فتاوى رمضانية من دار الإفتاء الفلسطينية

فتاوى رمضانية  من دار الإفتاء الفلسطينية
1.     ما حكم اختلاف الدول العربية والإسلامية في ثبوت هلالي رمضان وشوال؟    الجواب: يثبت شهر رمضان المبارك برؤية الهلال، بعد غروب شمس يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان، فإن لم يُر الهلال؛ فيكمل شهر شعبان ثلاثين يوماً، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ، فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» [صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب قول النبي، صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)]، ويثبت الخروج من الشهر برؤية هلال شوال من قبل شاهدين عدلين، أو بإكمال عدته ثلاثين يوماً.

   وللعلماء تفصيل فيما يتعلق باختلاف مطالع الهلال، تباينت على إثره وجهات النظر بشأنه بشكل جلي، وينبغي على المواطنين حسماً للخلاف أن يأخذوا بما يعلن من قبل الجهات الرسمية بشأن الهلال، وتقوم بهذه المهمة عندنا دار الإفتاء الفلسطينية.

  

2.     هل تجب النية في الصوم لكل يوم، أم تكفي النية في أول ليلة من ثبوت شهر رمضان للشهر كله؟ 

    الجواب: يرى جمهور الفقهاء وجوب النية لكل يوم من أيام رمضان؛ لأن كل يوم يعد عبادة مستقلة عن اليوم الآخر، ويجب أن ينوي المسلم الصيام في الليل قبل طلوع الفجر الصادق؛ لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ» [سنن النسائي، كتاب الصيام، باب ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة في ذلك، وصححه الألباني]، وفي رواية: «مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلاَ صِيَامَ لَهُ» [سنن أبي داود، كتاب الصوم، باب النية في الصيام، وصححه الألباني]، ويقصد بالنية القصد القلبي دون الحاجة إلى التلفظ باللسان، ويعد السحور نية للصيام بحد ذاته، على اعتبار أن الذي يقوم للسحور، قد فعل ذلك استعداداً لصوم النهار التالي، وذلك عين القصد والنية.

ويرى الإمام مالك، رحمه الله، أن الشهر كله عبادة واحدة، وتكفي فيه نية صيام الشهر من أول ليلة عن أيامه كلها، وعليه؛ فلو نوى المسلم صيام الشهر من أول ليلة من باب الاحتياط، كان ذلك حسناً.

 

3.     ما الأفضل للمسافر في شهر رمضان؛ أن يبقى صائماً أم يفطر؟

    الجواب: يجوز للمسافر الذي يسافر سفراً طويلاً، بأن يقطع مسافة 81 كم فأكثر على رأي الجمهور، أن يفطر بعد أن يجاوز عمران بلده، والحكم بأفضلية الصيام، أو الإفطار في السفر، يختلف من شخص لآخر، فإن شق الصيام على المسافر، فالفطر في حقه أفضل، وإن لم يشق عليه؛ فالأفضل له مواصلة الصيام؛ لقول الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].

4.     من صام في بلد، ثم سافر إلى بلد آخر، صام أهله قبله أو بعده، فماذا يفعل؟

الجواب: يفطر بإفطار أهل البلد الذين ذهب إليهم، ولو زاد عن ثلاثين يوماً بالنسبة إليه؛ لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «الصومُ يومَ تصومونَ، والفطرُ يومَ تُفْطِرونَ، والأضحى يومَ تُضَحُّونَ» [سنن الترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون، وصححه الألباني]، ولكن إن لم يكمل تسعة وعشرين يوماً، فعليه إكمال ذلك الشهر بعد يوم العيد؛ لأن الشهر في الأحوال كلها لا ينقص عن تسعة وعشرين يوماً.

 

5.     يكثر السؤال من قبل المواطنين عن الذين يعملون في المهن الشاقة، كعمال البناء في شدة الحر، ومن يعملون في الأفران، ونحوهما، هل يجوز لهم الإفطار في رمضان لهذا العذر؟    الجواب: الواجب في حقهم الصيام؛ لقول الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]، فيجب عليهم أن ينووا من الليل الصيام، ويشرعوا فيه، فإن شق على واحد منهم الصيام مشقة شديدة- بحيث لا يقوى معها على مواصلة الصيام- أفطر، وقضى يوماً آخر مكانه، أو مكان الأيام التي أفطرها، والأفضل للمسلم في هذا الشهر أن يتخذ الوسائل التي تمكنه من صيامه كاملاً، وليحرص على الصيام في رمضان، حيث يجد تشجيعاً على الصيام والناس صائمون، أما القضاء؛ فقد تتثاقل النفس عن أدائه، والله تعالى أعلم.

 

6.     ما حكم من عجز عن الصوم؛ لكبرٍ، أو مرضٍ مزمن يصعب علاجه، فماذا عليه؟

   الجواب: إنَّ العجوز، والشيخ الفاني الذي فنيت قوته، والمريض مرضاً مزمناً، لا يرجى بُرْؤه، لا يلزمهم الصوم، ولهم أن يفطروا ما دام الصيام يُجْهِدُهُمَ، ويَشُقُّ عليهم؛ لقول الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]، وقال ابن عباس، رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}: "ليست منسوخة، وهو الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً، مقدار صاع من غالب قوت البلد" [تفسير الخازن: 1/153].

 

7.     ما حكم أداء العبادة من قبل مريض بالصرع؟

       الجواب: إن حالة الصرع تفقد الوعي، وتغيب عن الوجود، بحيث لا يعقل المصروع ما حوله، ولا يملك إرادته، الأمر الذي يسقط عنه التكليف عند الصرع، وإن كان الإغماء يصيب المصروع لأكثر من الوقت المخصص للعبادة فلا قضاء عليه، وهذا ما ذهب إليه الإمام أحمد بن حنبل، رضي الله عنه.

   وذهب الإمامان مالك والشافعي إلى سقوط القضاء عن المغمى عليه دون تفصيل، قياساً على المجنون.

   أما في حالة رجوع عقل المغمى عليه، وصحوته، فيجب عليه أن يؤدي ما فاته حسب استطاعته، لحديث عمران بن حصين، رضي الله عنه، قال: «كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: صَلِّ قَائِماً، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِداً، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ». (صحيح البخاري، أبواب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعداً صلى على جنب)

    ولا يجوز التهاون في أداء الصلوات، لقوله، صلى الله عليه وسلم: «أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ

يُصَلِّ الصَّلاَةَ، حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلاَةِ الأُخْرَى». (صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها)

8.     ما حكم صيام الذين يغسلون الكلى؟

    الجواب: نسأل الله جل وعلا أن يشفي مرضى الكلى، والمرضى جميعاً، أما غسيل الكلى فيُفطِّر؛ لأن السوائل التي تستخدم في عملية الغسيل مغذية، وهي تقوم مقام الأكل والشرب، وفي الأحوال كلها إن قدّر الطبيب أن الصوم فيه خطر على حياة المريض، أو أن مرضه لا يُرجى برؤه، فإنه يوجهه ليُفطر، لقول الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، انظر قرار مجلس الإفتاء الأعلى رقم 1/70 الصادر بتاريخ 21/8/2008، ويجب على المريض في هذه الحالة مقابل إفطاره أن يُخرِج عن كل يوم يفطره فدية طعام مسكين، والله تعالى أعلم.

 

9.     ما حكم موعد الإمساك المسجل في ورقة مواقيت الصلاة، والذي يكون عادة قبل أذان الفجر بحوالي ثلث ساعة، وهل يحرم الأكل في هذا الوقت؟

الجـواب: يبدأ وقت الصيام من طلوع الفجر الصادق، وهو موعد آذان الفجر، إلى غروب الشمس، وهو موعد أذان المغرب؛ لقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]، ويسن الأذان الأول للفجر من باب الاحتياط للعبادة، والأصح أن يُطلق عليه اسم الأذان الأول، وليس الإمساك، وهو يدل على قرب دخول وقت أذان الفجر الثاني(الصادق)؛ كي يأخذ المسلم الحيطة والحذر، ويستعد لترك الأكل والشرب والمفطرات إن كان يريد الصوم، وبناءً على ذلك؛ يجوز للمسلم أن يستمر في الأكل والشرب إلى أذان الفجر، ولا يحرم عليه الطعام والشراب، إلا إذا دخل وقت الأذان، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ، أَوْ أَحَدًا مِنْكُمْ، أَذَانُ بِلالٍ مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ يُنَادِي بِلَيْلٍ، لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ، وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ» [صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب الأذان قبل الفجر].  أما الإمساك قبل هذا الوقت فهو بدعة، ما أنزل الله بها من سلطان، ولا دليل على اعتباره من كتاب ولا سنة، فعن عائشة، رضي الله عنها، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا، وَاشْرَبُوا؛ حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» [صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب الأذان قبل الفجر]، وأذان بلال هو الأذان الأول، وأذان ابن أم مكتوم، هو الأذان الثاني، أي أذان الفجر الصادق الذي يبدأ به وقت صلاة الفجر، والله تعالى أعلم.

