جمال الغيطاني: الإنسانية كلها ملكي وأود أن أكتب رواية مثل «موبي ديك»

جمال الغيطاني: الإنسانية كلها ملكي وأود أن أكتب رواية مثل «موبي ديك»
رام الله - دنيا الوطن
ثم يخرج ويصبح مراسلاً حربياً، وبعدها يعمل محرراً ثقافياً، وخلال مسيرتي الطويلة مع الكتابة لم تكن قضيتي منافسة زملائي، قضيتي كانت وما زالت منافسة التراث الإنساني كله».

حياته عقب مسيرة طويلة مع الكتابة الإبداعية كانت محصلتها أكثر من 50 كتاباً و«حكايات هائمة» الصادر أخيراً عن دار نهضة مصر. هنا حوار معه.

بعد مسيرة إبداعية جاوزت النصف قرن، ماذا تعني بالنسبة اليك ممارسة فعل الكتابة؟ وهل أختلف الأمر الآن عنه في البدايات؟
الجوهر لم يختلف، ربما الإطار الذي تطرأ عليه اختلاقات وفق مقتضيات العمر. 
الكتابة بالنسبة لي مثل النبض، مثل التنفس، أمارسها مثل الغريزة، فهي ليست فعلاً مكتسباً، وأزعم أنني كنت أمارس فعل الكتابة، قبل تعلمها من خلال ممارسة فعل الحكي، لم أتوقف عن الكتابة يوماً واحداً حتى وأنا داخل المعتقل في 1966، رغم الظروف القاسية والقيود الشديدة، وأذكر أنني كتبت ثلاث قصص على ورق «البفرا» السجائر... وأثناء فترات التحقيق، أو فترات التعذيب كما كان يطلق عليها، وكانت تجري في سجن «القلعة» كنت أحياناً لا أجد ما أكتب عليه فأضطر للكتابة بالمخيلة.

فترات التكوين كيف ساهمت في إبراز شخصية الحكاء لديك؟
- ولدت في أسرة فقيرة، الأب لم يأخذ فرصة تعليم نتيجة الظروف، انا مولع بالحكي منذ الصغر، أحكي قصصاً لجدتي، ولأفراد أسرتي، من الأشياء التي لا أنساها أبداً سحارة كبيرة كانت موجودة في بيتنا منذ الصغر وكانت تحوي داخلها مخطوطات جدي لأمي، وكان يعمل شيخ القرية وإمام الجامع، من بين المخطوطات التي كانت داخل السحارة مخطوط للقاضي عياض، وأخرى لمحيي الدين بن عربي، فهذا النوع من المخطوطات يمتلئ به الصعيد، بدأت القراءة وعمري 7 سنوات، وكانت أول رواية قرأتها «البؤساء» لفيكتور هوجو، بينما رغبتي في الكتابة ظهرت وأنا في عمر العاشرة، في عام 1959 كتبت أول قصة وعنوانها «نهاية السكير» وكنت وقتها في عمر الخامسة عشرة ودخلت بها مسابقة نادي القصة، وكانت أول قصة تنشر لي في تموز (يوليو) 1963 في «الأديب اللبنانية».

عملك الصادر أخيراً «حكايات هائمة» كيف تصنفه؟
- منذ أن بدأت وأنا لديّ هاجس بأن أخط شيئاً لم يُكتَب مثله ولم أقرأه من قبل، كنت أقول ذلك لنفسي منذ كنت في العاشرة، وأظن أنني احتجت إلى أن أعمل 60 عاماً كي أكتب «حكايات هائمة» التي تخلصت فيها من كل الأشكال المسبقة، وتحررت من كل القيود ومارست فيها حرية وجرأة كنت أتردد في ممارستها من قبل. فلم تعد لديّ رواية بالشكل الثابت.

 هل يمكن النظر إليها باعتبارها سيرة أو بعضاً من سيرة؟
- «حكايات هائمة» فيها خدعة، فكثير مما أحكيه على لساني لم يحصل لكني أوهم به، أو يكون له أساس في الواقع وأنا أبني عليه، مشروع الحكايات بدأت في تدوين ملاحظاته منذ أكثر من 30 سنة، هناك أعمال كبيرة قرأتها وأعجبت بها وتمنيت لو أني كتبت مثل: رواية «موبي ديك» لهيرمان ملفيل التي أعتبرها نموذجاً أمثل، وأريد كتابة رواية مثلها وهذا بدوره يشكل حافزاً... خلال مسيرتي الطويلة مع الكتابة لم تكن قضيتي منافسة زملائي قضيتي كانت وما زالت منافسة التراث الإنساني كله.

