قراءة في موقف الفصائل الفلسطينية حول الهبة الجماهيرية في القدس

قراءة في موقف الفصائل الفلسطينية حول الهبة الجماهيرية في القدس
رام الله - دنيا الوطن - وسام محمد
بعد مرور نحو شهرين على اندلاع الهبة الجماهيرية ما زال الموقف الفلسطيني الفصائلي غير واضح الرؤية في بعض جوانبه بسبب العمر الفتي للانتفاضة والاختلاف السياسي بين الفصائل الفلسطينية في الفكر والمنهج والأيديولوجيا واستراتيجية التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي.

ووفقًا لهذا الاختلاف السياسي، سنحاول في هذا التقرير رصد موقف الفصائل الفلسطينية وخطابهم السياسي الإعلامي حول الهبة الفلسطينية التي سميت بـ "هبة القدس"، في محاولة لمعرفة مدى انسجام الفصائل الفلسطينية مع الشارع الفلسطيني الذي انتفض على سياسة الاحتلال التهويدية الاستيطانية المتطرفة، والذي ملَّ أيضًا من المشروع السياسي الفلسطيني الضعيف أمام انتهاكات الاحتلال ومضايقاته للفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلة.

الفصائل الفلسطينية كانت تستعد لهذه الهبة لإعادة ترتيب أمورها في الضفة الغربية والقدس المحتلة، بعد تعرضها للكثير من الحملات الأمنية والاستهداف المباشر من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي أو من قبل السلطة الفلسطينية التي استفادت أيضا أن من الهبة لحظة انطلاقها لتوجيه رسائل سياسية للمجتمع الدولي وأمريكا وإسرائيل بأن تعثر الوصول لحل سياسي بين الفلسطينيين و"إسرائيل" سيشعل الشارع الفلسطيني من جديد ضد المسعى السياسي ورفضًا للواقع السياسي والاجتماعي والأمني الصعب.

وقد ظهر في خطاب بعض الفصائل بداية انطلاق الهبة، طموح أكبر من الواقع بعد أن اعتبرت بعض الفصائل أن الهبة الفلسطينية مستمرة حتى تحرير فلسطين، في حين اعتبر مراقبون للشأن الفلسطيني أن هذا الهدف بعيد المدى قد لا يتحقق في هذه الجولة من جولات المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، لأن المواجهة مع الاحتلال جولات وجولات وتحرير الضفة الغربية أو فلسطين يحتاج لجهد فلسطيني ودعم عربي وإسلامي مساند.

حركتا حماس والجهاد الإسلامي
رحبت حماس والجهاد الإسلامي باندلاع الهبة الفلسطينية وأعلنوا مشاركتهم فيها من خلال أفرادهم وعناصرهم ومؤسساتهم الشبابية والطلابية، وزفت الحركتان عددًا من أبنائهما شهداءً في الهبة الفلسطينية مؤكدين على استمرارهم في العمل المقاوم حتى تحرير فلسطين.

ومن أعلى مستوى سياسي داخل حركة حماس، أكد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل يوم الأربعاء (4|11): أن الانتفاضة الحالية ستحرر الضفة الغربية والقدس المحتلة، كما حررت الانتفاضة السابقة قطاع غزة من الاحتلال، مشددًا على ضرورة استغلال الانتفاضة للاتفاق على استراتيجية وطنية موحدة وتشكيل قيادة وطنية ميدانية موحدة لانتفاضة القدس.

ودعا إسماعيل هنية، نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، إلى حماية انتفاضة القدس والعمل على استمرارها وتصاعدها لتحقيق هدفها في التحرير والاستقلال والعودة، محذرًا من المحاولات الأمريكية والدولية لاحتواء انتفاضة القدس وإجهاضها أو وأدها قبل تحقيق أهدافها، مؤكداً أنه لا قوة فوق الأرض تستطيع إخماد الانتفاضة التي انطلقت من أجل الكرامة والحرية والتحرير.

