحدوث ذلك في أي فصيل فلسطين أخر فأزداد حجم التأييد لابو عمار وظل في الموقع الأقوى قياديا وقاعديا فعمل على عقد اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني لتأكيد شرعية منظمة التحرير الفلسطينية وكان لا بد من حضور ثلثي الأعضاء . أما النظام السوري والأسد ذاته فقد عمل على إفشال عقد هذا الإجتماع وبدأ في الضغط على الجزائر تحت حجج واهية من أجل حث الجزائر على رفض عقد المؤتمر على أراضيها كي لا يكون وصمة لتثبيت الإنقسام الفلسطيني آنذاك ليقبل عرفات التحدي الأسدي ويقرر عقد المجلس الوطني في العاصمة عمان ووافق الملك حسين على عقد المجلس الوطني الفلسطيني في الأردن وتم الاتفاق على عقد المجلس الوطني الفلسطين في عمان بتاريخ 22-11-1984 فاستخدمت سوريا بند التهديدات ضد أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني لعدم الذهاب إلى عمان وحضور المؤتمر وإلى كل فلسطيني يؤيد ياسر عرفات وقد نفذت سوريا فعلا الكثير من التهديدات كما حدث مع الفلسطيني عرفات المطري الإسم الحقيقي للفنان غسان مطر الذي استهدف النظام السوري عائلته وقتل والدته وزوجته وابنه.

 لقد حاول الأسد بمنع عقد المؤتمر بكل السبل الممكنة لكنه فشل والمفارقة كما أشار الكاتب أن مجموعة كبير من اعضاء المجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد في عمان كانوا يجلسون خارج القاعة بإنتظار اكتمال النصاب وفي حال لم يكتمل فقد ابدوا استعدادهم لدخول القاعة وتثبيت النصاب من اجل عقد المؤتمر وعلى هذا الموقف الشجاع قال عرفات لقد خرج شعبنا من دائرة الوصايا فإنتمائه الوطني أكبر بكثير من إلتزامه السياسي الفصائلي . وما اثار استغراب الجميع أنه وبعد طرح فكرة فصل المنشقين من عضوية المجلس الوطني تحدث عرفات للمجلس وطلب التريث رافضا فصل أي عضو منهم وكأنه كان يعلم بأن غالبيتهم عائدون لحضن الثورة الدافىء. وعقد المؤتمر وكان مؤتمر جامع بإمتياز لترميم البيت الداخلي الفلسطيني.

 وفي نهاية هذا الفصل أشار الكاتب إلى كلمة الملك حسين في المؤتمر والذي تحدث فيها على ضرورة اعتماد نهج الواقعية السياسية لما تمر به من المنطقة لكن القيادة الفلسطينية في تلك المرحلة كانت تعاني من تشتت القيادة والقوات في مواقع كثيرة تحتاج إلى لملمة وثبات في ظل قيادة جديدة لمنظمة التحرير وقد تم انتخاب لجنة تنفيذية جديدة وأصر المجتمعون على استمرار ابو عمار في قيادة المرحلة القادمة الخطيرة ما جعل أبو عمار يتجه نحو تفعيل الكثير من الهيئات والمؤسسات للتواصل مع الشعب الفلسطين في الأرض المحتلة لتعزيز الصمود الفلسطيني ونجح المؤتمر ونجح عرفات وفشل المتآمرون على القضية الفلسطينية.

--

الفصـل الثالث عشر: 

صاحب الهوى المصري


ويودع صاحب «الهوى المصري» أرض الكنانة وهو مطمئن إلى أن مصر بعلاقاتها التاريخية بفلسطين، وبوزنها ودورها في الساحة العربية، ستضع حداً لهذا الاستقواء على الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية برئاسة أبو عمار، بعد أن خسرت الثورة قاعدتها الرئيسية في لبنان وهم يتفرجون، والأدهى أنهم حاربوا الثورة في طرابلس تحت ذرائع وحجج واهية، واستخدموا واجهات فلسطينية مضلله وتابعة، لإخفاء حقيقة أهدافهم ونواياهم، ومرة أخرى يرتفع أبو عمار فوق جراحه وكان مثخناً بالجراح من ذوي القربى، إنه يدرك من تجربته الطويلة أن فلسطين قوية بوحدة أبنائها، وهو يتفهم الظروف التي ترغم البعض على مهاجمته، والتنكر لدوره وشرعيته، ويقول: «هذا التمزق الفلسطيني هو نتيجة الشتات الذي أصاب شعبنا في عام، 1948 ويجب أن يتسع صدر الثورة للجميع حتى بارتباطاتهم بالأنظمة، فالبيت الفلسطيني لا يضيق بأبنائه، حتى العاقين منهم»، وكان من عادته أن يردد قولاً مأثوراً لماوتسي تونغ « لتتفتح كل الأزهار في حديقة الثورة».

