عرفات - حياته كما أرادها : يوم من عدوان شارون على لبنان .. ورؤية ياسر عرفات الاستراتيجية والتي تسبق الجميع

عرفات - حياته كما أرادها : يوم من عدوان شارون على لبنان .. ورؤية ياسر عرفات الاستراتيجية والتي تسبق الجميع
دنيا الوطن – ميسون كحيل

في الفصل العاشر من هذا الكتاب سلط الكاتب الشاهد أحمد عبد الرحمن الضوء على يوم من ايام الحرب وهو يوم 11 حزيران 1982  حيث بيروت محاصرة والقوات الإسرائيلية تسيطر على الجبل وتقطع طريق دمشق بيروت ورغم الحملة الإعلامية السورية الشرسة ضد الولايات المتحدة زار فيليب حبيب دمشق ما يوحي باختلاف موقف دمشق عن موقف القيادة الفلسطينية ويذكر الكاتب أن سوريا وافقت على وقف اطلاق النار كما ادعت مقابل انسحاب القوات الاسرائيلية بتعهد فيليب حبيب إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية نفت أنها قدمت أي تعهد كهذا . وبينما القتال على اشده والطيران الإسرائيلي يملأ سماء بيروت فقد خلق الحديث عن وقف إطلاق النارأجواء ارتياح لإنقاذ ما يمكن إنقاذه .

كان لا بد للكاتب هنا إلى الإشارة لرؤية عرفات التي تسبق الجميع بواقعيته الحادة وعلمه المسبق بحقيقة التطورات المستقبلية ومواقف الأخرين التي يعرف عرفات جيدا حدودها . فهو يعلم متى وكيف يعلن موافقته على أي من القضايا الخاصة الفلسطينية. فعندما وافق على وقف إطلاق النار تعرض للإنتقادات لكن من انتقده لم يكن يمتلك الرؤية المستقبلية في المحافظة قدر الإمكان على الثورة ومقاتليها وقياداتها وتواجدها اينما كانت في أي أرض ممكنة لتأكيد ثباتها واستمرارها. ويتذكر الكاتب واثناء تواجده في أحد مقرات القيادة العسكرية مع سعد صايل ابو الوليد واصرار الأخير على بقاءه معه لدراسة التطورات كيف استدعى ابو عمار المتواجد في مكان سري أخر أبو الوليد على عجالة وغادرا سويا أحمد عبد الرحمن وابو الوليد للمقر السري الذي يتواجد به عرفات وهو مقر يتوسط المقر العسكري 35 والمقر العسكري 3 وبدون أي مظاهر عسكرية وهو حلقة الوصل بين المقرين. وعند الوصول دار نقاش في مقر القيادة تناول قرار وقف اطلاق النار حيث كان عرفات يعلم بان القرار هدفه استثناء منظمة التحرير منه ما يدل على مخطط أخر يحاك أو عمل عسكري يعلن الجيش الاسرائيلي من خلاله الإنتصار وهو صيد ثمين كان يتمناه شارون . 

الفصل العاشر:

 11حزيران 1982

يوم في الحرب

          بيروت محاصرة، والقوات الإسرائيلية تسيطر على الجبل وتقطع طريق دمشق-بيروت، وفي الساعات الأخيرة، تمكنا من إدخال كميات كبيرة من الأسلحة إلى المدينة، من مستودعاتنا في الجبل، وقد زار فيليب حبيب دمشق، رغم الحملة السورية الضخمة ضد السياسة الأميركية، وقد أقنعتنا الزيارة، بأن دمشق تفتش عن حل لدمشق، أما نحن فعلينا أن نواجه مصيرنا المحتوم وحدنا، ومع ذلك حاولنا أن نربط  أنفسنا بالموقف السوري، عندما علمنا أن حبيب يقوم بترتيب اتفاق لوقف النار، وأرسل أبو عمار برقية إلى دي كويلار يوافق فيها على وقف النار، وقال السوريون بأنهم قد وافقوا على وقف النار، مقابل تعهد إسرائيل بسحب قواتها فورا من جميع الأراضي اللبنانية، وبعد انتهاء الحرب راح السوريون يتحدثون عن « خدعة حبيب»، فهم يقولون أنهم قد تلقوا تعهدا من الرئيس ريغان بسحب القوات الإسرائيلية إلى مواقعها السابقة، وأن فيليب حبيب قد نقل لهم هذا التعهد، بينما ثبت أن الإدارة الأميركية لم تقم بتقديم أي تعهد قاطع كهذا.

