اللواء د. محمد المصري:اسرائيل والسلطة الفلسطينية تريدان حماية مكتسباتهما السياسية

اللواء د. محمد المصري:اسرائيل والسلطة الفلسطينية تريدان حماية مكتسباتهما السياسية
رام الله - خاص دنيا الوطن
تمر القضية الفلسطينية بمرحلة حساسة وخطرة جدا ،و وفقا لمعظم التحليلات السياسية ومحاولات استشراف المستقبل فإن القضية الفلسطينية دخلت في منعطف خطير ،وهو مادفع القيادة الفلسطينية إلى اتخاذ قرارات تاريخية خاصة فيما يتعلق بالعودة إلى منظمة التحرير وتعزيز دورها خلال المرحلة المقبلة ،وترافق ذلك مع تدهور في الاوضاع الميدانية ،حيث تتزايد استفزازات المستوطنين وقوات الاحتلال وهو ماقد يؤدي حسب مراقبين إلى اندلاع انتفاضة ثالثة.
إلى أين تسير الأوضاع سياسيا وميدانيا..هذا ما اجاب عنه الخبير العسكري اللواء د.محمد المصري في الحوار التالي:

كيف تصف الاحداث في الضفة الغربية ؟ ماهي الاسباب ؟ ما هي النتائج ؟ 

الغضب الفلسطيني مشروع ومبرر وكان متوقعا تماما ، فالمحتل الاسرائيلي وصل بفكرة ورؤيتة وحالته السياسية والسيكولوجية الى مرحلة العمى الكامل في قراءة الواقع العربي والعالمي والفلسطيني ، فالتيار الصهيوني التوراتي  الحاكم الان في اسرائيل يريد ان يثبت مفهوم دولة المستوطنين كتعبير نهائي عن خضوع اسرائيل للفكر المتطرف والتوراتي ، وهو فكر سطحي وشعبوي وشرس ويعتمد لغة القوة في التعامل مع الفلسطينيين والعالم العربي ، هذا التيار الحاكم يريد ان يفرض شروطه على الفلسطينيين وتتمثل هذه الشروط في تحويل الاحتلال الى مؤسسة معترف بها حتى من قبل الفلسطينيين والعالم العربي ، وكذلك تثبيت مفهوم يهودية الدولة عن طريق امتلاك اكبر(رمز ثقافي ديني لدى اليهود ) ألا وهو المسجد الاقصى .
هذه الرؤية البالغة العمى والفادحة الخطورة ، كان من الضروري ارسال رسالة فلسطينية واضحة ان ذلك لم ولن يمر . وبرأيي ، فأن اسرائيل توقفت عن تقديم مبادرات او تسويات غير مبادرات الاحتلال والاستيطان .


هناك من يرى ان قرارات وتوجهات السلطة الوطنية المتمثلة بما اسمته حماية امن الوطن والمواطن هي عقبة في طريق اندلاع انتفاضة شاملة وعارمة !

 انا ضد من يعتقد ان الانتفاضة هي ورطة للسلطة الوطنية ، او ان الانتفاضة ستجعل من اسرائيل حامية للأوضاع في الضفة المحتلة ، ففي النهاية ، السلطة الوطنية هي من يمثل احلام وطموحات الشعب ومن يقود نضاله من اجل التحرير.
لذلك اعتقد ان السلطة الوطنية بهذا الموقف تريد ان تمنع عسكرة الانتفاضة ومن ثم اعطاء اسرائيل ما تريد من ذرائع للبطش بالفلسطينيين وفرض شروطها عليهم ، هذا اولا ، ثانيا ، اعتقد ان السلطة الوطنية تريد ان تمنع كل من يريد ان يصطاد في المياه العكرة ، من اجل توريطها او اضعافها او حتى انهيارها ، وهنا الكلام عن حركات او تنظيمات او جماعات تأتي من الخارج او متأثرة بالخارج ، ثالثا ، ارى ان السلطة الوطنية تريد ان تحافظ على ما حققته من نجاحات دبلوماسية وسياسية وقانونية في العالم ، ولهذا ترى السلطة ان انتفاضة غير مضمونة النتائج ستهدم كل ما تم بناؤه ، واخيرا ، اعتقد ان السلطة الوطنية ترى ان مواجهة اسرائيل الان سيكون مكلفا على مستوى الدماء والخراب من جهة ، وان هذه الانتفاضة لن يراها العالم العربي ولا المجتمع الدولي بسبب الانشغال بالملف السوري واليمني . 