 

10.        ما حكم دخول شيء من الماء إلى الجوف أثناء وضوء الصائم؟

    الجواب: الأصل أن ما يصل إلى الجوف يفطّر، والأصل أن يحتاط الصائم، ويحترز من دخول الماء إلى الجوف، فلا يبالغ في المضمضة والاستنشاق؛ أخذاً بوصية رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حيث قال: «وَبَالِغْ فِي الاِسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» [سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب في الاستنثار، وصححه الألباني]، فإن حصل ذلك من الصائم دون قصد أو عمد، كما ورد في السؤال، فصومه صحيح لم يَفْسد، أما إن فعله عن قصد وتعمد، فإن الصيام يفسد، مع إثم الفاعل، وعليه التوبة والاستغفار، وعدم العودة لمثل هذا التقصير أبداً، وأن يقضي يوماً آخر مكانه،  والله تعالى أعلم. 

 

11.        إذا استيقظ المسلم في الليل، فأكل أو شرب، ثم تبين له أنه أكل وشرب بعد الفجر، فما حكم صيامه، وماذا يفعل؟   الجواب: إن تبين أنه أكل بعد دخول وقت الفجر الصادق، كأن سمع الإقامة للصلاة، أو تأكد من خلال الساعة ونحوها، فإنه قد أفسد صيامه، ويجب عليه أن يمسك بقية اليوم، وأن يقضي يوماً آخر مكانه بعد رمضان، وعليه أن يحتاط جيداً فيما يتعلق بمواعيد الإمساك والإفطار، كي لا يقع في مثل هذا الخطأ مرة ثانية، الذي يرفع إثمه عنه، أما إن بقي شاكاً في طلوع الفجر، ولم يتبين له، وتعذر عليه الوقوف على حقيقة الأمر، فصيامه صحيح؛ لأن الأصل بقاء الليل،  والله تعالى أعلم. فمن أكل أو شرب وهو يظن أن الفجر لم يطلع (لم يؤذن له) وقد كان طَلَع (أي أذن للفجر)، أو أفطر وهو يظن أن الشمس قد غابت، ولم تَغِبْ (أي لم يؤذن للمغرب حقيقة)، أو سمع أذان المغرب من التلفاز، لدولة تسبقنا في غروب الشمس، فظن أن هذا الأذان لبلادنا فأفطر، ثم تبين له عكس ذلك؛ فعليه إمساك بقية اليوم، وقضاء يوم مكانه كما ذكرنا.

12.        مـا حكم مَنْ أَكَلَ أو شَرِبَ ناسـياً وهَوَ صَـائِمٌ؟ وهل هناك فرق بين صيام رمضان وغيره بالخصوص؟

الجواب: فمَنْ أكلَ أو شَرِبَ ناسياً وهو صائم، فإنَّ صيامَه صحيحٌ، ولا إثـْمَ عليه؛ إذ لا قـَصْدَ له في ذلك، ولا إرادة، بل هو رزقٌ ساقـَهُ الله إليه؛ فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» [صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر]، ولكن متى ذَكَرَ أنـَّه صائمٌ، وَجَبَ عليه أنْ يلفظَ كُلَّ ما في فـَمِهِ، ولا يَبْتـَلِعَه، مع الـمضمضة ومَجِّ الماء، وعليه أن يُتِمَّ صومَه، ولا قضاء عليه، ولا فرق في هذا الحكم بين أن يكون الصيام فرضاً، أو قضاءً، أو نذراً، أو كفارة، أو نفلاً، والله تعالى أعلم.

 

13.        مَنْ رأى شخصاً يأكل أو يشرب في نهار رمضان، ناسياً أو متعمداً، هل ينبهه أم لا؟

   الجواب: الأصل فيمن رأى صائماً يأكل أو يشرب ناسياً في نهار رمضان أن ينبهه، وأن يذكره بأنه صائم؛ لأن المؤمن مرآة أخيه، والدين النصيحة، وهذا من قبيل التعاون على البر والتقوى، الذي أمر الله تعالى به، فقال سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، وأما من يظهر أنه متعمد في فطره، مجاهراً في انتهاك حرمة الشهر، فالأصل أن تقوم الجهات المعنية بزجره وأمثاله، وردعهم بالعقوبة المناسبة، درءاً للفتنة، واحتراماً لمشاعر الصائمين، وتعظيماً لحرمات الله تعالى، ويمكن نصح هؤلاء بالموعظة الحسنة؛ وذلك من باب إنكار المنكر؛ لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا، فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ» [صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص].

 

 

14.    ما حكم الأكل والشرب أثناء أذان الفجر؟

      الجواب: لا يجوز الأكل أو الشرب أثناء أذان الفجر، فإذا كبر المؤذن، وجب الامتناع عن تناول الطعام والشراب فوراً؛ لقول

رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا، وَاشْرَبُوا، حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» [صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره]، لكن لو كان في فيه لقمةٌ يَمضُغُها؛ جاز له ابتلاعها، أو كان قد شرع في الشرب جاز له أن يُتِمَّ شربه.

15.        ماذا على أولاد الميت الذي لم يُصل ولم يصم؟

   الجواب: إن العبادات إما جسدية وإما مالية، فالمالية بإمكان الأبناء أن يؤدوها عن والدهم، لما روي عن ‏‏أبي هريرة، رضي الله عنه، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ؛ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ » (صحيح مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته‏)، أما بالنسبة إلى الصلاة والصيام، فهما عبادتان جسديتان، يجب على نفس المكلف أن يقوم بهما. أما الأولاد؛ فإن صلوا مع صلاتهم صلاة لأبيهم، وصاموا مع صيامهم النافلة صياماً لأبيهم، فإني أرجو الله عز وجل أن يقبل ذلك، والأفضل أن يكثر الأولاد من الصدقات، والتبرعات، والقربات عن أبيهم، لعل الله يغفر لوالدهم المقصر في حياته.

 

16.        من مات وعليه صيام، هل يجب الإطعام عنه أو الصيام؟

    الجواب: يكون لدى بعض الناس عجز دائم عن الصيام كالشيخ الهرم، والمريض مرضاً مزمناً، فيموت خلال رمضان، فهؤلاء يجب الإطعام عنهم بقدر ما مرَّ عليهم من الأيام التي أفطروها من رمضان، ويكون الإطعام من التركة، وإن أراد أحد الورثة أو الأقارب أن يؤديها من ماله الخاص براً بالميت، فلا حرج، ويؤجر على ذلك، إن شاء الله تعالى، ومنهم من يكون مريضاً، ثم يموت خلال مرضه، فهؤلاء لا قضاء عليهم ولا فدية، ومنهم من يمرض في رمضان، ثم يبرأ من مرضه، وكان مستطيعاً القضاء بعد رمضان، ولم يقض حتى مات، فهؤلاء يُخيّر ورثتهم بين الإطعام عن كل يوم مسكيناً، أو الصيام عنه بقدر الأيام التي أفطرها؛ لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ؛ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» [صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم].

 

17.        ما حكم من يصوم رمضان، إلا أنه لا يصلي مُطلقاً؟

    الجواب: الصلاة ركن من أركان الإسلام، وهي الركن الوحيد الذي فرضه الله جل وعلا على نبيه محمد، صلى الله عليه وسلم، في السماء، وقد جعلها الله تعالى بادئ ذي بدئ خمسين صلاة، وخففها لخمس، لكنها بأجر خمسين صلاة، فمن تركها جاحداً ومنكراً، فهو كافر باتفاق العلماء، وحتى لو صام فلا يقبل صيامه، وأما من تركها كسلاً وتهاوناً، فقد ذهب الجمهور إلى أنه عاصٍ، وغير خارج عن الملة، ويقبل صيامه، إن شاء الله تعالى، وننصحه أن يتقي الله تعالى، وأن يحرص على الصلاة، كما يحرص على الصيام، والله تعالى أعلم.

 

 

18.        هل يُشترط التتابع في قضاء الصوم؟

   الجواب: لا يُشترط في القضاء التتابع؛ لمطلق قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، والله تعالى أعلم.

 

19.        ما حكم الـجمع بين قضاء رمضان، وصيام الأيام السِّتة من شوال، بِنِيَّةٍ واحدةٍ؟

الجـواب: لا يصح الجمع بين قضاء رمضان، وصيام الأيام الستة من شوال بِنِيَّةٍ واحدةٍ؛ لأنهما عبادتان مقصودتان لذاتهما، وكل واحدة منهما مطلوبة وحدها استقلالاً، ولا تدخل إحداهما في الأخرى؛ لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» [صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعاً لرمضان]؛ فقد وضح النبي، صلى الله عليه وسلم، أن الأيام الستة غيرُ أيام رمضان، وأنها تـُكَمِّلُ لصائمها أجر صيام الدهر.