التمركز حول الذات يبدو واضحاً في كل ما تكتب؟
- «لا تبحث عن مركز العالم أنت المركز» مقولة أنطلق منها دائماً.. ذاتي موجودة في كل ما أكتب إلى أن تمركزت حولها في الدفاتر وحكايات هائمة، حالياً أنا أنافس نفسي، وقد انقطعت عن القراءات الأخرى، إلا الأدب الجديد، عقلي مليء بالعمل، وما يشغلني حالياً هذان المشروعان، إلى جانب جزء ثالث من «حكايات المؤسسة».

هل انشغالك بالسفر والترحال كما ظهر في التجليات نابع من انشغالك بفكرة الزمن؟
- هناك مقولة لابن عربي: «الإنسان يسافر مع الأنفاس، من نفس إلى نفس، ومن دقة قلب إلى أخرى» نحن في حالة سفر دائم، والسفر نوعان، الأول سفر في المكان والآخر سفر في الذات، وأظن أنني الآن في مرحلة السفر في الذات، وهذه النقطة تتضح في «هاتف المغيب»، فجمال بن عبدالله يلتقي أحمد بن عبدالله، وأحدهما مقعد لم يسافر قط، لكنه يصل إلى النتائج نفسها التي ضيّع الثاني عمره في السفر من أجل أن يصل اليها، فالسفر في الذات هو نوع من السفر في المكان وفكرة السفر فكرة أساسية في التصوّف، التجليات كلها ترحال، و «هاتف المغيب» أيضاً، يبدو أنه مع اقتراب الإنسان من نهاية العمر يكثر سفره إلى داخل ذاته.

الوعي بلحظة الكتابة وما تمثله؟
- أنا من الكتّاب الذين لا ينتظرون لحظة الكتابة مثل كثير من الأدباء، صديقي الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي كان يحكي لي أنه قد ينتظر فترات طويلة والشعر لا يأتيه، ومنذ أن قرأت عبارة الشاعر فؤاد حداد «وكأن الحياة ذكرى» وأنا مشغول بهذا الهاجس فالحياة فعلاً كلها ذكرى، والكتابة فعل مضاد للنسيان، أعمل منذ أن كان عمري 16 سنة والنهار بالنسبة إلي مخصص للعمل لتوفير المعاش حتى بعد اشتغالي كصحافي محترف لأن الكتابة الإبداعية لا توفر دخلاً، لا أملك ترف الانتظار أو تأجيل مشروع كتابة للحظة مقبلة، فمن يدري إن كنت سأحيا حتى هذه اللحظة.

 لكن، الكتابة الإبداعية قد تخلتف عن غيرها، ما يعني صعوبة إخضاعها لنظام محدد؟
- أنا أخضعت لحظة الكتابة لظروفي، فأنا أعمل بمنطق من ليس لديه وقت، ومما أحمد الله عليه وأنا في السبعين من العمر أن طاقتي ورغبتي في الكتابة أصبحت أكثر صقلاً، وأن لديّ مشاريع وأفكاراً تكفني للاشتغال عليها فترة 20 عاماً مقبلة.

تقول: منهجي نابع مني لم يضع لي أحد منهجاً من الخارج. كيف تتعاطى مع قضية التجريب في الأدب؟
- لست من النوع الذي يستكين لنموذج مسبق أو قوالب جاهزة. «باترون» مثلاً. هناك قول في المدرسة الكلاسيكية في النقد يرى أنه يجب على الروائي أن يكون صوته خافتاً، لست مقتنعاً بهذه الرؤية كيف يكون صوتي خافتاً وأنا موجود طوال العمل، أنا الذي يكتب، أيضاً لست من أنصار القول إن «زنيب» هي أول رواية عربية، وماذا عن الألف عام السابقة؟ اتبعت المدرسة العربية القديمة التي تتمثل في كتب التراث مثل: كتاب الحيوان للجاحظ حيث توجد أفق عديدة للحركة أكثر بكثير من الأشكال الكلاسيكية للرواية الأوروبية التي تأسست عليها الرواية العربية.