 بعد مأساة طرابلس والخروج من بيروت وخطة ريغن وزيارة القاهرة، كانت الوحدة الوطنية الفلسطينية في مهب الريح، وأدى تشتت القوة الفلسطينية إلى إضعاف مركز القيادة في تونس، وبدا للوهلة الأولى وكأن قضية فلسطين في طريقها إلى النسيان مرة أخرى، فالمركز القيادي الذي يشكل مركز جذب وتوحيد صار بعيداً وضعيفاً، والكيانية والإقليمية أخذت تضغط على الفصائل لتشكيل مركز قيادة بديل للقيادة الشرعية، واللجنة التنفيذية التي تمثل الشرعية برئاسة أبو عمار فقدت نصابها الشرعي (النصف + واحد)، حيث فرض حافظ الأسد على عضو اللجنة التنفيذية محمد زهدي النشاشيبي الإقامة الجبرية، ومنعه من السفر إلى تونس لحضور اجتماعات التنفيذية حتى يكون اجتماعها شرعياً بحضور العدد المطلوب من أعضائها، أما العلاقات الشخصية بين أبو عمار وعدد من القيادات في الفصائل، فقد تدهورت بدورها نتيجة دخولهم على خط الانشقاق، بعضهم بالقتال ضد الشرعية في طرابلس، وبعضهم تحت راية الإصلاح، حيث رأى في الانشقاق فرصة مواتية لتحسين شروط مشاركته في اللجنة التنفيذية، وانتقد قيادة أبو عمار واتهمه بالفردية واستغلال رئاسته للمنظمة وتسخيرها في خدمة طموحه الشخصي وزعامته.

 لم يكن أبو عمار يهتم بالكلمات الجارحة من رفاق الخندق وإخوة السلاح بمعناها المباشر على شخصه ومركزه القيادي، وكان يرد على الغاضبين من رجاله بالقول: «ليس المهم الكرامة الشخصية، بل المهم كرامة الوطن وقضيته»، ويصدر تعليماته بالإسراع في إجراء حوار الوحدة والمصالحة، ولم يترك فرصة إلا وأجرى لقاء أو اتصالاً أو تهنئة أو تعزية، «حتى يذوب الجليد وتصفو القلوب»، وبسبب اعتبارات شخصية محضة تصلبت شرايين بعض القيادات في الصف الأول «الذين أخذتهم العزة بالإثم»، فلم يستجيبوا للحوار الوطني وأداروا ظهورهم لجهوده الحثيثة لإعادة اللحمة الوطنية بين القوى والفصائل، بغض النظر عن الخلافات السياسية «فالخلافات تحل في إطار الوحدة وليس خارجها».

 في ظل هذا التصلب والعناد وجد أبو عمار نفسه أمام ظاهرة جديدة في الساحة الفلسطينية، فهناك التأييد الشعبي العارم لقيادته داخل الأرض المحتلة، وهناك التذمر والانفلات القاعدي في المنظمات والفصائل التي ابتعدت عن ياسر عرفات، ولم تستجب لدعواته لاستعادة الوحدة الوطنية التي هي مصدر القوة للشعب الفلسطيني، ورأت الكوادر وبعض القيادات العليا والوسطى والقاعدية، أن ما يقوم به على مستوى الدعوة للوحدة يجب الاستجابه له، ووضع حد للارتهان لأي نظام عربي، وأدانت القواعد في الفصائل السياسة الانتهازية التي انتهجتها بعض القيادات من الانشقاق إرضاء لحافظ الأسد.

