ائتلاف أمان: ضبط التمويل الانتخابي سيكون المعضلة الرئيسية أمام أي انتخابات قادمة

رام الله - دنيا الوطن
عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة- أمان ورشة عمل حول "الواقع القانوني والمؤسساتي المتعلق بتمويل الحملات الانتخابية في فلسطين"، وذلك بهدف تعزيز النزاهة والشفافية والمساءلة في العملية الانتخابية، والتمهيد لتأسيس إطار قانوني وإجرائي يضبط عملية التمويل الانتخابي، على اعتبار ان التمويل غير المضبوط يفتح الباب أمام مظاهر مختلفة من الفساد الانتخابي ويؤثر بشكل كبير ومباشر على نتائج الانتخابات، وعقدت الورشة تمهيداً للخروج باستخلاصات وتوصيات لضبط عملية تمويل الحملات الانتخابية تتماشى مع الخصوصية الفلسطينية في هذا المجال.

افتتح الجلسة مستشار مجلس إدارة ائتلاف أمان لشؤون مكافحة الفساد د.عزمي الشعيبي بالإشارة إلى أن المبدأ الذي ينطلق منه ائتلاف أمان عند طرق هذا الموضوع هو مساهمته الدائمة في الرقابة على الشأن العام، وأن إدارته تتم بنزاهة وشفافية، مشدداً على أن النزاهة هي الاساس في تقييم نجاح أي انتخابات انطلاقاً من مدى نزاهة النظام الانتخابي، الجهة المشرفة، العملية الانتخابية والاطراف المشاركة فيها مرشحين او ناخبين.

وفيما يتعلق بتمويل الحملات الانتخابية المختلفة، أشار الشعيبي إلى أن الإطار القانوني الناظم لهذه العملية اقتصر على تحديد مجالات تمويل العملية الانتخابية وكيفية استخدام الاموال، ومحظورات التمويل فضلا عن استخدام الرشوة وحظر التمويل الاجنبي، إلا أن غياب الرقابة الجدية عن عملية التمويل تعد إحدى أهم المشاكل التي تواجه الانتخابات ليس في فلسطين فقط وانما في كثير من الدول الديموقراطية، ما يترك المجال مفتوحا للتلاعب وغياب النزاهة عن هذه الجزئية.

المال يحكم الانتخابات.. ومن يدفع أكثر يحصد أصواتا أكثر!

من جانبه قال المدير التنفيذي لائتلاف أمان مجدي أبو زيد إن ائتلاف أمان أعد مشروعاً متكاملا يتعلق بضبط التمويل الانتخابي يأمل في نهايته أن يصل إلى وثيقة توجيهية متفق عليها فلسطينياً تحتوي على مبادئ أساسية يستند إليها المشرّع في صياغة قانون انتخابات عصري ومحكم، بحيث يكون الاساس وجود ضوابط خاصة في تمويل الحملات الانتخابية بشكل عادل ومنصف، لأن من يدفع أكثر يحصد أصواتا أكثر. وأشار أبو زيد إلى أن المشروع يتضمن أيضا تعزيز قدرات المؤسسات الرسمية والأهلية في الرقابة على التمويل الانتخابي، ويفتح النقاش الجاد في هذا الموضوع الحيوي والذي قد يستغرق لفترة طويلة، ولكن الفكرة هي أن نبدأ.

واعتبر أبو زيد أن الدراسة موضوع النقاش هي دراسة تشخيصية تعطي فكرة عن الوضع الفلسطيني الحالي بناءً على القوانين والمؤشرات الحالية، متسائلا – على سبيل المثال- عن السبب في غياب تمويل عام للانتخابات وعدم وجود حساب موحد للحملات الانتخابية يتم الإشراف عليه من جهات الاختصاص، موضحاً أن الخطة تشمل العمل التشاركي مع الأحزاب والفصائل والقوائم الانتخابية الفلسطينية ومع لجنة الانتخابات ووزارة المالية، وسلطة النقد وديوان الرقابة المالية والإدارية ومجلس القضاء الأعلى والمؤسسات الأهلية.

مآخذ على الإطار التشريعي الناظم رغم بعض الإيجابيات

معدة الدراسة المحامية عنان جبعيتي أكدت أن تقييم نصوص التشريعات الفلسطينية التى تحكم عملية التمويل والإنفاق فى الانتخابات، يبين وجود عدد من الايجابيات تتمثل بحظر التمويل الاجنبي، تحديد سقف معين للانفاق على الدعاية الانتخابية، وضع بعض القيود على الدعاية الانتخابية، وحظر تقديم الرشاوي الانتخابية وفرض عقوبات على كل من يرتكبها.

