ليبرمان أداة نتنياهو الجديدة للسيطرة على الجيش

ليبرمان أداة نتنياهو الجديدة للسيطرة على الجيش
رام الله - دنيا الوطن - رازي نابلسي
اختار رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، تعميق التوجّه اليميني المتطرف لحكومته بضم حزب "إسرائيل بيتنا" إلى الحكومة الحاليّة، مع منحه أفيغدور ليبرمان منصب وزير الأمن؛ المنصب الأكثر حساسيّة وأهميّة بعد رئيس الحكومة، ما يجعل ليبرمان الرجل رقم (2) بعد نتنياهو، عقب وضع وزير الأمن السابق موشيه يعالون أمام خيار وحيد: الاستقالة!

وخلافًا لبعض التحليلات، ترى هذه الورقة أن توجّه نتنياهو نحو ليبرمان وصراعه مع وزير الأمن المستقيل موشيه يعالون على الجيش، يندرج في إطار الصراع الأكبر داخل المنظومة الاستعماريّة، وتبدّل النخب السياسيّة فيها خلال العقد الأخير على وجه الخصوص. إذ طغى تديين السياسة، كما الأمن، على ما سواه، إلى الحد الذي كان سيبدو فيه توجّه نتنياهو نحو إسحاق هرتسوغ وحزب "العمل" مفاجئًا أكثر من خطوته الأخيرة.

إن الصراع الذي خرج إلى العلن وبرز على الصفحات الأولى للصحف الإسرائيلية بين نتنياهو ويعالون، هو صراع على الجيش وعلى ماذا يؤثّر، وبماذا يتأثّر؟ فـ"الصهيونيّة المتديّنة التي يعتبرها نتنياهو "شريكًا طبيعيًا" اتخذت قرارها الإستراتيجي بالانخراط داخل المؤسسات الأمنيّة، وأصبحت تؤثّر على الجيش ومدى انضباط الجنود والقدرة على السيطرة لدى جنرالات ما زالوا، كحال يعالون، ينتمون إلى النخب الليبراليّة القديمة، ما يجعل الصراع على الجيش والسيطرة عليه يندرج ضمن سياق استكمال مراحل التحوّل الكامل لصالح إحكام سيطرة تيار "الصهيونية المتدينة" على السياسة والعسكر والمجتمع عمومًا.

أمّا على الصعيد السياساتيّ، فإن هذا التوجّه بمثابة إعلان موقف صريح بدفن ما تبقّى من رواسب الرهان على عمليّة التسويّة السياسيّة، عبر مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، بمواكبة دولية أو من دونها. بل يمكن القول إن التعاطي الفلسطيني والعربي مع مسارات سياسية هدفها استئناف التفاوض مع حكومة الأكثر يمينية وتطرفًا في إسرائيل؛ سيوفر لنتنياهو ما يحتاجه لتجميل وجه حكومته، وتوفير الغطاء السياسي وعامل الزمن لاستكمال تنفيذ خططه المحمومة لتعميق الاحتلال والاستيطان والعنصرية.

 المباحثات ما بين "الليكود" و "المعسكر الإسرائيلي "                                          
نشرت الصحافة الإسرائيلية للمرة الأولى، خلال شهر أيلول/سبتمبر العام الماضي، عن محادثات سريّة تجمع نتنياهو وهرتسوغ، لضمّ الأخير وحزب "العمل" للائتلاف الحكوميّ، إلّا أن هذه المحادثات توقّفت للمرة الأولى بسبب الانتخابات الداخليّة لحزب "العمل"، وتخوّف نتنياهو من الإطاحة بهرتسوغ كزعيم داخل حزبه، ما سيجعل من الصفقة تُدْخِل هرتسوغ إلى الحكومة دون حزبه، وهذا ما لا يريده نتنياهو.