     وفي

صباح(11) حزيران، كان الطيران الإسرائيلي يملأ سماء بيروت، وكان القتال مستمرا على الخط الساحلي، وفي مواجهة خلدة، حيث يدور قتال شديد.

          وقد خلق الحديث عن وقف النار، أجواء ارتياح حذر في أوساطنا، وراح بعضنا يفكر في الحرب الشعبية، ويستعيد أوضاعا مشابهة، عن المدن المحاصرة.

 

          « لقد هزمت ستالينغراد جيوش هتلر، ويجب أن تهزم بيروت جيوش الفاشي شارون».

          وكان واضحا أن اتفاق وقف النار، يعني إنقاذ ما يمكن إنقاذه من وجودنا في لبنان، ولسوء الحظ أو لحسنه، فالفلسطينيون في غالبيتهم لا يفكرون بهذه الطريقة، إن شخصا واحدا، هو ياسر عرفات، بواقعيته الحادة، وبطموحه الأسطوري، يظل قادرا على تقديم الصياغة الراهنة، للظاهرة الفلسطينية، في تحديها المستحيل، للوقائع القاهرة

          وعندما وافق ياسر عرفات على وقف النار، وجد من يندد به علنا وفي الاجتماعات القيادية، على أساس أن علينا الاستمرار في القتال حتى النصر، وقد تكون جبهة ياسر عرفات الفلسطينية هي أخطر الجبهات، إذ عليه أن يقوم ببناء المستحيل للموقف الفلسطيني حتى لا يتبدد كل شيء أمام حلم الطموح وواقع اليأس، والميل للالتحاق بالمركز السوري بدل محاولة جذبه للمركز الفلسطيني.

          وفي الساعة العاشرة صباحا، كنت في مقر العمليات رقم « 35»، ولم أذهب إلى العمليات رقم « 3» بناء على طلب العميد أبو الوليد، الذي قال لي: خليك هون يا سيد أحمد، بدنا نعرف إيش اللي صاير.

          لقد تحدثنا قليلا عن وقف إطلاق النار، وأطلعني على التقارير العسكرية وعن وضع قواتنا في الجنوب وفي الجبل، وعن انسحاب قوات الردع من الجبل.

          وكان يريد أن يقول لي أن الوضع صعب فما هو رأيك؟

          قلت له: إذا كان اتفاق وقف النار يشملنا، فهذا عظيم.

          وبعد خمس دقائق كان أحد مرافقي أبو عمار، قد دخل غرفة العمليات وهمس في أذن أبو الوليد.

          فنهض أبو الوليد، وقال لي: تعال معنا، وعرفت أن أبو عمار يطلب أبو الوليد لمقابلته في مكان آخر، غير معروف لي، وقد بدأ أبو عمار، في الأيام الثلاثة الأخيرة، ومع اشتداد القصف على بيروت، يتحرك على نحو شبه سري، ويختار مقرات جديدة، خاصة بعد الضربة الجوية لكلية الهندسة، والتي أقنعتنا جميعا بأن إسرائيل تسعى لقتل القيادة.

          وقد رسخت هذه الفكرة في رأس أبو عمار، عندما كنت وإياه في جولة في منطقة الفاكهاني والطريق الجديدة قبل يومين؛ لقد توقف أبو عمار طويلا أمام بناية كلية الهندسة، وتفحص الإصابات الدقيقة جدا للصواريخ الإسرائيلية، لقد كان هدف الضربة الجوية، تدمير ثلاثة أدوار تحت الأرض، دون المساس بالطوابق العليا، وقد تحقق الهدف مئة بالمئة، « ولو كنا في هذا المبنى، لما خرج أي منا حيا، هكذا علق أبو عمار على الإصابات الدقيقة للصواريخ الإسرائيلية، وجدير بالذكر هنا أن الطوابق السفلى في كلية الهندسة كانت مقرا للقيادة في زمن السلم، ويمكن القول أن ضخامة المبنى وخلوه من المدنيين جعل الاختيار يقع عليه بعد تموز عام 1981، عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية مقر العمليات المشتركة وأدت إلى قتل ما يزيد على 300 وجرح 600 من المدنيين.

