وثائق تاريخية : البلاغات العسكرية العرفاتية للمقاتلين ..

وثائق تاريخية : البلاغات العسكرية العرفاتية للمقاتلين ..
دنيا الوطن – ميسون كحيل

 من ابو عمار إلى الجميع ـ البلاغات العسكرية عنوان الفصل الحادي عشر حيث فضل الكاتب الشاهد أن يعرض مجموعة من الرسائل والخطابات والنداءات التي وجهها ابو عمار إلى كافة المعنيين والغيورين والمناضلين الذين حملوا الأمانة بصدق وقد بدأ برسالة موجهة إلى جماهير الأمة العربية بتاريخ 17 ـ6 ـ1982 عبر فيها عن اعتزازه بالجماهير العربية وهي تقف على عكس انظمتها موقفا نابعا من احساسها ومشاعرها الوطنية لما تتعرض له الثورة الفلسطينية . وأوضح شراسة الهجمة التي تتعرض لها والصمود العظيم للشعبين الفلسطيني واللبناني والبطولات الكبيرة التي سطرها المقاتلين في ساحة المعركة بينما العالم كله عربيا ودوليا كان مشغولا بمتابعة مباريات كأس العالم لكرة القدم آنذاك !!! وفي 22ـ 6ـ1982  وجه نداءا أخر إلى المقاتلين الأشاوس بمناسبة حلول شهر رمضان الفضيل واليوم 19 من القتال وقد اثنى على الدور الذي يقوم به  المقاتلون على أرض بيروت الصامدة ثم وجه نداءا أخر في 29ـ6ـ1982 إلى الجماهير الفلسطينية واللبنانية التي تمكنت من الثبات في مواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية والدعم الأمريكي والتخاذل العربي معا في صورة أكدت ان بيروت حقا عاصمة العواصم وان الشعبين اللبناني والفلسطيني من أعظم شعوب العالم في تلك اللحظات من التاريخ. وفي اليوم السابع والثلاثون للقتال في 10ـ7ـ1982 حيث خاطب الجماهير العربية وأوضح حجم الدمار الذي اصاب بيروت وشعبها والصمود العظيم للمقاتلين الأبطال وحجم الصمت العربي والدولي لما أصاب بيروت معبرا عن غضبه من الموقف العربي والدولي . وفي اليوم التالي أي في 11ـ7ـ1982 وجه نداء خاص للأبطال الصامدون من المقاتلين معربا عن اعتزازه بهم فردا فردا . وفي 1ـ8ـ1982 وجه عرفات مجددا نداء إلى القوات المشتركة وإلى الصامدين الصابرين في بيروت ليشد من أزرهم ويعلن أنهم فخر هذه الأمة الذين يصنعون التاريخ بحروف من دمائهم . وفي 4ـ8ـ1982 وجه نداء إلى المقاتلين ومؤكدا لهم أن لا مفر من الصمود والمثابرة والقتال حتى الشهادة أو النصر .

في تاريخ 29ـ8ـ1982 وقبل يوم واحد من مغادرة ابو عمار لبنان كان هناك خطاب من نوع خاص وفريد وجهه الرجل الذي حمل أمانة هذه الثورة وحافظ عليها  إلى اللبنانيين والبيروتين والقوات المشتركة وكان لا بد من توجيه التقدير والعرفان لكل من عمل وساهم في تلك اللحظات التاريخية للعمل الوطني والجهادي المشترك والذي صنعته سواعد اللبنانيون والفلسطينيون معا وجنبا إلى جنب في خنادق الصمود ليسجل التاريخ بأحرف من نور ملحمة تاريخية سيذكرها القاصي والداني ـ ملحمة بيروت التي صمدت في وجه الغزاة ـ ملحمة الدم والصمود والصبر التي رفعت رؤوس أهل بيروت عاليا وأكدت أن النضال الوطني هو قدر وعنوان لكل الشرفاء الذين أراد لهم الله أن يحملوا أمانة الحق والعدل وان يحافظوا على كرامة الأمة التي ظهرت وكأنها في سبات عظيم. وأكد عرفات في هذا الخطاب أن بيروت كانت وستبقى أكبر من الجميع في اشارة على تحمل المسؤولية وحمل الأمانة وقد كان واضحا من هذا الخطاب أنه خطاب الوداع ولكن إلى لقاء.

 الفصل الحادي عشر: 

من «أبو عمار» إلى الجميع البلاغات العسكرية

يا جماهير أمّتنا العربية

نص رسالة الأخ أبو عمار

بتاريخ 17/6/1982

 يا جماهير أمتنا العربية،

يا جماهير الشعب اللبناني المعطاء البطل،

يا كل جماهير شعبنا الفلسطيني المكافح،

يا كل جماهيرنا الصامدة تحت الاحتلال،

يا كل المقاتلين الأشاوس في ساحة المعركة،

يا كل المجاهدين الأبطال،

             لليوم الرابع عشر والمعركة مع العدو الصهيوني، محتدمة بعنف وقوة يخوضها هذان الشعبان البطلان، اللبناني والفلسطيني، أمام أعتى قوة عسكرية في المنطقة، ضد الجيش الإسرائيلي بكامل زخمه والمدعوم دعماً كاملاً غير محدود من الولايات المتحدة الأمريكية وإدارتها الحالية، والتي تعلن بلا خجل هذا الدعم سياسياً وإعلامياً وديبلوماسياً بجانب دعمها العسكري المطلق لهذه الغزوة التي أعدتها الإدارة الأمريكية وتنفذها العصابة العسكرية الصهيونية المجرمة وسط صمت العالم ومؤامرة أطراف كثيرة معادية، مع أطراف أخرى وسيطة.

