روبرت بالارد : المزارع سوف تبدأ في الظهور على سطح البحار قريبا وسوف نرى مدنا عائمة وعمليات تعدين في اعماق المحيطات

روبرت بالارد : المزارع سوف تبدأ في الظهور على سطح البحار قريبا وسوف نرى مدنا عائمة وعمليات تعدين في اعماق المحيطات
رام الله - دنيا الوطن - جمال المجايدة
ألقى الدكتور روبرت بالارد رئيس اتحاد استكشاف المحيطات، محاضرة بعنوان «أهمية البحار لمستقبل البشرية»، في مجلس ولي عهد أبوظبي، امس كشف فيها عن أنه في المستقبل سوف تبدأ المزارع في الظهور على سطح البحار، كما سيتمّ إنشاء المدن لدعم تلك المزارع وسنرى قريباً عمليات التعدين تجري في أعماق البحار، فقد عثرنا أخيراً على مخزونات هائلة من الذهب، والفضة، والنحاس، والتوتياء، والرصاص، بالإضافة إلى تربة نادرة تعدّ مهمة للصناعات التكنولوجية التي تقوم اليوم، مؤكداً أن المحيطات تحتوي على مستقبل البشرية ولكننا يجب أن نتعلم كيف نعيش بانسجام معها ومع كوكبنا، كما أكد المحاضر انه تم اكتشاف كميات كبيرة من المياه العذبة في أعماق المحيطات والسفن كانت تتوقف في مناطق هذه المياه لتعبئة خزاناتها بالمياه العذبة، ولكن يجب على العلماء اكتشاف واستخراج هذه المياه بدلاً من تحلية مياه البحار وبتكلفة مرتفعة جداً، مشيراً الى انه سيكون هناك جيل من «الأذكياء» الذين يتمكنون من تحقيق ذلك،

نصف قرن بحار ومحيطات

وتقدم المحاضر بالشكر والتقدير إلى القائمين على المجلس بدعوته للحديث عن البحار والمحيطات التي قضى بها ما يقارب نصف قرن من عمره البالغ حالياً 74 عاماً، مشيراً إلى أنه قضى نحو 25 عاماً في الغواصات في أعماق البحار منذ أن كان ضابطاً في البحرية الأميركية.

وأشار الى أن الوصول الى أعماق البحار بالغواصات كان خطراً جداً ولكن الخطر الأكبر كان في بداية إدخال الغواصة الى المياه وما يواجهونه من أسماك وحيوانات بحرية خطرة ومخيفة ومنها اسماك القرش، والتي كانت تتلهف لرؤيتنا في بداية الغوص ثم تغادر المنطقة ونحن في طريقنا الى أعماق البحار في الظلام، موضحاً انه كان يخاف من تلك الأسماك لأنها كانت كبيرة بما يكفي لالتهام الغواصة.

وقال بالارد إن أعماق البحار تضم آثاراً من التاريخ البشري أكثر بكثير مما تضمه متاحف العالم قاطبة، حيث تحتوي على كنوز هائلة من المعادن مثل الذهب والفضة والنحاس والرصاص والزنك، وخزانات ضخمة من النفط والغاز، مشيراًِ الى ان متوسط عمق البحار والمحيطات يصل إلى أربعة آلاف متر وقد يصل إلى 7500 متر في بعض الأماكن.

وأضاف أن هناك مخلوقات بحرية عجيبة تعيش في ظلام دامس يمكننا إخضاعها للهندسة البيولوجية ثم الاستفادة منها في حل الكثير من مشكلاتنا، مؤكداً انه حان الوقت للبدء في إقامة مشاريع زراعية في عرض البحار.

وذكر بالارد أن الكرة الأرضية مغطاة بغلاف مائي يحجب عنها معظم محتوياتها، ويبدو كوكب الأرض من الفضاء مثل كرة رخامية زرقاء صغيرة محاطة بسماء مظلمة مليئة بالنجوم.

وأوضح ان الإنسان لم يبدأ باستكشاف الأعماق الخفية للمحيطات إلا خلال الخمسين عاماً الماضية، حيث وجد جبالاً شاهقة وودياناً سحيقة وسهولاً فسيحة للغاية وأنه على طول هذه الجبال اكتشفنا خطاً طويلاً ومتواصلاً من البراكين النشطة والتي تمتد على مسافة 72 ألف كيلومتر تضم ثروة معدنية عظيمة من المعادن التي تعدّ بالكثير للأجيال القادمة.