 الأدب بوصفه تاريخاً موازياً، إلى أي درجة يمكن أن يعوّل عليه؟
- في بعض أشكاله، لكن في ما هو أكثر تعقيداً، أو ما أسميه وحدة التجربة الإنسانية، هناك نصوص إنسانية قديمة لكنها تعبر عن الحاضر، ما يعني أن ثمة قاسماً مشتركاً موجوداً، هناك حقائق إنسانية يقف الإنسان أمامها حائراً لا يكف عن طرح الأسئلة، هنا يمكن اعتبار الأدب معبّراً عن الحقائق العميقة والدفينة في الإنسانية وبالتالي يمكن استخدامه وبخاصة الأدب الواقعي في فهم الأبعاد الخفية في عصر ما، لكن، هذا دور لا يقتصر على الأدب وحده، هناك أنواع أخرى من الكتابة تقوم به، مثل الحوليات، والتراجم الصوفية التي تعطينا بعداً غير تقليدي لفهم التاريخ.

 اللغة في «الزيني بركات» تتماهى مع أساليب السرد في الخطاب التراثي القديم وبخاصة عند ابن إياس، هل اتكأت عليها لدوافع فنية، أم أنه الشغف بالتراث؟
- علاقتي بالتراث طويلة وأكثر ما استوقفني فيها ما لاحظته من اندثار بعض أساليب السرد في الخطاب التراثي العربي، هناك كتاب للراحل رشاد رشدي عن القصة القصيرة وضع فيه تعريفاً للقصة متسقاً مع التراث الأوروبي. تشيخوف، او موباسان، دهشت حين قرأتهما لكني شعرت أن هذه التقنيات لا تعبر عما في داخلي، كنت أشعر أني في حاجة إلى أساليب تحقق لي حرية أكبر، في ظل الرقابة الصارمة على الأدب آنذاك.

رواية الزيني بركات نشرت أول مرة في روز اليوسف باعتبارها مخطوطاً، أحببت لغة الزيني بركات لما تحتويه من جماليات بلاغية تجمع بين الفصحى والعامية تمثل ذورة البلاغة المصرية، ولأنها مكنتني من الوصول إلى مناطق في السرد يصعب الوصول اليها باستخدام السرد العادي، لكنها أيضاً استخدمت كقناع يوهم بأن النص قديم.

 تتحدث عن حداثة عربية تتجاوز حداثة الغرب، كيف؟
- لا أتعامل مع الحداثة الغربية باعتبارها المتفوقة وباعتباري الأقل، وجدت في القدماء حداثة أكثر من الموجودة لدى الغرب والمعاصرين مثل: أبو حيان التوحيدي الذي بهرني، والذي أجد في كتاباته حداثة متجاوزة حداثة الغرب، ومن عجائب الثقافة العربية أنها أوقفت طباعة كتب التوحيدي ومحيي الدين بن عربي وننتظر صدور دراسات عنهم من عاصمة غير عربية هي طهران، حيث يطبع تراث ابن سينا والمعتزلة ومن عجائبها أيضاً أنها تتعامل مع عباقرة مثل المتنبي وأبي العلاء والجاحظ باعتبارهم زنادقة ومارقين ومشكوكاً في أمرهم. الإنسانية كلها ملكي، والخصوصية لا تعني إلغاء الآخر، لكن هناك مركزاً أنطلق منه هو الثقافة العربية.

مثقفو الستينات كانت لديهم أحلام كبرى، عبّرت عنها ثورة 25 تموز ومثقّفو ثورة 25 كانون الثاني (يناير) أيضاً... هل ثمة قواسم مشتركة؟
- مثقّفو الستينات معظمهم مارسوا العمل السياسي السرّي، لأن العامل السياسي العام وقتها كان مشروطاً بشروط السلطة، كنا أعضاء في تنظيمات يسارية صغيرة، لكن سرعان ما اكتشفنا هشاشتها فتركناها، في الستينات كنا نحارب من أجل تحقيق مبادئ كبرى مثل: تحرير الإنسان، وبناء وطن مستقل، الآن نحارب في البديهيات، نحارب من أجل الحفاظ على البنية، من هنا انحيازي لفكرة الدولة، فالدولة في مصر غيرها في أي بنيان في العالم، الدولة تعني الكيان.

عقب هزيمة حزيران (يونيو) 1967، الجماهير التي خرجت يوم 9 تموز تطالب عبدالناصر بالبقاء وتحمّل المسؤولية، لم يحرّكها حزب أو تنظيم، الذي حرّكها خاصيّة مصريّة حاولت فهمها من خلال دراسة تاريخ المصريين، خاصيّة يعبر عنها القول الفرعوني القديم: «الكل في واحد».