             وتأتي خدع ما يسمى بوقف إطلاق النار المتتالية لتكشف المؤامرة بكل أبعادها حيث يحاولون من خلال ذلك، تخدير جموع الجماهير في منطقتنا، والأحرار والشرفاء في العالم، ولكن ليعرف العالم أجمع، وهو في حالة صمته أو اندهاشه أن هؤلاء المجاهدين الأبطال الذين عرفوا كيف يواجهون هذا العدو بجيشه الإسرائيلي الأمريكي الهوية، سيظلون أوفياء للمبادئ التي انطلقوا من أجلها، أوفياء لمستقبل أطفال أمتهم العربية، من أجل بلوغ الغد المشرق، الذي تنبت أزاهيره من خلال أتون ولهيب المعارك التي يخوضها هؤلاء الرجال المجاهدون، يصنعون منها أساطير بل تصنع الأساطير منها، ويصنعون منها ملاحم بل تنبت الملاحم فيها.

             يا أخوتي، يا أهلي، يا كل طفل في هذا الشعب اللبناني البطل، يا كل امرأة في هذا الشعب اللبناني المجاهد، يا جماهير شعبنا الفلسطيني المناضل بكل قواه وفئاته، يا جماهير أمتنا يا أحرار العالم.. بيروت أول عاصمة لدولة عربية يدق أبوابها الغزاة الصهاينة.

            ولكني أقول باسم هؤلاء المقاتلين، وباسم جميع الأحرار والشرفاء باسم الجماهير العربية، أن الدماء التي نزفت والتضحيات التي قدمت والشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن الحمى لن تذهب هدراً، بل ستصنع التحول العربي القادم حتماً وستصنع الفجر العربي الجديد لا محالة، رغم تقاعس البعض، وتردد البعض الآخر الذي يجعل قرار أمتنا مشلولا، ومن حقي أن أتساءل لماذا التردد والتقاعس أمام هذه الإمكانات الهائلة التي تختزنها أمتنا سواء البشرية منها، أو الاقتصادية، أو العسكرية، أو المادية.

            ولكن يا أخوتي يا أحبتي، يا كل أهلي و يا جماهير أمتي، قدر اللبنانيين والفلسطينيين قدر أطفالنا، أطفال فلسطين ولبنان، أن ندفع ضريبة الدم عن هذه الأمة العربية كلها، منذ أربعة عشر يوماً، والقتال الأسطوري والرائع أشرف معارك العرب في العصر الحديث يحفر في صفحات التاريخ بأحرف من نار ونور، ليظل شاهداً ومنذراً وبشيراً للفجر الجديد، للنصر الأكيد، فحيّ على الجهاد، حيّ على الفلاح، حيّ على المجد حيّ على النصر. 

            يا أيها المقاتلون الأشاوس يا صناع التاريخ، لأمتكم في هذا الزمن الرديء - بوركتم وبوركت سواعدكم.

             بوركتم حيث أنتم، تقاتلون في صور، وصيدا، والناعمة، والجبل، والبقاع، والنبطية، وعين الحلوة، والدامور، وخلدة، وسوق الغرب، وعالية، ورغم ما يدعيه العدو ويتشدق به فإنكم تفاجئون العالم أجمع بأساطيركم وملاحمكم التي ترغم العدو على الاعتراف بها، هذه البطولات التي فاقت تصوراتهم المزيفة التي هيأت لهم أنهم يستطيعون القضاء على ثورتكم وضرب الشعبين اللبناني والفلسطيني وإذلالهما.

            ولكنني أقول كلمة التاريخ، كلمة المستقبل، أيها المجد اركع أمام عظمة هذه الحفنة الصابرة المؤمنة المجاهدة "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله"

            لقد ولى وكما اعترف جنرالات إسرائيل زمن الحروب الخاطفة التي اعتادها الجيش الإسرائيلي، وإني أتحدى هؤلاء الجنرالات أن يعلنوا حقيقة خسائرهم فهل يجرؤون وهل يستطيعون؟ لقد اعترفوا أنها أكبر من مجموع خسائرهم في كل حروبهم السابقة، وما زالت المعركة على أشدها وما زالت معركة بيروت مقبرة الغزاة في بدايتها وإننا لها، لتكون كربلاء العصر صموداً وستالينغراد العرب.

            إن هذا الشعب الصامد، المثابر المكافح، لها، وهو يصنع في هذه اللحظات العصيبة ولكنها المجيدة أيضاً تاريخ هذه الأمة الجديد ومستقبل أطفالها حتى يعيشوا بعزة وكرامة، مرفوعة رؤوسهم.

            هل يعتقد الغزاة وأسيادهم الأمبرياليون الأمريكيون أنهم قادرون على النيل من إرادة هذا الشعب اللبناني، وهذه الجماهير الفلسطينية؟

             لا.. وألف لا، لأنها إرادة كل جماهير أمتنا العربية، إرادة الأحرار والشرفاء في العالم، لأنها الحقيقة الساطعة في هذه المنطقة، لأنها ضمير هذه الجموع الشعبية، لأنها إرادة الحق والحقيقية وهي إرادة الله وهي حتماً المنتصرة وهي صاحبة القرار في مخاطبة التاريخ.  فطوبى لهم، طوبى لهذه الأجيال صانعة التاريخ المشرق لأمتنا العربية، فالنصر آت، آت، آت، سنقاتل حتى النصر «ولينصرن الله من ينصره » «وما النصر إلا من عند الله».. وإنها لثورة حتى النصر.