 إن كلمة الاستقلال والاستقلالية والقرار الوطني المستقل ورفض الوصاية والتبعية والاحتواء، وبأن فلسطين ليست رقماً في جيب كبير أو صغير، والتي يؤكد عليها ويترجمها أبو عمار في سلوكه اليومي وفي قيادته، قد أدت إلى تذمر الكثير من الكوادر والقواعد في الفصائل نفسها، سواء في إطارها العسكري أو السياسي من مواقف قياداتها، وبعض الفصائل انشقت على قاعدة الاستقلال أو التبعية، وبعض الفصائل عقدت مؤتمرات سرية وأزاحت عن موقع المسؤولية والقرار من اعتبر مسئولاً عن هذا التواطؤ ضد الشرعية الفلسطينية، وفي إحدى الفصائل وقع انشقاق عمودي وأفقي من المكتب السياسي إلى اللجنة المركزية، إلى الكوادر العسكرية والمدنية. في الواقع وجد أبو عمار نفسه يستقبل في تونس هذه القيادات والكوادر، التي أعلنت ولاءها للشرعية ورفضها لتبعية القيادات ورضوخها لنظام الأسد وأموال القذافي، إن هذا الحراك في الساحة الفلسطينية، وفي الفصائل والقوى والشخصيات العامة، قد عزز مكانة الشرعية على أكثر من صعيد، إلا أن أبو عمار لم يقم بحملة تشهير ضد هذه القوى والفصائل، بل عالج الأمر بحكمته وحرصه على الجميع، وأول ما أكد عليه في لقائه مع القادمين إلى تونس هو «رفض الاحتكام إلى السلاح لحل الخلافات في الساحة الفلسطينية، واللجوء إلى الحوار بين الإخوة»، ويذكرهم بجريمة الانشقاق في طرابلس «التي تركت فينا جروحاً لا تندمل»، أما المبدأ الثاني الذي شرعه في هذا المجال، فهو «حرية كل كادر قيادي أو قاعدي عسكري أو سياسي في تغيير موقعه التنظيمي»، وإذا كان الخلاف يتناول كوادر عدة ولها قواعد على الأرض، فلا يجب الدخول في صراع مع الفصيل الأساسي، بل الساحة تتسع للجميع ويمكن أن يعملوا ويناضلوا في الساحة ولكن تحت مسمى جديد، ورغم استخدام المنشقين عن فتح للسلاح في طرابلس، فقد كان شرطة الوحيد أن يعملوا تحت مسمى غير « فتح»، وعند ذلك تجد هذه الفئة الضالة وضعاً لها، « فنحن لا نغق الباب في وجه أحد حتى من أطلق علينا الرصاص». 

إن هذا الاصطفاف والاستقطاب من حول قيادة أبو عمار قد أسقط أوهام الفرحين بإبعاده عن ساحة الصراع الأساسية، إنه الآن موجود في ممر الماراثون عبر هذه الكوادر والقيادات التي تركت فصائلها والتحقت بقيادته في تونس، ومن المفارقات أن عناصر وكوادر فتح التي أغلق النظام السوري مراكزها وإدارتها ولاحقها وزج العديد منها في سجونه ومعتقلاته، قد لقيت من الكوادر والقيادات الفصائلية التي انتقلت إلى تونس كل التسهيلات لتتحرك بحرية بين لبنان وسوريا وتلتحق بقوات فتح في جنوب لبنان بأوراق رسمية من فصائل يرضى عنها الأسد، وإن أحد قادة فتح العسكريين ونظراً لصموده في مواجهة المنشقين ومن يدعمهم في طرابلس قد تم إلقاء القبض عليه وبقي سجيناً (22) عاماً، وهو اللواء أبو طعان. 