إلّا أن قيام هرتسوغ بتأجيل الانتخابات الداخليّة حتّى نهاية العام 2017[1] أعاد نتنياهو وهرتسوغ إلى طاولة المفاوضات مرّة أخرى لبحث انضمام "المعسكر الصهيوني" للحكومة وتشكيل ائتلاف واسع. وعلى الرغم من إصرار هرتسوغ بداية على نفيّ وجود مثل هذه المحادثات إلّا أنه عاد وأكدّها بعد مرور أشهر على نشر الصحافة عنها وتنكّره لوجودها، الأمر الذي أنتج صراعًا داخل حزب "العمل" وصل حد مطالبته مرارًا بالاستقالة. ولم تقتصر المعارضة للمحادثات داخل حزب "العمل" على المستوى القياديّ السياسيّ، وتهديد بعض نواب الحزب بالتصويت مع المعارضة ضد ائتلاف حكومي يضم "العمل"، إذ انضمت إليها في وقت لاحق فئات قاعديّة شبابية نظّمت مظاهرة تحت عنوان "يجب تبديل بيبي، لا الانضمام إليه".

بدورها، أعلمت وزيرة القضاء السابقة وشريكة هرتسوغ في "المعسكر الصهيوني" ، تسيبي ليفني، أنها تُطالب بتفكيك هذا التحالف والفصل بين "العمل" وحزبها "كاديما" في حال التوقيع على ائتلاف حكوميّ مع نتنياهو[2].

أمّا في الحزب الحاكم "الليكود"، فعارضت نائبة وزير الخارجية تسيبي حوطوبيلي، ووزير الاستيعاب والهجرة زئيف إلكين، انضمام حزب "العمل" للحكومة بذريعتين أساسيتين: تأثير الانضمام على توجّهات الحكومة اليمينية، وتفكّك حزب العمل[3]. وعلى صعيد شعبيّ إسرائيلي، فإن استطلاعين للرأي أجرتهما القناتان الإسرائيليتان "الأولى" و"العاشرة" بيّنا أن "المعسكر الصهيوني" في حالة تراجع أولًا، وأن غالبية المجتمع الإسرائيلي ترفض انضمامه لحكومة نتنياهو.

 

 التوجّه نحو اليمين: ترسيخ حكم وتمرير قوانين

كان لهذه المعطيات، الشعبية والرسميّة، في كل من الحزبين اللذين كانا يجريان مباحثات لتشكيل حكومة "وحدة وطنيّة"، تأثير كبير على قرار نتنياهو بالتوجّه نحو اليمين الأكثر تطرّفًا، أي حزب "إسرائيل بيتنا" وزعيمه ليبرمان، لحفاظه على طابع حكومته اليمينية ومركّباتها التي كانت ستتفكّك مع دخول "المعسكر الصهيوني"، الذي طلب زعيمه خروج "البيت اليهودي" من الائتلاف كشرط لانضمامه[4]. ومن الجانب الآخر، أراد نتنياهو ضمان وجود أغلبية يمينية تمنحه هامشًا أوسع للمناورة والقدرة على تمرير مشاريع القرارات العنصريّة التي تنوي حكومته سنّها ولا تزال متوقّفة بأقل قدر من المعارضة والنقاش داخل الائتلاف.

من الطبيعي أن تخلف معارضة أعضاء الكنيست من حزب "العمل" وتهديدهم بالتصويت إلى جانب المعارضة، حتّى في حال بناء حكومة وحدة، حالة من الخوف لدى نتنياهو الذي يطمح لتوسيع حكومته الضيّقة، ووقف الاستفزازات من قبل الأحزاب المشاركة في الائتلاف، خاصة وأن مشاريع قوانين عديدة لا تزال عالقة بسبب اشتراط أعضاء الائتلاف التصويت عليها مقابل تنفيذ وعودات ومتطلّبات وميزانيات إضافية.

وفي المقابل، فإن دخول حزب "إسرائيل بيتنا" الذي يتوافق مع نتنياهو و"البيت اليهودي" الذي وصفه نتنياهو خلال الانتخابات الأخيرة بأنه ضمن "الشركاء الطبيعيين"[5]، يمنحه المساحة الأكبر لتمرير قوانينه دون معارضة أيديولوجية من مركز الخارطة السياسية الإسرائيلية كقضيّة "خطّة الغاز"، وغيرها من القضايا العالقة التي لا تزال تحتاج إلى تمرير وتعديلات.