وأشار إلى أنه بعد أن عاش العلماء حول هذه البراكين النشطة اكتشفوا مخلوقات تتمتع بقدرات فريدة على معالجة المواد السامة، ويمكننا الآن الاستفادة من هذه الخاصية لتحييد ضرر المواد السامة على الإنسان ونتعلم الآن كيفية الاستفادة من هذه الأشكال الفريدة من الحياة في معالجة أنواع مختلفة من مرض السرطان، ونتوقع اكتشاف المزيد من العقاقير المهمة التي ستتمخض عنها البحوث في المستقبل القريب.

أضخم متحف

وأكد المحاضر أننا تعلمنا أيضاً بأن أعماق البحار تمثل أضخم متحف على كوكب الأرض، حيث تضمّ أكثر من مليوني سفينة غارقة توثّق للتاريخ البشري منذ الأزمان الغابرة وأن الأعماق المظلمة للبحر تصل درجات الحرارة فيها إلى مستوى التجمد وفي بعض الحالات تصل الى انعدام الأكسجين، مما ساهم في حفظ الكثير من فصول التاريخ البشري بما في ذلك الحمض النووي لقدماء البحارة الذين غرقوا على متن هذه السفن منذ آلاف السنين.

وقال إن الأهم من ذلك كله أن المحيطات تعد أضخم مستودع للحياة على الأرض، حيث تضم أعداداً هائلة من المخلوقات التي لم نكتشفها بعد، مخلوقات مفيدة للبشرية ليس من الناحية الجمالية فقط بل من حيث قدرتها على تحسين صحة الإنسان، موضحاً أننا مع نزولنا إلى أعماق البحار باستخدام غواصات استكشاف المياه العميقة، نرى طيفاً لا نهائياً من العوالم العجيبة يختلف كل واحد منه عن الآخر.

وقال إن المحيطات الشاسعة المساحة مهمة أيضاً لكونها تستطيع مد أعداد متزايدة من البشر بالطعام، مشيراً الى أنه حتى الآن يعيش 95 % من سكان الأرض على أقل من 5 % من سطح الأرض ومع ازدياد سكان الأرض، تزداد الحاجة إلى أراضٍ زراعية لتوفير الطعام لهم، وهو ما يجعل المحيطات تحتل أهمية أكبر لعيش وبقاء الإنسان في المستقبل.

استهلاك الأسماك

وأكد روبرت بالارد أن المشكلة التي نواجهها هي أننا استهلكنا حتى الآن 90 % من الأسماك الضخمة في البحر حيث إننا لا نزال صيادين وجامعي ثمار في المحيط كما ان الحيوانات البحرية المفترسة مثل اسود البحر والنمور والدببة تلتهم كميات كبيرة من الأسماك مشيرا الى أننا قبل 11 ألف سنة استطعنا تدجين الأغنام والماعز، وقبل 10 آلاف سنة بدأنا في زراعة القمح لإطعام البشر ولم نستطع تحقيق ذلك في البحار والمحيطات.

وأضاف انه لحسن الحظ، تعلمنا الآن كيفية الزراعة والرعي في البحر وبدأنا في التوجه إلى عرض المحيطات للاستفادة من المساحة الأضخم على كوكبنا للمحافظة على استدامة الحياة في البحر وكذلك لزيادة أعداد المخلوقات البحرية أيضاً.

وقال المحاضر إن العلماء شاهدوا أشكال حياة في أعماق البحار والمحيطات لم يروها من قبل ولكن المثير في الأمر هو عمق تلك المحيطات وهى وجود اكبر الثدييات بها وحيوانات ومخلوقات بحرية ضخمة جداً، حيث توجد حيوانات بحرية في الأعماق تعادل الموجود على سطح الكرة الأرضية بخمسة أضعاف تقريباً ولدينا في المحيطات كهوف معقدة عن تلك الموجودة على سطح الأرض ويوجد نحو 10 آلاف من البراكين النشطة وهناك مداخن تجلب المواد السائلة تصل درجة حراتها الى 650 درجة مئوية والتي تؤدي الى انصهار مقاييس الحرارة.