ولكن رغم كل هذه المعاناة والملاحقة فإن أبو عمار وحركته فتح، ظل في الموقع الأقوى قيادياً وقاعدياً، وكان عليه أن يدعو المجلس الوطني لعقد دورته العادية، لتجديد الشرعية بعد سنتين من المؤامرات والمعارك لإسقاط قيادته وما تمثل من استقلالية وطنية غير خاضعة ولا تابعة لأي نظام عربي، خاصة وأن اللجنة التنفيذية قد فقدت نصابها بفرض الإقامة الجبرية على النشاشيبي في دمشق وسحب جواز سفره لمنعه من السفر. ولا بد لحل هذا المأزق من عقد المجلس الوطني الفلسطيني وإلا فقدت القيادة شرعيتها، ولا بد من ضمان حضور ثلثي أعضاء المجلس الوطني حتى تكون دورته شرعيه، وبدأ أبو عمار عمله الشاق لضمان حضور الثلثين لدورة المجلس، وفي هذا المجال فإنه شخصياً يمسك بالورقة والقلم وفي دفتره الصغير الذي يحتفظ به في جيبه يكتب كل الملاحظات والأسماء، ولم يترك عضواً في المجلس الوطني في أقصى أقاصي الأرض إلا واتصل به ودعاه لحضور جلسة المجلس الوطني لحماية القضية والشرعية والقرار المستقل، «والقضية أمانة في أعناقكم»، إلا أن المؤامرات على الشرعية وعلى قيادته تمتد فصولاً، وهو الآن يواجه بمشكلة جديدة أين يعقد المجلس الوطني دورته الجديدة ؟ سوريا تدخلت لعدم عقد المجلس في مكانة المعتاد العاصمة الجزائرية، ورد ياسر عرفات بغضب على هذا التحدي وقال: «يجب عقد المجلس الوطني ولو على ظهر سفينة في البحر»، إن معركة الشرعية هي معركة حياته وثورته وتاريخه الطويل وعناده الذي لا يعرف حدوداً على ما يؤمن به ويعتقد بصحته، لقد عاش حياته الحافلة في كل فصول المأساة الفلسطينية، وليس لديه أدنى استعداد لتقديم أي تنازل فيما يتعلق باستقلاليته، إنه المحارب من أجل فلسطين مدى حياته، وهو في هذا الموقع النضالي والأخلاقي والقومي، ليس مستعداً أن ينحني لأي مصلحة غير مصلحة وطنه، ولا تعنيه في قليل أو كثير الاتهامات عن يمينه وعن يساره، «فلتذهب الدمى وأحجار الشطرنج إلى الجحيم»، ويتساءل إذا رفضت الجزائر بضغط الأسد عقد المجلس الوطني، فليس معنى ذلك أن نقف نتفرج على الكارثة، بل لا بد من طرق كل الأبواب العربية من أجل عقد المجلس الوطني وفي أقرب وقت، وفي السياسة لا عداوات ولا صداقات دائمة، هناك مصالح تتغير وتغير المواقف، ويضع نصب عينيه عقد دورة المجلس الوطني في عمان وليس في غيرها، مادامت الجزائر اعتذرت عن عقد المجلس في عاصمتها. 

 بين عام 1970 و1984 أربعة عشر عاماً، نعم هناك متغيرات يجب الاستفادة منها، هناك النهوض الوطني في الأراضي المحتلة والمتناغم مع مبادراته السياسية وصلابة موقفه مدافعاً عن الشرعية والقرار الوطني المستقل.

الشخصية الوطنية الفلسطينية نضجت وتعرفت أكثر فأكثر على ما يمكن تحقيقه من أهدافها الوطنية الواقعية والممكنة، وهذه الأهداف يعبر عنها أبو عمار بقوة وجدارة ومسؤولية، وأما الآخرون الذين يتآمرون عليه، فهم يخدمون سياسات إقليمية ضيقة أضاعت فلسطين .

