نحن عبيــــد !!

نحن عبيــــد  !!
بقلم : محمد يوسف الوحيدي  

منذ أن إنتهى عصر الخلافة الراشدة أو في أواخرها ، على أيدي الملكيين في دولة العرب المسلمين الأولى ، ظهرت كل أو معظم الإشكالات ، سواء السياسية أو الإجتماعية ..

و ظهرت أيضاً معادن الناس و طبائعهم ، و المار عبر تاريخ الأمة ، ستستوقفه نقاط و مفاصل كثيرة ، كانت تدلل بشكل كبير على التبدل و التحول في طبائع البشر و التغير في سلوكياتهم ، فمن أوائل الفتنة الكبرى و معركة الجمل ، مرورا بالخوارج و أصحاب إعتصام حاروراء ،  وإغتيال السيد الإمام علي بن طالب أمير المؤمنين ، و خيانة الناس للإمام الحر الثائر الحسين رضي الله عنه و إغتياله و إجتثاث جذور و فروع الأسرة المحمدية المُصطفاه ، عليهم جميعاً السلام ، و من دس السُم و قتل الإمام الحسن رضوان الله عليه ، وغيرها الكثير والكثير من الشواهد و المفاصل و الأحداث .. بدأت عهود الدولة العربية التي بدلت و لعبت و شوهت و أقامت حكماً ملكياً ، إمتهن و تملك البلاد و العباد ، و توارثها كما تُتَوارث الأشياء ، و بدأ العرب يعودون إلى سلوكيات جاهلية و عادت ظاهرة العبيد من جديد ، و الإماء و الجواري و الغلمان و الخصيان .. حتى أن الأمير للأسرة الحاكمة يولد فَيُقطع أرضَ فلسطين بالشام بما فيها و عليها  ، وهنا سأورد مثالاً صغيراً بسيطاً وهو بعض من عظيم و كثير يكاد لا يعد ، فالتاريخ يحدث و من يريد المعرفة عليه أن يقرأ كيف أقطع أبو الفضل جعفر المتوكل على الله بن المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور الذي أخد ملك البلاد و العباد خلفاً لأخيه الواثق بالله وخلفه ابنه المُنتصر بالله بلاداً و جزرا و شعوبا و خيرات عندما عقد البيعة لبنيه الثلاثة بولاية العهد وهم : محمد ، ولقبه : المنتصر بالله ، وأبو عبد الله محمد  ، ولقبه : المعتز بالله ، وإبراهيم ، ولقبه : المؤيد بالله .فأما المنتصر فأقطعه إفريقية والمغرب كله ، والعواصم ، وقنسرين ، والثغور جميعها ، الشامية والجزرية ، وديار مضر ، وديار ربيعة ، والموصل ، وهيت ، وعانة ، والأنبار ، والخابور ، وكور باجرمى ، وكور دجلة ، وطساسيج السواد جميعها ، والحرمين ، واليمن وحضرموت ، واليمامة ، والبحرين ، والسند ، ومكران ، وقندابيل ، وفرج بيت الذهب ، وكور الأهواز ، والمستغلات بسامرا ، وماه الكوفة ، وماه البصرة ( وماسبذان ، ومهرجان قذق ، وشهزور ، والصامغان ، وأصبهان ، وقم ) ، وقاشان ، والجبل جميعه ، وصدقات العرب بالبسرة .

وأما المعتز فأقطعه ، خراسان وما يضاف إليها ، وطبرستان ، والري ، وأرمينية ، وأذربيجان ، وكور فارس ، ثم أضاف إليه في سنة أربعين [ ومائتين ] خزن الأموال في جميع الآفاق ، ودور الضرب ، وأمر أن يضرب اسمه على الدراهم . وأما المؤيد فأقطعه جند دمشق ، وجند فلسطين .

و يبدوا أن العقد التصالحي ، و الذي لا يخلوا من صبغة الإذعان لدى العوام  ، و نعرة الإستعلاء لدى الأسر المالكة الحاكمة ، كانت أوضح من أن تشرح أو تفسر ، فيكفي للناظر أن يقرا إسم الدولة من الأموية للعباسية وما تلاهما من دول و ممالك ، و كيف سميت بإسم مالكيها ، بل و كيف إستمرأ " المواطن " العربي المسلم أن يبدل هويته و عنوان وجوده من كونه عربي مسلم إلى " أموي أو عباسي " نسبة إلى مالكه و مالك حياته ..

وكان لابد لهذه الأنظمة الفاشستيه الملكية ، أن تستمر على قاعدة القناعة و الرضوخ الشعبي ، فكانت الحيلة و التحايل ، وكان أن تم تسميم الموروث الثقافي العربي بل و الديني الإسلامي ، بضخ ألاف مؤلفة من الأحاديث المنسوبة للنبي الأكرم عليه الصلاة و السلام ، بل و الروايات و الأحاديث المنسوبة لله جل و علا فيما يطلق عليه ( الأحاديث القدسية) ، وكان لابد أن يهجر القرآن ، و أن يفسر و تتعدد التفاسير ، و كان لابد أن يسمح الحاكم السياسي المحنك ، للطوائف و المذاهب أن تنطلق و تتناحر و تتجادل ، فهو في مأمن ، و سياساته و كرسيه و عرشه في أمان ، طالما أن العامة في شغل منهمكون في خلافاتهم المذهبية و العقائدية .. التي تصب في مصلحة الحراك السياسي لأطراف محددة .

