غزة .. و الطابور الخامس ..!!

غزة .. و الطابور الخامس ..!!
 بقلم : محمد يوسف الوحيدي  

زمان ، لما كنا نسمع أو نقرأ تعبير " الطابور الخامس " و المؤامرة " كنا نُشَنِّف الآذان و نُرهِف السمع و نركز و نحاول أن نفهم ، فالكلمة فيها ما فيها من تشويق و غموض ، و الإنسان بطبعه يحب أن يبحث و ينقب عن المجهول و الغيبي .. اليوم نضحك على التعبير و قائله ، بل نتهمه بانه يهذي إن لم يكن يكذب .. فهل أصبح الأمر عادياً ، أم أننا تبلدنا و أصبحت الأمور لا تعنينا ؟ فنحن تعودنا على أن نعتمد على رؤية ما يدور حولنا بأعين غيرنا ، و أن نفكر بعقول آخرين ، و أن ننجذب إلى ما يقال لنا أنه يستحق الإعجاب ، المهم أن يتحدث بشء من العبوس و الجدية ، و ملامح المفكرين و العظمة ، و هذه طبيعة بشرية ، تتزايد و تتناقص لدى مجتمعات عن مجتمعات بفعل عوامل كثيرة .. 

و ربما أن عوامل الفقر و الجهل و المرض ، تلكم العوامل و العناوين التي تعلمناها منذ الصغر ، و كانت السبب وراء الثورات و الإنقلابات و حركات التصحيح ، و إنبلاج الأفكار و النظريات الإشتراكية و الشعبية و الثورية و تمدد الحس و الإلتزام الديني في مناطق أخرى ، للخلاص منها و التحرر و الإنطلاق نحو الإكتفاء و التعليم و الصحة .. و من ثم الديمقراطية و العدالة الإجتماعية .. فالفقر و الجهل و المرض ، عرفت تاريخيا ، و إختبرت عملياً ، وما زالت ، على أنها الأسباب الرئيسة و المباشرة لمعظم آفات المجتمع ، و الطريق الأقرب و الأسهل للسيطرة عليه من قبل قوى خارجية إستعمارية كانت أم إحلالية . و لو نظرنا إلى مجتمعنا ، فسنجد أنه أصبح فريسة سهلة ، سواء لإنتشار الآفات و الأوبئة الإجتماعية ، من الداخل ، أو لتصدع جداره الخارجي الحامي ، مما يسهل الإختراق الإستعماري و الإحلالي الجديد ، فلم يعد الإستعمار بذلك الشكل التقليدي النمطي القديم ، جيوش و حاكم عسكري و سلطة و عنف و معتقلات ، ليصل في النهاية إلى غسل العقول و تغيير المفاهيم و تسميم المعتقدات و سرقة الخيرات .. الآن ، أصبحت الجيوش تلبس الملابس الراقية و تقيم الحفلات و تقدم مالذ و طاب من المشروبات و المأكولات ، و ساحات المعارك التي "يسقط " فيها أصحاب البلد الأصليين صرعى ، أصبحت ساحات تواصل إجتماعي ، و صفحات باسماء مستعارة ، لأشخاص أو مؤسسات و همية ، و إحتفالات في أرقى الفنادق مزينة بالأضواء ، أو معاهد تحمل شعارت التدريب و التعليم و التنمية ، بل و الصحة و العافية ، بل إن معظم " الجنود " هم من أبناء الوطن الأصليين ، قوات و مجموعات إسناد و إنزال و إبرار ، منهم من يسقط على المواقع المحددة له سابقاً بالباراشوت ، و منهم من يتم إنباته من الأرض إنباتاً ، كفسل صغير ، سرعان ما يتحول إلى غابة كثيفة غليظة الجذور ..  

و( الأسياد ) على إختلاف مشاربهم و ألوانهم ، يتصيدون بشكل دقيق ، يراقبون، و ينتظرون إلى أن يصل الغالبون من حكام و إدارة ، إلى أقصى درجات الغباء و الصلف و الشبق السلطوي ، و ينهكوا قوى المجتمع إنهاكاً ، و يبثون فيه الرعب و الجهل و المرض ، عندها يجئ دورهم بالتحرك ، لتفكيك المجتمع ، و تركيعه ، و بث كل ما يمكن أن يحبطهم و يشككهم حتى في معتقداتهم .. و رموزهم .. و ينساق من ينساق وراءهم من المُضَلَّلين و السفهاء ، بدعوى حرية التعبير ، و التمرد ، و تجد أن هناك من يدعمهم من مؤسسات موازية ، و جدت أصلاً لتبارز و تعطل عمل المؤسسات الصحفية الأصيلة .. فيجرحون و يشككون في شخصيات و قامات .. و يبثون الإشاعات ، و لو تعرفون ، فهذه هي أبرز مقومات و مهمات ما يعرف بالطابور الخامس ..

 تجد على سبيل المثال صحيفة لبنانية معروفة ، و متخصصة فقط ، ولها من يساعدها و يرفدها بالمعلومات و التقارير تحت مسمى " مهني و حرية تعبير" في تشويه صورة الغزيين بالذات ، و أخرى بريطانية ، و ثالثة من قوم تمام أفندم ، و قناة فضائية تبث من بلاد ما خلف البحار و المحيطات ، و صحيفة إلكترونية ، بخلفية حزبية ، لها أجندات خاصة ، تترك كل العالم بتقلباته و براكينه ، و تسلط الأضواء على هذه البقعة الصغيرة المسماه غزة و هذا المجتمع المكلوم بالغالبين عليه ، فتبرز على كل سئ ، و كل قبيح ، و تضخمه ، تحارب الناس بالناس ، و لو أنها تختلف سياسيا مع الغالبين ممن يتحكمون في الناس ، لفهمنا و إستوعبنا الأمر!! أما أن تتخصص و تأمر كتبتها ببث روح التشكيك ، و إظهار المجتمع على أنه منفلش تنتشر فيه الرذيلة و الموبقات ، و الناس فيه فاسدين أخلاقيا يتحرش فيه الرجال بالنساء و تتنازع العائلات ، و تكثر فيه السرقات و النصب الإحتيال و المخدرات .. فهذا أمر آخر ..هو بالقطع لأهداف أخرى .. أقلها و أكثرها مباشرة أن هذا شعب لا يستحق التعاطف ، و لا يقدر أن يعيش في دولة مستقلة .. و هنا لا نبرئ ساحة المتنفذين و الغالبين المسيطرين على المجتمع ، فهم من بادر إلى خرق السفينة تمهيداً لإغراقها بالكامل ، هم من يدفع أصحاب النفوس ذات القدرات البسيطة على التحمل ، يدفعونهم دفعاً نحو الهاوية ، و يدفعونهم لأن يبرروا لأنفسهم ، بل يقنعوا أنفسهم بأن ما يقومون به ما هو إلا حرية و تمرد و مهنية .. ببساطة لأنهم في حاجة إلى عمل ، و دخل و حياة ، فالتقرر من هذا النوع ، يتبعه مدد بالعملة الأمريكية أو اليورو الأوروبي ، ما يكفي لسد الحاجة ، و تحسين الهيئة ، بل و بلوغ الحلم في الجلوس مع الكبار في فندق فخم أو مطعم كان الوقوف على بابه أمنيه صعبة المنال .. هذا يحدث في ظل إدارة أوصلت الأمور إلى ما هي عليه ، و شاركت بغباء و سوء تقدير ، للأسف ، إلى هذه الحالة من التهالك و الإختراق .