وأشارت جبعيتي إلى أن الايجابيات سابقة الذكر لا تحقق النزاهة المنشودة لضبط عملية التلاعب فى الإنفاق الانتخابي وتحقيق الرقابة الحقيقية عليها حتى يتوافر مبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين ويتم منع التلاعب فى الإنفاق المالي على الدعاية الانتخابية، وذلك لاغفال التشريعات الفلسطينية معالجة عدد من النقاط المتعلقة بكل من: التمويل والإنفاق على الحملة الانتخابية، تعريف النفقات الانتخابية، رقابة الهيئة المشرفة على الانتخابات، إغفال الرقابة الشعبية على الإنفاق، العقوبات و إغفال دور المجتمع المدنى فى الرقابة على تمويل الحملات الانتخابية.

فالقانون الفلسطيني لم يتطرق لمبدأ التمويل العام المباشر واكتفى بالتمويل الخاص للحملات، رغم ما يوفره هذا المبدأ من تكافؤ للفرص وفتح المجال للاحزاب الجديدة، فيما غفل القانون عن تحديد حساب بنكي موحد تضع فيها القائمة الانتخابية حسابها وترفع عنه السرية ويخضع للرقابة، فضلا عن غياب أي ضوابط تتعلق بالإشهار السياسي حيث يلجأ بعض المتنافسون إلى بدء حملاتهم الانتخابية قبل فترة الدعاية الانتخابية ولا يتم في هذه الحالة احتساب الأموال التي يتم صرفها ضمن السقف الموضوع للحملات الانتخابية. من جانب آخر اغفلت التشريعات وضع حدود وسقوف عليا للتبرعات وخاصة الفردية لما لذلك من أهمية في منع رجال المال من التحكم بالمرشحين وادائهم بعد فوزهم، فيما لم يحظر القانون تمويل عدد من الجهات للحملات كالأموال المتحصلة من مصادر غير مشروعة او جرائم وسرقات، إلى جانب عدم إلزام المرشحين بالكشف عن أعضاء حملاتهم الانتخابية ورواتبهم وغيرها من معلومات تخدم الشفافية والنزاهة في ظل غياب تعريف واضح للنفقات الانتخابية وتحديد معناها.

اما في الجانب الرقابي فأكدت جبعيتي عدم وجود آليات ووسائل للرقابة على تمويل الحملات في ظل اكتفاء الجهات المعنية بانتظار تقديم القوائم الانتخابية لحساباتها المالية خلال شهر من انتهاء الحملة، فيما تم إغفال الدور الرقابي للجهات الشعبية والمجتمع المدني في ظل غياب الشفافية المعلومات المتوفرة حول المبالغ المحددة للإنفاق على الحملات الانتخابية.

واختتمت جبعيتي المآخذ على الإطار التشريعي الخاص بتمويل الحملات الانتخابية بالتطرق إلى أن العقوبات لا تمثل رادعا حقيقيا للتلاعب فى الإنفاق على الدعاية الانتخابية ولا تمثل ضمانة لشفافية ونزاهة العملية الانتخابية، حيث لم ينص القانون على وجوب استبعاد اسم المرشح من قائمة المرشحين وانما منح المحكمة الصلاحية الجوازية، وكذلك لم يتم النص على منعه من ممارسة حقوقه السياسية لفترة قادمة.

مجال التلاعب مفتوح.. والرقابة هي الحل

من جهته اعتبر المدير التنفيذي للجنة الانتخابات المركزية هشام كحيل أن الانتخابات مهما كانت نزيهة في اجراءاتها فإن المال السياسي يبقى الانتقاد الاساسي في اي انتخابات. وأشار الى أن غياب  قانون الأحزاب (للخصوصية الفلسطينية) يشكل تحديا لمعالجة الموضوع. مطالبا ائتلاف أمان وغيره من مؤسسات المجتمع المدني بالعمل على ميثاق شرف وتوزيعه على الأطراف ذات الصلة لمحاولة فرض نوع من الالتزام في أية انتخابات لاحقة، مؤكدا أن لجنة الانتخابات تنتظر التوافق على مخرجات هذا المشروع حتى يتم تضمينها في اجراءات اللجنة مستقبلاً.

في سياق متصل، اعتبر النائب في المجلس التشريعي أيمن ضراغمة أن الواقع الفلسطيني معقّد في ظل الظروف المحيطة، مشدداً على أن غياب الرقابة على قضايا أكبر واهم ذات علاقة بالمال العام كالموازنة العامة يعني غياباً ضمنياً للرقابة على العملية الانتخابية، على الرغم من أهمية وجود حدود دنيا توافقية بخصوص ضبط التمويل الانتخابي بين الكتل والأحزاب المشاركة في الانتخابات.

