بعد مؤتمر تركيا والقضية الفلسطينية .. ماذا عن إيران ؟

بعد مؤتمر تركيا والقضية الفلسطينية .. ماذا عن إيران ؟
بقلم د. وليد القططي

في التاسع من شهر مايو الحالي عُقد في غزة مؤتمرٌ تحت عنوان ( تركيا والقضية الفلسطينية .. التحديات والطموحات ) بمبادرة وإشراف وتنظيم مؤسسة ( بيت الحكمة) التي يرأسها الدكتور( أحمد يوسف صالح ) بحضور ورعاية السفير التركي لدى السلطة الفلسطينية , وبمشاركة وحضور لفيف من الباحثين والكتّاب والسياسيين , حيث ناقش المؤتمر الموضوع من ثلاثة محاور توّزعت بين التاريخ الماضي والواقع الحاضر وآفاق المستقبل .وأثناء حضوري لإحدى جلسات المؤتمر همس في أُذني أحد الأصدقاء قائلاً " ماذا لو نظّم آخرون مؤتمراً حول إيران والقضية الفلسطينية ؟ ألا تستحق علاقة إيران بفلسطين مؤتمراً مشابهاً ؟ " . وظلّت هذه الهمسة ترنُ في أُذني عالقة في ذهني , وقلت لنفسي : إذا كان ذلك المؤتمر المنشود متعذراً في الوقت الراهن , فإن كتابة مقال حول هذا الموضوع في متناول اليد .

وكتابة مقال يتناول موضوع إيران والقضية الفلسطينية أشبه بمن يمشي وسط حقل ألغام أو بمن يسير على خط الشوك , في ظل ما تشهده المنطقة من صراع إقليمي وطحن مذهبي تُعتبر إيران أحد محاوره المركزية , هذا الصراع وذلك الطحن قد مزّقا الأمة الواحدة إلى شعوب وقبائل وفرق شتى يضرب بعضها رقاب بعض , في ظل ضجيج الفتنة المذهبية الذي يصمُ الآذان , ونار الحرب الأهلية التي تُعمي الأبصار , وجلبة المعركة الإعلامية التي تطمس على القلوب . وإذا كان صوت دعاة الفُرقة والتباعد والتشرذم قد علا اليوم على صوت دعاة الوحدة والتقارب والتجميع , فإن هذا مدعاة لمزيدٍ من الإصرار على اسكات ضجيج الفتنة وإخماد نار الحرب وإعلاء صوت المنطق والعقل والوحدة ... ولا بديل عن ذلك إلاّ العودة إلى الجاهلية الأولى والردة إلى القبلية البائدة والنكسة إلى دويلات ملوك الطوائف .

والتذكير بموضوع إيران والقضية الفلسطينية لا يعني التقليل من حجم ودور الآخرين ممن قدّموا الدعم للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية سواء الدعم السياسي أو الاقتصادي أو العسكري . فجميع أنواع الدعم تخدم الشعب والقضية طالما أنها لا تكون على حساب الثوابت والحقوق الوطنية . فالدعم الاقتصادي – الإنساني الخيري وفي البُنية التحتية – الذي تقدمه دول الخليج العربي وتركيا وغيرهم للشعب الفلسطيني يساهم في تعزيز صموده على أرضه , وهذا الصمود الشعبي ينعكس بطريقة إيجابية على المقاومة ويخدم مشروعها , وقيام إيران بدعم المقاومة الفلسطينية مباشرة حقيقة واضحة باعتراف العدو والصديق وبشهادة أهل المقاومة أثرت إيجابياً على فاعلية المقاومة ومشروعها , مهما قيل بعد ذلك عن الخلفيات والدوافع لهذا الدعم حيث تم إلباسه ثوب المصالح الإقليمية والنعرات المذهبية والعصبيات القومية عند قوم , أو بإرجاعه إلى مبادئ الثورة الإسلامية الإيرانية والدوافع الشرعية الدينية ومحددات وحدة الأمة الإسلامية وتضامنها عند قوم آخرين .

وفي كل الأحوال عندما نناقش علاقة الآخرين بالقضية الفلسطينية في مؤتمرات وندوات أو في أبحاث ومقالات ,  من الخطأ والقصور الاكتفاء بالحديث عمَ يريده الآخرون من فلسطين والقضية الفلسطينية , بل ينبغي أن نبحث أيضاً ماذا نريد نحن الفلسطينيين من الآخرين , وهذا يتطلب بدوره أن نتفق حول مشروع وطني جامع يحدد رؤية وطنية واضحة لعلاقتنا بالآخرين يكون في صلبها ومركزها مصلحة الشعب وخدمة قضيته , بمعنى أن تُصب هذه العلاقة في خدمة مشروع التحرير والعودة والاستقلال , وأن تُحدد بمعايير مركزها القدس وفلسطين ومحورها القرب أو البعد عن القضية الفلسطينية كقضية أولى ومركزية للعرب والمسلمين .

والمهم بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين في علاقاتنا بالآخرين لا سيما محيطنا العربي والإسلامي , ومنهم الدول الاقليمية غير العربية وفي مقدمتهم تركيا وإيران ألا نكون جزءاً من المحاور الإقليمية في المنطقة , وأن نكون خارج حالة الاستقطاب والاصطفاف مهما كانت هويته طالما أن فلسطين ليست مركزه والقدس ليست قلبه . والقضايا التي يجب الاهتمام بها وبحثها كفلسطينيين ليست الخلافات التاريخية والمذهبية والعرقية وغيرها , بل قضية فلسطين والقدس وكيفية الاستفادة من عمقنا العربي والإسلامي ومن أحرار العالم أجمع لخدمة قضيتنا , وكيفية تجميع كل أولئك لمواجهة الكيان الصهيوني باعتباره مركز المشروع الغربي الاستعماري ضد الأمة ومستضعفي العالم .