فتوى الشيخ الدكتور علي القره داغي حول صرف أموال الزكاة لمنظومة الأمم المتحدة

فتوى الشيخ الدكتور علي القره داغي حول صرف أموال الزكاة لمنظومة الأمم المتحدة
رام الله - دنيا الوطن
فقد وصلني هذا السؤال من عدة جمعيات خيرية وإنسانية، وجمعيات الهلال الأحمر من بعض الدول الإسلامية، وهذا نص السؤال:

سؤال شرعي هام نتوجه به إلى السادة علماء الأمة وفقهاء الشريعة الغراء:

مقدمة:
خلال الاجتماعات الدورية للجمعية العامة للأمم المتحدة في السنتين الأخيرتين وضمن الجلسات المخصصة لبحث سبل تمويل العمليات الإنسانية في منظومة الأمم المتحدة، طُرِحَت فكرة الاستعانة بأموال الزكاة والصدقات والأوقاف الإسلامية للبلدان الإسلامية كموارد إضافية غنية لردم الفجوة بين الموارد المالية المتاحة حالياً لدى منظومة الأمم المتحدة لتمويل العمليات الإنسانية، وبين الحاجات الإنسانية المتزايدة التي لا تفي بها تلك الموارد.

وفي دراسة أعدتها الأمم المتحدة عام 2015 بالتعاون مع الأمانة العامة لمؤتمر القمة العالمي للمساعدات الإنسانية World  Humanitarian Summit  وقدم لها ستيفن أوبراين Stephen O’Brien  وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة الطارئة، تمت الدعوة إلى ضرورة الاستفادة من أموال الزكاة والصدقات والأوقاف الإسلامية للبلدان الإسلامية كونها تشكل مبالغ ضخمة توفر موارد إضافية لدعم أنشطة التنسيق الإنسانية الأساسية التي يقودها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة.

السؤال:

هل يجوز صرف أموال الزكاة والأوقاف الإسلامية في المورد المذكور في المقدمة علماً أن:
جزءاً من المبالغ المخصصة للأعمال الإغاثية للأمم المتحدة سيذهب لتمويل المصاريف الإدارية الباهظة لمكاتب الأمم المتحدة المختلفة الخاصة بشؤون الدعم الإنساني، (يراجع لتفصيل ذلك سلسلة المقالات المتعلقة بسياسة المساعدة الإنسانية للأمم المتحدة للصحفية "هبة علي" المنشورة في موقع "إيرين" IRIN)،

 وجزءً آخر من تلك الأموال سيستخدم لتأمين المصاريف الإدارية للمنظمات الإغاثية غير الحكومية الدولية والمحلية.
وأيضاً قرارات الصرف والتنفيذ لن تكون بأيدي الدول أو المؤسسات الإسلامية

كما أن الضغوط على الدول الإسلامية بحجه الحرب على الإرهاب قد تجبرها أي تجبر دولنا، على دفع هذه الأموال أو أجزاء منها للأمم المتحدة 

أضافه إلى أننا بذلك سنفقد التضامن والتعاضد بين  المجتمعات الإسلامية ، خاصه  إن مؤسسات  الأمم المتحدة الإنسانية تستخدم المؤسسات الغربية لتنفيذ مشاريعها وكثير من هذه المؤسسات يعمل ضد أجنده أمتنا الإسلامية وتنشر أفكار لا تتوافق مع شريعتنا الغراء.

كما أن قسماً من تلك الأموال سيصرف لتمويل الأعمال الإغاثية في بلدان غير إسلامية ويستفيد منه غير المسلمين سواء كتابيين أم وثنيين،وعلماً أن تخصيص أموال الزكاة والصدقات والأوقاف الإسلامية لمثل الغاية المذكورة في مقدمة السؤال سيحرم المجتمعات الإسلامية المحلية في البلدان المسلمة من أهم الموارد المتاحة لسد حرمان المحرومين وتأمين حاجات الفقراء والمصابين وغير ذلك المصارف الشرعية للزكاة كالإنفاق في سبيل الله على طلبة العلم الشرعي ونحوه؟

أفيدونا في ذلك تفصيلاً جزاكم الله كل خير، ودمتم ذخراً للإسلام والمسلمين.

الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،،،

تمهيد:
فإن الإسلام العظيم انطلق من عالميته لتكون في تشريعاته رحمة للعالمين، ومن إنسانيته لتكون أحكامه خيراً للبشرية جمعاء، وشفاء لكل الأمراض والوباء.

ولكن الإسلام أولى لمن تبنّاه والتزم به عناية قصوى، وخصوصية في الأحكام والتشريعات شأنه في ذلك شأن أي دين.
وقد ظهرت آثار العالمية والخصوصية في تشريعاته المالية أيضاً حيث أوجب على المسلمين فرائض مالية أهمها الزكاة التي جعلها الله تعالى الركن الثالث من أركان الإسلام، وجعلها شرطاً للأخوة الإسلامية فقال تعالى (فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ  وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) }التوبة:11{.
ومن المعلوم أن للزكاة خصائص، ومزايا، وخصوصية لا توجد في غيرها من التشريعات المالية. 

ومن عالمية الإسلام جواز صرف الصدقات العامة والأوقاف لجميع بني البشر من المحتاجين بل للحيوانات، وفتح بذلك أبواب الخيرات عليهم جميعاً، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإن لنا في البهائم أجرا؟ "فقال: " في كل كبِد رطبة أجرٌ"" رواه البخاري في صحيحه الحديث (2363) ومسلم الحديث (2244) وفي رواية صحيحة أخرى في البخاري (2466، 6009) بلفظ "في كل ذات رطبة أجر".

صرف الزكاة والأوقاف والصدقات المخصصة عن طريق الأمم المتحدة:
أود أن أبين بأن الأمم المتحدة لها جهود مشكورة في مجال الإغاثة على مستوى العالم، ونحن ندعو دول العالم الإسلامي إلى التعاون البناء معها، والسعي الجاد لإصلاح مؤسساتها الإنسانية، وتطويرها.

ومع ذلك فإن الأدلة الشرعية واضحة في عدم جواز صرف الزكاة إلى الأمم المتحدة حتى ولو لصرفها على فقراء المسلمين وذلك للأسباب التالية:

1-    أن الزكاة عبادة، وفريضة دينية مع كونها تكافلاً مالياً وتضامنياً وتعاوناً مع الأغنياء لتحقيق التكافل داخل المجتمع الإسلامي.

ولهذه الخصوصية ظل جمع الزكاة وجبايتها وصرفها وتوزيعها على مصارفها الثمانية من واجبات الدولة الإسلامية بدءاً من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ثم الخلافة الراشدة ثم العصر الأموي، والعباسي، والعثماني.
فهكذا كانت الدولة الإسلامية مسؤولة عن الجمع والصرف 

التعليقات