من جانبه أكد النائب في المجلس التشريعي د. حسن خريشة أن موضوع ضبط تمويل الحملات الانتخابية سواء الرئاسية أو المحلية يشكل قضيّة حساسة في مجتمعنا الفلسطيني بسبب الخصوصية السياسية، معتبراً أن الانفاق على الانتخابات بشكل مبالغ فيه يحدث نفوراً لدى المواطنين بما يثبت ان من يملك المال ليس فائزا دوماً.

في ذات السياق اتفق مدير المشاريع في جمعية بسمة للثقافة والفنون يحيى عودة في حديثه عبر الفيديو كونفرنس من غزة مع التوجهات التي تحدثت عن ضرورة تحديد جهة التمويل حتى تكون الانتخابات أكثر عدلا ونزاهة مستقبلا، في ظل ما يلعبه المال من دور فيما وصفه ب "شراء الأصوات". بينما طالب محمد ابو ندى من المركز الفلسطيني لحل النزاعات بضرورة تقديم بيان يوضح عملية صرف أموال الانتخابات منبهاً إلى أن المشكلة هي أن الرقابة تتم بشكل لاحق عوضاً عن وجود رقابة مسبقة من خلال تعيين محاسب او فتح حساب بنكي غير سري.

مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الانسان د.عمّار دويك أكد من جهته أن لجنة الانتخابات المركزية بذلت في انتخابات عام 2005/2006 جهودا واستعدادات مكثفة كان الهدف منها تنظيم اجراءات الانتخابات من حيث الاقتراع والفرز ولم يتم التركيز في حينه على الحملات وتمويلها. وقد ساهمت تدخلات وتوصيات لجنة الانتخابات في تحديد سقف أعلى للحملات حدد بمليون دولار لكل من الرئاسة والقائمة بينما حدد مبلغ 60 ألف دولار للفرد. وأشار دويك إلى أنه وفي قرار بقانون عام 2007 بشأن الانتخابات تقرر إعطاء لجنة الانتخابات الصلاحية في وضع الأنظمة الانتخابية دون الحاجة إلى موافقة مجلس الوزراء، وان الفرصة كانت وما زالت مواتية لصياغة أنظمة انتخابية تضبط التمويل الانتخابي بموجب هذه الصلاحية.

في سياق متّصل شدد عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني فهمي شاهين على ضرورة تطوير البيئة التشريعية الناظمة للانتخابات بما يضمن تعويض القصور الحالي وتطوير آليات الرقابة وتعزيز صلاحيات لجنة الانتخابات المركزية وتوفير الحماية لها في ممارسة عملها.

أما عضو المكتب السياسي للجبهة العربية الفلسطينية مفلح نادي فأشار إلى ضرورة فتح حساب بنكي مكشوف لما يعطيه من ضابط ورادع لكل المشاركين في العملية الانتخابية، مع التشديد على أهمية تفسير ماهية التمويل الأجنبي المحظور.

وأفاد عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير العربية سليم حمدان أن دمج كافة الجهود المبذولة لتعزيز البيئة الانتخابية في مكافحة الفساد وتحصينها يمكن أن يتم عن طريق نشر القيم والمبادئ التي تساهم في المساءلة ما ينعكس على النظرة المستقبلية للعملية الانتخابية وخاصة في اوساط الشباب الذي يعتبر مؤثرا وفاعلا ومراقبا.

في الختام أشار ماجد حسين من الدائرة القانونية في ديوان الرقابة المالية والإدارية إلى أن الديوان بصدد تطوير قدراته على مراقبة التمويل الانتخابي. وأن للديوان دور في ممارسة الرقابة على الجهات الخاضعة ومن ضمنها لجنة الانتخابات المركزية، مشدداً على أن هذه الرقابة ليست من ناحية التأثير على عملها وإنما للرقابة على حسن الأداء والفعالية المهنية. وأفاد حسين أنه لم يسبق للديوان ان نشر تقارير حول الانتخابات، إلا أن فريقا متخصصاً من الديوان سيتم تدريبيه خلال الفترة القادمة حول هذا الموضوع بالتعاون مع المنظمة الدولية لأجهزة الرقابة العليا-الانتوساي.

يذكر أن جلسة النقاش حظيت بحضور عدد كبير من أعضاء المجلس التشريعي والمكاتب السياسية المختلفة، فضلا عن مؤسسات المجتمع المدني ولجنة الانتخابات المركزية، ديوان الفتوى والتشريع، وديوان الرقابة المالية والإدارية. وتأتي هذه الجلسة ضمن مشروع ينفذ بالتعاون مع لجنة الانتخابات المركزية في مشروع "الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني" الممول من الاتحاد الأوروبي.