فالمطلوب هنا صيامُ شهر رمضان مضافاً إليه ستة أيام من شوال؛ حتى يَحصُلَ الصائم على أجر صيام الدهر؛ والله تعالى يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الأنعام: 160]، ومَن جَمَعَ القضاء مع الأيام الستة يكون قد صام شهر رمضان فقط؛ لأن الصيام عبادة ٌ مُضَيَّقة، لا يتسع وقتها لأكثر من الفريضة، فـَحَصَلَ له أجْرُ صيام عشرة أشهر فقط، لا أجْرَ صيامِ اثني عشر شهراً، كما ورد في حديث المصطفى، صلى الله عليه وسلم، ومن أمثلة ذلك:

(1)   من دخل المسجد لصلاة الظهر عند إقامة الصلاة؛ فدخل مع الإمام بنية الفرض والسنة القَبْلية معاً، فهذا لا يصح؛ لأن كل واحدة منهما عبادة مستقلة، مطلوبة لذاتها، ولا تندرج إحداهما في الأخرى، ولا تـُجزئ هذه الصلاة إلا عن الفرض؛ لأن الفرض وُجِدَت نِيَّتـُه، وهو أولى من النافلة وألزَمُ.

 

(2) من فاتته صلاة الظهر، فصلى العصر بنية أداء صلاة العصر، وقضاء صلاة الظهر معاً، فلا يصح الجمع بينهما، وتـُجزئ الصلاة في هذه الحالة عن الظهر الفائتة؛ ثم يصلي العصر، إلا إذا ضاق الوقت، ولم يتسع لقضاء الظهر وأداء العصر، ففي هذه الحالة يقدم أداء صلاة العصر الحاضرة على قضاء الظهر الفائتة، والله تعالى أعلم.

 

20.    ما العبادات التي يستحب الإكثار منها في رمضان؟

الجواب: رمضان شهر القرآن، والقيام، وصلة الأرحام، والإكثار من الصدقات، والعمرة في رمضان تعدل حجة، والاعتكاف فيه سنة مؤكدة، فعلها النبي، صلى الله عليه وسلم، لا سيما في العشر الأواخر منه، وداومت عليها من بعده نساؤه، وكذلك الصحابة الكرام، رضوان الله عنهم، وفيه ليلة القدر التي تفوق العبادة فيها عبادة ألف شهر، وهي في الوتر من العشر الأواخر، على الراجح من أقوال العلماء.

 

 

 

21.        ما حكم عرض المواعظ عبر شاشة التلفزيون في صلاة التراويح، بدلاً من أن يلقيها الإمام مباشرة؟

    الجواب: أجاز العلماء المواعظ أثناء التراويح، لما فيها من مصلحة للمسلمين، ومنفعة لهم، على ألا تعتبر جزءاً من الصلاة، أو من واجباتها.

   أما عن عرض الموعظة أو الدرس الديني عبر شاشة تلفزيون في المسجد، فلا يوجد مانع شرعي من ذلك، إن تقيد العرض بالضوابط الشرعية وآدابها، فالتلفزيون وسيلة تربوية، يساهم استخدامه في التعليم والوعظ في تحقيق فوائد كثيرة للمتعلمين، ومن أبرز ذلك تشويقهم للمادة العلمية المعروضة، وجذب انتباههم أكثر؛ لمتابعتها والاستفادة منها.

 

22.        ما حكم صلاة التراويح ليلة العيد جماعة في المسجد، كباقي أيام رمضان المبارك، بحجة إحياء ليلة العيد؟

   الجواب: صلاة التراويح في رمضان سنة مؤكدة، صلاها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفعلها صحابته الكرام، رضي الله عنهم، وقال، عليه الصلاة والسلام، مرغباً فيها: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح)، ولكنها لا تشرع في غير ليالي رمضان، فليلة العيد هي ليلة الأول من شهر شوال، والآثار التي وردت في إحياء ليلتي العيدين ضعيفة جداً، قال ابن تيمية: "وصلاة ليلتي العيدين، وصلاة يوم عاشوراء، وأمثال ذلك من الصلوات المروية عن النبي، صلى الله عليه وسلم، مع اتفاق أهل المعرفة بحديثه، أن ذلك كذب عليه". (الفتاوى الكبرى لابن تيمية، ج24، ص202)، وعليه؛ فإن صلاة التراويح جماعة في المسجد ليلة العيد بدعة محدثة، لأنه لم يرد فيها نص صحيح.

 

23.        ما حكم الاعتكاف؟ وما أحكامه العامة؟

   الجواب: إن الاعتكاف سنة مستحبة، ويدلّ على ذلك فعله r، فقد «كَانَ النَّبِيُّ، ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ‏يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» (صحيح البخاري، كتاب الاعتكاف، باب اعتكاف النساء). والاعتكاف هو الإقامة في المسجد، وهو قربة يتقرب بها العبد إلى خالقه سبحانه وتعالى، قال U: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}(البقرة: 125)، ويكون الاعتكاف في المساجد، والله تعالى يقول: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}(البقرة: 187)، ولا يخرج المعتكف من معتكفه إلا لحاجة لا بدّ له منها، فعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: «... كَانَ لا يَدْخُلُ ‏ ‏الْبَيْتَ ‏‏ إِلا لِحَاجَةٍ، إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا » (صحيح البخاري، كتاب الاعتكاف، باب لا يدخل البيت إلا لحاجة). ويصح الاعتكاف في رمضان وغيره من الشهور، حيث «اعْتَكَفَ r فِي آخِرِ الْعَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ». (صحيح البخاري، كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في شوال)

  وللمعتكف أن ينوي الأيام التي يريد اعتكافها، بغض النظر عن عددها، فعن أبي هريرة t، قال: «كَانَ النَّبِيُّ، ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،‏ ‏يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْماً» (صحيح البخاري، كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان). ويصح الاعتكاف للنساء، كما للرجال، إذا أُمِنّت الفتنة، لحديث يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،َ‏ ‏يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ، وَإِذَا صَلَّى ‏ ‏الْغَدَاةَ ‏ ‏دَخَلَ مَكَانَهُ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ، قَالَ: فَاسْتَأْذَنَتْهُ ‏ ‏عَائِشَةُ ‏ ‏أَنْ تَعْتَكِفَ، فَأَذِنَ لَهَا، فَضَرَبَتْ فِيهِ ‏ ‏قُبَّةً» (صحيح البخاري، كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في شوال)، وفي حال انتشار الفتن وفقدان الأمن والأمان فلا يصح اعتكاف المرأة في المساجد، فأمانها وصونها من الفتنة واجب مقدم على سنة الاعتكاف. ويمنع المعتكف من جماع امرأته، لقوله تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}، فمن فعل؛ بطل اعتكافه، ويستحب للمعتكف أن يشغل نفسه بالطاعة، من صلاة، وقراءة قرآن، وذكر، وطلب علم، ونحوه.

 

24.        ما حكم صيام قاطع الأرحام؟

الجواب: صيامه صحيح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ»(صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها)، بمعنى أنه يسقط إثم ترك الصوم عنه، فلا يعذب عليه، كما يعذب المفطرون عمداً، لأنه عبادة مستقلة، وصلة الرحم عبادة أخرى، ولكن الأصل في عبادة الصيام أنها تحث على صلة وشائج الناس بعضهم ببعض، وخاصة الرحم، ويُعَدُّ هذا من ثمار عبادة الصيام، التي يتعالى فيها الإنسان عن حظوظ النفس وشهواتها من أجل الله تعالى، وليعلم قاطع الرحم أن ثواب صيامه في خطر.

 

25.        ما حكم من يصوم، ويُغضِبُ والِدَيه، ويقطعُهما؟

الجواب: إنَّ الصائم الذي يعق والديه أو أحدهما يأثم إثماً كبيراً؛ فعن سَالِمِ بن عبد اللَّهِ، عن أبيه، قال: قال رسول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ الله عز وجل إِلَيْهِمْ يوم الْقِيَامَةِ؛ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوثُ، وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ؛ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمُدْمِنُ على الْخَمْرِ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى » (سنن النسائي، كتاب الزكاة، باب المنان بما أعطى، وقال الألباني: حسن صحيح)، أما بالنسبة لصيام العاق، فالواجب يسقط عنه، لكن إثم العقوق يبقى يلاحقه، فعلى كل مسلم أن يتقيَ الله، عز وجل، في والِدَيه، وأن يبادر إلى إرضائهما، والصلح معهما، خاصة وقد أظلنا شهر رمضان المبارك، مع أهمية التذكير بمباغتة الأجل، فَلْيًحرِصْ كلٌّ منا على بِرِّ أبويه، قبل أن يأتيه ملك الموت، وَلاتَ حينَ مَنَاصٍ أو مندم.

 

26.        ما حكم صيام المتخاصمين في رمضان؟

الجواب: صيامهما صحيح؛ ولكن مع الإثم على الخصومة، والقطيعة؛ فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، رضي الله عنه، قال: إنَّ رسول اللهِ، صلى الله عليه وسلم، قال: «لاََ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ» (صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب الهجرة)، وهذا يدل على حرمة استمرار الخصومة بين المسلمين أكثر من ثلاثة أيام، ورغم أن الصيام عبادة مستقلة، وكذلك الصلاة، لكن ثوابهما ينقص بالخصومة والمعصية؛ ومن مقاصد العبادات أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر.