وعلى الأرض دعت حركة حماس إلى الانخراط في المواجهات اليومية مع جنود الاحتلال في مختلف محافظات الضفة الغربية والقدس المحتلة، وباركت عمليات الدهس والطعن والعمليات الفدائية في الخليل والنقب وغيرهم، واعتبرتها ردًا طبيعيًا على جرائم الاحتلال وإعداماته الميدانية.

ودعت حماس الشباب الفلسطيني المنتفض في محافظات الضفة الغربية كافة، إلى تطوير أدواته وإبداعه في مقاومة الاحتلال بشتى الطرق، مثنيةً على مبادرته وإقدامه وشجاعته في مواجهة العدو.

ولعبت قناة الأقصى دورًا مميزًا في التحريض على الاحتلال الإسرائيلي وحث الشباب المنتفض على مقاومة الاحتلال بالطرق كافة لا سيما الطعن والدهس، وعملت على بث الأناشيد الحماسية الجهادية والفواصل الإعلامية التحريضية، ولعب مقدمو برامجها وأخبارها دورًا مميزًا في التحريض. 

ويسجل غياب للخطاب الإعلامي للجناح العسكري للحركة، خاصة للمتحدث الرسمي باسم كتائب القسام أبو عبيدة، الذي اعتاد الجمهور الفلسطيني على انتظاره عند كل مواجهة أو حرب مع الاحتلال الإسرائيلي، في ما بدا كأنه قرارًا داخل حركة حماس بعدم عسكرة الانتفاضة أو فتح جبهة غزة في الوقت الحالي.

موقف حركة الجهاد الإسلامي لم يختلف عن حركة حماس بحكم التوافق المشترك في استراتيجية المقاومة بين الطرفين والفكر الإسلامي الذي يميزهم عن باقي الفصائل، حيث دعت الحركتان إلى مسيرة مشتركة في قطاع غزة (3/11/2015) نصرة للقدس وانتفاضتها، و لفت القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خالد البطش خلال كلمة له في المسيرة، إلى أن فصائل المقاومة الفلسطينية ستحافظ على هذا الشكل الكفاحي للهبة مؤكدًا على أن أحداث الضفة والقدس هي "انتفاضة فلسطينية تضاف إلى انتفاضات الشعب الفلسطيني".

وحذر البطش من أن الانتفاضة ستأخذ شكلاً آخرًا إذا تمادى الاحتلال في إعداماته الميدانية بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلة، موضحاً بأن سرايا القدس و كتائب القسام و قوى المقاومة لن تسمح بأن يبقى النزيف من جانب واحد، وقال: "إن فصائل المقاومة ستعطي الأولوية للشعب، و لكنها ستلبي النداء وستكون عند حسن ظن أبناء شعبها في الضفة والقدس".

تهديد حركة الجهاد الإسلامي بفتح جبهة جديدة لدعم المنتفضين في الضفة، يعطي مؤشرًا إيجابيًا عن وحدة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويشير إلى احتمالية أن تتطور الأمور على الصعيد العسكري ولو بشكل يختلف عن شكل حرب غزة 2014، حيث يعتبر محللون في الشأن العسكري أن فتح جبهة غزة على غرار حرب غزة 2014 سيوقف انتفاضة القدس ولهيبها المتصاعد في الضفة الغربية، وسيخطف الأنظار عن بطولات الشعب الفلسطيني الذي يواجه مشروع الاحتلال التهويدي الاستيطاني ومشروع غسيل العقل الفلسطيني.

ويعتبر موقف الجهاد الإسلامي الذي استند فيه إلى قوة سرايا القدس ومعها باقي الأذرع العسكرية خطابًا وحدويًا قويًا، له أبعاده الوطنية والعسكرية، في حين بدا واضحًا غياب ظهور الأمين العام للحركة الدكتور رمضان عبد الله طيلة الفترة الماضية، حيث يعتبر ظهوره في الوقت الحالي دعمًا معنويًا للمنتفضين في فلسطين المحتلة.

الجبهتان الشعبية والديمقراطية
وفي القسم الثاني من الفصائل الفلسطينية، فصائل المقاومة داخل منظمة التحرير الفلسطيني