"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل الثالث-الحلقة الأولى :برنامج النقاط العشرة - تحول سياسي لحماية "المنظمة"وحصار اسرائيل

"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل الثالث-الحلقة الأولى :برنامج النقاط العشرة - تحول سياسي لحماية "المنظمة"وحصار اسرائيل
خاص دنيا الوطن – ميسون كحيل 

في الفصل الثالث من الجزء الأول من الكتاب أصر أن يحمل الكاتب معه العديد من النقاط الإيجابية في زمن القادة الرواد للشعب الفلسطيني ولم يكتف بالنقاط العشرة فقط والمكتوبة على ورقة بخط يد الحكيم جورج حبش ويحتفظ بها ياسرعرفات في جيبه وقناعة أشار إليها الكاتب لقادة الفصائل الفلسطينية وموافقة المجلس الوطني الفلسطيني عليها وفي عملية تحول سياسية ومحصنة من محاولات تهميش دور منظمة التحرير الفلسطينية .

وعرج الكاتب إلى الدور السياسي المحنك لياسر عرفات وانتزاعه الإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ونجاحه في اعتمادها عضوا مراقبا في الأمم المتحدة وكيف استطاع إقامة العلاقات مع معظم دول العالم لحصار اسرائيل .

 
الفصـل الثالـث: 

برنامج النقاط العشر

من ميدان القتال يتحرك ياسر عرفات إلى عواصم القرار العربي والدولي، وبداية يجمع المجلس الوطني الفلسطيني (حزيران 1974) المليء بالفصائل والآراء والأحلام والأهواء، كان قد أعد «برنامج النقاط العشر» في حوارات ماراثونية مع صناع القرار في الفصائل الرئيسية، إن برنامج النقاط العشر انقلاب تاريخي في الموقف السياسي الفلسطيني واقتراب مدروس من واقع السياسة الدولية تجاه الشرق الأوسط، إنه اقتراب من منطق الحل والتسوية الذي تقبله الدول العربية، وكان عبد الناصر قد قبله حين طرح شعار «إزالة آثار العدوان»، وقبل قرار مجلس الأمن 242 ومبادرة روجرز الشهيرة قبل أيلول 1970، وكان لها ما لها من نتائج وانفجار الموقف في الأردن بين الدولة والثورة، ومن المفارقات أن ياسر عرفات ظل على مدى سنين يحتفظ في جيبه بورقة النقاط العشر التي كتبها الدكتور جورج حبش بخط يده، ويوافق المجلس الوطني على برنامج النقاط العشر لإقامة السلطة الوطنية في أية أرض فلسطينية يجري تحريرها، أو ينسحب الاحتلال الإسرائيلي منها، إن شرعية المجلس الوطني لا تسمح لأحد بالتشكيك أو الخروج على قراراته، ورغم السلبيات والانقسامات المؤقتة التي أعقبت مصادقة المجلس الوطني، فإن ياسر عرفات أمسك بقوة بالبرنامج الجديد لمنظمة التحرير والثورة والشعب، ليقطع الطريق على المحاولات المستمرة من أطراف محلية ودولية لحل القضية الفلسطينية من وراء ظهر الشعب الفلسطيني وقيادته. 

لم يعد لدى النظام العربي برمته ما يتذرع به من عدم واقعية القيادة والبرنامج الفلسطيني بعد عشر سنوات على انطلاقة فتح في الأول من يناير عام 1965، وبالتحديد في 28/أكتوبر/1974 يوافق القادة العرب بالإجماع على القرار التاريخي الذي ينص على أن «منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني»، وهذا القرار التاريخي الذي صاغه ياسر عرفات بيده، أنهى وإلى الأبد أية وصاية على الشعب الفلسطيني، ومن أراد بعد الآن البحث في القضية الفلسطينية فعليه أن يطرق باب منظمة التحرير الفلسطينية ويبحث عن ياسر عرفات، إنه لن ينسى أبداً مصادرة القرار الفلسطيني في عام 1948، وعليه فلا يتسع القرار الفلسطيني لأي طرف غير صاحب القضية الشعب الفلسطيني نفسه، ويقول ياسر عرفات بعد قرار «قمة الرباط»، إن هذا اليوم، يوم قرار القمة، يشكل منعطفاً هاماً في تاريخ الشعب الفلسطيني، «وأقسم على مواصلة الكفاح حتى يصلي مع إخوانه القادة العرب في المسجد الأقصى المبارك في القدس الشريف».
بعد القمة وقرارها يتقدم ياسر عرفات بفارق كبير على هنري كيسنجر في جولاته المكوكية، إنه على استعداد ليزور ثلاثة بلدان في يوم واحد، ولا يترك عاصمة في العالم على استعداد لاستقباله إلا ويذهب إليها، ولو كانت موريشيوس أو جزر القمر أو مملكة نيبال، ويركز جهوده الدبلوماسية على القارة الأوروبية، إن مستشار النمسا برونوكرايسكي مستعد للقائه في القاهرة فيسرع للقائه الذي يفتح له أبواب زعماء الاشتراكية الدولية في أوروبا، أولاف بالمه رئيس وزراء السويد، والشهير فيلي برانت، المستشار السابق لألمانيا، وسوفارنج وزير خارجية فرنسا يأتي إلى بيروت خصيصاً للقاء ياسر عرفات، أما الحدث الدبلوماسي الأهم فكان الزيارة التاريخية التي قام بها كورت فالدهايم السكرتير العام للأمم المتحدة لياسر عرفات في بيروت، حيث حضر إلى بيروت ليسبغ الشرعية الدولية على الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، وهل كان فتح ملف تجنيد فالدهايم في الجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية، وكان قد انتخب رئيساً للنمسا، إلا انتقاما منه بسبب ترحيبه بياسر عرفات في الأمم المتحدة وزيارته له في بيروت؟