أمّا على الصعيد السياسيّ، فحاول هرتسوغ التغطية على المعارضة الحزبيّة الداخلية بالحصول على دعم خارجي من رئيس الوزراء البريطانيّ السابق طوني بلير، والرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي، للضغط على نتنياهو من أجل فتح قنوات سياسيّة جديدة في ما يخص الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وإتمام الصفقة الائتلافيّة مع هرتسوغ بوصفه المعتدل القادر على السعيّ قدمًا بهذه المبادرة. أمّا تأثيرها على الساحة الداخليّة الإسرائيلية، فإن دخول هرتسوغ إلى الحكومة كوزير خارجيّة بموازاة فتح مسار جديد لعمليّة تفاوضيّة سياسية سيشكّل بالنسبة إليه فرصة لا تعوّض لاستعادة مكانته السياسيّة بعد التراجع الشخصيّ والحزبي الذي أشارت إليه استطلاعات الرأي. وإنقاذ هرتسوغ وحزب "العمل" سياسيًا، هو آخر ما يريده نتنياهو الذي شكّل حكومة "يمين- يمين"، وقام بتصفية كل منافس داخليّ وخاجي له.

 نتنياهو- يعالون: الصراع على الجيش

يخطئ الكثيرون من المحلّلين السياسيين، في التأريخ لبداية الصراع بين نتنياهو ويعالون، إلى الموقف من قضيّة الجندي الذي أعدم الشهيد عبد الفتّاح الشريف وهو مصاب وملقى على الأرض في الخليل، إذ وقف يعالون كوزير للأمن ضد الجندي ودعا إلى محاكمته. وعلى الرغم من أن موقفي نتنياهو ويعالون تشابها في البداية، إلّا أن نتنياهو عاد بعد مدّة قصيرة في أعقاب الضغط الذي قاده أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينت من يمين الخارطة السياسية الإسرائيلية، ليهاتف والد الجندي قائلًا "كأب لجندي، أتفهّم الأزمة التي تمرّون بها"[6]، ما اعتبره يعالون، وفق المحلّلين العسكريين الإسرائيليين، خيانة له!

فواقع الحال، إن قضيّة إعدام الشهيد الشريف ميدانيًا فجّرت خلافات "مضمرة" بين القيادتين العسكرية والسياسية، إذ وقف يعالون ورئيس هيئة الأركان العامة في جيش الاحتلال واستنكرا إطلاق النار على الشهيد. وفي الجهة المقابلة، وقف المستوى السياسيّ الحكوميّ الذي شكّل دعمًا للجندي ومنحه التبريرات اللازمة، وبرز من ضمنه كل من بينت وليبرمان.

بموازاة ذلك، كانت تدور معركة حقيقية أخرى بين نتنياهو وبينت على مخزون أصوات المستوطنين واليمين الإسرائيلي عمومًا. وهذا ما يؤكده التحوّل الذي حصل في موقف نتنياهو وتوقيته، إذ إن مكالمة نتنياهو لوالد الجندي وتراجعه عن الاستنكار جاءت مباشرة بعد دعم بينت للجندي[7] وبداية الحملة اليمينية على يعالون، وشارك فيها مركز حزب "الليكود" ذاته، واعدًا يعالون بـ"اغتيال سياسيّ".

وفي ذكرى المحرقة، حيث كانت قضيّة الجندي لا تزال تتصدّر العناوين، لم يكن تصريح بائير غولان، نائب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، الذي قال خلاله إن "ما يخيفني في ذكرى المحرقة هو رؤية مظاهر كانت موجودة في أوروبا عامة، وفي ألمانيا خاصة، حاضرة هنا في العام 2016"، أقل وقعًا على علاقات نتناهو- يعالون من قضيّة الجندي القاتل. فقد تكرر السيناريو ذاته، إذ وقف يعالون داعمًا لغولان مقابل استنكار كافة مركّبات الائتلاف الحكوميّ له، قائلا "أدعم نائب رئيس هيئة الأركان في أقواله التي تم تفسيرها وتحليلها بصورة خاطئة ومقصودة"، مضيفًا أنها "محاولة إضافية مقلقة لضرب الجيش وقيادته سياسيًا". وتابع قائلًا إن "وظيفة القائد في الجيش، وخاصة القيادات في مناصب عليا، لا تتوقّف على قيادة الجنود إلى المعركة، بل وظيفته أيضًا موضعتهم على طريق المبادئ بحسب البوصلة الأخلاقية".

