كيف يقوّض الحصار الإيديولوجي عمليّة السّلام

كيف يقوّض الحصار الإيديولوجي عمليّة السّلام
ألون بن مائير
وجّهت في مقالتي قبل أسبوعين السؤال عن سبب فشل المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأشر ت الأسبوع الماضي إلى أن البيئة الإقليمية هي، في الواقع، التي تفضي إلى استئناف محادثات السلام. ووصلتني كالعادة عشرات التعليقات الإيجابية ولربّما بقدرها أيضا ً إنتقادات مما جعلني أشعر بأنني على الطريق الصحيح. وقد اخترت أربعة تعليقات من التي قبلت بسهولة رواية حكومة نتنياهو بأنه لا يوجد شريك للتفاوض، وأن الفلسطينيين يسعون لتدمير إسرائيل ولا يمكن الوثوق بهم حتى ولو تم التوصل الى اتفاق سلام معهم، وهي برأيي وجهات نظر تتحدى الحكمة الشائعة وحقيقة الإسرائيليين والفلسطينيين على أرض الواقع.

ذكر أحد المعلّقين بأن “الإسرائيليين والفلسطينيين إخوة وأخوات. أتمنى السلام للشعبين على حدّ سواء. ولكن أنا يهودي وأنا أؤيد سياسة [إسرائيل] “.

وفي حين أحيي أنا الشعور بأن الإسرائيليين والفلسطينيين مرتبطون ارتباطاً وثيقاً، ولكن مما أدهشني أكثر هو توصيف نفسه بأنه يهودي ، كما لو أنّ كونه يهودياً يعني الدعم التلقائي لسياسات نتنياهو، بغض النظر عن أنها قد تكون مضللة.

يبدو أن الكاتب ينسى بأن واحدة من خصائص اليهود الصارخة هي بشكل عام كونه فضولي يحبّ الإستطلاع، ومشكّك، ومجادل، ويبحث باستمرار عن إجابات مختلفة، أفكار جديدة، ومعنى للحياة.

وحقيقة الأمر هي أنّ غياب السلام يعود للأراء الشاسعة التباين بين الأحزاب السياسية المتنافسة. وكما يقول الكليشيه القديم: إذا وضعت ثلاثة يهود في غرفة واحدة، ينتهي بك الأمر مع أربعة آراء.

ولذا فإن مهمة ومسؤولية كل يهودي هي أن يشكّك في أية سياسة، أكانت سياسة نتنياهو أو أي شخص آخر، وخاصة عندما تكون المخاطر عالية جداً وعندما تعرّض مثل هذه السياسات إسرائيل للتدمير، لبنة لبنة، وحجرا ً حجرا ً.

الإحتلال يجب أن ينتهي، ليس فقط لأنه يفتقر إلى أي مبرر أخلاقي ولكن لأنه يقوض بشدة أمن إسرائيل القومي بدلاً من تعزيزه. يجب أن تكون سياسة نتنياهو تجاه الفلسطينيين موضع تساؤل ، كما أن هناك الكثير من الأدلة على أن سياسته تأتي بنتائج عكسية وتعرّض مستقبل إسرائيل للخطر.

وتعليق آخر يتحدث عن نفسه، يقول: “التصلّب والعناد الفلسطيني والهدف الموثّق لهم هو تدمير إسرائيل والإستيلاء على كل أراضيها … إذا وضع الفلسطينيون أسلحتهم، يمكن أن يكون هناك سلام غداً. وإذا وضع اليهود أسلحتهم، لن تكون هناك إسرائيل، وسيكون هناك العديد من القتلى اليهود، بما فيهم ليبراليّون سُذّج “.

أجل، كان الفلسطينيّون متعنّتين في الماضي، وما زال الكثيرون منهم كذلك حتّى يومنا هذا، ولكن الكاتب نسي أن الفلسطينيين تحت الإحتلال منذ 47 عاماً. ولو كان اليهود في إسرائيل تحت الإحتلال لنفس الفترة من الزمن، هل سيجلسون مكتوفي الأيدي وينتظرون رحمة الفلسطينيين؟ هل سيكون اليهود الإسرائيليين على استعداد لإلقاء أسلحتهم والإستسلام؟ وعلاوة على ذلك، فقد وافق الفلسطينيون بالفعل على أن أية دولة فلسطينية مستقبلية ستكون منزوعة السلاح، لأن أي اتفاق سلام يجب أن يضمن بوضوح وبشكل ٍ لا لبس فيه أمن إسرائيل القومي.

