نفتح ملف "الإعدام الميداني"..20 جريمة حرب موثقة خلال شهر واحد بذريعة محاولة طعن مستوطنين..تفاصيل صادمة

نفتح ملف "الإعدام الميداني"..20 جريمة حرب موثقة خلال شهر واحد بذريعة محاولة طعن مستوطنين..تفاصيل صادمة
رام الله - خاص دنيا الوطن-حمزة أبو الطرابيش
أتم  الشاب المقدسي فادي علون  صلاة الفجر في منزله في بلدة العيسوية الواقعة على الأطراف الغربية من المدينة المقدسة، ثم راح على جهازه المحمول، فتح حسابه الشخصي على مواقع التواصل الإجتماعي" الفيس بوك" يقلب بصوره وبعض المنشورات وهكذا؛ شعر الشاب الوسيم بالجوع؛ حملته نفسه وذهب لشراء الكعك الفلسطيني الطازج من أحد مخابز البلدة.

سار فادي (19عاما) حذراً بين أزقة المدينة العتيقة؛ الخوف الذي أحاط بالشاب جاء نتيجة انتشار المستوطنين الاسرائيليين في المنطقة، الذين يشتمون ويأذون ويقتلون كل ما يبعث بالرائحة الفلسطينية.

 دقائق .. ووصل الشاب الوحيد لوالديه على مفترق شارع عمومي وعلى قارعته المخبز الذي يريده فادي، ولكن قبل أن يصل أحاطته مجموعة من المستوطنين وراحوا ينعتونه بالألفاظ النابية والاعتداء بالضرب؛ بقي  الشاب الوسيم يدافع وحيداً عن نفسه من تلك المجموعة المتوحشة.

 بعد ما انهالت على جسده سيل من الضربات الموجعة استطاع  الإفلات منهم، ليأخذ بالركض باتجاه منزله، لم تدع المجموعة المستوطنة فادي، فبدأت في ملاحقته وهم يصرخون  بشكل متكرر بعبارات عبرية "هذا مُخرب، اقتلوه" كما ظهر في فيديو نقله نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

 بلحظة؛ خرج شرطي إسرائيلي من سيارة وأطلق النارعلى جسد فادي من مسافة صفر، ليرتقي  إلى سماء الرحمن قائلاً: "أنا من الشبان الذين طالهم (الإعدام الميداني) الذي  ترتكبه اسرائيل بحقنا".

إعدام فادي الذي أطلق عليه شهيد الفجر، كان موثقاً بالفيديو الذي برهن أن الشاب الوسيم الأنيق، والمغرم بالصور والتقاط السيلفي، لم يحاول تنفيذ أي عمليات طعن كما زعمت قوات الاحتلال، فهو كان يعبر بشارع رقم 1 بحي المصرارة وقام المستوطنين بالاعتداء عليه  وتصفيته بدمٍ بارد حين أطلقت عليه قوات الاحتلال 7 عيارات نارية.

والد الشهيد المعدوم  ويدعى سمي علون اتهم شرطة الاحتلال الإسرائيلي بإعدام ابنه فادي في القدس بحجة قيامه بطعن فتى يهودي متدين، والتنكيل بجثته.

مسح دمعته الجارفة وراح يقول: "الشرطة أعدمت ابني وهو شخص مسالم، إن ادعاءاتهم بأنه طعن مستوطناً كاذبة، أين هو السكين؟ نحن نريد رؤية شريط الفيديو وصور الكاميرات المنتشرة بالشارع".

حكاية فادي هي واحدة من بين عشرات القصص الدامية التي تعرض لها شباب وأطفال الضفة والقدس، في ظل هذا السلاح العنجهي الذي استخدمته اسرائيل بحقهم تزامناً مع الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة منذ حوالي شهر من صياغة هذا النص.

معظم الشهداء الذين سقطوا نتيجة "الإعدام الميداني" تراوحت أعمارهم ما بين 11 - 20 عاماً، فيما بلغ عددهم قرابة 20 شهيداً جلُّهم من الأطفال. (حسب ما وثقته الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان)

المحامي فريد الأطرش أحد أعضاء تلك الهيئة أكد في حديث لـ"دنيا الوطن" أن هذه سياسة إعدام متعمدة تخالف كل القوانين الدولية وعلى رأسها اتفاقية روما وجنيف وغيرها.

