حماس وإيران .. عودٌ على بدء

حماس وإيران .. عودٌ على بدء
د وليد القططي
في تصريحات جديدة للدكتور موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي لحركة حماس والقيادي البارز فيها قال " إن ما قدمته إيران من دعم للمقاومة الفلسطينية سواء على صعيد الإمداد أو التدريب أو المال لا يوازيه سقف آخر ولا تستطيعه معظم الدول ... إن موقف إيران الداعم والمساند للمقاومة الفلسطينية واضح ومعلوم خصوصاً أنه مُعلن وفوق الطاولة ... " .

وهذا الكلام من شخصية مهمة في القيادة السياسية لحركة حماس يأتي في سياق الجهد المبذول من كل من حركة حماس وإيران لإعادة العلاقات بينهما إلى سابق عهدها قبل اندلاع ما يُسمى بثورات الربيع العربي لا سيما في سوريا , وبعد مسيرة مرتبكة من علاقات حماس الخارجية بمحيطها الإقليمي . فما هي خلفيات هذا التقارب ؟ وما هي المحددات التي ينبغي أن تحكم علاقات وتحالفات الكل الفلسطيني مع الآخرين ؟

مما لا شك فيه أن المنطقة العربية تعيش منذ خمس سنوات حالة من الاضطراب تداخلت فيها متغيرات محلية واقليمية ودولية متشابكة , أفرزت أوضاعاً سياسية مُعقدة , تتميز بالسيولة المتواصلة , وتشبه الأمواج المتلاطمة , يصبح فيها الحليم حيراناً , ويضحى فيها الحكيم تائهاً , ومن أراد أن يصل فيها إلى بر الأمان أدمى قدميه , وكأنما يمشى على حبلٍ رفيع من الشوك , أو على شفا جرف هار قد ينهار به – إن لم يُحسن السير – في نار الفتنة ولهيب الحرب التي لا تبقى ولا تذر ... وهذا كله ساهم في الارتباك الذي أصاب علاقات حماس الخارجية التي تميزت بها الخمس سنوات العجاف السابقة وأثر سلبياً على علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية في إيران , ولكن هذا ليس كل شيء فالعوامل الذاتية لحركة حماس لعبت دوراً مهماً في هذا الارتباك .

ومن هذه العوامل الداخلية عدم حسم المعايير التي تقيم عليها الحركة تحالفاتها الخارجية إن كانت هذه المعايير مرتبطة بعلاقة حماس بالحركة الإسلامية باعتبارها جزءاً من جماعة الاخوان المسلمين أم مرتبطة بعلاقة حماس بالحركة الوطنية الفلسطينية باعتبارها جزءاً من حركة التحرر الوطني الفلسطيني , وهذا بدوره ناتج عن إشكالية الهوية والانتماء التي لم تُحسم بعد , أو على الأقل لم تُحدد أولويات الانتماء إن كان لجماعة الإخوان المسلمين أم للحركة الوطنية الفلسطينية , وهذا الغموض انعكس بدوره على بناء التحالفات الخارجية التي ذهبت باتجاه مشروع الإخوان المسلمين الإقليمي لا سيما في بداية ثورات ما يُعرف بالربيع العربي التي حقق فيه هذا المشروع نجاحاً في مصر ودول أخرى. وأحياناً ذهب باتجاه ما عرُف إعلامياً بـ (المحور السُني) الذي تشكّل لمواجهة ما أًطلق عليه (المحور الشيعي) ... وهذا كان على حساب تحالف الحركة مع (محور المقاومة والممانعة) أو هكذا بدا الأمر .

وبعد تراجع مشروع الإخوان المسلمين تحت ضربات الثورات المضادة المدعومة بالعسكر أو بصناديق الانتخابات، وبمساندة دولة إقليمية مهمة لديها مشروعاً (إسلامياً) آخر ترى في مشروع الإخوان المسلمين تهديداً لوجودها ، وبعد رفض الحركة من (المحور السني) كونها حملت (اثمين) هما : اثم الانتماء للإخوان المسلمين، واثم تبنيها لنهج المقاومة.

وفي ضوء تسارع الأخبار عن التقارب بين الكيان الصهيوني وهذا المحور الذي نزع عن وجهه برقع الحياء وازال عنه قناع الخجل، فما كان يتم في الخفاء بالأمس القريب، أصبح يتم في العلن في الحاضر ، فخرجت الأصوات المطالبة بتعديل المبادرة العربية للسلام لتناسب المقاس الإسرائيلي الذي يجردها من جوهرها ليأخذ السلام والتطبيع بدون أن يُعطى الأرض ... في ضوء ذلك كله تأتي تصريحات السيد موسى أبو مرزوق في محاولة لتلطيف الأجواء تمهيداً لإعادة العلاقات بين حماس كحركة وإيران كدولة إلى عهدها السابق، وهي عودة إلى المنطقة الآمنة حيث ثبات الموقف الإيراني من القضية الفلسطينية ودعم المقاومة.

وللخروج من حالة الارتباك في علاقات الكل الفلسطيني بما فيها فصائل المقاومة لابد من أن تكون هذه العلاقات جزءاً من مشروع وطني فلسطيني جامع، ومنظومة نضال متكاملة ضد الاحتلال. وهذا المشروع يستند على رؤية وطنية واضحة لما نريده من الآخرين، ورؤية سياسية استراتيجية واضحة الأهداف. وهذه الرؤية ترتكز على معايير محددة محورها فلسطين , فبقدر اقتراب الآخرين من فلسطين والمقاومة نقترب منهم. وأن تبتعد عن المحاور والصراعات الإقليمية التي لا تكون فلسطين مركزها والقدس قلبها. وأن تكون هدفها حشد الدعم العربي والإسلامي والدولي لدعم القضية الفلسطينية وصمود الشعب ومقاومته. وأن تبحث عن المشترك في العلاقات مع الآخرين، وتبتعد عن نقاط الخلاف البعيدة عن فلسطين . والانفتاح على العالم على أرضية الحقوق الوطنية الفلسطينية  . والاتفاق على أن للشعب الفلسطيني عدواً واحداً فقط هو الكيان الصهيوني.