لكن من جهة اخرى ، الا تعتقد ان من الواجب ايصال رسالة الى الاحتلال الاسرائيلي بضرورة ان يرفع يده عن الاقصى من جهة وان يأخذ على ايدي المستوطنين من جهة اخرى ؟! 

صحيح ، ان مقاومة شعبية وسلمية مستمرة وذات عناوين وسقوف وسلوك واهداف متفق عليها وطنيا ومجتمعيا ، ستحقق اهدافها بالتأكيد ، علينا ان نستفيد من تجربة الانتفاضة الاولى والثانية ، ان سلمية الاولى واخطاء الثانية ، واختلاف الظرف الدولي والاقليمي ، وغياب الظهير وشراسة التنافس الدولي ، كل ذلك يدفعنا الى التوقف طويلا امام الاشكال القديمة للعمل المقاوم ، لكن ومن اداته النضالية وشعاراته ، فالحركات الشعبية ليست متشابهة حتى في الطرح السياسي ، فمثلا ، اعتقد ان تفعيل وازرة الاصدقاء والحلفاء والوسطاء هذه المرة سيأتي بنتائج ، واعتقد ان المزج المبدع والفعال بين نشاط السلطة الوطنية الدبلوماسي والسياسي وبين الفعل المقاوم الشعبي على الأرض ، ستكون له افضل النتائج ـ هذا بالإضافة طبعا الى المصالحة التي ستقطع الطريق على مؤامرات الدور البديل ودويلة عزة والاستفراد بالفلسطينيين واللعب على التناقض بين الفصيلين والجغرافيتين وبرنامج العمل ، باختصار ، المقاومة السلمية ذات المضامين والسلوك المحدد ، سيفضح المحتل ويعري خططه ويحشره في الزاوية ، لأن عيون العالم كلها تراقب اسرائيل الان .. واسرائيل ليست في وارد الانتفاضة ولا تريدها ، لأسباب داخلية وامنية وسياسية ولأسباب خارجة تتعلق بشرعية احتلالها اصلا . 

بمناسبة الحديث عن حماس ،رأينا هجوما لاذعا شنته حركة حماس على السلطة الوطنية خلال الايام الماضية لماذا برأيك؟!

 نقول بكامل المحبة لأبناء شعبنا كلهم ، التخوين لا يفيد ولا يخدم اصلا ، بل سيزيد موجات الكراهية ويسمح لكل اعداء الشعب الفلسطيني بالتدخل ، وتخوين السلطة الوطنية وحركة فتح او أي حركة اخرى ، ليس اسلوبا ولا سلوكا ينم عن مسئولية ، كما ان المزايدة ليست طريقة لتقديم البدائل أو الاقتراحات ، كما ان سياسة الحرق او الانتحار واليأس ونسف المراحل وتدميرها وامتلاك الحقيقة وامتلاك تفسيرها وتطبيقها لا يجدي نفعا ، وحماس تقوم بكل هذا للأسف . لا يمكن نسخ تجربة غزة في الضفة ، ولا يمكن نسخ ادواتها ومرجعياتها . في الضفة الأمر مختلف من ناحية امنية وحتى ديمغرافية وجغرافية ، حماس تطلب من السلطة الوطنية ، نسخ تجربة غزة وهذا غير ممكن ، السلطة الوطنية ومن ورائها م .ت .ف هي من يدير الصراع السياسي والكفاحي والشعبي الفلسطيني ، لا يمكن للسلطة ان تنسف كل شيء او تدميره او تعمل وكأنها تبدأ من الصفر. معايير حماس وقياساتها وطلباتها غير منطقية وينقصها الكثير من الحكمة ، واذا كانت حماس قد منعت اطلاق الصواريخ من غزة ، فلماذا تطلب من السلطة ان تفعل ذلك في الضفة . برأيي ان على حماس ان تسند السلطة الوطنية وتعطيها ظهيرا سياسيا ونضاليا لا ان تقوم بتخوينها او المزايدة عليها او الطلب اليها ان تنتحر مع شعبها او تدمر المعبد على ما فيه من اجل حل ازمات حماس نفسها ، او لرفع الضغوطات عن حماس !! انظر كيف تحدث احد قادة حماس ، حين قال فتح قامت بالعملية لتحسين صورتها امام شعبها بالضفة . وفيما بعد الاعلان من قبل اسرائيل أنها القت القبض على خلية لحركة حماس مكونة من خمسة شباب وهي التي قامت بالعملية حسب ادعاء الإسرائيليين  .ماذا كان تعليق هذا القيادي ، وبماذا سيعلق بالمستقبل . أن كل فعل فلسطيني مقاوم ، هو فعل وطني ، وأن هؤلاء الشباب بغض النظر عن انتماءهم السياسي ، لم يقوموا بهذا العمل على ارضية غير وطنية ، ولكن على السياسي ان يحسب كلماته جيدا ـ ولا يتسرع ويحاكم الأمور من منطلق حزبي بل من منطلق وطني ، وعلى مترتبات الأمور . 
لماذا نستسهل الاتهامات ، والتخوين وزج الخلافات السياسية الصغيرة بالقضايا الكبرى ، نحن هنا نتحدث عن الشهداء والقدس !!