و الغريب ، أن المجتمعات إمتلات بالجواري من الحريم، و تم تفسير ملك اليمين بأنه حق مكفول لكل ذَكَر في المجتمع ، و أن إستعباد و إسترقاق البشر ، ايضاً ، حلال حلال .. فإنشغل الشباب بالحريم و الجواري و الغلمان ،  بينما إجتهدت الطوائف و الأقليات المضطهدة بالعلوم و البحث ، وعل دافعها في البحث و التعلم كان أحد سببين ، أولهما عدم القدرة على حياة الترف و البذخ التي تمتع بها المواطن من الدرجة الأولى – العربي – و الثاني ، هو محاولة التوصل إلى المعرفة و التشريع الصحيح و فهم الدين الذي يمكن أن يخلصه و أهله و أبناء جدلته من هذه العنصرية الجديدة ، و الظلم الكبير ، و عل هذا يفسر أن معظم العلماء ، بل و الأئمة و رجال القضاء و الدين ، كانوا من غير العرب ، بل إن اضح اصول و قواعد اللغة العربية - سيبويه ـ كان فارسياً ..

ومع تدهور الزمن ، و إتساع رقعة الملك العضود ، و إختلاف أسر العرب الحاكمة ، زاد البعد عن الدين الحنيف ، و زاد تشويه الموروث و زاد غزو الإسرائيليات ، و زاد تطعيم الدين و رواياته باصول تلمودية و إنجيلية ، و توراتيه ، بل و بعقائد هندوسية و زرادشتيه و غيرها من الروحانيات و الأثر و الموروث مما صدف و صادف العرب في إتساع رقعة ملكهم على الأرض .. و مع كل هذا تَطَّبع العربي بطبائع  جديدة ، عل أبرزها ذلك الإنسياق التام للحاكم بأمر الله ، الذي اقتنع به بفضل فتاوى مشايخ السلطان و تفسير المفسرين ، و أولي الأمر ، و قبول العبودية طوعاً .. على أنها هي الضامن الوحيد للمنعة و الإستقرار ، و للتقدم و الإزدهار .. فتحول العربي إلى غلام ، عبد طوعياً ، عبدٌ للحاكم الملك الآمر الناهي بإسم الله .. و عبد لشهواته و مُستعبِد لغيره من الجنسيات و الأديان وخاصة الحريم .. و تحول العربي إلى كائن فاقد الهمة ، باحث عن المتعة و الملذات بتبرير ديني ، خامل لا يحقق غاية خلقه ، و لا هدف إسلامه ، وهو عمارة الأرض ، بل أصبح متكلاً متواكلاً .. وكان من الطبيعي أن تؤول به الأحوال إلى ما هي عليه الآن !

ولن أضرب أمثلة كثيرة لتوضيح هذا المعنى ، و سأكتفي ربما بمثال بسيط قريب ، فالقارئ لبعض " المبادئ" التي إتفق عليها الطرفان ، الإسرائيلي و التركي ، بما يخص القضية و بالذات غزة .. يرى بوضوح ، كيف أن العقلية الخربة ، تفكر .. إستعباد و إمتهان .. و تحويل لمجتمع كامل إلى مجموعة من العبيد و الخصيان و الجواري ، في مملكة أردوغان و بتصريف و تدبير الكهان من بني إسرائيل و عصابات نتنياهو و ليبرمان ، دعك من كل ما يقال عن كهرباء و ماء و بنيان ، و مال و أكل و علف للابقار و الأغنام ... و ركز فيما قيل أنه البند السابع من هذا الإتفاق و الذي ينص على ( تعاون وثيق في الشئون الإستخباراتيه و الأمنية بينهما ) ، و قلي بالله عليك ، كيف لمجتمع ، و بلد ، ستأكل و تشرب من خير السلطان ، و يعيش أهلها بنفسية العبيد و الجواري و الخصيان ، أن تقاوم و تحارب أعداء السلطان ، ملك الزمان سيدنا أردوغان ؟

المعضلة ايها السادة ، ليست في حزب معين ، أو سلطة معينة ، الإشكال كما اسلفت هي فينا نحن ، في ثقافة ، نمت و تطورت عبر عصور و توارثتها أجيال ، لوثت كل شئ ، حتى الدين .. و لا سبيل لنا للنهوض منها ، ‘لا أن نعترف أننا نحن العبيد ، و أننا أضفنا لاشكال العبودية و أنماطها أنواعاً جديدة عبر العصور ، و التحرر منها لن يكون إلا بالإعتراف بأننا نحن عبيد ، أولا ، ثمالعمل على العودة إلى ما قبل سطوة الجاهلية ، على الفكر الفذ ، و المجتمع الطفرة ، و الحياة الحرة التي دامت على مدى فهمنا الصحيح لديننا ، و حبنا و إنتمائنا الحقيقي لمبادئنا و عروبتنا الحقة إلى دولة محمد عليه الصلاة و السلام ، و الأربعة العظام عليهم جميعاص رضوان الله .. يوم نرفض التمذهب و ننقي روايتنا من كل الزيف و الحقن ، و نلائمها بكتاب الله ، يوم أن نرفض كل المدلسين من أصحاب الشعارات الدينية يلبسونها لأغراضهم السياسية ، و يحتالون علينا بأنهم هم الناجون و المهتدون ، يومها ، سننهض و يومها سنستحق نصر الله .