وقال إنه توجد وتنتشر في أعماق البحار والمحيطات الكثير من أنواع النباتات على خلاف السائد بأن الشمس لا تصل إيها ولا توجد حياة نباتات على اعتبار أنها تنمو على الشمس وهناك الكثير من الأسماك والتي نمت بفضل انواع من البكتريا تجعلها تتضاعف في الظلام دون حاجة لوجود الشمس ووجدنا كائنات تغذي النبات معربا عن سعادته بان يخرج النفط والغاز من المحيطات لأنها تغذي النظام البيئي.

معادن ونباتات

وذكر انه توجد احتياطيات كبيرة من المعادن بكميات هائلة في المحيط الهندي وقريبة من بحر عمان، ومعظمها يوجد في اعالي البحار ويمكن لأي دولة ان تستفيد منها، وقال انه توجد في اعماق المحيطات الكثير من النباتات وتم عزل 230 فصيلة زراعية يمكن استخدامها في علاج الأمراض كالسرطان ويمكن اكتشاف النفط ويمكن للعملاء إيجاد المزيد من المواد الزراعية في الأعماق، مؤكداً انه غير قلق على مستقبل البشرية لأن الأرض لا تزال في بدايتها وأنها ستبقى خاصة.

وأشار الى ان العلماء تمكنوا من تأسيس مزرعة اسماك كبيرة في هاواي على أكبر مكان على الأرض، حيث المياه نظيفة والمياه باردة، حيث إن مصائد الأسماك توجد في هذه المياه لأنها تحتفظ بمقار اكبر من المغذيات ويمكن ان تستمر الحياة في البحار وتزيد من الإنتاجية تماماً كما فعلنا على اليابسة، مؤكداً أن لدى المحيطات إمكانية تقديم الغذاء للعالم ولكن مهمتنا ان نذهب الى اماكن لم يذهب اليها البشر في السابق من اجل تحقيق ذلك.

وقال إن المزارع التي اكتشفت في اعماق المحيطات تضم كميات كبيرة من المزروعات يمكن الاستفادة منها واستخدامها في العلاج الكيماوي لعلاج السرطانات ومنها سرطان الدم لأننا اكتشفنا انها تساعدنا على امتصاص الزيت المتدفق من سفن النفط وبالتالي لا تعيش الكائنات التي تأكل النباتات والحيوانات.

وحول صعوبة العثور على حطام الطائرات التي تسقط في اعماق البحار والمحيطات مثل اكتشافهم السفن الغارقة اشار الى انه سيحاول مع فريق عمله البحث عن آليات تمكن البشرية من تحقيق ذلك.

واستعرض المحاضر بثاً مباشراً من سفينة أبحاثه في أعماق المحيط، والتي عرضت مشاهد حية عن الحياة البحرية والحيوانات والنباتات البحرية في المنطقة الموجودة بها والتي تعرضها على مدار 24 ساعة ويمكن للباحثين والهواة من عشاق الحياة البحرية التواصل معها وتوجيه الأسئلة الى طاقمها والفريق يقوم بالرد عليهم وحصل الفريق على 50 ألف سؤال من الأطفال حول العالم وهذا يجعل الأطفال يهتمون بهذه العلوم.

اكتشاف «تايتانيك»

استعرض بالارد تجربته في اكتشاف السفينة «تيتانيك»، والذي جاء بالمصادفة لأنه لم يكن استكشافها المهمة الرئيسية له ولفريق عمله ولم يرضَ البنتاغون باكتشافها لأن اكتشافها استغرق 25 عاماً، مشيراً الى ان مثل «تيتانيك» وغيرها من السفن الغارقة جعلت من المحيطات اكبر متحف على كوكب الأرض يحتوي أكثر مما تحتويه وتضمه متاحف العالم.

 وأضاف: إننا محظوظون باكتشاف «تيتانيك» لأننا استطعنا تحقيق ذلك باستخدام الكثير من الغواصات النووية بعد أن توقف البحث عنها لمضي سنوات طويلة على غرقها، مشيراً إلى أنهم عثروا على آثار لركابها وما تركوه خلفهم