 

27.        ما حكم صيام من لا يخرج زكاة الفطر؟

   الجواب: صيامه صحيح؛ لأنه أتى ما أمر الله عز وجل من الصوم، وأما زكاة الفطر؛ فهي طهرة للصائم من اللغو والرفث، كما جاء في حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، زَكَاةَ الْفِطْرِ، طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ؛ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ فهي زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فهي صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» (سنن أبي داود، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر، وحسنه الألباني)؛ فالزكاة عبادة مستقلة، تجبر نقص الصوم، ويأثم تاركها، وتركها لا يفسد الصيام، إنما ينقص أجره.

 

28.        ما حكم مشاهدة التلفاز في رمضان؟

الجواب: إن التلفاز آلة ذات حدين؛ إما أن يُستثمَرَ في الخير؛ كبث قراءة القرآن، ودروس العلم، والبرامج النافعة، وهذا كثير، فيكون حلالاً؛ بل يؤجر مشاهده إذا لم يؤخر فريضةً، أو يُفَوِّت واجباً، وإما أن يستخدم في الشر والباطل؛ كمشاهدة المسلسلات الساقطة الهابطة، وما أكثرها! فيكون حراماً، يأثم فاعله، وخاصة في رمضان الذي أصبح عند كثير من الناس شهرَ المسلسلات، والأفلام، والفوازير والمسرحيات، الصادة عن ذكرِ الله، واستثمارِ موسم الخيرات، وهذا ينقص أجر الصائم؛ وقد يُذهِبُه، فالصائم يترك بصيامه أشياء كانت مباحة له في غير رمضان، فمن باب أولى أن يترك المحرمات التي لا تحل له في الأحوال والأوقات جميعها؛ ليكون في عداد الصائمين حقاً، فقد كان السلف إذا صاموا جلسوا في المساجد، وقالوا: نحفظ صومنا، ولا نغتاب أحداً، وإنَّ الصوم الحقيقي؛ هو صوم الجوارح عن محارم الله تعالى.

 

29.        ما حكم الإسراف في إعداد الموائد الرمضانية؟

الجواب: ينشغل الناس في صنع أنواع الطعام والشراب، ويتفننون في إعداد الأطباق، وتنويعها، حتى أذهب ذلك وقت ربات البيوت، وانشغلن به عن العبادة، وصار ما ينفق من الأموال ثمناً للأطعمة والأشربة أضعاف ما ينفق في الطاعة والقُربة، وأصبح الشهر شهرَ التخمة والسمنة وأمراض المعدة، يأكل بعض الناس أكل المنهومين، ويشربون شرب الظامئين، فإذا قاموا إلى صلاة التراويح قاموا كسالى، وبعضهم يخرج بعد أول ركعتين، وآخرون يختصمون مع الإمام إذا أطال الصلاة قليلاً حسب تقديرهم، فأرهق جهدهم، الذي أنهكته التخمة، وأوْهنَه الشّبَع، وأشغله الحرص على متابعة المسلسلات الفاسدة، والفوازير المخجلة، والعروض الهابطة.

وفضلاً عن ذلك؛ فإنَّ هذا يُعَدُّ إسرافاً وتبذيراً، نهى عنه الإسلام؛ فقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ

يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } (الفرقان: 67)، وقال جل في علاه: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (الإسراء: 27)، والعاقل من يأكل ليعيش، لا من يعيش ليأكل، فالذين يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام، فالنار مثوىً لهم.

 

30.        ما حكم النوم بكثرة في نهار رمضان؟

   الجواب: فإن كثرة النوم في نهار رمضان لا تؤثر على صحة الصيام، ولكن من يفعل ذلك يفوت على نفسه كثيراً من الأجر، ففيه غفلة عن الصلاة، والذكر، وقراءة القرآن، ونحوها من أعمال البر والطاعات، والقُرب الكثيرة في رمضان، فشهر رمضان ليس شهراً للخمول والنوم والكسل، وإنما هو شهر القرآن، ومضاعفة الحسنات والأجور، والتنافس والتسابق في طاعة الله تعالى، فقد يسعد فيه المرء سعادة لا يشقى بعدها أبداً، علماً أنه محروم من أدرك رمضان، أو ليلة القدر، ولم يُغفر له، فلنجاهد أنفسنا، ولنري الله تعالى من أنفسنا خيراً، فلا ندري متى تأتينا المنية، ولا ندري أنكمل رمضان أم لا؟ أو ندرك رمضان آخر أم لا؟ وفقنا الله وإياكم لما يُحب ويرضى.

 

31.        ما حكم السباحة للصائم؟

الجواب: إنَّ السباحة في حدِّ ذاتها لا تفطر؛ لكنها مظنة لدخول الماء إلى الجوف، فإذا علم، أو غلب على ظنه، أنه إن سبح دخل الماء في جوفه، فلا يسبح؛ فإن سبح، فابتلع شيئاً من الماء ولو يسيراً أفطر، وعليه قضاء يوم مكانه، مع إمساك بقية اليوم الذي سبح فيه.

 

32.        ما حكم استعمال التحاميل للصائم في نهار رمضان؟

الجواب: إنَّ ما يدخل المهبل، أو الشرج، من تحاميل، أو غسول، أو منظار، أو أصبع للفحص الطبي لا يفطر، على الراجح من قولي العلماء.

 

33.        ما حكم استعمال الصائم الإبر في الوريد، أو العضل؟

الجواب: إنَّ الحقن العضلية، أو الوريدية، أو التي تعطى تحت الجلد لا تفطر، باستثناء السوائل والحقن المغذية كالجلوكوز؛ فإنها تفطر؛ لمنافاتها طبيعة الصيام

 

34.        هل استعمال بخاخ ضيق النفس يفطر الصائم ؟

الجواب: الجهاز الذي يستعمله المرضى للربو (البخاخ) غير مفطر، إلا إذا أضيفت إليه مواد منعشة، سوى الهواء، فإنه حينئذ يفطر.

 

35.        هل يبطل الصوم باستعمال دواء الغرغرة؟

الجواب: المضمضة، والغرغرة، وبخاخ العلاج الموضعي للفم، هذه الأمور لا تفطر، إذا اجتنب الصائم ابتلاع ما نفذ منه إلى الحلق، فإن نفذ منه شيءٌ أفطر، ولزمه قضاء يوم.

 

36.        ما حكم صيام من أصابه الرعاف في نهار رمضان؟

الجواب: الرعاف لا يؤثر على الصيام، ولا يفطر؛ لأنه خروج للدم من الأنف اضطراراً، ولا يصلُ إلى الجوف غالباً، فإن وصل شيءٌ منه إلى الجوف لزم قضاء يوم مكانه.

 

37.        ما فضل ليلة القدر؟ وما الأعمال والأذكار التي يُستحب فعلها وقولها في هذه الليلة المباركة؟

   الجواب: ليلة القدر ليلة مباركة، وقد أُنزل القرآن فيها، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمر * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}(سورة القدر)، وذكر العلماء علامات لها، منها ما هو ثابت، ومنها ما لا يصح، ومما جاء في علاماتها: أنها ليلة طلقة، بلجة، لا حارَّة ولا باردة، وأن الشمس تُشرق في صبيحتها بيضاء نقية، لا شعاع لها، وهي في الوتر من العشر الأواخر في رمضان، ومن حِكَم إخفائها عنا؛ كي نجتهد بالعبادة في العشر الأواخر لموافقتها، فبدل أن نحيي ليلة واحدة، نحيي ليالي عدة، ليتضاعف أجرنا بإذن الله تعالى، فينبغي استغلال هذه الليلة المباركة بالصلاة، والقيام، والذكر، والدعاء، ويستحب الإكثار من قول: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ، تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي» (سنن ابن ماجة، كتاب الدعاء، باب الدعاء بالعفو والعافية، وصححه الألباني).

38.        ما فضل صيام الأيام الستة من شوال؟

الجواب: يُشرَعُ للمسلم صيام ستة أيام من شوال بعد صيام شهر رمضان، وهو سنة مؤكدة، وفي ذلك فضل عظيم، وأجر كبير؛ فعن أبي أيوب الأنصاري، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتاً مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» (صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعاً لرمضان)، وبَيَّنَ النبي، صلى الله عليه وسلم، ذلك فقال: «صِيَامُ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ السِّتَّةِ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ، فَذَلِكَ صِيَامُ السَّنَةِ» (صحيح ابن خزيمة: 3/298، وصححه الألباني).

وتستحب الـمُبادرة إلى صيامها بعد يوم العيد مباشرة، ولا بأس بتأخيرها إلى وسط الشهر أو آخره، كما يَجوز صيامها متتابعة أو متفرقة؛ لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، أطلق صيامَها، ولم يذكر تتابعاً ولا تفريقاً، ولكن التتابع أفضل؛ لِمَا فيه من الـمبادرة إلى الـخير، وعدم التسويف، الذي قد يؤدي إلى التكاسل عن صيامها، فيباغته شهر شوال بالانصراف، فيفوته خير كثير، والله تعالى أعلم.