ومضى يقول :"  هذه جرائم حرب، إعدام الطفل عبد الرحمن عبيد الله  والطفل أحمد شراكه هو خير دليل".

 ووثقت الهيئة المستقلة الأطفال والشبان الذين طالتهم سياسة "الإعدام الميداني" في الضفة والقدس، والشهداء هم : أحمد عبد الله شراكة (13 عاماً)،  الذي استشهد عند حاجز مستوطنة "بيت إيل" شمالي رام الله،  والفتى أمجد الجندي (17 عاماً) من بلدة يطا، قرب الخليل، ومحمد الجعبري (19 عاماً) من نفس المدينة، وعبد الرحمن عبيدالله (11 عاماً)، من سكان بيت لحم (جنوب)، وحذيفة سليمان (18 عاماً) من سكان طولكرم (شمال)، وإبراهيم أحمد مصطفى عوض (28 عاماً)، من بلدة بيت أمر بالخليل، فادي علون (19 عاماً)، من بلدة العيساوية، بالقدس، ثائر أبو غزالة (19 عاماً)، والفتاة شروق دويات (18عاما)، والشاب وسام المنسي (20 عاماً)، من سكان مخيم شعفاط والفتى إسحق بدران (16 عاماً) من شمال القدس،  والشاب أحمد صلاح (20 عاماً) من مخيم شعفاط.

وتنص  المادة 8/2/أ/1 من معاهدة روما  أن الأعمال المتمثلة في تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية، توضع في إطار " جريمة حرب".

 الكاتب والناشط الحقوقي مصطفى ابراهيم يدعم حديث زميله الأطرش قائلاً: "إسرائيل تعتبر القدس أنها ما زالت تشكل النواة الصلبة للمواجهة وهذا ما يوجع إسرائيل، كما تعتبر الأقصى مصدر التحريض والتوتر، لذا هي تمارس الإعدام من دون محاكمة بحق أبنائه".

وختم حديثه: "لا يوجد شيء في القانون اسمه اعدام ميداني".

وحسب التقارير الأمنية  فسلطات الاحتلال أمرت قواتها بإطلاق النار على الفلسطيني لمجرد الاعتقاد بأنه "يشكل خطرا عليها"، ونشرت وسائل الإعلام العبرية صوراً لرئيس بلدية القدس المحتلة نير بركات يحمل سلاحاً أثناء تجواله في المدينة، موعزاً للمستوطنين بحمل سلاحهم كذلك في المدينة.

وفي ظل التحريض الذي تنتهجه سلطات الاحتلال على قتل الفلسطينيين، يعيش المقدسي حالة من عدم الاطمئنان، يصاحبها بركان من الغضب والتحدي، بدأت حماه تفور بعد أن قلبت حياة المقدسيين رأساً على عقب، وبات التجول في شوارع المدينة مغامرة لا يحمد عقباها.

إعدام هديل بعد رفضها خلع الحجاب

أما حكاية الشهيدة هديل الهشلمون لا تختلف فظاعتها عن فادي، حين أعدمت في شارع الشهداء في الخليل في ثاني أيام عيد الأضحى.

وأظهر فيديو نُشرعلى مواقع التواصل الاجتماعي"فيسبوك"، طريقة إعدام الشابة هديل الشهلمون، التي استشهدت يوم الثلاثاء الماضي 22-9-2015.

وقال شاهد العيان فواز أبو عيشة -عامل في بلدية الخليل-  والذي كان في مكان الواقعة، إن الشابة هديل كانت تمرّ كما بقية الناس عبر الحاجز56، وكانت منقبة، فطلب منها أحد الجنود باللغة العبرية أن تخرج من الحاجز، ولكنها لا تفهم العبرية، فتقدم "شاهد العيان" وقلت لها أن تخرج من الحاجز، وبالفعل الفتاة استجابت لي، وعند خروجها اعترضها جندي آخر وأطلق رصاصة على الأرض، ما أدى الى توقف الفتاة دون حراك، وتجمع 6 جنود حولها، أحدهم أخذ وضعية القنص، وأطلق على قدمها اليسرى رصاصة، فسقطت الفتاة على الأرض، وبعد 10 ثواني أطلق على قدمها اليمنى، ثم 5-6 رصاصات على بطنها".