وأثناء ثورة 1919 لم تكن هناك وسائل اتصال حديثة أو إنترنت ورغم ذلك فأنت تجدين حدثاً يقع في أسوان يمتد إلى أرجاء مصر كلها، وكأن هناك خيطاً سرياً يربط الناس، طبعاً هذا أمر له إيجابياته وأخطاره لأن عدم التنظيم يؤدي إلى دخول قوى منظمة تعمل ضد الشعب وضد حركة التاريخ وهذا ما حصل في 25 يناير، التي استغلت براءتها من قبل قوى.

منذ 25 كانون الثاني وحتى الآن ونحن نحارب من أجل بقاء الدولة نحارب في البديهيات، لكن، هذا لا يعطي عذراً للحاكم لأن يتقاعس، لأنه بقدر تحقيقه لمصلحة الغالبية بقدر مساندته للدولة، لأنه إذا بلغ اليأس مبلغه بما يحرّك المصريين مرة أخرى فإن 30 /6 قد لا تتكرّر.

علاقة المثقف بالسلطة كانت وما زالت شائكة، في رأيك لماذا؟
- لأن المثقف يحتاج للسلطة في دولة تهيمن على كل شيء، وفي الوقت نفسه يريد أن يحافظ على استقلاليته، طوال 17 عاماً فترة رئاستي جريدة أخبار الأدب، ورغم أنها قومية إلا أنها كانت أقوى جريدة ثقافية معارضة، وفي أدبي كنت ناقداً عنيفاً، في روايات مثل: «حكايات المؤسسة»، و «رسالة البصائر» وفي عام 1974 فترة الانفتاح الساداتي كتبت رواية عنوانها «ذكر ما جرى» تخيّلت فيها بيع مصر في مزاد علني وقد نشرت في مجلة «الموقف العربي» في كانون الثاني 1975 وحتى عام 1985 كان ممنوعاً ذكر اسمي كأديب في الجريدة التي أعمل فيها أخبار اليوم.

كيف تفسّرالنهضة الثقافيّة التي شهدتها الستينات، رغم القهر البوليسي؟
- عبد الناصر كان واعياً بقيمة مصر الثقافية رغم القهر البوليسي الذي مارسه نظامه على المثقفين، كانت هناك نهضة ثقافية حقيقية، مصر لها خصوصية وأحياناً يلعب العنصر الشخصي دوراً مهماً عندما يكون هناك شخص مثقف ويسند إليه دور مثل ثروت عكاشة الذي ما زلنا نعيش على إنجازه الثقافي، محمد حسنين هيكل أيضاً العقل المفكر لعبد لناصر لعب دوراً مهماً فقد نشرت أعمال معارضة للنظام وبقوة تحت حمايته، وجود هيكل في «الأهرام» مكّن نجيب محفوظ من نشر أعمال مثل: «اللص والكلاب» و «ميرامار» و «ثرثرة فوق النيل» التي كنا نقرأها من قبل باعتبارها منشورات... حيوية الشعب المصري وقوة الحركة الثقافيّة التي يمثّلها جيلي هي التي أوجدت دوراً ثقافياً لمصر فترة الستينات.

حالة الزخم الروائي التي تشهدها الساحة الأدبية في السنوات الأخيرة هل يواكبها حركة نقد موازية؟
- للأسف النقد غائب والموجود منه يحوي قدراً كبيراً من المجاملات، ما أفقده صدقيته لدى الجمهور، هناك كتابات جيدة تظهر لكنها تائهة لأن الحركة الأدبية في مصر أصبحت تسير على ساق واحدة. في الماضي عندما كتب لويس عوض عن الشاعر أمل دنقل في الأهرام تمّ تعميده، وعندما كتب عني نقّاد كبار مثل: محمود العالم وعلي الراعي ولطيفة الزيات حصلت على الختم. لا توجد حركة نقدية علمية تواكب حالة الزخم الروائي الموجود حالياً مثلما كان في الماضي عندما صدرت جاليري 68 وعندما صدرت «فصول» لتأسيس حركة نقدية حقيقية لكن، الأمل قد يكون الآن في إصدارات مثل: أخبار الأدب وعالم الكتاب، لأنهما يقدّمان رؤى جديدة.

