على ابواب رمضان .. هل نسامح تنظيماتنا ؟ !!

على ابواب رمضان .. هل نسامح تنظيماتنا ؟ !!
بقلم : محمد يوسف الوحيدي .
على أبواب رمضان ، تسموا النفوس ، و يبدأ الإنسان ( الطبيعي ) بمراجعة حساباته ، و يسامح من يستحق المسامحة ، و ربما يدعوا على أو لمن يستحق الدعاء ..له أو عليه .. و بهذه المناسبة ، فكرت أن أدعوكم و نفسي ، لنتخيل محكمة جماهيرية .. نحاكم فيها قياداتنا و تاريخنا و أنفسنا و تنظيماتنا و أحزابنا و شخصياتنا و رجال أعمالنا و أعمالنا ذاتها ..

و لنتخيل ما هي التهمة الأولى في صحيفة الإتهامات التي ستوجه إلى الجميع كافة بدون إستثناء ؟

-          الغباء ؟  الفساد ؟ سوء التقدير ؟ إضاعة الأمانة ؟

المشكل أن السلاح في يد الهامل ، عامل . و أن الناس من قلة الخيل ربطت على ظهور الكلاب سروج ..ونهر الجنون ، إذا ما مر ببلد عطشى ، تجد الكل يغرف منه ، حتى يمتلئ بطنه ، و لا يرتوي ، فيزداد جنوناً على جنون ، و يرفس في الماء ، و يبول و يغتسل فيه ، و من ثم يشرب و يعتبرك مأفوناً خارجاً على الإجماع إن أنت رفضت أن تشرب ..

تحاول أن تجمع ما تبعثر من همتك ، و تركيزك ، و تلملم شظايا صبرك و تحملك و حلمك ، و أنت تنظر إليه في محاولة منك لضبط الأمر ، و إعادته إلى جادة الصواب .. فينظر إليك بعد أن ينتهي من وصلة ردح ،  وصراخ وما يشبه النهيق و النطح ، ليكتشف وجودك أمامه ، فيشيح عنك النظر و يُصَعِّر خده في تَعالٍ و خُيَلاء يشبه غَطرسة البَهيم قبل الوقوع في كمين الصياد .. و يتمتم  " يا فلان إنك لا تعرف شيئاً ، الأمر كبير و جد خطير " !!

فتظن و العياذ بالله أن الخلاف بين الأقطاب الثائرة ، في تلك البلاد الحائرة ، التي جمعت و حشدت على ضفاف ذلك النهر الفائض مياه الجنون و الذهول ، تظن أن إختلافهم على إمارة تسيير الجيوش الهادرة ، الزاحفة إلى أواخر جيوب العدو الهاربة !! أو أن الإختلاف في وجهات النظر على كيفية التعامل مع الأسرى من الأعداء ،  هل هو الإعدام أم ربما سيكون من الأفضل الإكتفاء بالإقصاء !!

فتحاول للمرة المليون أن تضبط الإيقاع ، و تفهم سبب الأوجاع .. فتذهب إلى الطرف الآخر ، فتجد صلفاً و إنحداراً ، و سخرية و إستعظاماً ، يذكرك بأبي جهل ، كما صورته أفلام العرب المهترأة ، و أبو لهب و إمرأته حمالة الحطب أو فرعون و هامان .. و تسترجع أحوال العرب ، بعد وفاة الرسول و ما اصابهم من خُطَبٍ و شِقاق و فِتن .. هذا مُتعصّب  خارج ، يحمل كتاب الله على أسنة الرماح ، و يدعي أنه الهُدى و أنه التغيير و أنه الإصلاح ، وهذا هارب ضال ، جمع ما جمع  من أموال ، حتى اصبح قارون  العصر الذي قال الله فيه (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) - القصص.

كلٌ يرى أنه على الحق ، و أنه أوتي الوطنية و القداسة ، و الثورية ، و المعرفة و التجربة و الحكمة من لندن مليك مقتدر ..