هل نحن ذاهبون الى التصعيد ام التهدئة ؟!

المسألة مرتبطة بالمحتل ، اذا اختار الاحتلال لغة القوة والعناد ، فان الامور قد تذهب الى التصعيد ، والمشكلة في هذا الخيار ان اسرائيل جربته على مدى 67 سنة أي منذ اقامة اسرائيل ولكنها رغم ذلك لم تحصل على الامن والاستقرار او الشرعية . اما اذا اختار الاحتلال التسوية عن طريق وسطاء او مبادرة دولية او حتى تسوية يعرضها المحتل نفسه ، فأن من الممكن ان تهدأ الامور . وهنا لا اقصد ان شعبنا سيهدأ مجرد طرح التسويات لا . لأنه يريد رؤية شيئا ما يتحرك على الأرض ، ويريد ان يلمس حقيقة أي تحرك ايجابي يوصله لأهدافه الوطنية ، وانا اعتقد ان شعبنا لا يريد سفح الدماء ، ولكن مستعد للتضحيات ، ومن اجل ذلك ،  اقول مرة اخرى أن لإسرائيل ان ترفع يدها عن الاقصى ولا بد للمستوطنين ان يكفوا ايديهم وشرورهم عن دمائنا وحقولنا ومساجدنا وكنائسنا هذه مطالب عادلة يجدر الدفاع عنها طوعا او كرها ، وان الشعب الفلسطيني ، سبق بوعيه كل التصنيفات والتسميات ، واصبح سابقا لتوصيف الهبات او الانتفاضات ، انه دفع الثمن من دم ابناءه ومصمم على الاستقلال ، وبنفس الوقت اكثر وعيا لأليات الحصول على حريته .

كونك كنت مسؤولا امنيا . كيف ترى دور الاجهزة الامنية ؟

الظروف الذي عملت بها كانت افضل ، كان ما زال هنالك رهان على العملية السلمية ، وكانت الظروف الاقليمية افضل ، ولم يكن حصل ما حصل بسوريا واليمن والعراق .. الخ الا انني استطيع الجزم ، بأن هذا الفلسطيني الذي يعمل بالمؤسسة ، هو اكثر ولاءً للشرعية ولشعبه ، وهو الان يعرف الظروف الصعبة ، ويستعد لها ، وعنده الاستعداد للتضحية من اجل حماية ابناء بلده ، ورأينا خلال اليومين الماضيين كيف تصدى الامن الفلسطيني لجنود الاحتلال في البيرة وفي مناطق اخرى .. هؤلاء ابناءنا واحبتنا ، وكلما حنونا عليهم ، كلما راينا فيهم الفعل الاصوب ، وهم المسؤولين عن امننا ، وانا اثق بهم .