 مسألة التجديد والجدل الدائر حول مراجعة كتب التراث، مهمة دينية أم ثقافية؟
- مهمة ثقافيّة بالدرجة الأولى، أنت الآن لا يمكنك أن تذهب إلى شخص وتدعوه إلى الإسلام في ظل ما نراه الآن من عمليات ذبح وثيب وعودة لتجارة الرقيق، مطلوب مراجعة جريئة علمية للأسس التي تبرّر هذه الأفعال، مراجعة لكتب التراث وبخاصة البخاري ومسلم، هذه ليست مهمة الأزهر وحده، لا بد من تعاون بين الأزهر والمؤسسة الثقافية، إذا أردنا للإسلام أن يستمر لابد أن نعمل على إدخاله العصر بالتخلص من ميراث قديم غير مقدّس، لأنه في نهاية الأمر مجرد اجتهاد بشر، فكرة التجديد فكرة أصيلة لدى المصريين، ومسألة التجديد التي طرحها الرئيس السيسي بجرأة وشجاعة مسألة حياة أو موت المهم كيف يتم تنفيذها.

 أين تكمن أزمة المؤسسة الثقافية في مصر؟
- تكمن في العقلية القائمة عليها والتي تديرها، وللأسف كان بينهم مثقفون مستنيرون وقع عليهم الاختيار لإدارة المؤسسة الثقافية بعد ثورة 25 يناير، أبزرهم جابر عصفور الذي التف حوله المثقفون، وكنت أولهم، لكني سرعان ما انسحبت عندما بدأت أرى ضرره، وعندما تأكدت أنه أسير تجربة معينة، وأنه جاء إلى الوزارة حاملاً معه عقلية فاروق حسني، وأذكر أنني عقب توليه الوزارة، وخلال اجتماع للمجلس الأعلى للثقافة قدّمت برنامجاً ثقافياً متكاملاً يتضمن 17 اقتراحاً لن تكلّف الوزارة شيئاً مثل: إعادة فتح المركز الثقافي في باريس، ومكتبة البحر الأعظم التي تم حرقها أثناء ثورة كانون الثاني لكنه لم يهتم. وبالمناسبة عصفور لم يخرج من الوزارة بسبب هجومه على الأزهر كما يروج أنصاره.

لماذا خرج إذاً؟
- فترة التسعينات انتشرت ظاهرة الهجوم على الأزهر، حتى تثبت أنك مثقّف تنويري، لكن عندما يأتي الهجوم في مرحلة تعمل فيها جماعة الإخوان وبكل قوة على إسقاط مؤسسة الأزهر حتى تكون المرجعية في الإسلام حكراً عليهم، أو حكراً على بيت المقدس، هنا يصبح الهجوم على الأزهر لا يخدم سوى الإرهاب.

عصفور خرج من الوزارة لأسباب هو يعرفها جيداً، في الماضي كان من الممكن بقاء الوزير في منصبه 25 سنة أو أكثر، حالياً نحن لا نتحمّل وجود وزير فاشل، صاحب أفق ضيق في الاختيارات.

 وكيف تقيّم القائم على رأس المؤسسة الثقافية الآن؟
- عبد الواحد النبوي أفضل من كثيرين، فهو يقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف في الحياة الثقافية، وقد جاء إلى الوزارة وليست لديه خصومة أو حزازات من أي نوع، وفي رأيي هذا أمر مفيد، وبما أنه تم اختياره فمساندته واجبة، لكن لابد أن تظل الدعوة إلى إعادة النظر في سياسة وزارة الثقافة بالكامل قائمة، فإن استطاع الوزير الحالي عمل هذا «فأهلا وسهلاً به» وإن لم يستطع فليأتِ غيره.

برأيك ما الإضافة التي قدمها مؤتمر القاهرة للرواية العربية الأخير؟
- مؤتمرات الرواية العربية التي تعقد حالياً ليست مؤتمرات بالمعنى العلمي، هي مجرد مهرجانات، الإيجابية الوحيدة لها أن الناس تتقابل، لا بأس لكن إن اقتصر الحدث على مجرد إلتقاء الأدباء ليكن المنظّم له وزارة السياحة وليس الثقافة.

أنا مع عمل مؤتمر علمي للرواية، على غرار مؤتمر الرواية في المغرب (فاس) 1979. الثقافة المصرية على مدى 70 عاماً فائتة لم يعقد فيها سوى ثلاثة مؤتمرات فقط هي: مؤتمر تجديد ذكرى أبي العلاء، ومؤتمر المتنبي 1948، ومؤتمر الموسيقى العربية 1933. والسؤال هنا ما هو البحث القيّم الذي خرج به مؤتمر الرواية الأخير، والذي يمكن أن يغيّر مسار الرواية العربية؟

التعليقات