بابا «بوتين» والرضيع «أوباما»

بابا «بوتين» والرضيع «أوباما»
رامي جلال عامر
هذا الأسبوع لم تقم روسيا فى الواقع بضرب قوى الإرهاب فى سوريا فحسب بل ضربت كرسياً فى «كلوب» النظام العالمى الجديد، واستغلت فشل وضعف الإدارة الأمريكية لتعود بالعالم إلى نظام القطبين، وذلك بعد أن اختبرت شجاعة الجميع فى أثناء واقعة جزيرة القرم، والتى أثبتت أن أمريكا كائن خرافى لا يواجه إلا الصغار وغالباً لا يهزمهم أيضاً (تذكر فيتنام وكوريا وكوبا). أمريكا تجنى ثمار نظام عالمى نظمته هى ورسمت خطوطه العريضة وعنوانه «عظوهن ثم اضربوهن بالطيران»!

تمكن الرئيس الروسى فى لحظة خاطفة من إنهاء عزلته الدبلوماسية التى أعقبت ضمه لشبه جزيرة القرم، وتقديم الدليل على أن البلطجة الأمريكية لعبة قد يلعبها أى طرف، ولكنه لعبها بشياكة.. روسيا تضرب جواً فى سوريا كما تفعل أمريكا فى العراق، وستُصعد الأمور بإرسال قوات برية فى حال فرض أى عقوبات عليها. الطريف أن روسيا تستخدم أسلحة متطورة- بعكس أمريكا- وتحاول القضاء على الإرهابيين وليس تحجيمهم، وهذا سيحرج أمريكا أكثر لأن نتائج تلك الضربات- والتى يصاحبها زحف برى من الجيش العربى السورى وحلفاؤه- ستكون مبهرة وستُظهر رعونة أمريكا وضرباتها الوهمية طوال شهور. فضلاً عن أن ضربات روسيا تأتى بالتنسيق مع السلطات السورية وليست اعتداء على الأراضى العربية كضربات بريطانيا وفرنسا مثلاً.

تقديرى أن الدافع الروسى الأهم لهذا التحرك هو الخشية من إرساء مبدأ عالمى جديد يسمح بالإطاحة بأى رئيس، فقد تدور الدائرة وتكون روسيا نفسها ضحية يوماً ما، وذلك بعد أن استمرأت أمريكا الأمر (العراق ثم ليبيا). ومن يقول إن ضربات روسيا هدفها تدعيم سلطة بشار الأسد لأنها موجهة إلى تنظيمات غير داعش هو «مُغرض» لأن أى تنظيم مسلح ضد الدولة هو كيان إرهابى يجب دحره بالقوة المفرطة (بداية اللامؤاخذة «ثورة مسلحة» كانت مع الجيش الحر صاحب مجزرة جسر الشغور عام 2011، ومنه انبثقت «أحرار الشام»، ومنها خرجت «جبهة النصرة» ومنها تجسدت «داعش»).

على هامش كل هذا أنهت روسيا جزءاً جديداً من الحلم التركى التوسعى، وذلك بوضعها حداً للمسعى التركى بإقامة منطقة عازلة فى الشمال السورى، ولذلك بدأ أردوغان يتراجع عن موقفه على استحياء ويلمح لإمكانية بقاء «بشار الأسد».. «أردوغان» قرأ المشهد بشكل صحيح (مع انشغاله بانتخاباته)، وهذا درس على مصر استيعابه وتحديد بوصلتنا بمعايير مصرية فقط لا غير.. ختاماً، كل التحية للجيش العربى السورى الصامد أمام عشرات الآلاف من المرتزقة (من مائة دولة مختلفة) والذين ظنوا أن أرضنا العربية ذبيحة يمكن نهشها