و تنظيمات و أحزاب كالمُعَلَّقة ، لا هي متزوجة ولا مُطلّقة ، تُمضي وقتها و تُفني طاقتها في الكيد و الشماتة ، و طول اللسان ، بِجُمل و ألوان من البيان ، مغلف بالكثير و الكثير من الزيف و البهتان ، بصبغة وطنية ، و نكهة ثورية ، و تَورِية عِلمية بحثية ، تصيب المستمع بحالة شرود و فقدان تركيز ..

حالة من جنون و جنوح بهائمي ، يقرر فيه الإنسان التخلي عن إنسانيته ، و يطلق  لغريزة الحيوان العنان ، و يتملكه شبق الإفتتان بالجاه و السلطان  ..

و ربما يتساءل أحدنا ، في هذه الأيام المفترجة ، و نحن على ابواب شهر الرحمة و الذكر ، في أحوال القادة ، أو من يسمون أنفسهم بالقادة ، قبل أن يحاكم نفسه و يحاكمهم أمام المحكمة الجماهيرية المفترضة ..

-          هل فكر أحدهم في عدد المرضى المُكَدّسين في المشافي  القذرة مقطوعة الدواء و الماء و الكهرباء ، و في الأمراض و الأوبئة التي إنتشرت بسبب غبائهم و عنادهم و خيانتهم للأمانة ؟

-          هل فكر أحدهم ، قبل أن نُسَائِله على عدد الضحايا جراء الحروب المباشرة ، التي فرض علينا أن نسميها حروباً تحريرية و حقيقة الأمر أنها كانت تلقي للضربات و خسائر لا أكثر و لا أقل ، و كما هي العادة ، الهزيمة نسميها نكسة ، و الإنكسار نسميه كبوة ، أسميناها بتبجح نصرة ، و توازن رعب ، كيف لا و فنحن أهل اللغة ، و أهل الحناجر ..

-          أقول هل فكر أحدهم بالمكاره البيئية ، و بما حدث  للمياه في بطن الأرض ؟ هل فكر أحدهم بكميات البُراز و البول التي إستسهل ضخها في مياه البحر على مدى عشر سنوات خلت ؟؟ هل فكر بما صنعته يداه ؟ هل فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر...

-          هل فكر أحدهم بما اضاعة من سنوات من عمر كل واحد فينا ، و كيف أهدر بغبائه و خيانته للأمانة ، أحلامنا و حياتنا و إستقرارنا و مستقبل أطفالنا ، فبعد أن ضاعت فلسطين بفعل الإحتلال ، ضاع الفلسطيني بفعل الإحتيال.

و تجد قطعان الإِمَّعات، من " زُلُم " و أتباع ، للتنظيم الفلاني ، يقفون بالمرصاد ، للتنظيم العلاني ، و طبعاً لكل تيس قطيع من الخرفان و الحملان و النعاج .. يصفقون و يزينون لهم غباءهم ، و يرددون شعاراتهم و أكاذيبهم  ..

ماذا ستكون التهمة الأولى في المحكمة الجماهيرية ؟؟ ولكن ، هل من حق الجماهير أصلاً أن تُحاكِم ؟ و جماهير الشعب اساسا متورطة في إغتيال ذاتها ، وكأنها لم تسمع قول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) – الرعد و الآية الكريمة " ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" – الأنفال.

 بل تجد زلم ، و خصيان ، و غلمان ، فلان في ذات التنظيم الواحد، يقفون في مواجهة آخرين من نفس التنظيم أو الحزب كعراك البهائم في حظيرة صاحب المزرعة ، الذي ينظر إليهم و يراقبهم ، ليرى ايهم أكثر وزناً و ربما ألذ طعماً ، إذا ما ذبح و طبخ في القدر غداً ..

 "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ" – الأنعام44

ما اسخفكم ، ما أهونكم علينا اليوم .. خنتم الأمانة ، لن نسامحكم ،و من إتبعكم و ناصركم و سار خلفكم ، لا سامحكم الله . و إن خفنا أن نسائلكم اليوم ، فإلى الله المشتكى يوم القيامة ..  " وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ " – إبراهيم42- أمام الله الذي حملكم الأمانة ، فنسيتموه فأنساكم أنفسكم  قادة و زعماء ، أئمة و تابعين و جماهير مغيبة .. لن نسامحكم .