 

 

39.        هل يجب على الزوجة استئذان زوجها بصيام الست من شوال؟

   الجواب: الأصل أن تستأذن المرأة زوجها في صيام النوافل، وصيام الأيام الستة من شوال سنة، فعلى المرأة أن تستأذن زوجها في صيامها، لأن للزوج حق الاستمتاع بامرأته في كل وقت، وحقه واجب على الفور، فلا يفوته بالتطوع، ولا بواجب يؤدى على التراخي، لحديث أبي هريرة: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «لاََ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَلاَ تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ» (صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب لا تأذن المرأة في بيتها لأحد إلا بإذنه)، أما صيام الفرض والواجب اللذين يؤديان على الفور فلا تستأذن المرأة فيهما، وللزوج أجر إن أذن لامرأته بصيامها.

 

40.       نذر شخصٌ أن يصوم الأيام الستة من شوال كل عام، فهل تسقط عنه إذا حلَّ به عذرٌ يمنعه من صيامها؟     الجـواب: فإن إلزام النفس بالنذر غير مستحب؛ لما جاء عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، قال: «أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يَوْمًا يَنْهَانَا عَنِ النَّذْرِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ لاَ يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الشَّحِيحِ» (صحيح مسلم، كتاب النذر، باب النهي عن النذر وأنه لا يرد شيئاً)، والشحيح هو البخيل، ولو كان النذر مستحباً لفعله النبي، صلى الله عليه وسلم.

والنذر رغم كراهة الإقدام عليه أصلاً، إلا أنه بعد وقوعه من الناذر يصبح واجباً؛ فيجب الوفاء به، إذا كان قربة وطاعة؛ لقوله، صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليُطِعه، ومن نذر أن يعـصيه فلا يعـصِه» (صحيح البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب النذر في الطاعة)، وعليه، فمن نذر أن يصوم ستة أيام من شهر شوال كل عام، أصبح صيامها واجباً عـليه، وإن فاته شيء منها فعـليه قضاؤه؛ لأن الأصل في العبادة المؤقتة، أي التي لها وقت مخصوص، أن تـُقضى إذا فات وقتها؛ فإذا جاء شهر شوال، وحلَّ بالناذر عذرٌ شرعيٌ مانعٌ من الصيام طيلة الشهر؛ كمرض أو نفاس، فإنه يجب عـليه قضاء هذه الأيام، بعد زوال العذر، والله تعالى أعلم.

 

41.        متى يجب على الطفل الصيام؟

الجواب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رُفِعَ الْقَلَمُ عن ثَلَاثَةٍ؛ عن الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ على عَقْلِهِ حتى يَفِيقَ، وَعَنْ النَّائِمِ حتى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حتى يَحْتَلِمَ» (سنن أبي داود، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق، أو يصيب حداً)، بناءً على ذلك؛ فلا يجب صوم رمضان على الصبي، إلا إذا بلغ الحلم، وهو للذكر نزول المني، وللأنثى الحيض، حتى وإن كان عاقلاً، ولكن على ولي أمره أن يبدأ بتعويده على الصيام بعد سن السابعة، والله تعالى أعلم.

 

42.        ما حكم اصطحاب الأطفال إلى المسجد؟

   الجواب: ينبغي على المصلين تجنب أخذ الأطفال الصغار إلى المساجد حتى لا يزعجوا المصلين، أو يعكروا عليهم صلاتهم، وعلى أولياء الأمور أن يعلّموا أبناءهم آداب المسجد واحترامه.

 

43.        ما حكم الشرع في ظاهرة لعب الأطفال بالمفرقعات في رمضان؟ وما حكم بيعها والاتجار فيها؟

الجـواب: إن لعب الأطفال بالمفرقعات ينطوي على مخاطر كثيرة؛ كترويع الناس في البيوت، لا سيما الأطفال وكبار السن، والأضرار الصحية الناتجة عن سوء الاستخدام؛ كإصابة الوجه والعينين، ونشوب الحرائق في بعض الأحوال، والتشويش على المصلين في المساجد، مما يفسد عليهم عبادتهم، فضلاً عن إهدار الأموال وتضييعها فيما لا يفيد؛ بل فيما يضر بالاقتصاد والمصلحة العامة والخاصة.

ولهذه الحيثيات؛ يحرم استعمال هذه المفرقعات، وبالتالي يحرم على التجار استيرادها وترويجها؛ لأنه يشترط في المبيع الذي يصح بيعه أن يكون منتفعاً به شرعاً؛ لا يصح بيع ما لا نفع فيه، كهذه المفرقعات.

وعلى الآباء وأولياء الأمور أن يؤدبوا أولادهم، ويعلموهم، ويحافظوا عليهم، وعلى التجار أن يتقوا الله في أولادنا، واقتصادنا، ومقدراتنا، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، دون قصر النظر على المصلحة الخاصة؛ لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: 2)، والله تعالى أعلم.

 

44.       زوج لا يصوم رمضان، يطلب من زوجته في نهار رمضان أن تصنع له طعاماً، فهل تطيعه في ذلك؟

   الجواب: رمضان شهر مبارك، وصيامه فرض على المسلم البالغ العاقل الصحيح المقيم، ويجب على الناس أن يراعوا حرمة الشهر بالكف عن المنكرات، أما تقديم الطعام للزوج المفطر، أو لغيره، دون عذر شرعي فحرام؛ لأن في ذلك إعانة له على المعصية، ومشاركته بالإثم، والدال على الشر كفاعله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا طاعة إلا بالمعروف، قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: 2)، ولكن إن ترتب على ذلك طلاقها، فلها أن تقدم له الطعام، تجنباً للضرر الذي سيلحقها، والإثم عليه. 

45.       إن حصل الجماع بين الزوجين في رمضان ليلاً، ولم يستيقظا إلا بعد آذان الفجر، فما حكم صيامهما؟     الجواب: صيامهما صحيح؛ لأنه ليس من شروط صحة الصيام الطهارة من الحدثين "الأصغر والأكبر"، وإن كان الأولى والأفضل الاغتسال قبل الآذان، من أجل التمكن من أداء الصلاة في أول وقتها، وإن صلاها الزوج في المسجد جماعة كان أفضل وأكمل.

 

46.      إذا طهرت المرأة بعد الفجر مباشرةً، هل تمسك وتصوم هذا اليوم، ويحسب صومها؟ أم عليها قضاء ذلك اليوم؟    الجواب: إذا طهرت المرأة بعد طلوع الفجر، فللعلماء في إمساكها ذلك اليوم قولان:

   القول الأول: إنه يلزمها الإمساك بقية ذلك اليوم، ولكنه لا يحسب لها، بل يجب عليها القضاء، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، رحمه الله .

   والقول الثاني: إنه لا يلزمها أن تمسك بقية ذلك اليوم؛ لأنه يومٌ لا يصحّ صومها فيه؛ لكونها في أوله حائضًا، ليست من أهل الصيام، وإذا لم يصحّ لم يبق للإمساك فائدةٌ؛ لأنها مأمورةٌ بفطره في أول النهار، بل محرّمٌ عليها صومه في أول النهار، ثم بأي دليل نجمع عليها صيام يومين؛ صيام الإمساك، وصيام القضاء.

    وهذا القول أرجح من القول بلزوم الإمساك، والله تعالى أعلم .

    وعلى كلا القولين يلزمها قضاء هذا اليوم، والله تعالى أعلم.

 

47.       دخل عليَّ رمضان، ولم أقضِ الأيام التي أفطرتها من رمضان السابق، فماذا يلزمني؟

الجواب: من وجب عليه قضاء شيء من رمضان، فعليه أن يبادر بالقضاء قبل دخول رمضان آخر؛ مسارعة إلى براءة الذمة، والخروج من عهدة التكليف، ولا يجوز تأخير القضاء دون سبب؛ مخافة العوائق من مرض أو سفر أو موت، فإن دخل رمضان آخر، ولم يقضِ لعذر شرعي؛ كمرض أو حمل أو رضاع، فعليه القضاء فقط؛ لأنه معذور بالتأخير.

أما إذا أخر القضاء بغير عذر شرعي، فلا يلزمه إلا القضاء عند الحنفية؛ لأن القضاء عندهم على التراخي، وليس على الفور.

وقال جمهور العلماء: لا يجوز تأخير القضاء إلى ما بعد رمضان آخر، من غير عذر؛ لقول عائشة، رضي الله عنها: «كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ» (صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب متى يقضى قضاء رمضان)، فلو جاز التأخير لأخرته؛ ولأن الصوم عبادة متكررة، فلم يَجُزْ تأخير الأولى عن الثانية، كالصلوات المفروضة؛ فإن أخر القضاء بغير عذر، فعليه مع القضاء فدية طعام مسكين عن كل يوم.