 نداء المقاتلين 

نص رسالة الأخ أبو عمار إلى المقاتلين

بتاريخ 22/6/1982

            إخواني .. أحبائي .. يا رفاق السلاح، أيها المجاهدون في قواتنا المشتركة.

يا جماهير شعبنا اللبناني الفلسطيني الصامدة الباسلة.

            في أول يوم من أيام الشهر المبارك «شهر رمضان» الذي أُنزل فيه القرآن أتوجه إليكم ونحن في اليوم 19 من القتال، نواجه بكل الإيمان، وبكل الثبات، وبكل الصلابة، هذا الغزو الإسرائيلي-الأمريكي، ضمن المؤامرة الكبرى التي حاكتها الإدارة الأمريكية ضد شعبنا وجماهيرنا وأمتنا العربية لتطويع المنطقة وفرض هيمنتها الكاملة عليها.

             واستطعتم يا إخوتي و يا رفاق الدرب الطويل والصعب أن تقلبوا وعبر هذه البسالة المجيدة، والمواجهات القتالية الرائعة، كثيراً من النظريات العسكرية وتثبتوا للعالم أجمع أن هذا الجيش الإسرائيلي المدجج بأحدث الأسلحة الأمريكية وأقواها لا يستطيع برغم زخم عدده وعدته، أن يتغلب عليكم، أو أن يسلب منكم إرادتكم الصلبة، ويزعزع إيمانكم العظيم، وتقضون يا إخوتي في خنادقكم في بيروت الصامدة المجاهدة وفي مواقعكم في الجنوب والبقاع، وهنالك حيث أنتم بشموخكم أمام وخلف خطوط النار، ثابتون بكل صلابة في مواقعكم، تدافعون ليس عن أنفسكم، ولكنكم في هذا الرباط الصلب تدافعون عما تبقى لأمتكم العربية من كرامة، وشرف، وما يعتمل في نفوس الأجيال العربية من طموحات الإبداع الثورية العظيمة. 

             يا إخوتي.. يا جماهير شعبنا، يا جماهير أمتنا العربية، لقد آلت هذه الحفنة المؤمنة المجاهدة على نفسها، أن تكون الوقود الذي تنطلق منه كرامة الأجيال القادمة، كمنارة للجهاد الثابت والمقاومة، هذه الحفنة المجاهدة ضمت فتية (آمنوا بربهم وزدناهم هدى)، إن هذا الجهاد الذي نجاهده يا إخوتي و يا أحبتي طريقنا إلى النصر وهو طريق المجد طريق الغد المشرق، وليعلم أطفال بلادي وأطفال أمتنا العربية أن هذا الجهاد هو لهم ومن أجلهم، وفي سبيلهم ومن أجل مستقبلهم، ليعيشوا أحراراً مرفوعي الرؤوس أعزة جباههم، بعيداً عن هذا المستنقع الآسن في هذا الزمن العربي الرديء، وإنني أتوجه يا إخوتي الأبطال الأبطال في القوات المشتركة، وأمل، والقوات السورية الذي يقاتلون الآن جنباً إلى جنب مع إخوانهم المجاهدين الذين يلقنون هذا العدو الصهيوني دروساً في المواجهة في مناقع الدم، وأثبتوا لأمتهم العربية ولجماهيرنا ولجميع الأحرار والشرفاء في العالم، صدق المسيرة وأصالتها وصلابة عودها، وأتوجه إلى الثوار في الثورة الفلسطينية الذين أثبتوا أنهم الرقم الصعب في المعارك، وخاصة بعد أن خاضوا هذه المواجهات والمعارك بكل شراستها وما صاحبها في الأتون المتفجر الملتهب.

            أتوجه إليكم بالتحية في هذا الشهر الكريم شهر بدر شهر الانتصارات المجيدة، فليبارك الله هذه السواعد الفتية المؤمنة التي تصنع المجد وتصنع الملاحم، وطوبى للمجاهدين الصامدين طوبى لكم يا إخوتي و يا أحبتي في خنادقكم تدحرون المؤامرة وتذودون عن الحمى، وتكتبون التاريخ المعاصر لأمتكم، وتخطّون من صفحات المجد مشاعل وفتوحات، وإنني لأستذكر قول الله سبحانه «ولينصرنّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز» «إن ينصركم الله فلا غالب لكم» صدق الله العظيم.
 

يا جماهيرنا اللبنانية والفلسطينية

 نص رسالة الأخ أبو عمار إلى المقاتلين والجماهير اللبنانية والفلسطينية

بتاريخ 29/6/1982

 

«ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين»