 

          وصلنا إلى مقر أبو عمار، بعد عشر دقائق بالسيارة، وقد عرفت أن هذا المقر، يتوسط العمليات رقم «35» وعمليات الغربي رقم « 3»، إنه في الحقيقة مقر قيادة أبو فراس الغربي وهو حلقة وصل بين المقرين، ولا تحيط به أية مظاهر عسكرية، من النوع المألوف حول مقراتنا، والغرفة التي يقيم فيها أبو عمار تقع في الدور الثاني من البناية.

          في الغرفة المجاورة، كان هناك فطور أبو عمار المعتاد، شاي وبعض الجبنة وفول وخبز ساخن، وجلسنا نتناول الفطور مع أبو عمار الذي كان في كامل لباسه العسكري وقد بدا عليه التوتر الشديد، واكتفى بشرب الشاي، وتحدثنا عن اتفاق وقف النار، وكان أبو عمار يعرف في قرارة نفسه أن (م. ت. ف) غير مشمولة بهذا الاتفاق، ولكنه يعاند الوقائع والواقع خوفا من الغرق في المستحيل والمجهول.

          وقال أبو عمار: علينا أن ننتبه ونكون يقظين في الساعات الأخيرة للقتال، فشارون يسعى إلى تسجيل انتصارات في الربع الساعة الأخير، وأن ضربة كلية الهندسة، تعني أنه يفتش عن هدف دسم لاصطياده حتى يقول للإسرائيليين أنه قد حقق ما عجز عنه الآخرون من قبله.

          ومضت ثوان فقط، حتى كانت الطائرات الإسرائيلية تقصفنا بالصواريخ فزجاج النوافذ تحطم، والغبار غمرنا، وشعرنا أن الطائرات تقصف البناية التي نحن بداخلها، وقفز أبو عمار إلى الطابق السفلي على الفور، وتبعناه بسرعة من باب البناية فرأيت الدخان والغبار يحيط بنا من كل جانب، إن الطائرات تقصف برج أبو حيدر والمزرعة، والمصيطبة لأول مرة، فالمناطق التي كانت هدفا للقصف الإسرائيلي في الأيام السابقة، ذات كثافة فلسطينية سكانية وسياسية وعسكرية، أما برج أبو حيدر والمزرعة والمصيطبة وثكنة الحلو، فهي مناطق لبنانية، وخطورة قصف هذه المناطق، أن «إسرائيل» تحرض السكان اللبنانيين على الوقوف ضدنا، وكان علينا أن نتصرف بسرعة، فالطائرات تحوم فوقنا وتلقي بصواريخها، على المنطقة، وسمعت أبو عمار يقول، وكان يقف تحت الدرج، لقد قصفوا العمليات رقم «35» فهذه الصواريخ قريبة جدا، إنهم يقصفون منطقة برج أبو حيدر، وهذا تصعيد خطير ليدب الذعر في السكان الذين أخذوا  يهبطون من الطوابق العليا إلى السفلى وهم يجرون أطفالهم، وفي هذه اللحظة سمعت « فتحي» يقول: المنطقة بكاملها تتعرض للقصف، وعلينا مغادرتها فوراً واقترب فتحي مني يدعوني للضغط على أبو عمار، لضرورة التحرك فورا إلى خارج منطقة القصف. وعندما نظرت من باب البناية، شاهدت الطائرات الإسرائيلية بالعين المجردة، وهي تحلق فوقنا، وتغير علينا، قلت للعميد أبو الوليد: أليس من الأفضل أن نغادر منطقة العمليات هذه، يبدو أن العدو قد اكتشف مقر العمليات في هذه المنطقة؟

 

التعليقات