 وشهدت الأراضي الفلسطينية المحتلة احتفالات ومظاهرات وفرحة عارمة بقرار القمة العربية في الرباط، وقد عكست هذه الاحتفالات التلاحم القوي بين القيادة وبين جماهير الشعب الفلسطيني، التي رأت في القرار خطوة تاريخية على طريق الاستقلال الوطني بعد قرار المجلس الوطني بإقامة السلطة الوطنية في الأراضي الفلسطينية التي يجري «تحريرها أو ينسحب الاحتلال منها»، إن التوجه نحو الواقعية السياسية بعد حرب أكتوبر 1973 والذي بادر إليه ياسر عرفات بحنكته ودهائه، قد لقي تجاوباً وترحيباً قوياً على المستوى الدولي، فرحب به الاتحاد السوفياتي والكتلة الاشتراكية وفرنسا، ولم يمض غير أسبوعين على قرار الرباط حتى كان يلقي خطابه التاريخي في الأمم المتحدة (13 نوفمبر 1974)، وبعد الخطاب أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية عضواً مراقباً في الأمم المتحدة إلى جانب سويسرا والفاتيكان، وبهذه الصفة تشارك في اجتماعات الهيئات الدولية التابعة للأمم المتحدة، نجح أبو عمار في الأمم المتحدة نجاحاً منقطع النظير، ومنذ ذلك اليوم التاريخي والجمعية العامة في دورتها في كل عام، تصوت بأغلبية كاسحة على جميع القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وبعد عام واحد تصوت الجمعية العامة بالأغلبية على قرار يعتبر الصهيونية «شكلاً من أشكال العنصرية»، وهذا القرار أفقد إسرائيل وحلفاءها رشدهم، وكانوا يخشون أن تشهد الأعوام اللاحقة طرد إسرائيل من الأمم المتحدة لولا الضغوط الهائلة التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية على الدول الأعضاء، وجمدت دفع حصتها المالية لموازنة الأمم المتحدة.

وعلى أية حال فإن ما تسميه إسرائيل الأغلبية الأوتوماتيكية في الأمم المتحدة لصالح حقوق الشعب الفلسطيني، ستظل قوة ضاغطة على إسرائيل وأمريكا حتى يحقق الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله ويقيم دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ويعود الفضل الأكبر في إقامة هذه الكتلة الحاسمة في الأمم المتحدة، إلى القيادة البارعة لياسر عرفات في إقامة العلاقات الثنائية المتينة مع دول آسيا وإفريقيا والمجموعة الاشتراكية والمؤتمر الإسلامي وكتلة عدم الانحياز ودول أمريكا اللاتينية والوسطى، ومع حركات التحرر الوطني في إفريقيا وفي آسيا وفي الكاريبي، إن نيلسون مانديلا صديق مخلص للشعب الفلسطيني ولياسر عرفات، وكان وهو في سجنه يتلقى التقارير عن العلاقة الوطيدة بين ياسر عرفات والمؤتمر الوطني الإفريقي، وحين تحررت جنوب إفريقيا من حكم التمييز العنصري كان أبو عمار ضيف الشرف في احتفالات الاستقلال وقيام الحكم الديمقراطي، وأول قرار أخذه مانديلا هو فتح سفارة لجنوب إفريقيا لدى السلطة الوطنية. 

أعاد خطاب ياسر عرفات في الأمم المتحدة الاعتبار للقضية الفلسطينية، بعد أن ظلت عشرين عاماً قضية لاجئين، وكان يدرك أهمية الحفاظ على هذا الإنجاز السياسي الهام، وإنه تقع على عاتقه حمايته وتعزيزه، وهذا ما حرص عليه وأعطاه الوقت والجهد، ولا أعتقد أن هناك قائداً لحركة تحرر وطني حرّك الساحة الدولية كما فعل ياسر عرفات، والسبب يعود أولاً إلى إدراكه لخطورة قضيته وتعقيداتها ووقوف قوى دولية بشكل أعمى وراء إسرائيل تصمت عن الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني، لقد هيأ نفسه لمسيرة صعبة ومهمة تكاد تبدو مستحيلة، «إلا أن قطرات الماء تحفر الصخر»، هذا ما كان يردده دائماً أمام ما يبدو مستحيلاً، إنه في الواقع لا يعرف المستحيل ولا يعرف للممكن حدوداً، إن الممكن والواقعي في وعيه يكمن بطاقته التي لا تنفذ، أن يمتد ليعانق المستحيل، وإذا كانت السياسة «فن الممكن»، فإنه يمارس هذا الفن بجدارة لاعب ماهر، دون أن يكون الممكن نهاية طموحه بل بدايته التي لا غنى عنها.