كيت كيت مصالحة

كيت كيت مصالحة
بقلم/ عماد زقوت

مدير الأخبار قناة الأقصى الفضائية

"كيت كات" هو اسم فيلم مصري تدور أحداثه حول رجل كفيف يحاول أن يعيش حياته بشكل طبيعي وكأنه يرى كل شيء،  ورغم كل محاولات من حوله إقناعه أنه ضرير وعليه أن يتعايش مع ذلك، إلا أنه يكابر، بل وفي ذات مرة أراد أن يثبت للناس بأنه مبصر، فقام بركوب دراجة نارية وقادها لوحده دون مساعدة من أحد، وداهم سوق المنطقة، وهاج وماج فيه، وأحدث حالة من الإرباك والفوضى، وداس على كل ما هو معروض في السوق، وحينها قال له ابنه: "يا  أبتاه؟ ألم أقل لك أنك أعمى؟ لماذا لا تريد أن تستوعب هذا؟" فرد عليه: "الآن اقتنعت"، لقد اقتنع أخيرًا أنه أعمى، لكن بعد فوات الأوان.

هذا هو حالنا مع المصالحة الفلسطينية، فالبعض لا يريد أن يقتنع أن المصالحة صعبة المنال، ولن تتم، ليس لأن حركة حماس أو فتح لا تريدانها، بل لإن القوى الإقليمية لا ترغبها، ولن تسمح بها، لأنها تريد للشعب الفلسطيني أن يبقى هكذا، مشتتًا ومنقسمًا على نفسه، وأن يتحارب فيما بينه، حتى لا تتحد كلمته وسلاحه ضد دولة الاحتلال، وللأسف فإن أبو مازن جعل من "لعبة المصالحة"، وسيلة لابتزاز المقاومة، وعلى رأسها حماس، ليمارس الضغط عليها، لا أدري، ربما انتقامًا منها، أو -على الأقل- طوع نفسه لأن يكون أداة تنفيذ بيد المنظومة الغربية، حتى يصبح  الانقسام حالة طبيعية في شعبنا الفلسطيني، وفي اعتقادي يعتبر ذلك ضمن الإستراتيجية الغربية في تقسيم الوطن العربي، ومنطقة الشرق الأوسط، حتى تستطيع ما تسمى بـ "إسرائيل" أن تعيش أكثر، وكأن فلسطين كانت عبارة عن مختبر لتجربة هذا المخطط، حتى يتم تطبيقه على المنطقة العربية، فأصبح لدينا سلطة في الضفة، وأخرى في غزة، والباقي مشتتَا في أصقاع المعمورة.

ها هي إستراتيجية تمزيق الدول العربية، تسير وفق منهجية واضحة المعالم، وهي تقسيم المقسم تحت عنوان "الشرق الأوسط الجديد" الذي أعلنت عنه كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، وربما الأشهر الثلاثة المقبلة أو نهاية العام الجاري، ستتبلور خارطة جديدة للمنطقة العربية، وتدرس في مدارسنا لمئة عام قادمة حسب مخططاتهم، كما درسنا خلال المائة عام الماضية خريطة الوطن العربي التي شكلها البريطاني سيرماك سايكس والفرنسي فرنسوا جورج بيكو.

استحضار الخلفية التاريخية هذه، ليس لدب اليأس في نفوس شعبنا الفلسطيني، ولكن كي نقول لقيادة فصائل المقاومة: "ادرسوا المشهد من جميع زواياه، علينا أن ننتبه بأن المصالحة لم تعد فلسطينية الخيوط، بل امتدت إليها أيد صهيو-أمريكية، لديها أدواتها، وعلينا أن نفهم ذلك قبل فوات الأوان و"خراب مالطا" وأن لا تكون المصالحة "كيت كات" ".

وهذا لا يعني أنني شخصيًا ضد المصالحة، لا، بل أنني ككل مواطن فلسطيني، أرغب فيها وأتمناها، ولكنني استوعبت جيدًا أن المصالحة لم تعد بقرار فلسطيني، إذا فما الحل؟ وماذا نحن فاعلون؟  نقول: إن المصالحة بمعناها السياسي يجب أن تصبح خلف ظهورنا، وعلينا أن نتعامل مع الواقع الجديد شئنا أم أبينا، وهو أن يتوحد شعبنا الفلسطيني على بندقية المقاومة، والتعامل مع قطاع غزة أنه البقعة الأولى، لا الأخيرة التي تحررت من الاحتلال الصهيوني، وأن نركز دعمنا له، سواء سياسيًا واقتصاديًا وماليًا وعسكريًا، حتى يكون منصة للانطلاق نحو تحرير باقي فلسطين بإذن الله تعالى.

وأن ندعم الانتفاضة في الضفة والقدس، حتى تتطور وتصبح مهيئة للتحرير الكامل بحول الله، وأن يبقى الفلسطينيون في الداخل المحتل الذخر الاستراتيجي لشعبنا، حين الوصول لنقطة الصفر لمشروع التحرير، وأما أهلنا وشعبنا في الشتات، فعليهم أن يشكلوا لأنفسهم إدارة خاصة تدير أحوالهم، وأن يوفروا الدعم السياسي والمالي والإعلامي واللوجستي، فهذا في نظري البديل عن تفاهمات المصالحة المتكررة، والتي استنزفت شعبنا ومقدراته ومقاومته كثيرا، والله أعلم وأعلى.