نعم لتنفيذ أحكام الاعدام

نعم لتنفيذ أحكام الاعدام
بقلم د. وليد القططي

منذ أن صادقت كتلة حماس البرلمانية في قطاع غزة على أحكام الاعدام الصادرة من المحاكم الجنائية بحق ثلاثة عشر مُداناً بجرائم قتل بشعة والضجة مُثارة من جهات مختلفة على رأسها السلطة الوطنية وحركة فتح ومؤسسات حقوقية , تُطالب جميعها بعدم تنفيذ أحكام الاعدام المذكورة لأسباب مختلفة تأخذ أبعاداً قانونية وإنسانية وسياسية . فما حقيقة هذه الضجة ؟ وهل تستند إلى مبررات منطقية ؟ أم تدخل في إطار المناكفات السياسية ؟  وما الأفضل للشعب الفلسطيني  تنفيذ أحكام الاعدام أم عدم تنفيذها ؟ .

حقيقة هذه الضجة أنها تعارض تنفيذ أحكام الاعدام الصادرة ضد مواطنين مدانين بجرائم قتل وحشية تحت مبررات مختلفة أهمها مبررات قانونية باعتبارها تخالف المادة ( 109 ) من القانون الأساسي الفلسطيني الذي يُعطى لرئيس السلطة الصلاحية الحصرية في المصادقة على أحكام الاعدام الصادرة من المحاكم الفلسطينية , وتعتبر تنفيذها بدون هذه المصادقة قتل خارج نطاق القانون , اضافة إلى اعتبار الكتلة البرلمانية لحماس غير شرعية لانتهاء مدة ولايتها ولخروجها على ( الشرعية الفلسطينية ) . ومبررات سياسية تعتبر تنفيذ أحكام الاعدام مخالف للتوجه الدولي الذي يسير نحو إلغاء عقوبة الاعدام , وان تنفيذها سيجر على قطاع غزة إدانة المجتمع الدولي وربما اتخاذ إجراءات عقابية ضده . ومبررات إنسانية تعتبر أن تطبيق عقوبة الاعدام جريمة قتل في إطار القانون تخالف القيم الإنسانية التي تقدّس حياة البشر حتى لو كانوا مجرمين , كما أن عقوبة الاعدام لم تمنع استمرار ارتكاب الجرائم المختلفة ومنها جرائم القتل العمد .  

وهذه المبررات غيرمنطقية ولا يمكن الاستناد إليها لوقف تنفيذ أحكام الاعدام , فالنسبة للمبررات القانونية فإذا كانت كتلة حماس البرلمانية غير شرعية لانتهاء مدة ولايتها فإن هذا ينطبق على رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس الذي انتهت مدة ولايته منذ سنوات , وأما خروج كتلة حماس البرلمانية على ( الشرعية الفلسطينية ) فإذا كان المقصود بالشرعية هي الانتخابات فإنها جزء من تلك الشرعية . أما بالنسبة لمخالفة القانون الأساسي لا سيما المادة ( 109 ) فإن كتلة حماس البرلمانية قد استندت بدورها على المادة ( 37 ) من القانون الأساسي الذي يُعطي المجلس التشريعي صلاحيات الرئيس في حال غيابه , والرئيس غائب عملياً عن قطاع غزة , ولا يوجد مكوّن شرعي في غزة غير المجلس التشريعي , وأن أحكام الاعدام قد مرت بالإجراءات القانونية المتبعة من محكمة البداية ثم محكمة الاستئناف ثم محكمة النقض , وبمصادقة المجلس التشريعي – أو من حضر منه – أصبح حكماً باتاً وناجزاً .

والمبررات السياسية التي تأخذ بعين الاعتبار توّجه المجتمع الدولي الذي يعارض عقوبة الاعدام ويتجه نحو إلغائها من أحكام القضاء , فالأمر ليس بهذه الدقة حيث أن عقوبة الاعدام لا زالت تطبق في دول تضم 60% من سكان العالم منهم ودول كبرى كالولايات المتحدة والصين الشعبية , كما أن بعض الدول التي ألغتها تدرس إمكانية إرجاعها للحجم الجريمة , والخوف من الإدانة الدولية لا يبرر التضحية  بأمن المجتمع والحفاظ على حياة الناس وأموالهم وأعراضهم .

أما المبررات الإنسانية فإن هذا المعيار ( الإنساني ) يأخذ بعين الاعتبار مصلحة الشخص المدان بالجريمة والإبقاء على حياته في إطار من الإنسانية الوهمية والعطف الأحمق والتباكي الكاذب , وتتجاهل حق المجني عليه ( المقتول ) الذي فقد حياته , وحق ذويه في القصاص العادل من القاتل  , وحق المجتمع في ردع المجرمين كي لا يرتكبوا جرائمهم , وفي الحفاظ على حياتهم وأموالهم وأعراضهم من أن تُسلب أو تنتهك , ولا تدرك أن تنفيذ عقوبة الاعدام بحق الجناة القتلة هو منتهى الانسانية , وذلك بأن القصاص من القاتل ومعرفته بأنه سيُقتل إذا قتل قد يمنعه من الجريمة فيحفظ حياته وحياة من يريد قتله , كما يحفظ حياة الآخرين بردع من تسّول له نفسه قتل انسان آخر مصداقاً لقوله تعالى " وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ " .

والخلاصة أن تنفيذ أحكام الاعدام فيه تطبيق لمنهج الاسلام في منع الجريمة وصون حياة الناس , وفيه تطبيق للقانون أو على الاقل لروح القانون الذي يحقق العدل بين الناس , وفيه إخماد لنار الفتنة العائلية ولعادة الثأر في المجتمع .ولكن تنفيذ هذه الأحكام ينبغي أن يكون في إطار منظومة متكاملة تكون فيه  معرفة أسباب الجريمة في المجتمع ومكافحتها , والعمل على توفير سبل الحياة الكريمة للناس , وتوفير احتياجاتهم المادية والمعنوية , وسد ابواب الجريمة وغيرها من ركائز مكافحة الجريمة .