إن تصريحات يعالون تلك مع دعوته القيادة العسكرية لاحقًا إلى إبداء رأيها في قضايا مختلفة حتى لو كان مخالفا لرأي "المؤسسة السياسية العليا"، تدل بصورة لا تدع مجالًا للشك على الخلاف الذي يدور بين الرجلين الأول والثاني في دولة الاحتلال، وجوهره الخلاف على العلاقة بين المؤسستين السياسية والعسكرية، على "سلطتين" في دولة واحدة.

 من حيث معادلات التنافس السياسي، لا يشكّل يعالون عمليًا أي خطر سياسيّ على نتنياهو، لا في الانتخابات الداخلية لحزب "الليكود" ولا على مستوى الساحة السياسية أجمع، خاصة أن يعالون واجه في الأشهر الأخيرة حملتين من اليمين المتطرّف تطالبان بتنحّيه "واغتياله سياسيًا". في المقابل، لا خلاف أيديولوجيًا بين الرجلين على صعيد الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، فيعالون لا يدعم إقامة دولة فلسطينية، كما أنه لا يدعم إدخال أي تسهيلات على الحصار المفروض على قطاع غزة، ورفض بناء الميناء في وقت سابق.

 باختصار، يعالون ليس أقل يمينية من نتنياهو، فهما لا يختلفان في كل ما يخص حل الصراع، بل بقيت سياسة إدارة الصراع تسير على ما هي عليه طوال فترة ولايته في وزارة الأمن. وما يميّز يعالون فعليًا، قدرته على ممارسة أفظع الجرائم، والتحدّث عن الأخلاقيات.

يدور الخلاف الأساسي بين نتنياهو ويعالون فعليًا على الصلاحيات، خاصة أن الأخير بدأ في الأشهر الأخيرة من ولايته في وزارة الأمن يستحوذ على الصفحات الأولى بسبب اختلاف المواقف مع نتنياهو إزاء قضايا عينيّة تخص خضوع الجيش للمؤسسة السياسية الرسمية العليا أولًا، ومن ثم مستقبل نتنياهو السياسيّ وظهوره الأكثر يمينية، بينما يهاجمه بينت وليبرمان من المعارضة والائتلاف من على يمين الخارطة السياسية الإسرائيلية.

 

 ليبرمان: سهولة الضغط على الزناد وتزايد الاستيطان

على الرغم من أن ليبرمان يفتقد لأي رصيد عسكريّ، بعكس يعالون الذي يملك خبرة 40 عامًا في المؤسسة العسكرية وشارك شخصيًا في عملية اغتيال القائد الشهيد خليل الوزير "أبو جهاد"، إلّا أن هذا ليس عاملًا في غاية الأهمية بالنسبة لقضيّة تعيينه في منصب وزير الأمن، لا سيما أن هذا المنصب تبوأه سابقًا عدة وزراء لا يملكون أي رصيد عسكري، أمثال موشيه آرنس، وليفي إشكول، وعمير بيرتس، وبعضهم كان "ناجحًا" كآرنس، بالإضافة إلى أن ليبرمان شغل منصب رئيس لجنة الأمن والخارجية كعضو كنيست وكوزير خارجية.

إن حاجة نتنياهو لليبرمان كوزير للأمن، بدلًا من يعالون، تهدف أولًا إلى حل الخلاف أو إعادته إلى الدوائر المغلقة بعيدًا عن الإعلام بين القيادتين العسكريّة والسياسيّة، وهو الخلاف الذي قاده يعالون وعزّزه بسياسة دعم جنرالات الجيش كما تبيّن في خطابه الأخير قبل الاستقالة. وتبيّن هذا في ردّ نتنياهو على دعوة يعالون قيادات الجيش للإفصاح عن آرائهم حتّى لو خالفت رأي ووجهة نظر القيادة السياسيّة إذ قال إنه "يتوجّب على قيادات الجيش إبداء رأيهم بكل حريّة في المكان المناسب وفي المواضيع التي تقع تحت مسؤوليتهم"، ما يدُل على نيّة نتنياهو إعادة القيادة العسكرية إلى الغرف المغلقة من حيث المكان، وإلى القضايا العسكرية من حيث المضمون. وهذا ما يتوقّع أن يساعده عليه ليبرمان، خاصة وأن الأخير إن اصطدم بجنرالات هيئة أركان الجيش فسيكون بسبب تصريحات إعلامية علنيّة، وليس بما سيحصل في الغرف المغلقة، ويعود ذلك إلى أهمية الحفاظ على ذات مخزون الأصوات الذي يتنافس عليه مع بينت ونتنياهو.

