مجانيــــــــــــن !

مجانيــــــــــــن   !
بقلم د. طريف عاشور

   حظي العمل التطوعي في بدايات الثورة الفلسطينية بالعناية والاهتمام من القيادة الفلسطينية في الداخل والخارج ، كذلك باحترام المواطن الفلسطيني داخل الارض المحتلة ، ذاك انه كان المدخل الاسهل والاوسع للانخراط بتجميع الناس وتأطيرهم حول الفكرة ، بعمل ظاهره النشاط التطوعي وباطنه العمل الكفاحي ضد العدو الصهيوني ، فأنتشرت على طول البلاد وعرضها جماعات شبابية، مزجت بين تقديم المساعدة للفلاح في ارضه وللعامل في ورشته ، وكذلك للطالب بالتعليم الشعبي في خطة بديلة لاغلاق قوات الاحتلال المدارس لفترات طويلة وهكذا .

كان العمل التطوعي الاقدس انذاك ، كونه كان فعلا طوعي للوطن ، مجردا من اي مكسب او استثمار ، كان طلاب الجامعه ينظفون الحدائق والشوارع ويشاركون بموسم قطف الزيتون بشكل جماعي ، دافعهم حب ارضهم ووطنهم ، تجمعهم الفكره ، والفكره فقط ، ولكن وبعد عودة السلطة الوطنية وحكم الفلسطيني نفسه بنفسه لاول مرة ، وبعد الانخراط الجماعي في مؤسسات السلطة ، حتى أصبح الواحد ينشد الاجر والعلاوة والتدرج الوظيفي ، مما ادى الى تراجع العمل التطوعي بشكل لافت ، فحل مكانه الحملات مدفوعة الثمن تحت اطار انها عمل تطوعي ، لا لشيء الا لاقناع بعض مؤسسات التمويل الخارجية ان هناك عملا تطوعيا مجانيا ، كي يستفيد البعض .

في خضم ذلك ، وفي غياب العمل التطوعي الممنهج  ، ظهرت منظمة تطوع الفلسطينية ، جاءت من رجال عرفوا معنى الثورة الحقيقي ، وكيف كان الثائر الفدائي يقدم روحه وجهده طواعية لاجل الوطن ، جاءت كي تملآ فراغا كبيرا حل بنا ، بعدما اضحى العمل باجر هو السائد وبدأ العمل التطوعي يتبدد الى ان كاد ينتهي .

نفذت تطوع عددا من النشاطات التي يفخر بها الفلسطيني ، زراعة اشجار سيما في المناطق المهددة  من قبل العدو ، ايام طبية مجانية عديدة في المناطق المهمشة  ، توزيع كراسي كهربائية على ذوي الاحتياجات الخاصه ، طرود غذائية للمحتاجين ، نشاطات اجتماعية وثقافية ودينية ، تجميل الوطن وغرس المحبه والتلاحم .

اعتقادي ، ان تطوع وبعلاقة مؤسسيها ، سوف تعيد الامل ، هذا الذي فقده السياسي ، والا ماذا يعني انتساب عدد كبير من المتطوعين على طول البلاد وعرضها خلال فترة قصيرة للمنظمة ، لا  بل وتوقيع الرئيس ابو مازن على استمارة العضوية ، ومباركته لها ، ولما سال الاخوة عن ما يريدون ، اجابوه بصوت واحد : لا شيء .

يوم طبي نفذناه ، لم يكلف اكثر من شواكل معدوده ثمنا للوقود الذي تحركنا  به ، زراعة الف شجرة، لم تكلف اكثر من عرق شبان وصبايا الوطن ، تمويل ذاتي ، ومن يريد ان يقدم تكون الاجابة : اذهب وقدم كذا ، دون لمس قرش واحد .

ربما بقي ان اقول ان البعض لا زال يقول – وقد همسوها في اذني – ان مرحلة التطوع  والعمل المجاني قد اندثرت ، وبات الان مطلوب ان توفر منزلا لعائلتك وارضا كضمان للمستقبل  وتوفر امولا لتعليم اولادك ، بدل الجنون و( اهدار الجهد المجاني ) ، قلت للناصحين : الم تبدأ الثورة التي تنعموا انتم الان براتب وفير منها ، بحفنه ممن قالوا عنهم مجانين ، واذا بهم يعلمون  الدنيا معنى الثورة والمقاومة وفتحت لهم اقاصي الارض حبا وكرامة  !