يشار الى أن قوات الاحتلال تركت الفتاة تنزف لأكثر من نصف ساعة دون تقديم الإسعاف لها، ومنعت طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني من الوصول إليها.

الدكتور عمر جعارة المختص في الشأن الإسرائيلي كان مختصراً في حديثه حين قال: "إسرائيل تتعمد هذه السياسة بالقتل لردع أي شخص يفكر بمحاولة طعن، الإعدام الميداني سيبقى متواصل بحق أطفالنا وشبابنا".

وننوه أنه لو كانت هناك محاولات طعن لماذا لا يُظهر الاحتلال هذه الأعمال كون أنه لا يخلو زقاق أو طريق في بلدة القدس القديمة من كاميرات المراقبة التي تتابع تحركات السكان والمارة على مدار الساعة، الذي يعزز حديثنا  بأن ما يجري هو عبارة عن محاولة " إعدام ميداني"،  يريد الاحتلال الإسرائيلي التستر عليها وإفلات الجاني من العقاب، مجدداً.

 وما يدعم حديثنا حول سياسة "الإعدام الميداني" المتعمن جيداً في الصور التي ينشرها الإعلام الإسرائيلي للسلاح الذي يستخدمه هؤلاء الشهداء الذين أعدموا بدم بارد، لا يجد أي أثار دماء على السكين، فقط نجد  الشهيد مدرجاً بدمائه.

الصحفية المقدسية سوسن شاهين تقول حول هذه الجزئية: "واضح من الحوادث الكثيرة التي يتم الترويج لها على أنها عمليات فدائية لطعن مستوطنين هي مكائد مدبّرة من المستوطنين المجرمين، ويجرى رمي أدوات حادّة بجانب الفلسطيني الذي يتم قتله أو إصابته لإيهام العالم أن الفلسطيني هو منفّذ عملية الطعن وفي الحقيقة هو الضحية".

ولنكون أكثر واقعية في هذا الأمر؛ فامتداد هذه السياسة في الاعدام انتقلت إلى غزة حين خرجت مظاهرة جماهيرية باتجاه المناطق الحدودية، لتفتح اسرائيل أسلحتها الثقيلة باتجاه أجساد المتظاهرين بشكل وحشي، ليرتقى 9 شهداء خلال يومين جلهم من الأطفال فيما أصيب قرابة 100 جريح بحالات خطيرة.

 هذا الحديث يفسر دعوة وزيرة الثقافة الإسرائيلية ميري ريغيف، التي حرضت على الإعدام الميداني للفلسطينيين، وكتبت على صفحتها بـ"فيسبوك" إنه "على الجنود إطلاق النارعلى كل من يهاجمهم"، قائلة بصورة تحريضية أنّ "كل من يحاول مهاجمة الجنود أو الإسرائيليين عليه أن يعلم، أنه ميت".

وطالبت ريغيف وزير الأمن موشيه يعالون، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بتغيير قواعد إطلاق النار على الفلسطينيين.

وكان خالد عرفة وزير القدس السابق قد أكد في تصريحات صحفية أن إسرائيل بدأت تستخدم سياسة الإعدام الميداني بشكل فعلي في مدينة القدس؛ لمواجهة انتفاضة الشبان الفلسطينيين، مشيراً إلى أنها جزء من حالة الهوس الأمني الذي بدأ يسيطر على جنود الاحتلال.

موقف الرئاسة

علق المتحدث الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة في تصريح نشرته وكالة وفا الرسمية على هذه السياسة قائلاً: "إذا ما استمرت الحكومة الإسرائيلية بهذا التصعيد بهذا الأسلوب من الإعدامات الخطيرة، فإن المنطقة ستكون في وضع لا يمكن السيطرة عليه، وسيدفع الجميع ثمناً باهظاً لهذه الجرائم الإسرائيلية".

