دين أكثر..وطنية أكثر..حزبية أقل

دين أكثر..وطنية أكثر..حزبية أقل
بقلم / المهندس نهاد الخطيب                                          

مهندس وباحث في العلاقات الدولية   

             عندما وصل رئيس وزراء الهند الحالي ،باريندار مودي الى كرسي الحكم منذ حوالي عامين،رفع شعار غير مألوف وهو " قمامة أقل، دورات مياه أكثر، الطريقة الصينية في التصنيع" .والشعارات هي بالضرورة ، للزعماء ، ترتيب للأولويات الوطنية كما يراها ذلك الزعيم ، والهند لمن لا يعرفها ،هي فسيفساء بشرية بالغة التعقيد والروعة .فهي تتكون من عدة ألاف من الأعراق ومثلهم من اللغات ومثلهم من الأديان ، ورغم ذلك فهي مجتمع مستقر نسبياً ، بأكثر ما يسمح به مصطلح النسبية من مدى .بالإضافة الى أنها قوة صاعدة على المستوى الدولي ،وتعتبر من وجهة نظر علماء الإجتماع السياسي ، أكبر تجمع بشري ديمقراطي في تاريخ الإنسان حتى يومنا هذا .

           كلمة السر في نجاح التجربة الإنسانية الهندية ، هي فكرة المواطنة، والتي تؤدي الى سيادة صندوق الإقتراع  كعامل مقرر في شئون الحكم .

              استحضار التجربة الهندية ، جاء في سياق تمرين ذهني ،كواحد من ألاعيب العقل ، بخصوص أنه لو قيض للزعيم الفلسطيني الحالي ، أو القادم الجديد إعادة صياغة الشعارات الوطنية ، أو فلنقل إعادة صياغة الشعارات الفلسطينية على أسس وطنية ، مواكبةً للمرحلة السياسية الحالية فكيف ستكون ؟؟؟؟؟.

             يعتبر الدين احدأ من المكونات الرئيسة للثقافة الوطنية الفلسطينية ، مثلنا مثل باقي منطقتنا وربما الغالبية العظمى من سكان المعمورة ، وهو المرجعية الأساسية والمحرك الأهم لكل القيم والمسلكيات الوطنية ، التي تشكل جزءً من ثقافة شعبنا ، وهو بالفعل ينطوي على القيم اللازمة لتفجير الطاقات وتهذيب السلوكيات ، باتجاه الوطنية الحقة  والقيم المرتبطة بها من عدالة وتسامح وايثار وانتماء وحسن التعامل  ، وقبل كل ذلك تحرير الأرض من الأعداء ، وهنا المقام يطول لسرد مركزية الدين في حياتنا ، ولكن كل ذلك بشرط ابتعادنا عن تفسيرات ، أدعياء الثقافة الدينية ، في الوقت الذي هم فيه ضحايا ظاهرة الوهم المعرفي ، ففي الاسلام الصحيح  ليس بيننا وبين الله حجاب ، وإذا عملنا بما نفهم فقط ، دون مساعدة الأخرين فقد نجونا .

            وأما الوطنية فهي أيضاً في صلب ديننا وثقافتنا  ومكمل  رئيس لهما ، ولكن أيضاً بشرط تنقيتها من مظاهر الشوفينية التعصبية المقيتة ، فنحن شعب لا يكون إلا متسامحاً.

              وعند الحديث عن الحزبية فإننا نقترب من أفة خطيرة تصيب وتدمر العمل السياسي والوطني كله ، وخصوصاً في حالات  التحرر الوطني مثل حالتنا هذه ، وليس المقصود هنا بالحزبية ، هي أن يتعنقد مجموعة من الناس حول فكرة أو هدف أو حول الإثنين معاً ، بل إن المقصود هو المغالاة في الحزبية والتعصب بحيث يصبح الحزب أهم من القضية التي أنشأ للدفاع عنها ، هنا نحن أمام انحراف خطير تتسلل من خلاله المكيافيلية لتفسد القيم والأخلاق الوطنية، فيصبح الكذب مباحاً من أجل مصلحة الحركة أو الحزب ويصبح التواطؤ مع اللصوص ممكناً من أجل سمعة الحزب وربما في الحالات الصارخة يتم تفعيل نظام المهمات الجهادية .

           تضع الحزبية السيئة  الوطن كله والحالة الوطنية كلها في مخاطر وجودية بالإضافة الى سعي البعض لإستغلالها لتمرير أجندات غير وطنية.

         وعلى هذا يصبح شعارنا الجديد  "دين أكثر.. وطنية أكثر ..حزبية أقل"   يرحمكم الله