ورأي الحنفية في هذه المسألة أصح وأقوى؛ لأن الفدية تجب خلفاً عن الصوم، عند العجز عنه عجزاً لا ترجى معه القدرة عادة على الصيام؛ كما في حق الشيخ الفاني، والمريض المزمن، وهذا ليس عاجزاً؛ لأنه قادر على القضاء، فلا معنى لإيجاب الفدية عليه مع القضاء؛ لأنه يكون جمعاً بين الشيء وبدله، ولا دليل على القول به.

 

48.        هل يجب على المرأة أن تستأذن زوجها في صوم القضاء؟

    الجواب: الأصل أن تستأذن المرأة زوجَها في صوم القضاء، ما دام وقت القضاء واسعاً، أمّا إن ضاقَ، كأن بقيَ من شهر شعبانَ

ما يكفي للقضاء فقط، فهنا لا يجب عليها استئذانه، حتى إن رفض، لا تطيعه؛ لأن أمر الله تعالى مقدم على أمر الزوج، وينبغي عليها أن تناصحه بالحكمة والأسلوب الحسن، والله تعالى أعلم.

 

 

 

49.        امرأة عليها قضاء؛ لأنها أفطرت بسبب الحمل، فهل يجوز لها دفع فدية عوضاً عن القضاء؟

    الجواب: إن الله عز وجل رخص للمريض والمسافر بالإفطار، فقال تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة: 184)، أما بالنسبة إلى المرضع والحامل، فإن خشيت على ولدها أو نفسها جاز لها الفطر، خاصة إذا بنت هذه الخشية على تقرير طبيب حاذق، متخصص، مسلم، ثقة، وعلى المرضع أو الحامل التي جاز لها الفطر، أن تقوم بقضاء ما فاتها فور وضع الحمل وطهارتها، أو فور إنهاء الرضاع، أما دفع الفدية عوضاً عن القضاء، فتجب حال العجز الدائم عن القضاء لمرض مزمن، أو لكبر، أو لخرف.

 

50.        هل يجب على الحامل والمرضع صيام شهر رمضان، بالرغم من وجود المشقة عليهما في الصيام؟

   الجواب: الأصل وجوب الصيام على الحامل والمرضع، لكن إن لحقهما ضرر أو مشقة غير معتادة، أفطرتا وعليهما القضاء، لقول الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة: 184).

 

51.        هل يجوز للمرأة تناول أدوية تمنع الحيض أو تؤجله، حتى تتمكن من الصيام دون انقطاع؟

     الجـواب: إن الحيض أمر كتبه الله تعالى، على النساء، وهو من موانع الصوم، والأفضل في حق المرأة أن تسير وفق فطرتها التي فطرها الله عليها؛ فتصوم ما شاء الله لها أن تصوم؛ فإذا حاضت أطاعت ربها وتوقفت عن الصيام، ومن ثم يلزمها القضاء بعد ذلك، ومع هذا فلا بأس باستعمالها أدوية تؤجل الحيض؛ حتى تتمكن من الصيام، شريطة ألا يلحقها ضرر باستعمال هذه الأدوية؛ ويكون ذلك باستشارة طبيب مسلم حاذق، صاحب دين وتقوى، فإن أخبرها أن هذه الأدوية تضرها، فلا يجوز لها استعمالها، فهذه الأدوية قد تضر بالمرأة؛ لأن دم الحيض دم طبيعي فطري، والشيء الطبيعي الفطري إذا منع في وقته، وعطلت أجهزة الجسم عن عملها كالمعتاد، فإنه لا بد أن يحصل ضرر على الجسم، كما أنه يخشى أن تختلط على المرأة عادتها بسبب ذلك، فتصبح في قلق وشك من صلاتها، ومن مباشرة زوجها لها وغير ذلك، ولهذا فإن الأولى للمرأة، والأسلم لعبادتها، ألا تستعمل هذه الأدوية، وأن ترضى بما قدر الله لها، إلا إذا وُجِدت أسباب قاهرة، وظروف تستدعي استعمال هذه الأدوية، والله تعالى أعلم.

 

52.        هل يجوز للمرأة الحائض أن تقرأ القرآن من المصحف، أو من حفظها؟

الجواب: الحيض أمر كتبه الله على بنات آدم، والمرأة إن حاضت لا تصلي ولا تصوم، ويمكنها قراءة القرآن من حفظها، أما لمس المصحف، فلا يجوز لها عند أغلب الفقهاء، وبإمكانها أيضاً أن تكثر من الاستغفار والذكر عموماً، وأبواب الخير في رمضان كثيرة، والله تعالى أعلم.

 

 

 

53.        إذا نزل دم الحيض قبل أذان المغرب بقليل، هل تفطِّر أم لا ؟

   الجواب: إن نزول دم الحيض أثناء الصيام، ولو قبل أذان المغرب بقليل يبطل الصوم، وعلى المرأة الحائض أن تقضي أيام حيضها، فعن معاذة، قالت: «سَأَلْتُ‏ ‏عَائِشَةَ‏، ‏فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ:‏ ‏أَحَرُورِيَّةٌ ‏ ‏أَنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ ‏بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ، قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ». (صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة)

 

54.        ما حكم السائل الأصفر الذي تراه المرأة بعد الحيض، أو قبله بيوم أو يومين؟

الجواب: إن ما تراه الحائض من سائل أصفر أو متكدر (أبيض مائل إلى السواد) أثناء الحيض، هو من الحيض؛ فيأخذ  حكمه، ويجب على المرأة ألا تتعجل حتى ترى الطهر المتيقن ــ وهو ماء أبيض تعرفه النساء ــ؛ لأن بعض النساء إذا خَفَّ الدم عنها، بادرت واغتسلت قبل أن ترى الطهر، ولهذا كانت نساء الصحابة يَبْعَـثنَ إلى أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، بالكُرسُف - يعني القطن - فيه الصُّفرة، فتقول لهن: «لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ» (صحيح البخاري، كتاب الحيض، باب إقبال المحيض وإدباره)؛ أي حتى تخرج القطنة بيضاء نقية، لا تخالطها صفرة، أو حتى ترى الماء الأبيض.

وما تراه المرأة بعد الطهر؛ من كُدرة، أو صفرة، أو نقطة، أو رطوبة، فهذا كله ليس بحيض؛ فلا يمنع الصلاة والصوم؛ فعن أم عطية، رضي الله عنها، قالت: «كُنَّا لاَ نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ شَيْئًا» (سنن النسائي، كتاب الحيض والاستحاضة، باب الصفرة والكدرة، وصححه الألباني).

أما إذا رأت المرأة هذا السائل قبل الحيض بيوم أو يومين، ولم يكن من عادتها أنها تراه، فالذي يظهر لي أنه ليس بحيض، فيلزمها الصوم والصلاة، إلا إذا وجدت معه علامات الحيض؛ كالمغـص، ووجع الظهر، وغيره من العلامات التي اعتادتها المرأة خلال حيضها، فإنه يكون حيضاً؛ تترك معه الصوم والصلاة، والله تعالى أعلم.

 

55.        هل يصح صيام المرأة النفساء التي استمر نزول الدم عليها بعد الأربعين؟

   الجواب: النفاس هو الدم النازل بعد الولادة، ولا حدّ لأقله، وأما أكثره، فالقول الراجح للعلماء أنه بعد الأربعين لا يعد نفاساً، (انظر: بدائع الصنائع، 1/157)،  فقد صحت الرواية عن أم سلمة، رضي الله عنها، قالت: «كَانَتْ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ،  ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ‏‏أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَكُنَّا ‏نَطْلِي وُجُوهَنَا ‏‏بِالْوَرْسِ‏ ‏مِنْ ‏ ‏الْكَلَفِ» ( سنن الترمذي، كتاب الطهارة عن رسول الله، باب ما جاء في كم تمكث النفساء)، ويرى أهل العلم من أصحاب النبي r والتابعين، ومن بعدهم، أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فإنها تغتسل وتصلي. فإذا رأت الدم بعد الأربعين، فإن أكثر أهل العلم قالوا لا تدع الصلاة بعد الأربعين، وبه يقول سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحق، ويروى عن الحسن البصري، أنه قال: إنها تدع الصلاة خمسين يوماً، إذا لم تر الطهر، ويروى عن عطاء بن أبي رباح والشعبي، ستين يوماً (انظر: سنن الترمذي، 1/256). وبناء عليه؛

فعلى هذه المرأة التي زادت مدة نزول الدم لديها عن الأربعين أن تصوم وتصلي.

