سرقة الآثار في سلفيت تحتاج لعقوبات رادعة :بين الآشورية وصولاً للإسلامية .. الاستيطان يبتلع التاريخ الفلسطيني

سرقة الآثار في سلفيت تحتاج لعقوبات رادعة :بين الآشورية وصولاً للإسلامية .. الاستيطان يبتلع التاريخ الفلسطيني
سلفيت - دنيا الوطن-رحمة خالد

بصمة للحضارات المتعاقبة على أرض كنعان وبالتحديد في محافظة سلفيت، التي تمثل لوحة أثرية تبعثر ملامحها ريشة الاحتلال وتعثو بها خرابا وزيفا وتهويدا كما تحاول طمسها ليعلو فوق ركامها حجارة المغتصبات الاستيطانية وجدار الفصل العنصري. 

أكثر من 140 موقع أثري تحتوي محافظة سلفيت متمثلة بتنوعها الحضاري فمنها الآشورية والبيزنطية والرومانية والإسلامية والصليبية وترجع جلها لحقب مختلفة، ولكن كما لم يسلم البشر من غطرسة الاحتلال الاسرائيلي لم تسلم أيضا آثار محافظة سلفيت التي تعد ثاني أكبر محطة للاستيطان بعد القدس، فيقول منتصر موسى مدير دائرة السياحة والآثار في  المحافظة " الاحتلال يستهدف التاريخ الحضاري لسلفيت بشكل مباشر ويحاول عزل الآثار وتهويدها وجزء كبير منها يعمل على طمسه".

ويعزي موسى فقدان السيطرة الفلسطينية على معظم آثار المنطقة لتركزها في مناطق "ج" الواقعة تحت سيطرة الاحتلال حسب تقسيمات اتفاقية أوسلو، فيتابع "حسب اتفاقية أوسلو لا يجوز إجراء أي عمل داخل مناطق ج إلا بموافقة اسرائيلية، وبدورنا نقوم بتصوير حفريات الآثار داخل هذه المناطق ورفع تقرير لمنظمة اليونيسكو بعد أن أصبحت فلسطين عضوا بها".

فالاحتلال لم يكتف بسيطرته الكاملة على آثار مناطق ج وتدميرها وعزلها إما ببناء تجمعات استيطانية حولها كما حدث في دير سمعان غربي بلدة كفر الديك وهي خربة رومانية بيزنطية اسلامية منحوتة بالصخر فعزلها بمستوطنة ليشيم المحيطة بها من أربع جهات وسرق حجارتها وأتربتها، أو بتزويرها كخربة قرقش التي تعد نمطا مصغرا للبتراء والمقامات الدينية أيضا ، بل تعدت السيطرة لمناطق "أ" و "ب" كما  يؤكد خالد معالي خبير شؤون الاستيطان في محافظة سلفيت "الاحتلال يعمل بكل جهده على تهميش سلفيت تاريخيا فلم يكتف بالسيطرة الكاملة على مناطق ج بل تعدى ذلك إعاقة حركة السياح لمناطق أ ،ومنعه عمليات الترميم الكاملة لآثار مناطق ب وأيضا ترويجها ودثرها بجدار الفصل العنصري الذي التهم عددا منها في مواقع متفرقة".

ومن الجدير ذكره أن أعمال التدمير والحفريات مخالفة لقانون الآثار عام 1966 المعمول به في الأراضي الفلسطينية والذي يشترط إجراء فحص للأرض وضمان خلوها من الآثار إلا أن ذلك اجراء احترازي لم يلتزم به الاحتلال في مناطق ج ، ويردف معالي قائلا " اتفاقية أوسلو حجمت من دور السلطة في مناطق ج ، والاحتلال يمعن في خرق كافة الاتفاقيات التي بدورها تحافظ على الموروث الحضاري والثقافي أثناء النزاع المسلح مثل اتفاقية لاهاي عام 1954 والاتفاقيات الدولية عام1972 التي تنص على عدم مساس المحتل للتراث الثقافي للمناطق المسيطر عليها".