في المحصّلة، إن الهدف من "إقالة" يعالون وتعيين ليبرمان يأتي في سياق عملية واسعة لتهجين الجيش وقيادته الأمنية لصالح ترسيخ وتوسيع سلطات وصلاحيات نتنياهو.

أمّا على صعيد إسقاطات وجود ليبرمان في وزارة الأمن الإسرائيلية على الساحتين الإقليمية والفلسطينية، فإن التقارير الصحافية تشير إلى أن ليبرمان، وخلال وجوده في وزارة الخارجية، استطاع بناء علاقات وثيقة مع موظّفي الوزارة، كما أنه استطاع بناء علاقات وثيقة مع بعض الدول "السنيّة" وكان قادرًا على "التعلّم"، كما أنّه صرّح مرارًا على أهميّة بناء تحالف مع دول عربيّة سنيّة بذريعة العداء لإيران. ويتوقّع المحلّلون الإسرائيليون أن يتبنّى المواقف ذاتها في منصبه الجديد بالنسبة إلى تحالفات إسرائيل الإقليمية التي لا تزال سريّة[8]. أمّا فيما يخص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن الاختلافات ما بين ليبرمان ويعالون ليست كثيرة في المسار السياسيّ العام والالتزام بالاتفاقيات.

وتقتصر الاختلافات بينهما على نظرة كلّ منهما إلى شكل النظام السياسيّ الإسرائيلي الداخلي من حيث أهميّة فصل السلطات وثقل قرارات المحكمة الإسرائيلية العليا، فليبرمان يؤمن بتقويض المحكمة العليا وتدخّلها في القرار السياسي، بينما يؤمن يعالون بعكس ذلك ويتوجّه أكثر إلى شرعنة الاستيطان بقرارات المحكمة وانصياع المستوطنين إلى قراراتها.

إن التغيير الذي سيحصل فعليًا على الأرض، وخاصة أن هناك توقّعات عديدة بأن ليبرمان سيغيّر من نهجه وغوغائيته بسبب حساسية المنصب الجديد والمسؤولية عن أي تصريح من الممكن أن يصدر عنه، سيكون على صعيدين أساسيين: الأول، زيادة وتيرة الاستيطان بصورة كبيرة لكسب أصوات المستوطنين واليمين الاستيطاني. والثاني، تغيير قواعد إطلاق النار في الضفة الغربية باتجاه مزيد من الانفلات.

 

 تغيير ضمن إطار التغيير الأكبر

في ضوء ما سبق، يأتي الخلاف بين المستويين السياسيّ والعسكري الإسرائيلي ضمن إطار الصراع الأكبر على شكل ونظام الحكم والتغيّرات الديمغرافية- السياسيّة في دولة الاحتلال، فبعد عمليّة "فك الارتباط" مع قطاع غزّة،، اتخذ تيّار المستوطنين متمثّلًا في "الصهيونيّة المتديّنة" قرارًا إستراتيجيًا بالتغلغل داخل مؤسسات الدولة لمنع أي عمليّة إخلاء مستقبلية للمستوطنات في الضفّة الغربية، على غرار ما حدث في القطاع. وفي هذا السياق، نستذكر أقوال الراب إيلي سادان، وهو زعيم الكليّات التحضيريّة الدينية للخدمة العسكرية، إذ قال "يحظر الانفصال عن الدولة، وإنما ينبغي الدخول إلى جميع الأجهزة، الجيش والشاباك والأجهزة القضائية من أجل بلورة الدولة المثاليّة"[9].