صدق الله العظيم 

            يا أهلنا الأبطال الصامدين يا جماهيرنا اللبنانية الفلسطينية يا رفاقي في السلاح والخندق أيها المجاهدون المرابطون لليوم الخامس والعشرين على التوالي والمعركة مستمرة بيننا وبين هذا العدو الصهيوني في الجنوب والجبل والبقاع، وهنا في بيروت يحاول هذا العدو تضييق الخناق علينا بحصار عسكري وحصار نفسي ولكن هذا ما كان إلا ليزيد في عضدنا ويقوي عزيمتنا ويشد في أزرنا لأنّكم تثبتون من خلال هذا الصمود الرائع وهذه المعارك والملاحم أنّكم أصلب عوداً وأشدّ بأساً من كل طائراته وكل بحريته وكل دباباته ومدافعه وصواريخه وحتى محاولاته الفاشلة التي يقوم بها بإيفاد هذه السيارات الملغومة يحاول أن يروع بها المدنيين الآمنين في بيروت وعبثاً يحاول.  لقد تمكنت هذه الحفنة المؤمنة بربها وعروبتها من الثبات في مواجهة هذا الجيش الإسرائيلي الأمريكي وآلته الحربية الأمريكية التي ظن بها ومن خلالها أنه سينهي المهمة الموكلة إليه من السيادة الأمريكية في أيام حسبها أنها لن تتعدى خمسة أو ستة أيام، فإذا بها تدخل اليوم الخامس والعشرين والمعركة سجال.  وما ظنه نزهة يقوم بها جيشه وآلته الحربية ارتدت إلى أعماقه، لقد تعاهدنا يا إخوتنا الأحباء لقد أقسمنا -يا رفاق الدرب- أن نستمر في الدفاع عن لبنان الأشم ووحدته واستقلاله الوطني وتطهير أرضه من نجس الاحتلال وأن نستمر في الثورة حتى النصر حتى فلسطين حتى القدس عاصمة دولتنا المستقلة، حيث سترفع سواعدكم المباركة علم ثورتنا وأمتنا العربية ثانية خفاقاً فوق روابيها بعونه تعالى.

             بسم الله الرحمن الرحيم «فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علو تتبيراً» صدق الله العظيم

            أيها الرجال في القوات المشتركة إنكم قوة الحق في عالم اليوم وإنكم كذلك لأنّكم تخوضون حرباً عادلة فرضها عليكم العدو الفاشي المحتل فرضاً وتصمدون بإعجاب ثوري أمامها.

            يدعون بأنهم يملكون أكبر قوة في الأرض ونحن هنا نقول لهم ولأسيادهم في أمريكا إن أضعف قوة في الأرض هي قوة البغي والعدوان والظلم، فالمجد كل المجد لسواعدكم حاملة سلاح العدل والحق، حق أمتنا العربية حق الشعب الفلسطيني المقدس في تقرير مصيره وفي إقامة دولته وحق الشعب اللبناني البطل في مواجهة العدوان والغزو الصهيوني الفاشل الغادر لأرضه ووطنه.

            أيها الأخوة المقاتلون يا أبطالنا الأشاوس يا جماهيرنا المناضلة الصامدة، من الطبيعي أن يجري العمل السياسي متسارعاً مع سخونة المواجهات العسكرية وهذه الملاحم البطولية بدأت تترك آثارها على محيطنا العربي وعلى الصعيد الدولي الشقيق والحليف والصديق وحتى العدو وفي هذه الأوقات ينطلق أعداؤنا بكل آلياتهم الإعلامية الإسرائيلية والأمريكية الضخمة ينشرون الأكاذيب كعادتهم ويفبركون القصص السخيفة للتأثير على نفسية جماهيرنا الصامدة البطلة ولكنني أقول لهم باسم هذه الجماهير أن ما عجزوا عن تحقيقه عسكرياً لن يحصلوا عليه إعلامياً أو باي وسيلة أخرى.  هذه الثورة وجدت لتبقى ووجدت لتنتصر.

«إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم» «وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم» صدق الله العظيم.

اليوم السابع والثلاثون

نداء.. نداء.. نداء

نص رسالة الأخ أبو عمار إلى الجماهير العربية

بتاريخ 10/7/1982 

بسم الله الرحمن الرحيم

«قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم، ويشفِ صدور قوم مؤمنين» صدق الله العظيم

يا جماهير أمتنا العربية،

يا جماهير الشعب اللبناني البطل

يا جماهير شعبنا الفلسطيني المكافح. 

            لليوم السابع والثلاثين، وللأسبوع السادس، والحرب مستمرة بين الصامدين الأبطال وبين قوات الغزو الصهيوني الأمريكي. لليوم السابع والثلاثين، وللأسبوع السادس والحصار العسكري والسياسي والمعيشي وحتى النفسي مستمر حول بيروت الباسلة، يظنون بهذا أن بمقدورهم ضرب إرادة الصمود والثورة في جماهيرنا الباسلة الشجاعة ولكن عبثاً يحاولون.

             لليوم السابع والثلاثين، وللأسبوع السادس، والأبطال الأبطال يقاومون الغزو والاحتلال بإرادة لا تفل وعزيمة لا تلين، ويعيشون الملاحم ويكتبون التاريخ بأحرف من نور ونار، خالدة على صفحات التاريخ، وسط هذا المستنقع الآسن العاجز المسترخي والذي يلف المنطقة. 

            لليوم السابع والثلاثين، والصمت العربي يلف المنطقة كأنما ذهبت الأمة في سبات عميق بعيداً في متاهات الأحلام السعيدة، أو كأنما الخدر أصابها فهي لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم حكمة أو جهالة أو تملقاً أو كأن العقم أصابها فهي لا ترغب في المزيد من الحياة. 

            هذه التساؤلات مطروحة بقوة هنا في بيروت، وفي خنادق الجهاد والشرف، في صفوف هذه الحفنة المؤمنة الصابرة المرابطة الصامدة، التي تتعانق مع جلد وصمود أهلنا في أرضنا المحتلة معاناة وصبراً ومثابرة.