 وما يزيد الطين بلة في المنطقة أن آثارها لم تعد مطمعا للمحتل وحده بل أصبحت هدفا لسارقي الآثار جمعا للمال عبر بيعها حيث اكتشفت مواقع عديدة تعرضت للتنقيب ومنها ما سرقت بعض اجزاءها فيقول منتصر موسى "دائرة الآثار تتعرض للوم في هذا السياق أكثر من اللازم حيث نحن بدورنا نضبط عددا ممن يسرقون الآثار ومنهم من يمسكون مسك اليد في وضح النهار ونحيلهم لشرطة السياحة لكن القضاء متهاون وغير حازم إزاءهم وعقوباته مخففة أكثر من اللازم الأمر الذي لا يشكل رادعا لسرقة الموروث والكنز الحضاري".

وتفند دائرة الآثار كافة التهم الموجهة إليها بالتقصير في حماية آثار المحافظة وترميمها كي تصبح مقصدا وقبلة للسياح، فيشير موسى  لمراسلة دنيا الوطن " تعاني وزارة السياحة والآثار من نقص في الموارد البشرية والمالية، فترميم موقع واحد يكلف مئات الدولارات والدول المانحة لها نظام وخطة للترميم حيث تعمل وفق الحقب الزمنية وتختار مواقع ملائمة لمشاريع قسم الآثار بجامعاتها وتكون هذه المشاريع مؤقته".

وتؤكد دائرة الآثار أنها تعمل كل ما في وسعها لإحياء ما تبقى من آثار المحافظة عبر استقطاب طلبة الجامعات والمدارس في رحل تعليمية وتثقيفية إلا أن وزارة التربية والتعليم رفضت مسار الرحل التعليمية للمناطق الأثرية كونها غير آمنه للطلبة لوجود عدد من الحفر والآبار المكشوفة ووعورة الطريق إليها وقرنت تلك الرحل بضرورة توفر طاقم من الدفاع المدني.

وللبلديات والمجالس القروية  في المحافظة دور لا يمكن تجاوزه في نفض غبار المعالم الأثرية الكامنة بقراها وبلداتها، فيذكر  سعيد زيدان رئيس بلدية ديرستيا دور البلدية بإحياء البلدة الأثرية المملوكية والمقامة على بلدة رومانية محفورة تحت الأرض والتي تبلغ مساحتها 65 دونم "أردنا أن نجعل من البلدة محط أنظار للسياح ولا سيما أنها حضارة بأكملها وتاريخ عميق يحمل عبق أجداد أجدادنا حين كانت تلك البلدة نزل ومضافات للوافدين من شمال فلسطين".

ويتابع زيدان "قدمنا طلب ترميم البلدة عبر الحكم المحلي  من خلال مشروع إحياء المراكز التاريخية والذي استهدف 12 موقعا في الوطن، وبلغت قيمته ما يقارب مليون شيقلا حيث تركز هدفنا الرئيس على ترويج المنطقة سياحيا وجعلها نزلا للوافدين وكسر شوكة الاحتلال الذي يعمل على تطويق كافة القرى بسياج المستوطنات الخانقة".

ويشدد زيدان لدنيا الوطن على أهمية محافظة البلديات والمجالس القروية للمعالم الأثرية وعدم إلقاء المسؤولية بشكل كامل على وزارة السياحة والآثار كون المسؤولية تشاركية ولا يمكن لأية جهة التنصل منها.

ولأن الموروث الحضاري جزءا لا يتجزأ من تاريخ الانسان وواجب المواطن أن يلم بتاريخه وثقافته نجد نسبة كبيرة من سكان المحافظة لا يعرفون تلك المعالم ولا تاريخها، فيقول محمد سلامة  50 عاما أحد سكان بلدة بديا المحتوية على عدة مواقع أثرية "بديا تحتوي على آثار غنية بالحضارة والتاريخ مثل مقام علي الدجاني وعدد من الخرب والبيوت الرومانية لكن كم هائل من السكان لا يعرفون أصلها ولا تاريخها العريق وحتى لا يحاولون الاجتهاد لمعرفة ما يعنيه الكنز الأثري المقام على بلدتهم منذ آلاف السنين".

ويؤكد خالد معالي كم التقصير في المحافظة على الموروث الحضاري بانعدام المقاومة لسرقة التاريخ وعدم اعتماد خطط استراتيجية من قبل السلطة مشيرا إلى أن كل ما يحصل هو موجات اعلامية لا أكثر.

فكم من الوقت ستبقى لوحاتنا الأثرية في متحف الزيف والإهمال ومطمعا للسارقين؟؟