يحزننا ولا يدهشنا

يحزننا ولا يدهشنا
د فهمي هويدي

إذا كان وزير الداخلية قد أبدى دهشته من الشائعات المتداولة حول تورط جهاز الأمن في مقتل الباحث الإيطالي الذي عثر على جثته في ضواحي القاهرة، فإننا لا نستطيع أن نخفى دهشتنا إزاء اندهاش الوزير.

  وإذ أؤيد الانتظار حتى تنتهي التحقيقات في الموضوع، وأتمنى أن تثبت براءة أجهزة الأمن من تعذيب الرجل وقتله،

إلا أنني أتفهم العوامل التي أسهمت في الإسراع بإثارة الشبهات حول دور الشرطة المصرية فيما جرى للرجل،وإلى أن تتضح الحقيقة في الموضوع، ينبغي أن نتساءل:

 لماذا كان أول ما خطر على بال كثيرين في خارج مصر إن للشرطة المصرية يدا في الموضوع؟

وأضيف هنا أن بعض التقارير المنشورة في الصحافة الأجنبية قطعت بذلك الدور ولم تتعامل معه باعتباره شكوكا أو أحد السيناريوهات المطروحة.

وأوجعني كثيرا أن أطالع رسما كاريكاتوريا، تداولته مواقع التواصل الاجتماعي ظهر فيه جبل من الجثث ووقف أمامه أحد ضباط الشرطة المصريين متسائلا:

أين يوجد ذلك الإيطالي؟ 

ــ وكانت رسالة الصورة واضحة في أن الباحث القتيل ريجينى، من وجهة نظر الرسام والجريدة، ليس سوى واحد من مئات الضحايا الآخرين الذين لقوا نفس المصير في مصر.

إحدى المشكلات التي كشفت عنها الحادثة أن الذين يوجهون الإعلام الأمني في مصر تصوروا أن ما تبثه وسائل الإعلام المحلية من تقارير ينطلي على وسائل الإعلام الأجنبية والمنظمات الحقوقية الدولية. ناسين أن هؤلاء يعرفون ما يجرى في مصر أكثر مما يعرف كثير من المصريين. 

وعند الحد الأدنى فلتلك الدول سفارات في القاهرة كما أن للمنظمات باحثين يتابعون بدقة ما يجرى، فضلا عن أن المنظمات الحقوقية المستقلة المحاصرة إعلاميا في مصر، تستقبل تقاريرها بثقة واحترام في الخارج.

ليست المسألة مجرد سمعة أشاعت انطباعا سلبيا عن دور جهاز الأمن في مصر، لأن ما صدم كثيرين في الخارج في جريمة تعذيب وقتل الباحث الإيطالي، لم يقابل بدهشة كبيرة في أوساط الحقوقيين المصريين فضلا عن أهالي المسجونين،صحيح أن الأمر موجع ومفجع ومثير لمشاعر الحزن والأسى، لكنه ليس باعثا على الدهشة بأي حال.

 فثمة حالات في مصر واجه فيها الضحايا ذات المصير الذي انتهى إليه الباحث المغدور ــ لكنها لم تحدث ضجة في وسائل الإعلام، سواء لكثرتها وتعددها أو لأن الإيطالي وراءه دولة غضبت وحكومة أوفدت وفدا أمنيا وسفيرا عاين الجثة وصدمه ما رآه، ثم إن الجثة نقلت إلى روما وتوفر لها من يستطيع أن يفحصها جيدا، ويعد تقريرا مستقلا عما جرى.

لقد ذكرت قبل قليل أن أول ما خطر على بال كثيرين «في خارج مصر» إن للشرطة يدا في الموضوع. ولم أشر إلى أصداء الحادث داخل مصر.

وتوا قلت إن ما جرى للرجل أحزننا ولم يدهشنا، ليس فقط لأن الانطباعات في الداخل أسوأ بكثير،ولكن أيضا لأن الحالات المماثلة مرصودة ومعلومة للكافة، وتشكل مادة لا تغيب عن مواقع التواصل الاجتماعي.

ربما يذكر كثيرون حادث المحامى كريم حمدي الذي ألقى القبض عليه في شهر فبراير من العام الماضي، وقام اثنان من ضباط الأمن الوطني بتعذيبه الأمر الذي انتهى بقتله.

 وأدانتهما في ذلك محكمة جنايات القاهرة وحكمت على كل منهما بالسجن المشدد مدة خمس سنوات.

وفى حيثيات الحكم ذكرت المحكمة التي نشرتها الصحف في ١٩/١٢/٢٠١٥ أن الرجل قتل جراء «توقف القلب والتنفس نتيجة الإصابات بالصدر والبطن والعنق، وما أصابه من كسور بالأضلاع الصدرية وتهتك بالرئتين وتكدم بالقلب والكبد وكيس الصفن.

 وما صاحب ذلك من نزيف بتجويفي الصدر والبطن وبالخصيتين وحول الكليتين... إلخ.

وتلك تفاصيل لا تختلف كثيرا عما أصاب الباحث الإيطالي.

ما جرى للمحامى كريم حمدي ليس حادثا استثنائيا.

يشهد بذلك تقرير مركز «النديم» لعلاج ضحايا العنف والتعذيب عن عام ٢٠١٥ المنقضى،

إذ أورد ما وصفه بأنه «أرقام مفزعة» لضحايا التعذيب (التقرير موجود على موقع المركز). 

وفى تقديمه إشارة إلى أن التعذيب أصبح منتشرا في أقسام الشرطة ومقار أمن الدولة، «بحيث كاد يغطى خريطة مصر كلها من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها».

معذورون هم إذا سارعوا بالشك ومعذورون نحن أيضا إذا أصابتنا دهشة الوزير بالدهشة. 

ومن حقنا في هذه الحالة أن نردد قول من قال إن الوزير إذا كان لا يعلم بما يجري فتلك مصيبة، وإذا كان يعلم فالمصيبة أعظم.