موقف التشريعي

كذلك الأمر للمجلس التشريعي الذي ندد في جلسته الأسبوعية بالجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال تحت سمع وبصر العالم الذي يرفض محاسبة إسرائيل، ويصر على معاملتها كدولة فوق القانون، ولم يحرك ساكناً لمحاسبة الحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها على قرارها بالتشريع لقوات الاحتلال بعمليات قتل واغتيال الأطفال والمواطنين العزل الذين أصبحوا هدفاً ثابتاً لعمليات الإعدام الميداني وللقتل بدم بارد التي نشهدها يومياً بحجج واهية زائفة.

اعتقالات بعد فشل عملية الإعدام

وفي ذات السياق، من لم يستشهد وقت الإعدام يعتقل حتى لو كان من الشابات أوالفتيات. وأثارت مقاطع مصورة حفيظة الشارع المقدسي لبعض الفتيات اللواتي تعرضن لإصابات خطرة في محاولة إعدام مباشر ولكن عناية الله تدخلت، ومن بيت تلك المعتقلات المصابات  الفتاة  شروق دويات (18 عاما)، والسيدة إسراء عابد (29 عاما) وأم لثلاثة أطفال، والطفلة مرح باكير (15 عاماً).

وعلى صعيد المعتقلين الفلسطينيين، قالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن القوات الإسرائيلية، اعتقلت 650 مواطنًا منذ بداية شهر أكتوبر، من بينهم مصابين حالتهم حرجة.

سلبية الإعلام المحلي

رغم هذه الأرقام والأحاديث إلا أن بعض الوسائل الإعلامية المحلية وخاصة المحزبة، تعاملت مع هذه السياسة بشكل سلبي، فنجحت إسرائيل في تمرير سمها، فالكثير من مراسلي تلك الوسائل يسارعون في نقل أي خبر يفيد بأن هناك محاولة عملية طعن، دون علمهم أن هذه معلومات مغلوطة .

الكاتب الصحفي عيسى سعد الله الذي يعمل كاتباً في صحيفة الأيام يقول: "تعامل الصحافيين بهذا الشكل السلبي جاء بسبب عدم فهم العقلية الإحتلالية، لذلك نجحت إسرائيل في مخططها"، داعياً جميع الصحافيين والمؤسسات الإعلامية كافة إلى التريث في نقل هذه الأخبار وإبراز سياسة "الإعدام الميداني".

وقبل الختام  نذكّر القارئ والمتابع  بالفيديو الصادم الذي يظهر طفلاً فلسطينياً مصاباً برصاص الاحتلال في مستوطنة "بزجات زيئف" يستصرخ العلاج ولا يحصل سوى على الشتائم النابية من قبل الشرطة والمستوطنين المحيطين به.

وزعم الاحتلال أن الطفل أحمد مناصرة (13) عاماً طعن مستوطناً إسرائيلياً قرب محطة القطارات في مستوطنة بزجاف زئيف. 

ويوضح الفيديو اللحظات الصعبة التي مر بها الجريح مناصرة، والذي تضمن لقطات قاسية وألفاظ نابية من قبل جنود الاحتلال، قبل أن يعلن الاحتلال عن اعتقاله بالقرب من مستوطنة "بسغات زئيف" بالقدس.

ومنذ مطلع أكتوبر ومع عمليات القتل الجديدة يزداد عدد الضحايا والجرحى الفلسطينيين حيث بلغ عدد الشهداء 24، فيما سُجل أكثر من 1000 مصاب، وعشرات المعتقلين، وذلك بالاستناد إلى بيانات رسمية،  يتوزعون بين الضفة والقدس وغزة. 

ومع أن مقاطع الفيديو المسربة توضح بما لا يدع مجالاً للشك تعمد الجنود إطلاق النار من مسافة الصفر على شباب وشابات لم يشكلوا خطراً عليهم، وبعد كل ما استعرضناه نترك سؤالاً واحداً لا غير .. من سيضع الحد لـ"الإعدام الميداني" ؟!