رسالة إلى الوالي!!! بقلم: معتز المغاري

رسالة إلى الوالي!!! بقلم: معتز المغاري
رسالة إلى الوالي!!! بقلم: معتز المغاري، غزة

هل جرّبت هذا من قبل؟ الآن وقبل فوات الأوان جرّب أن تدقق في عيون الغزيين الشاردة، سترى إحداها تنظر متوجسة خيفة هناك إلى الحدود الشرقية أو ما يُطلق عليه غلاف غزة!! والأخرى تنظر هناك أيضاً لكن خارج الحدود!! على قطر يحذوها الأمل الممزوج بالخوف والقلق وانعدام الثقة!! الأولى تراقب الحدود والحشودات والدبابات وما تحضّر له إسرائيل وما تُسّعر له من نار!! والتانية على ما يحدث في قطر وعجلة المصالحة التي تدور كرحى تسمع جعجعتها المزعجة علّها تُعاين الطحن!! وحكومة الوحدة المرتقبة!!

ما يحدث هذه  الأيام من كرنفال المصالحة السنوية إن شئت سمها، يُعيدنا ويُذكرنا بالذي مضى، وما آلت إليه آلاف الاتصالات بين الطرفين واللقاءات الماراتونية وآلاف الدولارات التي صُرفت لتهيئة الأجواء والتحضيرات اللوجستية للوفود!! وفي النهاية أنتجوا لنا إتفاق الشاطىء، إتفاق يفتقد للمواصفات العالمية للتصالح والضمانات، إتفاق لم يُساو الحبر الذي كُتب فيه، سوى أن حركة حماس أخلت مسئوليتها فيه عن غزة نظرياً، وأبو مازن سحب البساط أيضاً نظرياً!! وغلّفوا ورّوجوا للإتفاق على أنه المنجي.. وجسدوه في حكومة الوفاق الوطني والتي عُرفت آنذاك بحكومة الحمد الله!!! هذا المنتج لم يكن بتلك المواصفات التي تُلبي حاجة المواطنين!! بل شكل مزيداً من الضغط والتنغيص!!

للأسف هذه الأيام تكاد تلحظ نفس السيناريو يُعاد علينا كشعب مغلوب على أمره بنفس الأسلوب.. ونفس التحضيرات.. ونفس اللقاءات الماراتونية.. ونفس الأشخاص الذين أوكلت إليهم مهمة تمثيل الطرفين!! هوا ذاته نفس الشريط!! أتفق معك على اختلاف المكان!! والذي ربما لعنة غزة والتعويذة التي عليها بحاجة إلى قوى خارقة هناك في قطر تستطيع أن تفكك شيفرتها المعقودة!! 

كلامي ونصيحتي هنا موجهة إليك عزيزي المفاوض الحمساوي والفتحاوي وأنت تناقش بنود الإتفاق وقبل أن تبدأ الصياغة الأولى لبنود الإتفاق أو تتحفظ على الصياغة أو ترفض الصياغة كما اعتدنا عليك، أود منك أن تُلبي لي طلباً وحيداً إن أمكن!! فقط خذ خلوة شرعية مع نفسك مع ذاتك في ذلك الجناح المخصص لك في الفندق، وخذ نفساً عميقاً وتنهد، واستحضر ليس في عجالة تاريخ وآثار الانقسام البغيض، واستحضر كل تلك العائلات التي شُردت بعد الحروب على غزة، ومن يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، والذين يسكون الكرافانات، وآلاف الخريجين الذي اهترئت شهاداتهم، وآلاف العمال الذين اعتمر الشيب رؤوسهم وهم ينتظرون العودة الميمونة لأشغالهم، استحضر أولئك الذين خسروا إقاماتهم ومستقبلهم في الدول المجاورة، وأولئك الذين خسروا فرصتهم للتعلم في الخارج، وأولئك أصحاب الأوجاع والأسقام والذين ماتوا وهم ينتظرون الفتحة المشئومة للمعبر أو مكرمة أصحاب المقام في العلاج في الخارج، آلاف الثكالى والأيتام والمحتاجين الذين يقصدوا أبوابكم الموصدة لتتعطفوا عليهم بفتات يقيهم الجوع.. إلى عشرات المصانع والبنية الاقتصادية التي دمرت عن بكرة أبيها!!

يا عزيزي استحضر ظروف المواطنين كافة الذين دفعوا الضريبة القاسية مجبرين خلال العشر سنوات العجاف والتي ما زالت تمضي إلى غير هدى، نتيجة لقراراتكم الغير مدروسة والإنفعالية ونتيجة المناكفات، وصبروا وصمدوا عنوةً!! استحضر الأقصى الحزين وقضيتنا الأم وأرضنا المسلوبة والتي من أجلها نحن هنا والتي من أجلها نعاني، والتي لا أخفيكم أننا شرعنا عن قصد في نسيانها لأنكم أغرقتمونا وأرهقتمونا بمشاكل يومية لا حصر لها وأشغلتوا تفكيرنا بقضايا لم تكن في حسباننا!!... واستحضر واستحضر!!

وأخيراً إن وافقت على طلبي أن أُثقل عليك بعض الشيء أن تضع نفسك مكان كل هؤلاء جميعاً .. تخيل نفسك وأولادك وزوجتك ومحبيك وقد اجتمعت عليهم كل الظروف القاسية، هُدم المنزل وأنت في العراء معهم، لا تجد قوت يومك، أبناءك يكبروا أمام ناظريك بدون مستقبل ولا أفق يلوح، منهم من هو مريض ويموت أمام ناظريك ولا تستطيع أن تحرك ساكناً لتنقذه... إذن ماذا أنت فاعل؟؟!! أصرخ فيك بأعلى صوت وأشدك من تلابيب جلبابك وأهزك ماذا أنت فاعل؟؟!! ماذا أنت فاعل؟؟!! 

عزيزي المفاوض إجابتك هنا ستكون فيصليّة بالنسبة لكل هؤلاء، ستكون العصا السحرية التي ستحدد مصير (1,820,000) مواطن في غزة، إما إلى دب روح الحياة والأمل من جديد أو إلى موت بطيء سيفضي إلى بناء أكبر قبر عرفته البشرية في غزة!!

آمالنا بعد الله عزوجل معقودة عليكم .. رجائنا ألا تخيبونا من جديد!!