 في عام 1984 كان الملك حسين يتطلع إلى لعب دور في مجال التسوية واعتبر موافقته على عقد دورة المجلس الوطني في عمان مساهمة منه لتعزيز الاتجاه المعتدل في القيادة الفلسطينية الذي يمثله أبو عمار في مواجهة الاتجاهات المتطرفة، التي لا زالت تطرح منذ أيلول 1970 إسقاط النظام الهاشمي كهدف من أهدافها على طريق تحرير فلسطين. وبالطبع كان أبو عمار وحركة فتح قد أقلع منذ زمن بعيد عن رفع شعارات مجانية كهذا الشعار، ومرت العلاقات الأردنية- الفلسطينية بفترة طويلة من الجمود وعدم الاحتكاك سلباً أو إيجاباً، وهكذا وجد أبو عمار الظروف مواتية للطلب من الملك حسين عقد المجلس الوطني في عمان، ورحب الملك حسين بهذا الطلب، وتم الاتفاق على عقد المجلس في عمان يوم 22 تشرين ثاني 1984، وتدفق أعضاء المجلس الوطني إلى عمان غير عابئين بتهديدات المنشقين وغياب قادة فصائل أساسية عن دورة المجلس، ولكن الصدمة والخيبة كانت من نصيب دعاة المقاطعة، الذين كانوا يراهنون أن أبو عمار لن يستطيع تأمين الثلثين، وسبب هذه الصدمة والخيبة أن النصاب قد اكتمل، والأهم من ذلك أن أبو عمار تلقى ورقة مكتوبة وموقعة من عدد من أعضاء المجلس الوطني الذي يمثلون الشعبية والديمقراطية يقولون فيها أنهم يجلسون خارج قاعة المجلس، وإذا لم يتوفر النصاب فهم مستعدون للمخاطرة بوضعهم التنظيمي والخروج على قرار قيادتهم بالمقاطعة ودخول القاعة لإكمال النصاب، حفاظاً على الشرعية الوطنية التي يقفون بجانبها.

 وقال أبو عمار في حينه تعليقاً على هذا الموقف الوطني الشجاع من كوادر مسئولة في التنظيمات الفلسطينية: «لقد خرج شعبنا من دائرة الوصاية، والانتماء الوطني أكبر من أي التزام بالسياسة الخاطئة لهذا الفصيل أو ذاك».


وحين طرح عدد من أعضاء المجلس فصل المنشقين وجماعة أحمد جبريل ومن وقف إلى جانبهم من الفصائل، فوجئ الجميع برحابة صدر أبو عمار حين رفض فصلهم، وأصر على بقائهم أعضاء في المجلس الوطني، حتى وهم يكيلون له الاتهامات من دمشق، ويعملون مرة أخرى على تشكيل ما يسمى «بجبهة الخلاص الوطني» ضد منظمة التحرير وقيادتها الشرعية.

 أتاح انعقاد المجلس الوطني في عمان فرصة تاريخية نادرة  لأبو عمار للعودة إلى ساحة رئيسية وحساسة هي الساحة الأردنية، ومنها تعرف أكثر فأكثر على واقع الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، ومن على شاشة التلفزة الأردنية تابع الشعب الفلسطيني وقائع جلسات المجلس الوطني في عمان، بحيث وقف الجمهور الفلسطيني على قضايا الخلاف داخل المنظمة وعلى الطريقة الديمقراطية التي أدار بها أبو عمار جلسات المجلس، وخاصة ما أبداه من حرص في كلمته ومداخلاته على الوحدة والاستقلالية الوطنية، وأكد فيها رفضه القاطع لفصل أي عضو من المجلس الوطني الفلسطيني، واعتبر هذه الدعوة سابقة خطيرة لا يمكن الموافقة عليها، وأكد في مداخلاته العديدة على حق المعارضة الذي لا خلاف عليه في إبداء وجهة نظرها والدفاع عن مواقفها في بيت الشعب الفلسطيني، وبالوسائل الديمقراطية، والساحة «تتسع للجميع ولن نغلق أبوابنا في وجه أحد».

 كان لهذه المواقف التي أعلنها أبو عمار على الهواء مباشرة فعل السحر في الجمهور الفلسطيني في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها أراضي عام 1948.

