"أصواتمن طوباس" لـ" الإعلام"فوزية أبو محسن: 99 عامًا بذاكرة فتيّة!

رام الله - دنيا الوطن
 تتبعت الحلقة (41) من "أصوات من طوباس"سيرة المُعمرة فوزية صادق أبو محسن، التي تقترب من إكمال قرن من عمرها، فيما باحتتجاعيد وجهها وذكرياتها العتيقة بحال المدينة وأهلها قبل عقود.

وقصّت المعمرة، التي أبصرت النور في نهاية الحربالعالمية الأولى وتراجع الدولة العثمانية، خلال البرنامج الدوري الذي تنظمه وزارةالإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية الكثير مما تختزن "جدران"ذاكرتها من فصول الاحتلال البريطاني، وما سمعت به من والديها عن الأتراك والحربالعالمية الأولى.

القمح المطلوب رقم (1)!

تروي، وهي على سرير الشفاء بفعل هشاشة العظام:"ولدت أنا وابنة عمي في المالح، يوم انكسرت تركيا بالحرب، وسمى عمي كامل ابنته  (تركيا)، وشاهدت في أول حياتي الإنجليز وهويخلطون القمح والشعير والزيت مع بعضها، ليعكرسوا ( يخربوا) على الناس."

ووفق أبو محسن، فقد ساهمت مع أخوتها في تهريب قمحالعائلة من قلب طوباس الصغيرة إلى أطرافها في حمامات المالح ومنطقة الثغرة في محيطالمدينة، فكانت  تضع الحبوب المهربة في تنكالماء، وقبل أن يكتمل الإناء تغلقه بإحكام ثم تُموه على ما في داخله بالقليل منالماء في وعاء صغير.

تتابع: أكثر ما يعز عليّ بيوت الشعر، وصناعة الزبدة والسمن،وغزل البُسط (السجاد)، ولا أنسى يوم وضعت أمي فريدة الوشم، وتوقفت قبل عشرين سنةعن ارتداء  زي طوباس (الردان، واليانس،والمنديل الأخضر، والدماية، والتشبر، والصمادي).

تحتفظ المعمرة بتفاصيل حياة البداوة، وتسرد أدوات العملوالرعي، وتتوقف مطولاً عند الغربال، والكربالة، والناطح، والمذارة، والشاعوب، ولوحالدراس، والمدرس، والجاروشة، والسراج، والقدر، والمغزل. ولا تسقط من ذاكريتهاطريقة صنع البُسط، فتقول: كنا نأخذ صوف الماعز، ونطرقه بالمطارق (عصي من أعوادالرمان)، ثم نلفه ونغزله على أيدينا، ونحضر المنساج (أداة خشبية للنول)، وكنتأستعمل قرن الغزال الذي يصطاده زوجي لنضع عليه الصوف.

توالي أبو محسن، التي أسقط  تقدير العمر ثلاث سنوات من بطاقة هويتها: كانت بيوت الشعر (الخيام) تقسم إلى الشق(للرجال) والرُبعة (لمبيت النساء)، وشق للسخول الصغيرة، وحين كان زوجي يذبح السخولوالخرفان كنا نأخذ جزءا من المعلاق واسمه (المنساة) ننشفه ونضعه في الحليب بعدتفتيره لصناعة الجبن.

50 جنيهًا مهر

وبحسب الرواية، فقد خطبها عمها لابنه عبد الله أبوالسمور، وكان مهرها 50 جنيهًا، اشترت بستة منها 11 ليرة ذهبية، ويوم زفافها ساقالفرس الذي تركبه الخادم جميل أبو الذيب، من طوباس إلى منطقة قريبة من قرية العقبة،وحين وصل أهداه عمها دماية وسرطلية وحرير موصلي. فيما منعها والدها عن الكُتّابوالمدرسة؛ لأنه عمل بنصيحة قريبه خريج الأزهر، الذي قال له "إن البنات إنتعلمن يراسلن الغرباء". أما زوجي (توفي عام 1987) فتعلم في الكبر، ولم يكنيقرأ إلا القرآن.

تضيف:  لم تكن فيطوباس سيارات، وكنا ننتظر باص الميحان ( نسبة إلى منطقة ميحان السمن بالأغوار)الوحيد، وكان الكبار يسمونه (البوسطة)، ويمر من حمامات المالح وينزل لبردلة وكردلةوطوباس.

وتبدي المعمرة الندم، حين اشترت يوم النكبة عام 1948 منسيدة حزام حرير بأقل من ثمنة بنحو عشرة أضعاف، وقد اختبرت جودته بتمريره من خاتمذهبي. بعدها، بحثت مراراً عن صاحبته لتعيد لها حقها، دون جدوى.

أول الصور...

لم تلتقط المعمرة صورة شخصية لها إلا بعد إنجاب ثمانيةأولاد، مثلما حافظت على نظام غذائي خاص بها، فقد اعتادت  تناول خبز الشراك بالسمن البلدي وقشطة الحليب،وتناول البرتقال بقشوره، وأجادت صناعة خير الكراديش من الذرة البيضاء، وحرصت علىجمع العكوب والجعدة والخبيزة من الأغوار، ولم تأكل الخضروات والفاكهة إلا فيوقتها، واشتهرت بطريقة تخزين البندورة بالتمليح، والبامية والملوخية بالتجفيف،واحتفظت بالذبائح في عمود الخيمة لوقت قصير، وتفتقد هذه الأيام  السليقة (القمح المسلوق والمضاف إليه السكر)التي تُحضر احتفالًا بأسنان الأطفال.

تكمل: اصطدت غزالا بيدي، وأحضرته إلى بيت وربيته، وأطلقتالنار على سالول هاجم دجاجاتنا، وكنا نصطاد الشنار، وشاهدت النسور والهدهد وملهيةالرعيان، وكانت الضباع كثيرة في الأغوار.

بلغة السنوات، كانت أبو محسن شاهدة على الاحتلالالبريطاني لفلسطين، وعاصرت الحكم الأردني، والاحتلال الإسرائيلي، والسلطة الوطنية،وشهدت الحادثة التي يتناقلها أهالي طوباس كثيًرا عن مقتل أبو سمير الضابط في الجيشالبريطاني قرب المالح، حين جاء الناجي الوحيد بدمه لبيت عائلتها طالبا شربة ماء،وهو يقص ما حدث لرفاقه، ويطلب منهم المساعدة.

أجيال

للمعمرة أبو محسن سبع بنات: حليمة (76 عامًا)، و سارة(74)، وختام (63)، ونهاد (60) ومنتهى (59)، ومها (58)، وخمسة أولاد: يوسف (75عامًا)، وأنور (57)، ومحمد (54)، وطلال (50). ويحيطها 123 من الأحفاد أكبرهم بسام()((( 54 عاماً)  وأصغرهم عنان (لم يتعد  بضعة أشهر)، و15 من أحفاد الأحفاد.

توثيق

بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلفإلى أن "أصوات من طوباس" الذي يستعد لاختتام عامه الرابع، وثق 50 منالقصص الإنسانية لمبدعين ونساء ورجال تركوا بصمة في تاريخ المحافظة وحاضرها.

وأضاف: نقل البرنامج حكايات لم تأخذ حقها في وسائل الإعلام،واستطاع الوصول لأوائل الأسرى وقدامي أصحاب المهن وعالم الفضاء د. عصام النمر، واستعرضمساحات تربوية وصحية وبيئية واقتصادية ورياضية وإعلامية ومجتمعية  من قلب الأغوار.