اكتشاف القرن : رصد أمواج الجاذبية بعد مائة عام من توقع أينشتاين

اكتشاف القرن : رصد أمواج الجاذبية بعد مائة عام من توقع أينشتاين
رام الله - دنيا الوطن
دون أدنى مبالغة، خبر اكتشاف أمواج الجاذبية اليوم من الأخبار التي بإمكانك الحديث عنها بفخر طوال حياتك كأحد أهم الأخبار التي عايشتها، وهو حتماً سيكون أحد أهم أحداث القرن الواحد والعشرين. خبر يجعلك تفتخر بكونك إنسان. إنتصار عظيم للعلم وللإنسان!

قبل مئة عام تقريبا وضع ألبرت أينشتين أسس نظرية النسبية العامة والتي تقدّم تصوّر جديد للكون، قامت النظرية بتقديم مفهوم جديد للفضاء يقوم على دمج بعد الزمن مع الأبعاد المكانية في نسيج واحد هو نسيج الزمكان. كل شيء في الكون موجود ضمن هذا النسيج.

وفقاً لهذا التصوّر قام أينشتين بتفسير الجاذبية على أنها إنحناء في نسيج الزمكان، وبالتالي فكل جسم في الكون يقوم بحني نسيج الزمكان، ويتناسب مقدار الانحناء مع مقدار كتلة الجسم أو ما يحتويه من طاقة. 

يمكن تشبيه النسيج بقطعة كبيرة من الإسفنج، عندما يتم وضع أي كتلة على هذه الإسفنجة فإنها ستنحني ويزداد الانحناء بزيادة الكتلة، الآن لو اقتربت كتلة أخرى من الكتلة الأولى فإنها حركتها ستتأثر نتيجة مرورها بانحناء النسيج الذي تسببت فيه الكتلة الأولى. وبنفس الطريقة تتأثر حركة الأجسام نتيجة انحناء نسيج الزمكان. 

الفيديو التالي يوضح فكرة انحناء الزمكان.

 

من ضمن الأشياء التي تنبأت بها النسبية العامة أيضا، أن هناك بعض الأحداث القوية التي من الممكن أن تؤدي إحداث إضطراب في نسيج الزمكان، هذا الإضطراب ما هو إلى موجة جاذبية وتفترض النظرية أن هذه الموجة تسير بسرعة الضوء. قد تنشأ هذه الموجة من إصطدام نجمين نيترونيين معاً أو اندماج ثقبين أسودين. كان هذا التنبؤ قبل مئة عام!

نرجع الآن إلى موضوع الاكتشاف:
تبدأ القصة قبل مليارات السنين، حيث كان هناك في أعماق الكون ثقبين أسودين يدوران حول بعضهما بسرعة كبيرة جداً ويقتربان من بعضهما شيئاً فشيئاً، قبل 1.3 مليار عام اندمج هذين الثقبين الأسودين معاً ليشكلا معاً ثقب أسود أكبر، وينتج من هذا الحدث الكبير موجة جاذبية انطلقت لتسبر أغوار الكون.

قبل خمس شهور وبالتحديد في الرابع عشر من سبتمبر للعام الماضي 2015، وصلت هذه الأمواج إلى كوكبنا اللطيف ليلتقطها مرصد أعدّ خصيصاً قبل عشرات السنين لالتقاط مثل هذه الأشياء اللطيفة!

الآن تخيّل مدى روعة العلم الذي استطاع حرفياً أن يسافر بنا إلى عشرات السنين في المستقبل، كما سمح لنا بمشاهدة الكون قبل مليارات السنين!!

أينشتين استطاع بمعادلاته الرياضية في ذلك الوقت أن ينظر إلى مئة عام في المستقبل، أي إلى يومنا هذا، ليشاهد من خلال معادلاته ما نحتفل اليوم بمشاهدته، حتماً سيكون سعيداً لو كان بيننا لكنه لن يكون منبهراً لأنه سبق وأن شاهد ذلك في معادلاته قبل مئة عام!

كذلك استطاع العلماء بعد جهد وتفكير وعمل عظيم أن يستمتعوا بمشاهدة حدث وقع قبل 1.3 مليار عام بشكل مباشر!!
أنا حقاً سعيد لأني أعيش في هذا الوقت، قبل بضعة سنوات عايشت اكتشاف بوزون هيجز واليوم موجات الجاذبية، ترى ماذا يخبئ الغد!

إعداد: محمد القدرة
طالب ماجستير فيزياء، جامعة برايتن، بريطانيا

التعليقات