وكان مناخ التسويات بعد كامب ديفيد هو المناخ السائد في المنطقة كلها، ولكن العقدة المستعصية على الحلول كانت منظمة التحرير والحقوق الوطنية الفلسطينية، وجاءت كلمة الملك حسين في المجلس الوطني لتدعو المنظمة والمجلس إلى اعتماد نهج الواقعية السياسية، وهذا معناه أن تعترف المنظمة بقرار مجلس الأمن 242 كما ورد في خطاب الملك حسين، إلا أن اهتمام أبو عمار والمجلس كان ينصب في الأساس على ترميم البيت الداخلي بعد عامين من المؤامرات على الشرعية، وهكذا تم انتخاب الشيخ عبد الحميد لرئاسة المجلس الوطني الفلسطيني نظراً لمنع خالد الفاهوم رئيس المجلس السابق من السفر من دمشق إلى عمان، كما انتخب المجلس لجنة تنفيذية جديدة، ورداً على دعوات المنشقين ومن ورائهم في دمشق، قدم أبو عمار استقالته للمجلس، وهنا ظهر واضحاً أن ممثلي الشعب الفلسطيني في المجلس لن يقبلوا بغيره رئيساً للمنظمة وقائداً للشعب، أراد أبو عمار من وراء تقديم استقالته إظهار عمق شعبيته ومدى عزلة القوى المعارضة التي قاطعت المجلس تحت ضغط الأسد، الذي سعى دائماً للسيطرة على القرار الوطني الفلسطيني، وخرج أبو عمار من دورة المجلس في عمان وهو في أقوى حالاته، وعلى رأس لجنة تنفيذية جديدة ولاؤها الكامل لفلسطين والمنظمة، وليس لهذا النظام أو ذاك، وبحكم استضافة تونس للمنظمة فقد تم الإعلان عن أن مقر المنظمة ولجنتها التنفيذية سيكون في تونس، وهذا معناه الخروج من دائرة الضغوط على اختلافها، سواء ضغوط الاحتواء أو ضغوط التسويات السائدة.        

وكعادته دائماً وهو المسكون بالحيوية الفائقة والنشاط الدؤوب ولأن «في الحركة بركة»، «ولأن الأفعال صوتها أقوى، فقد أقام في الأردن عدة هيئات للعمل في الأرض المحتلة، وقسّم الضفة والقطاع إلى عدة أقاليم، وعين لكل إقليم لجنة عمل واستحدث دائرة خاصة للمؤسسات الوطنية، وبالطبع فهذه الهيئات التنظيمية تتولى تقديم الدعم للحركة الجماهيرية وللأطر الحركية، وهذه المرة فصل بين العمل العسكري والجماهيري، رغم أنه لم يهمل يوماً الفعاليات الجماهيرية والمدنية، إلا أن التركيز على تعزيز المؤسسات الوطنية على اختلافها جاء بعد الهبة الجماهيرية لنصرته وهو محاصر في بيروت، وكذلك الغضب الذي اجتاح الأراضي المحتلة ضد الانشقاق ومن يدعمه في طرابلس، وبلا شك فالوقفة التي وقفتها الجماهير والبلديات والجامعات والصحف الوطنية لتدعيم مطلب المنظمة من القمة العربية في الرباط بأن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني جعله يعطي أهمية أكبر للعمل الجماهيري. الحراك الجماهيري الواسع النطاق في الأراضي المحتلة بعد عامي 1982 و 1983 وضع على الطاولة أمام أبو عمار برنامج عمل شامل لتعزيز الصمود الوطني في الأراضي المحتلة، ومختلف القطاعات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والزراعية والإسكان والصحة، وتولى بنفسه القيام بجولات عربية لتوفير الدعم للداخل وأعطى للجامعات والتعليم اهتماماً خاصاً, وأنشئت عدة جامعات في قطاع غزة والضفة والقدس.


 عرفات - حياته كما أرادها للكاتب أحمد عبد الرحمن "الفصل العاشر ج3: تفاصيل تهدئة بيروت واجتماع سرّي لعرفات وأبوجهاد

عرفات - حياته كما أرادها للكاتب أحمد عبد الرحمن "الفصل العاشر ج2" : عندما قال أبو عمار .. وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى

عرفات حياته كما أرادها : متى ولماذا قال أبو عمّار "العرب نائمون" ؟
عرفات-حياته كما أرادها : وبدأ الهجوم على بيروت..هكذا سحب حافظ الأسد قواته -وهذا رد فعل قائد ثورة بساط الريح



"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل السابع - ح2 : قصة "بيان" وتعليق خليل الوزير .. استمرار مؤامرة "الأسد الأب"







"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل الخامس-ح2:مجزرة تل الزعتر ودور نظام "الأسد"-من الذي تواطأ في اجتياح لبنان 82 ؟



"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل الثالث-ح2: قصة سفينة السلاح من "هونيكر" لياسر عرفات وكيف رد له الجميل أبو عمار

التعليقات