56.  امرأة وضعت لولباً لتنظيم الحمل، ونزل بعد ذلك الدم أطول من مدة الحيض العادية، وكانت صائمة، فما تأثير ذلك على الصلاة والصيام؟

    الجواب: إنّ الدورة الشهرية لها أجل معروف، ومدة معلومة، كل امرأة تعرفها في نفسها. وفي المدة المعهودة لنزول الدم، تتوقف المرأة عن الصلاة، وتمتنع عن الصيام. والدم النازل في فترة الحيض هو دم طبيعي يرخيه الرحم، وأما الاستحاضة فهي دم نازف غير الحيض، فإذا نزل دمٌ بعد انتهاء الدورة الشهرية؛ فلا أثر له على الصلاة والصيام؛ لقول النبي r لأم حبيبة، رضي الله عنها: «‏امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ» (صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب المستحاضة وغسلها وصلاتها)، وبناء على ذلك؛ فإن نزول الدم أكثر من المدة العادية بسبب اللولب، لا يؤثر على صحة الصوم، ولا الصلاة؛ لأنه استحاضة، وليس حيضاً. والله أعلم.

 

57.  مَـا حُكْمُ دُخُـولِ الـمسجِدِ للحـائِضِ والنـُّفَسَاءِ، والـمُكْـثِ فيه؛ لِشُهـودِ دروسِ العلم، والتفقه في الدين، خـاصة في شهـر رمضـانَ المبارك، الذي تكثُـرُ فيه الـدُّروسُ الفقهيـة، والنَّدَواتُ الإيمانيَّـة للنِّسـاءِ؟ الجـواب: هذه الـمسألة مِمَّا اختلف فيها الفقهاء اختلافاً بَيِّناً، وهو خِلافٌ مُعتبَرٌ لا يُنكَرُ، وبالمقارنة بين الأدلة، والموازنة بين المصالح والمفاسد، ومراعاة حاجة النساء الماسَّةَ إلى التفَقـُّهِ في الدِّين، والتزود من زاد الإيـمان والتقوى، فيترَجَّحَ القولُ بِجواز دخولِ المسجد للحائض والنفساء، والـمُكثِ فيه، بشرط الحذر من تلويثه إذا غلبها الدَّمُ؛ وذلك لضعف أدلة القائلين بالـمنع، وقوة أدلة القائلين بالـجواز.

 

58.  هل يمكن إخراج زكاة المال قبل حلول الحول؟

 الجواب: الزكاة فرض على من ملك النصاب، وحال عليه الحول (العام) الهجري، وأجاز بعض العلماء تقديم الزّكاة عن وقت وجوبها، وذلك لما ورد عن علي، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، تعجل من العباس صدقة سنتين. (الأموال لأبي عبيد، باب تعجيل الصدقة، وإخراجها قبل أوانها، وقال الألباني في الإرواء: حسن)

 

 

59.       هل الصدقة أو الزكاة تجوز من المسلم لغير المسلم؟

   الجواب: إن الصدقات تعطى من المسلمين للمسلمين وغير المسلمين، أما الزكاة فلا تجوز إلا من المسلم للمسلم،. وغير المسلم لا تجب عليه الزكاة، ولا تعطى له، إلا إذا كان من المؤلفة قلوبهم، كونهم من مصارف الزكاة الوارد ذكرها في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.(التوبة: 60)

60.       هل يجوز تأخير صرف الزكاة عن موعدها؟

    الجواب: على المسلم أن يبادر إلى إخراج زكاة أمواله عند حلول موعدها، فإن أخرها ليدفعها إلى من هو أحق بها؛ لقرابة، أو حاجة أشد، فإن كانت شيئاً قليلاً فلا بأس، وإن كانت كثيرة لم يجز، يقول الإمام أحمد: "لا يجزئ على أقاربه من الزكاة في كل شهر، أي لا يؤخر إخراجها حتى يدفعها إليهم متفرقة، في كل شهر شيئاً، فلو عجلها، فدفعها إليهم، أو إلى غيرهم متفرقة أو مجموعة جاز، لأنه لم يؤخرها عن وقتها". (الفقه الإسلامي وأدلته، 3/1995)

   وإن كان تأخير الدفع عن موعده يعود لأسباب قاهرة فلا حرج، وأما إن كان بسبب الإهمال أو الكسل أو التقاعس، فذلك إخلال بما تم الالتزام به بموجب الاتفاق الذي حصل بينه وبين صاحب الزكاة، وهذا لا يجوز، ويوقع في الإثم، والله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (النساء: 58)، وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ على شُرُوطِهِمْ» (سنن أبي داود، كتاب الأقضية، باب في الصلح، وقال الألباني: حسن صحيح، وأخرجه البخاري معلقاً، كتاب الإجارة، أجر السمسرة).

61.        هـل يجـوز لمن وجبت عليه الزكاة؛ وله دين على شخص فقير عاجز عن السداد، أن يسقط الدين عنه، ويحتسبه من زكاة ماله؟ الجـواب: إذا كان لرجل دَين على رجل معسر عاجز عن الوفاء بدينه، فلا يجوز إسقاط هذا الدّين عنه واحتسابه من الزكاة، عند جمهور الفقهاء، وهو الصحيح؛ لأن الدَّين غير مملوك للمزكي حين الإسقاط؛ حيث لا يُملك الدَّين إلا بالقبض، ولعدم توافر نية الزكاة عند إعطاء الدَّين، ولأن المال الموجود عند المدين هالك ضائع تالف، فيكون الإبراء منه واحتسابه من الزكاة حيلة للتهرب من الزكاة، وطريقاً للتخلص من حقوق الفقراء، ووسيلة يريد المزكي بها وقاية ماله من الضياع بعد أن يئس منه، والزكاة إنما وجبت في مال الأغنياء عوناً للفقراء والمحتاجين، تأخذ بأيديهم لاستئناف العمل والنشاط إن كانوا قادرين عليه، أو تساعدهم على ظروف العيش البئيس إن كانوا عاجزين، فتحمي المجتمع من مرض الفقر، وذل الحاجة، وإسقاط الدَّين عن الفقير حينئذ لا يدفع حاجته، ولا يحقق الغاية من مشروعية الزكاة.

ثم إن الغني مدعو للتجارة الرابحة مع الله إذا أنظر وأمهل المدين المعسر؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة: 280)، وقوله، صلى الله عليه وسلم: «من أنظر معسراً أو وضع عنه، أظله الله في ظله» (صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر)، والله تعالى أعلم.

 

62.        هل يزكي الدائن مالَه الذي عند المدين قبل استيفائه وتحصيله؟ (الدائن هو مُعطي الدَّين، والمدين هو آخذ الدَّين) الجـواب: من كان له دَيْنٌ على آخر، يبلغُ نِصَاباً من المال، وحالَ عليه الـحَـول، وهو في ذمة الـمدين؛ لم يقبضه منه، فقد اختلف الفقهاء في وجوب زكاته اختلافاً بَيِّناً، وسبب اختلافهم، أنه لم يَرِد نصٌ، من كتاب الله تعالى، أو سنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، يُفَصِّلُ في زكاة الديون، وأنه قد تعدد ما أثِرَ عن الصحابة والتابعين، من اجتهادات في طريقة إخراج زكاة الديون، ويرجع هذا الخلاف إلى اختلافهم في تَحَقُّقِ شرط الـملك التام في الديون من عدمه، والذي يترجّح من أقوالهم في هذه الـمسألة، أن الدَّين نوعان:

الأول: دَينٌ مرجُو الأداء؛ بأن كان على موسر مُقِر ٍ بالدَّين (أي على غني، معترف بالدَّين، باذلٍ له)، فهذا تـجب زكاته على صاحبه (الدائن) كل عام، يُخرجها مع زكاة ماله الحاضر؛ لأنه حينئذ بـمنزلة ما في يده، وتـحت ملكه.

والثاني: دينٌ غيـرُ مرجُو الأداء؛ أي ميؤوس منه؛ بأن كان على مُعسر لا يُرجَى يَسَارُه (أي فقير لا يُرجَى غِنَاه)، أو على مُماطلٍ به غيـرِ بـاذل له، أو على جاحدٍ منكرٍ له، ولا بَيِّنَةَ عليه (أي لا إثبات عليه)، فهذا لا تـجب زكاته ما دام في يد الـمدين، فإذا قَبَضَه أو قبض جزءاً منه، عامله معاملة الـمال الـجديد الـمستفاد، فَيَضُمُّه إلى ماله، ويزكيه معه عند تـمام سَنَةِ الـمال الذي كان عنده مِنْ قَبل، والله تعالى أعلم.

 

63.        هل يجوز إعطاء زكاة مالي لأخي الفقير أو المدين؟

    الجواب: نعم، يجوز إعطاء زكاة المال للأخ الفقير أو المسكين أو المدين؛ لأنه حينئذ من ضمن أصناف الزكاة الثمانية المستحقين لها، ما لم تكن نفقته واجبة على المزكي، فإن كان الأخ مستحقاً للزكاة فهو من أولى الناس أن يعطى من زكاة مالك، ولك الأجر مضاعفاً، إن شاء الله تعالى؛ لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» (سنن النسائي، كتاب الزكاة، باب الصدقة على الأقارب، وصححه الألباني).