            أليس من حقها أن تتساءل، وهي تقف في هذا الممر، تدافع باسم أمتنا العربية فيه، حتى لا تسقط فتسقط الأمة كلها في وأدة القهر والهوان والمذلة، فإلى متى يا جماهير أمتنا العربية إلى متى؟

            إن من حق هذه الجماهير أن تتساءل اليوم، وأن تحاسب غداً، وأن تعاقب بعد غد.  ونحن هنا في بيروت الصامدة الأبية التي ترفض الركوع، وترفض الاستسلام، ولكنها تقاتل كأروع ما يكون القتال، وتجاهد كأشرف ما يكون الجهاد، وتدفع الثمن وتقدم الأضاحي ليبقى الرأس عالياً مرفوعاً، فوق هامة الزمن، وليبقى لهذه الأمة شرفها وعزتها وكرامتها. 

            يا جماهير أمتنا العربية، 

            هل تعرفون أن بيروت تحترق، يحرقها الصهاينة وجيشهم الفاشي المرتزق، بأوامر السادة في واشنطن.

            فيا ذرى النجوم سجلي للعمالقة الوحيدين الكبار، في لبنان المقاوم، في بيروت الصامدة، وإن كنا هذه الأيام نسجل أسطورة الصمود في بيروت، فلقد روينا أرض الجنوب بالدماء وزرعنا كل شبر من أرض لبنان بالجرحى والشهداء، وإننا هنا يا جماهيرنا العربية، صامدون لتحيا أمتنا العربية، ولتتجلى المبادئ كأروع ما تكون أصالة وبهاء ولتتبلور الإرادات كأقوى وأصلب ما تكون عنفواناً وثوريةً وإيماناً واقتداراً.

            فما تشهده الأيام، هو محاولة لمتابعة المسرحية المتعددة الجوانب والفصول، يقودها ويخرجها المبعوث الأمريكي، ويتدخل سيد المسرح في واشنطن ليعدل لها نصاً هنا، أو حركة هنالك أو غلطة مفتعلة.

            أليس هذا هو العار بعينه يا جماهير أمتي؟

            أليس هو القهر والذل والهوان يا أبناء هذه الأمة، أين الأسماء الكثيرة، الصغيرة، أين الألقاب الفضفاضة؟

             في ساحة الحقيقة تجلت الحقائق وانكشف الستر، وانشقت الحجب. 

            فلم يبقَ في الملعب المطعون طاعنه.. ولا تبقّى بواد المجد إلانا. 

            ولكن ما كتب التاريخ على مداه إلا على مشاعل الجهاد، وما سطرت ألواح إلا على نزف الدماء، ما اخترقت الحجب إلا مواكب الشهداء وما عانق المجد إلا الفتية المؤمنون بربهم وقضيتهم وما كان درس الجهاد إلا الطريق والشهادة أشرف قواعدها وأسسها.

             هنا كانت وما زالت أسطورة الثورة أمام جحيم الآلة الفاشية العسكرية بكل ما أنتجته ترسانتها من أسلحة الدمار والفتك، هنا وقف داود القوات المشتركة يقارع جالوت الأميركي، مستخدماً مقلاعه البسيط حقاً في مواجهة الآلة الجهنمية الحديثة.

            ألا بوركت سواعد أبطالنا، ألا بوركت هامات المجاهدين بإرادتهم الحديدية، ألا بوركت نساء بيروت البطلة المحاصرة، ألا بوركت زهرات وأشبال الجهاد والصمود والتصدي الحقيقي لا مجازاً ولا عنواناً إعلاماً.

            يا صناع المجد، يا كتبة التاريخ، يا حفظة العهد.

            المجد المجد يا ثورتنا،

            المجد المجد يا ثوارنا يا مقاتلينا الأبطال.

            وطوبى لمن يعيش الجهاد والحق في الرباط المقدس وفي الموقع الثوري.            

            يصنع أعجوبة الفداء، ويستسقي الملاحم دماء لثورة أرضنا المخضبة وتنتشر عليها أزاهير الكرامة والعزة والسؤدد لأطفالنا لمستقبلهم لأرضنا وسيادتنا عليها، نقاتل ونجاهد ونستشهد لتحيا هذه الأمة ولينفتح المستقبل بكل العزة والكبرياء لهذه البراعم ولمستقبلها ولحياتها المقبلة.

             إذا الشعب يوماً أراد الحياة      فلا بد أن يستجيـــب القدر

            ولا بـــــدّ لليـــــــــل أن ينجلـــــي          ولا بــدّ للقيــــد أن ينكســـــر

            ومن لا يحبّ صعـــود الجبال  يعِش أبد الدهر بين الحفر

            ومن لم يعانقه شوق الحيـــاة    تبخّـــر في جوهــــــا واندثــــر

 

            وإنها لثورة حتى النصر

 نداء المقاتلين

نص رسالة الأخ أبو عمار إلى المقاتلين

بتاريخ 11/7/1982

            بكل المحبة والإعجاب أشدُّ على أيديكم وأصافحكم فرداً فرداً بعد هذه المعركة الرائعة والملحمة البطولية التي خضتموها اليوم بأسلحتكم المتواضعة ولكنها الكبيرة والقوية بإيمانكم وعزيمتكم وثباتكم وإصراركم على مواجهة هذه الآلة العسكرية الأمريكية الرهيبة، إنكم تخوضون هذه الملاحم دفاعاً عن أمتكم العربية كلها.

            يا أخوتي يا رفاق السلاح في القوات المشتركة يا من تدافعون عن هذه القضية العادلة المقدسة ما حدث اليوم كان معجزة من معجزات صمودكم وثباتكم في هذا الرباط المتقدم، وأما أنتم يا أخوتي أهل بيروت الأبية المؤمنة فتحية إكبار واعتزاز من الأعماق لكم جميعاً، لكل طفل، وامرأة، ورجل، في بيروت الصامدة البطلة «إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم». 

