"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل السادس-ح1 : بيروت يا بيروت .. أبو عمار يحلق في سماء عاصمة العواصم

"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل السادس-ح1 : بيروت يا بيروت .. أبو عمار يحلق في سماء عاصمة العواصم
دنيا الوطن - ميسون كحيل
 

في الفصل السادس من سلسلة كتاب عرفات حياته كما أرادها أصر الكاتب أن يحلق في سماء عاصمة العواصم بيروت هكذا اطلق عليها الرئيس عرفات أثناء الحصار والصمود الكبير في زمن العزة والكرامة وقد شاء القدر أن يرتبط زعيم هذا الزمان مع مدينة لزمن امتزجت فيه الدماء الفلسطينية ـ اللبنانية وحلقت في أجوائها بطولة لم يشهد لها مثيل . ولمح الكاتب في هذا الفصل إلى رؤية عرفات الثاقبة التي توقعت حرب واسعة شاملة أطلق عليها كما أوضح الكاتب اسم " الأوكورديون " تشبيها بالآلة الموسيقية وحركتها  ! ونظرا لما استشعره القائد أعلن عن التعبئة العامة فور عودته من مؤتمر فاس الأول  حيث استضافت القواعد الفلسطينية إلى جانب قوات الثورة الفلسطينية مجموعات كبيرة من الشباب الفلسطيني في الشتات للتدريب العسكري والتجهيز الذي طال تطوير الصواريخ وصناعة الأربي جي وتزويد القوات ما أمكن من السلاح والعتاد والتحضير للمعركة التي توقعها عرفات كما كانت.

 
الفصـل السادس:

 

بيروت يا بيروت

 
أبو عمار، وأمام هذا الرسوخ في مكانته بين شعبه وعلى مستوى العالم، أصبح الرقم الصعب في معادلة الحرب والسلام في الشرق الأوسط، وكل المحاولات التي جرت للتخلص منه فشلت في تحقيق هدفها، لقد استفحل خطره واستحال احتواءه أو السيطرة عليه وإخضاعه بواسطة القوى المحلية، إنه يطور صواريخ «غراد»، ولديه مدفعية هاوتزر 155 ملم، ولديه دبابات (ت34) وقدم الآربي جي) المصنوعة عند فتح لفيدل كاسترو، ويقوم ببناء قوة عسكرية ذات شأن، وفي شباط 1982، يستشعر الخطر المحدق بثورته وبشعبه وقضيته، فيبدأ حملة واسعة للتدريب العسكري بما يقترب من التعبئة العامة، ويتحدث عن عملية عسكرية إسرائيلية بعيدة المدى للإطباق عليه، وأسماها عملية «الأوكورديون»، كان شديد الانتباه والتركيز على مجريات الأحداث في معسكر العدو الإسرائيلي، فالجنرال شارون وزير الدفاع الإسرائيلي، والجنرال الكسندرهيج، وزير الخارجية الأمريكية، يجتمعان في واشنطن ويصدر عن الاجتماع بيان مشترك، يقرأه أبو عمار مرة ومرتين، ويضع الخطوط تحت كل كلمة بقلمه الأحمر، وحين ينتهي من البيان يقول: «إن أمامنا أياماً صعبة»، ويأمر بحفر الآبار وتخزين المحروقات وشراء محولات كهربائية ومواد غذائية، وبناء الملاجئ في المخيمات وأحياء بيروت الغربية، إنه يعد العدة لمواجهة طويلة في بيروت.

اخترقت الدبابات الإسرائيلية جنوب لبنان وحاصرت بيروت الغربية من ثلاث جهات، وكانت جبهة البحر محاصرة بالسفن الحربية الإسرائيلية مع سيطرة إسرائيلية مطلقة على الأجواء، إن التحليل الواقعي والمنطقي والعسكري يؤدي إلى نتيجة واحدة، مفادها أن وضع أبو عمار في هذه الحالة ميئوس منه، وليس أمامه إن أراد أن ينجو بنفسه إلا أن يرفع الراية البيضاء ويسلم نفسه لأقرب دبابة إسرائيلية، ولأنه يحفر في الصخر ويكتب تاريخ شعبه بدمه، ويعرف أن هذا الغزو الإسرائيلي إنما يهدف إلى إعادة التاريخ إلى الوراء وإخراج فلسطين مرة أخرى من تاريخ وجغرافيا الشرق الأوسط، فإنه يرفض كل مساومة وكل منطق شكلي يقوم على حسابات القوى وموازينها كما في الحروب الكلاسيكية، فالخضوع لمنطق القوة وحسابات القوى السائدة، معناه الوحيد نهاية فلسطين التي يعيش من أجل استعادتها، إنها حلم حياته الذي لا تقوى قوى الأرض كلها على إخراج فلسطين من روحه وعقله، ولا يفكر طويلاً في حسابات الآخرين، بل يزداد قناعة وإصراراً على السير في الطريق الذي اختاره، طريق مواجهة العدو ومقاومته ومقاتلته، من وجهة النظر القائلة «وما قيمة الحياة بلا وطن وبلا كرامة وبلا رجولة»؟ ويردد أبياتاً من الشعر

تقضي الرجولة أن نمد جسومنا جسراً            فقـل لرفـاقنا أن يعبـروا

إنه موسوعة من التحريض والتعبئة والحيوية الفائقة، إنه في كل مكان في بيروت والمخيمات، الصمود ولا شيء غير الصمود، والقتال ولا شيء غير القتال. عاد إلى بيروت في الرابعة والنصف صباحاً وعرف الجميع بعودته، إن روح الصمود التي تسكنه تسري بسرعة البرق في المقاتلين والميليشيات والناس على اختلافهم، وبيروت عاصمة عربية يجب أن ندافع عنها بأرواحنا. إن رجل المستحيل يخوض الحرب المستحيلة ولا بد أن يخرج ظافراً، شأنه في كل حروبه السابقة، وكيف يجعل من هذه المعركة خسارة لإسرائيل في الصراع على فلسطين، إن الصراع منذ بدايته يدور على فلسطين والمعارك والحروب والمواجهة في فلسطين أو خارجها تظهر نتائجها في فلسطين، إنها معركة «يا وحدنا» في «الزمن العربي الرديء»، إنها معركة حياة أو موت، ولا يوجد خيار ثالث، ويبقى السؤال المحير، لماذا يدفع ياسر عرفات خياراته إلى حدودها القصوى ويلغي كل الهوامش؟ وكان جوابه القاطع دائماً على دعاة التعقل والواقعية والحلول السهلة: «رصاص الأعداء يحيينا»، وثورتنا اختراق لواقع سايكس بيكو ويصمت ويحدق في المجهول ويقول: «أرى الضوء في نهاية النفق المظلم».
"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل الخامس-ح2:مجزرة تل الزعتر ودور نظام "الأسد"-من الذي تواطأ في اجتياح لبنان 82 ؟



"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل الثالث-ح2: قصة سفينة السلاح من "هونيكر" لياسر عرفات وكيف رد له الجميل أبو عمار

التعليقات