 

64.        لي أخت فقيرة، تسكن بيتاً مستأجراً، وزوجها يملك قطعة أرض تساوي 80 ألف دينار، وحالته فقيرة، وعليه دين، ويمتنع عن بيع أرضه، فهل يجوز لإخوتها أن يشتروا لها بيتاً من زكاة أموالهم؟

   الجواب: أجاز الشرع الإسلامي إعطاء الزكاة لكل فقير مسلم، إلا الأصول والفروع، فيجوز إعطاء الزكاة للأخت والأخ الفقيرين.  وأجاز الحنفية والمالكية، وهو مذهب الجمهور، صرف زكاة المال كاملة لفقير واحد (الفقه الإسلامي وأدلته، وهبة الزحيلي 3/1951)، حتى يخرج من حالة الفقر، وبناء على ذلك؛ يجوز إعطاء هذه الأخت زكاة المال لتشتري بها شقة تسكنها، حيث إنها تستحق الزكاة؛ لأنها فقيرة وزوجها من الغارمين، وكون زوجها يملك أرضاً، ويمتنع عن بيعها، لا يحول دون حصولها على حقها من الزكاة بسبب الفقر والغرم، ما لم تكن الأرض عروضاً تجارية.

65.        جمعية خيرية غير ربحية، تتقاضى أجوراً رمزية من الأهالي لقاء جلسات أو فحوصات، مقارنة مع أسعار المراكز الخاصة أو جمعيات أخرى، ويتوافر حالياً لدى الجمعية رصيد في البنك، فهل على الجمعية إخراج زكاة عن هذا الرصيد أم لا؟ وهل يجوز لها أخذ الزكاة لتنفقها على علاج الأطفال؟

    الجواب: يجوز شرعاً تقديم الزكاة من أجل الرعاية الصحية وعلاج المرضى، خاصة من ذوي الاحتياجات الخاصة، شريطة أن يكون ذلك ضمن الضوابط الشرعية، وأن يكون المستفيد من مصارف الزكاة المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}. (التوبة: 60)

    وينبغي على هذه الجمعية أن تخصص صندوقاً تضع فيه ما يأتيها من مال الزكاة، دون خلطه بالصدقات، وأن ينفق على الفئة المتصفة بالفقر أو المسكنة، وأن تعجل في إنفاق مال الزكاة على المحتاجين والفقراء بأسرع وقت ممكن، ولا يجوز صرف الزكاة لعموم المنتفعين من الجمعية من الأغنياء بأنفسهم أو بذويهم.

    وبناء على ذلك، فلا يجوز أن يبقى من مال الزكاة ما يحول عليه الحول، ولم يصرف بعد؛ لأن إخراج الزكاة ينبغي أن يتم على الفور، وفي حال بقي لديها شيء يجب دفعه إلى مستحقيه، أو شيء من مال الصدقات، فطالما هو مرصود لرعاية الفقراء والمحتاجين، فلا زكاة فيه.

66.        ما حكم دفع مال الزكاة للمدارس والمعاهد التعليمية؟

   الجواب: لقد حدد الله تبارك وتعالى مصارف الزكاة، فقال الله تعالى في محكم كتابه: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.(التوبة: 60)

    فالزكاة لا تعطى إلا إلى الأصناف الثمانية الواردة في الآية، وقد اختلف أهل العلم في بيان المراد بقوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللّهِ} على قولين: فمنهم من قصرها على الجهاد وتوابعه، ومنهم من يرى التوسع في مدلولها، ليشمل كثيراً من مجالات الخير، والذي نراه أن يقصر مصرف (في سبيل الله) على الجهاد (في سبيل الله).

      وننصحك أن تجعل ما تدفعه لبناء تلك المرافق من الصدقات الجارية، لا من مال الزكاة، وذلك خروجاً من خلاف العلماء في جواز هذا الأمر من عدمه، وكي يكون صدقة جارية في حياتك وبعد مماتك.

 

67.        هل يجوز إعطاء طلاب مراكز تحفيظ القرآن الكريم من زكاة المال؟

    الجواب: قسم الله تعالى الزكاة بين مستحقيها، ولم يترك قسمتها لا لنبي مرسل، ولا لملك مقرب، وإنما قسمها الحق تبارك وتعالى في قرآنه الكريم، فقال جل شأنه: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (التوبة:60)، وإعطاء طلبة العلم من الزكاة يجوز إذا كانوا فقراء أو مساكين أو ممن تنطبق عليهم صفة مستحقي الزكاة حسب الآية المذكورة أعلاه، ولا يعطى طلبة العلم من الزكاة لمجرد أنهم كذلك، إن كانوا غير فقراء، أو من غير الأصناف المحددة لصرفها.

 

68.        ما الحكم الشرعي في تلقي الموظف الذي لا يكفيه دخله لأموال الزكاة والصدقات؟

    الجواب: إن الله تبارك وتعالى يقول: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (التوبة:60)، فقد حددت هذه الآية مصارف الزكاة الثمانية، وعليه، فإن كان هذا الموظف لا يكفيه دخله، لا للضرورات ولا للحاجات، وكان غير مسرف في الكماليات، فهو من المستحقين لأخذ الزكاة والصدقة، ولكن ننصحه بتجنب الاستشراف للمسألة، والتهافت عليها، وأن لا يسألها إلا لحاجة ملحة، والرسول، صلى الله عليه وسلم، يقول: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ». (صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى)

 

69.        هل يجوز احتساب المبلغ الذي يدفعه التاجر أو الموظف للضرائب من الزكاة الواجبة عليه؟

   الجواب: الزكاة ركن من أركان الإسلام، وفريضة فرضها الله تعالى في أموال الأغنياء، حقاً للفقراء، ورتب الشارع لها أحكاماً من حيث الشروط والنصاب والمصارف، فهي عبادة يتقرب المسلم بها إلى الله تعالى، لما لها من الأجر الجزيل، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.(البقرة: 277)

   فعلى المسلم أن يؤديها طيبة بها نفسه، خالصة لوجه الله تعالى، وهي بحاجة إلى النية الصالحة، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم)، فهي لا تفرض إلا على المسلم، وهي بهذا تختلف عن الضريبة، وتخضع لاجتهاد الجهات المسؤولة، وليس لها صفة الدوام والثبات التي للزكاة، وبالتالي لا يجوز أن تحسب المبالغ التي تدفع للضرائب من الزكاة، لأنها تؤخذ باسم غير الزكاة وتدفع بغير نيتها، ومصارفها غير مصارف الزكاة، فلا تغني إحداهما عن الأخرى.

70.        ما وقت صلاة العيدين؟

   الجواب: صلاة العيدين وقتها محدود، يبدأ بعد طلوع شمس يوم العيد بقليل، وقد عبر العلماء القدامى عن هذا الوقت القليل بقولهم: قدر رمح أو رمحين، وبين العلماء المعاصرون أن هذا الوقت يبدأ بعد طلوع الشمس بحوالي ربع إلى نصف ساعة تقريباً، ويستمر وقتها إلى قبيل الزوال بقليل، أي قبل وقت الظهر، وهذا محل اتفاق بين الفقهاء، ويستحب تعجيل صلاة عيد الأضحى، وتأخير صلاة الفطر.(المغني لابن قدامة، 2/113).

 

71.        ما حكم من نسي أن يُخرج صدقة الفطر إلى ما بعد صلاة العيد؟ وماذا عليه أن يفعل؟

 الجواب: عليه التوبة والاستغفار؛ لأن المسلم مطالب بإخراج صدقة الفطر قبل الصلاة، وعلى كل حال، تبقى في ذمته، ويمكنه إخراجها، وتعدّ صدقة من الصدقات، والله تعالى أعلم.

 

72.        ما حكم إخراج القيمة في صدقة الفطر؟

    الجواب: صدقة الفطر واجبة على المسلم، وعمن تجب نفقته عليه، إن كان يجد ما يفضل عن حاجته، ومن يعول، ليلة العيد ويومها؛ لحديث ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: «إنَّ رَسُولَ اللَّه، صلى الله عليه وسلم، فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ» (صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير)، والأصل أن تُخرج زكاة الفطر من غالب قوت البلد، صاعاً من طعام، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء، وقد أجاز السادة الحنفية إخراج قيمتها نقداً؛ لكونه أنفع لمصلحة الفقير، وتيسيراً على المزكي، والله تعالى أعلم.

 

73.        ما حكم صيام من لا يخرج زكاة الفطر؟

الجواب: صيامه صحيح؛ لأنه أتى ما أمر الله عز وجل من الصوم، وأما زكاة الفطر فهي طهرة للصائم من اللغو والرفث، كما جاء في حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، زَكَاةَ الْفِطْرِ، طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ؛ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ فهي زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فهي صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» (سنن أبي داود، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر، وحسنه الألباني)؛ فالزكاة عبادة مستقلة، تجبر نقص الصوم، ويأثم تاركها، ولكنها لا تفسد الصيام، إنما تنقص أجره.

 

74.       هل يجوز إعطاء الفدية لشخص واحد؟

   الجواب: لا بأس بإعطاء الفدية عن يوم واحد، أو أيام عدة، أو الأيام كلها لشخص واحد، أو لعائلة واحدة،  والله تعالى أعلم.

 

 

التعليقات