            ومعاً وسوياً على طريق الثورة الفلسطينية

            وإنها لثورة حتى النصر


نداء إلى المشتركة

نص رسالة الأخ أبو عمار إلى القوات المشتركة وإلى الصامدين في بيروت

 1/8/1982  

بسم الله الرحمن الرحيم

«وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم» صدق الله العظيم 

            يا أخوتي  وأحبتي أبطال القوات المشتركة يا رفاق السلاح الصامدين في القوات المشتركة، يا أهلنا في بيروت الشجاعة المحاصرة، لقد خضتم هذه المعركة المشرفة بهذه البطولة الفريدة من نوعها الفئة القليلة تصدت لأكبر آلة عسكرية إسرائيلية أمريكية «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله» صدق الله العظيم.  الفئة القليلة المؤمنة تتصدى لهذا الهجوم الوحشي لأكثر من ثلاث فرق عسكرية اندفعت إلى بيروت على عدة محاور تساندها البحرية الإسرائيلية والطيران الإسرائيلي والمدفعية والصواريخ الإسرائيلية، فقد ظنت أنها بهذه الاندفاعة العسكرية الجيدة التخطيط والمدعومة بهذا الدعم الكبير، يمكنها أن تفرض إرادتها ومخططها.  فإذا بهذه الفئة المؤمنة القليلة العدد والعتاد الكبيرة الإيمان والإرادة أثبتت أصالتها وأثبتت شجاعتها وأثبتت قدرتها على المواجهة المذهلة في ظل هذه الظروف العسكرية  البالغة التعقيد وإذا بهذا الشعب يصمد كأروع ما يكون الصمود، ويتحمل كأروع ما يكون التحمل هذا العدوان الوحشي.  إلى كل طفل في بيروت الصامدة إلى كل امرأة في بيروت الشجاعة إلى كل الصامدين اللبنانيين والفلسطينيين في بيروت المحاصرة تحية إكبار وتحية التقدير وتحية محبة  وتحية عرفان بالجميل إلى كل أهلنا الذين لصمودهم وإيمانهم أكبر الأثر في هذا الثبات وهذا التصدي وأن أمتنا العربية ستظل مدينة لها بهذا الموقف المثابر الصامد الشجاع.  فهكذا تسطر كل الشعوب صفحات تاريخها وتحية إكبار واعتزاز إلى الأبطال، الأبطال في القوات المشتركة تحية صادرة من القلب إلى قلوبكم التي يعمّرهما الإيمان والإرادة، فتصدت وتحدت وصمدت وقاتلت وجاهدت خير جهاد وأشرف الجهاد وأنبل الجهاد. «كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم» صدق الله العظيم.

            أشدُّ على أياديكم فرداً فرداً مناضلاً مناضلاً وبوركت سواعدكم على الزناد وأياديكم تحمل السلاح والإرادة، المجد كل المجد لكل الشهداء الأبرار «إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم» صدق الله العظيم

 

            وإنها لثورة حتى النصر

نداء إلى المقاتلين 

نص الكلمة التي وجهها الأخ أبو عمار إلى مقاتلي القوات المشتركة بتاريخ 4/8/1982  

            الآن حصحص الحق، وليس لكم والله إلا الصبر والمثابرة والقتال والقتال حتى النصر، فحيّ على الجهاد لكل قادر، حيّ على الجهاد لكل مناضل في القوات المشتركة، لقد أرادوها ونحن لها بإيماننا بصلابتنا. 

            إن جميع أفئدة إخوانكم في جماهير أمتكم العربية معكم، وتنظر إليكم نظرة الأمل والرجاء وأنتم تدافعون بأسلحتكم البسيطة أمام أحدث آلة للحرب الأمريكية الإسرائيلية عما تبقى من شرف هذه الأمة وكرامتها وعزتها.

             من سيسقط منا فقد اختار إحدى الحسنيين، ومن سيحيا أبقاه الله لإحدى الحسنيين، نصر أو شهادة وهما مفتاح النصر، «أذن الله للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله» صدق الله العظيم 

            فإلى الملاحم إلى الملاحم إلى النصر إلى النصر يا صناع التاريخ «ولينصرنّ الله من ينصره» صدق الله العظيم

            وإنها لثورة حتى النصر.


هذا الرباط المتقدّم

نص رسالة الأخ أبو عمار إلى المقاتلين في بيروت

بتاريخ 4/8/1982

            وهكذا أرادها العدو وخلفه أمريكا، معركة بدأها عملياً منذ غارة الأحد المجنون، التي بدأ فيها وسيطر على المطار تحت غطاء جوي عنيف، ثم تابعها اليوم بالتقدم على جميع المحاور المطبقة على العاصمة من جميع الجهات وذلك تحت إسناد مدفعي بري وبحري، والمعارك مستمرة.

             إننا في هذه المعارك نمثل شرف وكرامة الإنسان العربي المقاتل، الذي يقف في هذه القوات المشتركة ليس مدافعاً عن نفسه فقط، وإنما مدافعاً عن كل أمتنا من المحيط إلى الخليج، دفاعاً عن كرامتها وذوداً عن حياضها وحتى يقال أن هنالك في هذه الأمة من هم على استعداد للموت والشهادة دفاعاً عن الأمة.

