انهيار أوسلو وبقاء النظام الطبقي الجديد

انهيار أوسلو وبقاء النظام الطبقي الجديد
د. ياسر عبدالله 

باحث اجتماعي 

 
 بقي المجتمع الفلسطيني وحتى العام 1993 يعيش حالة من التجانس الطبقي، فقد تضمنت التشكيلة الطبقية في حينه على تصنيفا تقليديا، ولم تكن النظرة الطبقية بين افراد المجتمع تشكل عائقا او حاجزا نحو التعايش والتضامن والتكافل، فقد تشكل المجتمع الفلسطيني من طبقات متقاربة رغم الفروقات في الأوضاع الاقتصادية ،وكان التلاحم والترابط سمت التركيبة الطبقية الفلسطينية، وكان الغني والفقير يد واحدة في مقاومة الاحتلال وتغطرسه، وبقي ذلك حتى اتفاق اوسلوا حيث بدأت الطبقية تطفو على السطح، ولم يقتصر ذلك على التركيبة الطبقية التقليدية التي تعايش معها المجتمع الفلسطيني لسنوات وعقود مضت بل ظهر هناك فئة من المجتمع شكلة طبقة داخل المجتمع تتمتع بامتيازات طبقية في كافة المجالات، التوظيف والمكانة الاجتماعية وبداء يظهر التمايز بين فئات المجتمعات في مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية .

جاء أوسلو، او جاءوا بأوسلو، او جاءنا أوسلو بمتغيرات كثيرة ومتسارعة، تلك المتغيرات شملت جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية إضافة الى التغيرات في جغرافيا فلسطين والنظام الطبقي الفلسطيني ،وظهر في المجتمع الفلسطيني طبقة غريبة مستحدثة على الواقع الفلسطيني، تكونت من أصحاب النفوذ في كافة القطاعات الحكومية والأهلية والقطاع الخاص، هؤلاء الاقطاعيون الجدد لم يكن لهم تاريخ في عالم البرجوازية والرأسمالية ، ولكنهم الان يملكون ثروات الوطن ويتحكمون في اقتصاده ونفوذه، هم برجوازي أوسلو، والغريب ان المجتمع الفلسطيني صاحب التاريخ النضالي العريق تقبل ذلك بهدوء وصمت .

وقد احتوى النظام الطبق الجديد على سياسيين ومدنيين وأكاديميين ومقاولين وسماسرة، ابناءهم في مدارس خاصة وجامعات عريقة ومنح وتوظيف، بيوتهم تجاوزت البناء التقليدي، ابنائهم في جامعات أوروبية وبريطانية وامريكية، ارصدة وحسابات في البنوك، عقارات، هم أصحاب نفوذ في الوطن والجميع يتهامس بهم وعنهم، ولكن في الواقع ان الصمت يعم الجميع. اما في الوظائف الخدماتية التقليدية – معلم، ممرض –محاسب، عامل، الخ لا تجد أحد من أبناء تلك الطبقة يتقدم لتلك الوظائف، انما هم في الوظائف السيادية، قضاء، خارجية، اعلام، داخلية، ...الخ وهنا برز النظام الطبقي المتصف بطبقة المتنفذين في ثروات وقطاعات الوطن، وأصبح الجميع أيضا يهمس بهم وعنهم ولكن في الواقع هم يسيدون ويسيطرون على الوظائف المرموقة، وأيضا تعليم أبنائهم في جامعات عريقة ومجانا على حساب الوطن سواء منح او دعم مالي وحتى توظيف وهم على مقاعد الدراسة.

أوسلو للأسف انهار وترك خلفه كوارث في الواق الفلسطيني من تراجع في القيم النضالية ، وتراجع في مفاهيم المقاومة ، أوسلو انهار وترك خلفه النظام الطبقي الجديد ، بالرغم من عدم تحقيق أي انجاز على المستوى السياسي والاقتصادي الا ان طبقة المتنفذين هي ما تبقى من نظام أوسلو ، فقد حافظت تلك الطبقة على مكانتها ونفوذها ، في حين ان أبناء الشعب، عامة الشعب يعانوا من ويلات اوسلوا سواء في قطاع غزة او في الضفة الغربية ، فهم يدفعون أقساط جامعات لتدريس أبنائهم ويتحملون ارتفاع التكاليف الجامعية، وبعد تخرجهم لا يجدون وظائف لهم. في حين أبناء الطبقة المتنفذة يتعلمون مجانا وعلى حساب الدولة ووظائفهم جاهزة ان لم يكن اغلبهم توظف وهو على مقاعد الدراسة، من هنا نقول ان أوسلو انهار وترك خلفه نظام طبقي جديد نتاج اتفاق اوسلو المشئوم، ولمن يتصفح أسماء وزراء الحكومة الفلسطينية يجد معظم الوزراء هم خريجو الجامعات الامريكية والبريطانية والأوروبية، أي أبناء الطبقة الجديدة، في حين ان طبقة المناضلين والأسرى وأبناء الطبقة الكادحة، هم من يحمل هم الشعب ومعاناة الاحتلال والفقر والبطالة.