إن تغلغل "المتديّنين الصهاينة" داخل الجيش يولّد حالة من عدم السيطرة والانضباط داخل صفوف الجيش الإسرائيلي، خاصة وأن الخبراء يشيرون إلى أنه يوجد جنود داخل الجيش لا يعتبرون أنفسهم خاضعين لسلطة قادتهم العسكريين أو للحاخاميّة العسكريّة[10]. وهو ما يؤكده الخبير في شؤون العلاقة ما بين السياسية والمجتمع والجيش في إسرائيل، د. يغيل ليفي، بقوله "نرى بوضوح العلاقة ما بين "الصهيونية المتديّنة" والجيش، فالجيش يؤثّر على هذه المجموعة، وهي تؤثّر عليه أيضًا، وبشكل أكبر"، مضيفًا أن "الجيش اليوم قابل للاختراق أكثر من الماضي من حيث التأثير، والمجموعات داخل الجيش تتنافس فيما بينها حول أشكال التأثير عليه".

بالنسبة إلى القيادة العسكرية وجنرالات هيئة الأركان التي لا تزال تؤمن بالانضباط وتأثير الجيش وتنتمي إلى مدرسة وزير الأمن المستقيل، "ليبراليّة أكثر وعلمانيّة أكثر"، فإن هذا التغيير في موازين القوى والتفكّك وإنشاء أكثر من فئة تؤثّر عليها جهات مختلفة داخل الجيش، وبخاصة دينية، غير مقبول. فالجنرال عندما يفقد قدرة السيطرة على جنوده يغدو مكانه عديم الجدوى مقابل حاخامات "الصهيونية المتديّنة" التي نجحت في التغلغل داخل مؤسسات الدولة، حتّى باتت تحيط بنتنياهو والحكومة وعلى رأس هرم المؤسسة الأمنية. وهنا يكمن محور الخلاف بين المؤسستين العسكرية والسياسيّة اليمينية الحاكمة بزعامة نتنياهو الذي اختار "البيت اليهودي" شريكًا طبيعيًا.

 

 خاتمة

يندرج ما يدور من صراع بين القيادتين العسكريّة والسياسيّة في إسرائيل في إطار التحوّل العام في تبدّل النخب السياسيّة وسيطرة اليمين المتديّن على مؤسسات الدولة، ومن ضمنها المدنية والأمنية، ومنح الصراع طابعًا "يهوديًّا متدينًا" خلاصيًا. والإطاحة بيعالون ليست إلّا مرحلة كانت حتميّة خلال الأشهر الأخيرة لوجوده في منصبه مع جنرالاته الذين رأى فيهم نتنياهو محورًا من شأنه أن يعيق عمليّة تحوّل النظام السياسي الإسرائيلي برمّته، وخروجه من منصبه، بحسب محلّلين سياسيين كثر، كان مسألة وقت.

إن وجود ليبرمان في وزارة الأمن ليس إلّا تكريسًا لسيطرة نتنياهو على الجيش وليس ليبرمان، ومعارضة نتنياهو لوجود سكرتير عسكري من الجيش يقوم بإطلاع الوزراء في المجلس الوزاري المصغّر للشؤون الأمنيّة والسياسيّة (كابينيت) على المستجدات العسكرية، يؤكد أن نتنياهو سيستمر في محاولات الانفراد في السلطة. والهدف النهائي الفعليّ من خروج يعالون ليس استبداله بليبرمان بقدر إقصاء من يُخالف نتنياهو.

على الصعيد السياساتي، والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، يجدر بالقيادة الفلسطينية الحذر من الوقوع في فخ منح نتنياهو هديّة المسار التفاوضي التي ستشكّل بالنسبة له منقذًا وتصوّر حكومته اليمينيّة على أنها راغبة وقادرة على فتح مسار تفاوضي أولًا. وثانيًا، عدم إنقاذ نتنياهو من أزمته في الساحة الدوليّة والتهديدات الذي يواجهها كشخص رئيس حكومة ومنظومة استعماريّة كاملة.

إن هذا المسار التفاوضي الذي لا يرفضه نتنياهو وفق شروطه التي تقطع الطريق على أي فرصة لقيام دولة فلسطينية مستقلة، يشكّل نافذة بالنسبة لإسرائيل للخروج أولًا من عزلتها الدوليّة المتنامية، وذريعة لتطبيع العلاقات مع بعض الدول العربيّة.

 

التعليقات