            في هذا الرباط المتقدم المحاصر منذ أكثر من شهرين، وأنتم تخوضون معاركه العنيفة، بين قوى غير متكافئة، لا تسليحاً ولا عدداً ولا عدة، قوى تمثلها هذه الحفنة المجاهدة المؤمنة ليس معها سوى الله وساعدها، وقوى معها جبروت البطش وآلة الحرب الأمريكية الحديثة المتفوقة في جميع الميادين، إنها معركة الحق معركة العدالة معركة الإيمان معركة الجهاد فطوبى لكل المجاهدين المرابطين طوبى لكل الأبطال والشجعان، طوبى لكل الصناديد وعهداً وقسماً أن نستمر في الدرب حتى تحقيق الانتصار.

            وإنها لثورة حتى النصر.
 
أبو عمار يودّع لبنان

 نص رسالة الأخ أبو عمار إلى اللبنانيين والبيروتيين والقوات المشتركة

بتاريخ 29/8/1982

«بسم الله الرحمن الرحيم»  

«والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزق كريم» صدق الله العظيم.

يا أهلي وأحبتي في لبنان العربي الأشم،

يا أهلي وأحبتي في بيروت الباسلة – بيروت المجد،

يا أعز الأخوة و يا أغلى الأشقاء و يا أكرم الأحبة،

يا إخواني أبطال القوات المشتركة،

             إليكم جميعاً أطفالاً، طفلاً طفلاً، نساء، امرأة امرأة، رجالاً، رجلاً رجلاً، أتوجه في هذه اللحظات التاريخية من عمر جهادنا البطولي المشترك الذي صنعناه معاً وجنباً إلى جنب في خنادق الجهاد ومتاريس النضال، صنعناه بدمائنا وبتضحياتنا بآلامنا وبعذاباتنا، بتصميمنا، بإيماننا بإرادتنا، لنكتب معاً هذه الصفحات المشرقة بأحرف من نور ونار ليسجل التاريخ هذه الملحمة من جهاد أمتنا العربية، ملحمة بيروت كأروع ما يكون الجهاد والشموخ والعطاء والإيمان، أصالة وقوة ورسوخاً.

             لقد وقف التاريخ حابساً أنفاسه معنا وهو يراقب هذه الملحمة، ملحمة الصمود والبطولة والتحدي، ملحمة الدم والشهادة التي كتبها أهل بيروت البواسل وإخوانهم المجاهدون المدافعون عن المدينة في مواجهة أبشع آلة للحرب والدمار الإسرائيلي - الأمريكي، في العصر الحديث.

            وفي هذا الجدب العربي كان هذا التلاحم الثوري اللبناني- الفلسطيني نسيج وحدة، خالداً وهامة على جباه الزمن انبثق متوهجاً في هذا الخندق الواحد والمتراس الواحد وتوحداً بالإيمان كله والإرادة كلها تحت حمم مئات الآلاف من أطنان القنابل التي انصبت علينا ليل نهار من البر والبحر والجو، من هذا العدو الفاشي الصهيوني المجرم وقرابة ثلاثة أشهر متواصلة.

            لقد سجلت بيروت في هذه الملحمة معجزة بطولة ونبراس تحد استلهمت آيات الشموخ والكبرياء والمجد من قرار المواجهة الذي اتخذناه معاً بالدفاع عن بيروت ضد الغزاة المجرمين، في ظل أصعب ظروف مرت بها أمتنا العربية وكانت هذه المواجهات العملاقة مع مواجهة الغزاة والمحتلين فأضحت بيروت رمزاً دخل التاريخ من أوسع أبوابه.

            يا إخواني و يا أحبتي في لبنان الأهل، يا أعز من نحب ونحترم في بيروت البطلة.

             منذ أن فتح لبنان العربي قلبه وصدره الدافئ لاحتضان ثورتنا وقضيتنا العادلة، لم يكن هذا مصادفة، إنما هو امتداد لتراث الثغور المرابطة في أمتنا التي شارك فيها ومعها أجدادنا دفاعاً عن هذه الأرض ضد الغزاة والطامعين.

            ولذا كان هذا تعبيراً صادقاً عن أصالة الانتماء إلى معتقداتنا وتراثنا وحضارتنا ودفاعاً عن قضاياها المصيرية ولمستقبل أبنائنا، وحتى تبقى هذه الأرض لهم يعيشون فيها أحراراً أعزة مرفوعة جباهم.

            ولذلك فإنني مهما فعلت وحاولت انتقاء الكلمات السريعة لن أعبر عما يجيش في صدري وما يحمله وجداني من مشاعر المحبة والتقدير لكل من عرفت في هذا البلد الذي احتضن بكل الحب والحنان والتضحية ثورة شعبنا وجهاد شعبنا وجمراته الحارقة الملهبة، فإنني لن أستطيع ذلك مهما حاولت لأن ما بيننا من صلات الجهاد تتضاءل أمامه الكلمات، بل أن زخم هذه العلاقة وعظمتها وسموها ذكرنا بعصر الصحابة الأول، افتقدناه طويلاً حتى انبعث هنا فوق هذه الأرض الطيبة وأهلها المجاهدين بوهج هذا التآخي للأخوة وللمشاركة في الدم والمصير.

            حقاً، لقد كنتم الأنصار المؤمنين لهؤلاء الفتية المجاهدين في وقت عزّت فيه الصحبة والرفقة في الزمن العربي العصيب.