كل فلسطيني يعرف أن القوة العسكرية الإسرائيلية لا مثيل لها في المنطقة، وأنها سوف تتغلب على أي من أعدائها تحت أي ظرف من الظروف. هذه القوة العسكرية هي التي تتيح لإسرائيل الفرصة والمسؤولية للإستفادة منها للمضي قدماً في عملية السلام بدلاً من استخدامها للحفاظ على الوضع الراهن الذي لا تحمد عقباه.

ومعلّق آخر يبدو أنّه واثق ممّا يخبئه المستقبل يؤكد قائلا ً: ” إسرائيل عاشت بدون سلام لمدة 60 عاماً، وأنا واثق من أنها قادرة على القيام بذلك لمدة 60 عاما ً أخرى. إنهم الفلسطينيون الذين يغرقون في دمائهم. لديهم ما يدعو للقلق لأنهم في كل عام يفقدون المزيد من الأراضي. وسوف يأتي اليوم الذي لن يكون لديهم فيه أي شيء “.

صحيح، عاش الإسرائيليون بدون سلام لأكثر من 60 عاماً، ولكن كلّ تشخيص للواقع الفلسطيني-الإسرائيلي يشير إلى أن إسرائيل لا يمكن الإبقاء على الوضع الراهن لمدة خمس سنوات أخرى، ناهيك عن 60 عاما ً، لأن الزمن قد تغير.

ديموغرافياً، إسرائيل في وضع لا تُحسد عليه حيث بلغ عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي إسرائيل نفسها بالفعل مساوياً لعدد اليهود الذين يعيشون في إسرائيل. والفشل في حل الصراع سيؤدي حتماً إلى حلّ الدولة الواحدة، وهو أمر ٌ لا يمكن تصوره من قبل جميع اليهود الإسرائيليين.

وعلاوة على ذلك، فإن الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي على وجه الخصوص قد تعبوا من استمرار الصراع ويلقون اللوم على إسرائيل بسبب تعنّتها وإلحاق الضرر بمصالحها الإستراتيجية. والأسوأ من ذلك، فإن إسرائيل أصبحت أكثر عزلة من أي وقت مضى لاختيارها العيش بالسيف. فهل يمكن أن تستمر هذه الظروف لمدة 60 عاما ً أخرى؟

يجب أن يكون واضحاً الآن أن الفلسطينيين لن يستسلموا ببساطة لأهواء إسرائيل. الوقت في صالحهم، وهم سوف يستمرون في القتال والموت، إن فُرض عليهم ذلك، لأنّ ليس لديهم ما يخسرونه.

وأخيراً، يدعي معلّق آخر بقوله: “صوّت الناخبون لصالح نتنياهو. وحتى إذا ذهب، سوف يصوت الناخبون لسياسي آخر من يمين الوسط المتطرّف. ما يريده هؤلاء الناس هو تنحّي بيبي واستلام يساري السلطة. يا، وإجبار [مثل هذا التغيير] حتى لو كان الناخبون لا يريدون ذلك “.

بناء على كل ما نعرفه، نتنياهو غير ملتزم بحل الدولتين. هناك حاجة إلى زعيم جديد يمثل الوسط ويسار الوسط. أجل، زعيم يدرك تماماً أن إسرائيل في سباق نحو الهاوية إذا فشلت في وضع نهاية للصراع.

أضف إلى ذلك، كون نتنياهو قد انتُخب لا يعني أنه يسعى للسياسة الصحيحة التي تخدم إسرائيل أفضل. رؤية نتنياهو للسيطرة الغير محدودة على كامل أراضي اليهود التوراتيّة هو مجرد وهم لأنه يوجد عليها شعب فلسطيني لن يذهب إلى أي مكان آخر.

الشيء المشترك الذي لدى هؤلاء المعلّقون هو أنهم يعانون من حصار فكري أيديولوجي، رافضين أن يغيّروا عقلياتهم. هم يفضلون الوضع الراهن لأنهم يخشون التغييرمهما كان الوضع حرجا ً لمواجهة الواقع على الأرض.

قال مؤسس دولة إسرائيل، دافيد بن غوريون، “أفضّل دولة يهودية على جزء من الأرض من كل الأرض بدون دولة”. وكانت نصيحته معاملة الفلسطينيين بحساسية، لأن ليس لليهود أي خيار سوى التعايش معهم تحت أي ظرف من الظروف. وتوصّل الراحل اسحق رابين إلى نفس النتيجة، وقتل بسبب ما يؤمن به.

لقد حان الوقت لجميع القادة الإسرائيليين حاضرا ً ومستقبلاً أن يتّبعوا نصيحة بن غوريون من أجل الحفاظ على حلم اليهود الذي عمّر آلاف السّنين، وهو أن يكون لهم دولة ديمقراطية وآمنة ومستقلة تكون ملاذاً آمناً ودائما ً لأي يهودي يختار أن يسميها الوطن.