ثقافة الديموقراطية

ثقافة الديموقراطية
بقلم / المهندس نهاد الخطيب                                          

              أنا لا أشعر بالإمتنان لأولئك الذين وافقوا على الإنتخابات ، لأنهم مثل الحرامي الذي أعاد المسروقات لصاحبها ، فهي وإن تكن  خطوة في اتجاه الفضيلة، إلا أنها لا يجب أن تُلغي فداحة الجرم المرتكب ابتداءً.

             وعملية الإقتراع ، ليست إلا الجانب الشكلي الإجرائي من الديمقراطية ، فهي –أي عملية الإقتراع- إن لم تستند على أُسس مفاهيمية ، سياسية وفكرية وأخلاقية وقيمية، فإنها لا تعكس أية درجة من درجات الوعي القومي أو النضج الحضاري ، فضلاً عن أنها لن تحقق أياً من أهدافها.

             الانتخابات لا يجب أن تكون موسمية أو عند الحاجة بل يجب أن تكون جزءً أصيلاً من مكونات النظام السياسي ، تعكس حيويته وقدرته على تجديد نفسه ، حتى لا يصل الى حالة التيبس المُفضية الى الموت ، والتحول الى حالة من الدكتاتورية بما تحمله تلك الحالة من الشرور والأثام.

             الأحزاب الإسلاموية الفلسطينية تنظر للديمقراطية ليس كنهج حياة بل هو انتخابات المرة الواحدة ، التي توصلهم الى كراسي الحكم ومن ثم تصبح من المحرمات ،أو المحظورات ، فمن وجهة نظرهم لا يجب اخضاع حكم الله ، الذي يمثلونه بالطبع ، لإجتهادات ورغبات البشر، إن الأحزاب الاسلاموية الفلسطينية  تعتبر مقبرة للعقول، لأنه إذا كان الخيار بين تشغيل العقول والإلتزام الحزبي ، فإن الأخير هو المفضل ، رغم أنه بتشغيل العقول فقط يمكننا التقدم ، بعد ايجاد الحلول المناسبة لمشاكل واقعنا.

              وعند الحديث عن ممارسات الاسلامويون في التحشيد والتجنيد  ، نجدهم يرتكبون خطيئة أخرى كبرى ، وهي الخلط بين العمل الانتخابي السياسي الدنيوي الوضيع والممتلئ بالأكاذيب وبين تعاليم سامية علوية ربانية ، فهم من أجل الانتصار لوجهة نظرهم يدعون الناس الى " الاستجابة الى الله ورسوله" ونحن هنا أمام قباحة فظيعة وهي المتاجرة بالله ودينه في قضايا دنيوية مادية حقيرة ، وهنا أتذكر ما قاله أحد الخلفاء المسلمون لقائده العسكري قبل أن ينطلق بجيشه " لا تقولوا للناس هذا حكم الله ، بل هذا حكمكم" حتى لا يختلط الأمر على الناس إن  اجتهد أحدهم وأخطاً ، فما يحصل اليوم يقع في خانة الفعل المقصود المجرم وليس في خانة الإجتهاد المخطئ البرئ، فلا تشوهوا قيم السماء النبيلة بإلصاقها المصطنع بفعل البشر الوضيع ورقاعتهم السياسية الدنيوية المنحطة.

              إن استغلال حاجة الناس وتزوير إرادتهم مقابل أشياء قليلة القيمة لكسب أصواته ، يدخل قطعاً في باب الكذب والتزوير ،والصحيح أن يترك للناس حق الإختيار ، حتى تعكس النتائج على الأرض فرزاً واضحاً وحقيقاً يقيس التوجهات الشعبية الحقيقة للناس ، ويعطى الأحزاب تغذية مرتدة تفيدهم في تصويب أرائهم وتقويم اتجاهاتهم ليعكسوا الإرادة الشعبية الحقيقة وليس إرادة الدكتاتور المرتزق الذي يملك المال .

              نتمنى أن يعرف شعبنا حقوقه ، وأن يحصن نفسه ضد كل محاولات المتاجرة به وبقضيته  ، وأن يكرس حالة من الوعي تحصنه ضد مغامرات الانتهازيين وتجار الإرادة والدماء   يرحمكم الله