            يا إخوتي، و يا أحبتي

            لقد مضينا بهذا الإيمان بهذه الإرادة الحرة في تجربتنا المشتركة الفذة التي أدخلت لبنان وفلسطين في قلب العالم ووجدانه وضميره، وبدت في أيام الملحمة الرائعة التي خضناها معاً في جزيرتنا بيروت المحاصرة بهذا الجيش الإسرائيلي الأمريكي الكبير المدجج بأحدث ما أنتجته مصانع الحرب والدمار الأمريكية. 

            بدت بيروت أنها أكبر بكثير من حدودها الجغرافية وأكبر بكثير من كيلومتراتها العشرة وإمكاناتها البشرية والمادية أمام هذه الطائرات والدبابات والآليات والأساطيل والمدافع والصواريخ والقنابل المتطورة جداً والمحرمة دولياً.  وحسبنا من ملحمتنا هذه أنها حفرت في أعماق الصخر العربي الصلد وزرعت بذور التحول الكبير في عالم شعوبنا وأمتنا تجربة خلاقة تستلهم الدروس والعبر طريقاً للخلاص والنصر.

 

            ففورة الدم اللبناني-الفلسطيني التي خرجت من عمق الدمار والركام والمجازر والمحن من خلال شلال الدم ومواكب الشهداء ومن كبد الإيمان وروعة الجهاد، أكدت مجد الصمود وإرادة التصدي ومعجزة العطاء.

            وإن هذا الانبعاث المقدس سيراكم صداه عنفواناً وقوة ومضاء لأنها وجدت من يحملها أمانة حية مقدسة في عنقه وساعده وبندقيته ليمحو بدروسها ونتائج فعلها العظيم غلالة الوهم الذي يغطي سماءنا العربية لتكشف عن مكامن القوة التي فجرتها معجزة الملحمة في بيروت التي وقفت تتحدى المقاييس المتعارف عليها في مقارعة هؤلاء المجرمين الفاشيست وتقاوم جرائمهم وإرهابهم، ومجازرهم وحرب الإبادة التي شنوها علينا لبنانيين وفلسطينيين تمهيداً للسيطرة على أمتنا العربية وتنفيذاً لمخططاتهم.

             ولكن ما حدث في هذه الأيام المجيدة شكّل سقوط الأوهام المريضة إلى غير رجعة، وكرّس قدرة الإنسان العربي المؤمن المجاهد المسلح بإرادة القتال في المواجهة الساخنة الحتمية يصنع مستقبل أطفالنا فوق أرضنا الطيبة بحيث لا يكونون عبيداً في عصر الغزو والاجتياح الصهيوني الأمريكي الجديد، فقدر فرسان هذه الأمة الجهاد الجهاد، حتى نسلّم لأطفالنا ولأجيالنا المقبلة الراية مرفرفة خفاقة.

             إخوتي، أحبتي،

             إن في عنقي وعنق إخواني من المجاهدين الصابرين أمانة كبيرة نسأله تعالى أن يوفقنا في حملها في مسيرتنا الشاقة الطويلة على درب العزة والكرامة والشموخ حتى إحدى الحسنيين نصر أو شهادة، إنها أمانة الوفاء للبنان ولشعب لبنان ولجماهير بيروت الشجاعة الأبية الصادقة وأمانة لفلسطين وللقدس في فلسطين.

             ولي هنا كلمة إلى هؤلاء الأخوة اللبنانيين الذين باعدت بيننا الأسباب أياً كانت هذه الأسباب لأقول لهم نحن أخوة في الدم والمصير وسنظل كذلك.

             لقد قاتلنا واستشهدنا دفاعاً عن لبنان في لحظات عزّ فيها من يقدم الروح دفاعاً عن هذه الأرض الطيبة التي عاش عليها أجدادنا وسيعيش عليها أبناؤنا وستبقى هذه الأرض عربية عربية شاء المعتدون أم أبوا، أراد الغزاة المجرمون أم لم يريدوا فهذه إرادة التاريخ، إرادة الحياة، إرادة الشعوب إرادة الحق إرادة الله.

            يا إخوتي، يا أحبتي، يا رفاقي في القوات المشتركة، من يفهم دروس الحاضر والماضي يعرف جيداً كيف يتسمر في التقدم على درب الجهاد، ومن يصنع ملاحم الصمود الأسطوري المعجز يعرف كيف يجعل هذا الانبعاث الثوري منارة إشعاع وانتصاراً على الطريق الطويل على درب الآلام على طريق الجلجلة إلى فلسطين المحررة إلى قدسنا الشريف.

 «وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراً».

«وما جعله الله إلا بشرى لتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم» 

صدق الله العظيم

 عرفات - حياته كما أرادها للكاتب أحمد عبد الرحمن "الفصل العاشر ج3: تفاصيل تهدئة بيروت واجتماع سرّي لعرفات وأبوجهاد

عرفات - حياته كما أرادها للكاتب أحمد عبد الرحمن "الفصل العاشر ج2" : عندما قال أبو عمار .. وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى

عرفات حياته كما أرادها : متى ولماذا قال أبو عمّار "العرب نائمون" ؟
عرفات-حياته كما أرادها : وبدأ الهجوم على بيروت..هكذا سحب حافظ الأسد قواته -وهذا رد فعل قائد ثورة بساط الريح



"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل السابع - ح2 : قصة "بيان" وتعليق خليل الوزير .. استمرار مؤامرة "الأسد الأب"







"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل الخامس-ح2:مجزرة تل الزعتر ودور نظام "الأسد"-من الذي تواطأ في اجتياح لبنان 82 ؟



"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل الثالث-ح2: قصة سفينة السلاح من "هونيكر" لياسر عرفات وكيف رد له الجميل أبو عمار

التعليقات