بعيداً عن خط الوسط : فلتتراجع حماس خطوة واحدة

بعيداً عن خط الوسط : فلتتراجع حماس خطوة واحدة
كتب غازي مرتجى

*
استشهاد والدة الطبيب بسام البدري في ظروف مجهولة يجب أن يدق جدران الخزّان بقوة - لا لأنها والدة البدري الذي يعمل على مساعدة المرضى قدر الإمكان .. ولكن ؟

إن كان الدافع وراء هذه الجريمة "سرقة" كما تُشير تصريحات المسؤولين الرسمية الأولية فإنّ هذا الإجرام بهذا الوقت (قبل منتصف الليل) يُوحي بأنّ انهياراً جديداً في القيم والأخلاق وصل إلى درجة ارتكاب جُرم أمام الأشهاد .. هذه الجريمة ستكون مضاعفة إن كانت دوافع الجريمة انتقامية وبلطجية .

العزاء للدكتور البدري - المصاب واحد والبقاء لله ..

**

لقد مثّل شهر مايو الجاري صورة سوداوية لواقع الحصار المفروض على قطاع غزة فحوادث القتل العمد بالإنتحار والحرق - ووفاة ثلاثة أطفال بسبب الإهمال وشمعة - تحرك الخريجين للدفاع عن حقوقهم متزامنة مع استمرار اسرائيل بوقف إدخال الاسمنت  وبالتالي توقف عجلة الإعمار وإذلال معبر رفح.. الخ من حوادث يومية بتفاصيل مُملة لكنها مُهمة كلها تُشير إلى انفجار مُحتمل ما لم تتغير أطراف المعادلة .

حركة حماس وبصفتها الحاكم الحقيقي لقطاع غزة  وجب عليها التراجع خطوة لتكسب خطوات مقابلها - وبعيداً عن التوصيف الحقيقي للتراجع فإن الرهان على استمرار الناس بالصبر والصمود لحالة الحصار المستمرة منذ عشرة أعوام باتت محفوفة بالمخاطر .

الوصفة الأسهل والأكثر نجاعة هي تمكين حكومة الوفاق من العمل بغزة إلى أن يتوافق الطرفان على تشكيل حكومة وحدة مع قناعتي الشديدة بأن شيئاً لن يتغيّر .

يُحسب لحكومة الحمدلله إعلانها تشغيل ألفي خريج ( مع قلّة العدد مقارنة بالمطلوب) رغم أن هذا القرار جاء بعد هجوم "شنيع" شُنّ ضد رئيس الحكومة بغزة - فما بال حماس لا تُعطي صلاحيات الإدارة كاملة للحكومة علّها تقوم بما هو مطلوب وإن لم يكن فتكون حماس خارج الحسابات .. 

***

لو كُنت مكان حماس لقمت بتسليم المعبر لوزراء حكومة الوفاق المتواجدين في قطاع غزة وممثلين عن الرئيس أبو مازن فوراً , ولننتظر النتائج ..

يومان من "القهر" والتقاط صور المعاناة والألم كان نتيجتها سفر أكثر من ألف مواطن بقليل وهؤلاء يتنقلون في يوم واحد عبر حاجز بيت حانون (إيرز) .

لا يسّر وضع المعبر الذي يُزوّد -ما يُسمّى الإنسان الغزّي- بأدنى حق من حقوق الإنسانوهو التنقّل والسفر , عدو أو صديق , واستمرار إغلاقه أضحى أفضل من فتحه لمدة يومين فقط ليتمكّن ألف من السفر ويتداعى الهم والحزن على الـ50 ألف الآخرين .. فكلُ من يفكر بالسفر هذه الأيام إما لحاجة ماسة أو أشد .

لا بُدّ من حلول إبداعية لكافة القضايا ومن ضمنها المعبر , واستمرار لعبة "حرق الوقت" لن تُفيد كثيراً في ظل حالة التسارع غير المسبوق في تثبيت التغيرات الإقليمية والوقوف بوجه عاصفة باتت واضحة المعالم مُحددة الأطراف .

هناك عشرات الحلول الإبداعية - ولا يقتصر الأمر على العناوين الرئيسية (سلّموا المعبر وكفى) بل يتعدّى ذلك بإمكانية رفع الحرج عن "حماس" سواء بعلاقتها (غير المُحددة) مع مصر أو بمناوراتها مع السلطة - وحتى ارتباطها بالمواطن الصابر والداعم للمقاومة -في الرخاء أكثر من الضغط- .

****

ما زادني قهراً هو حديث أحد القيادات الوازنة لي قبل أيام أنّ الخطط الفلسطينية (From A to Z) هي الحفاظ على الوضع الحالي على ما هو عليه لأنّ كل المؤشرات تدل على سلبية شديدة تجاه المستقبل , هذا المُخطط المُروع سيُدمّر ما تبقى من المشروع الفلسطيني الميت اكلينيكياً أصلاً - ويدّق مسمار أخير في نعشه طالما استمر التفكير بهذا الأسلوب من السلبية واليأس ..فإبقاء الوضع على ما هو عليه يعني إنهيار آخر ما تبقى من قيم وطنية , إنسانية , إجتماعية .. إن وُجدت !