نبض الحياة.. ذكرى تشرين الندية

نبض الحياة.. ذكرى تشرين الندية
عمر حلمي الغول
حلت امس ذكرى السادس من إكتوبر 1973، تلك الذكرى الندية لحرب البطولة العربية، التي حقق فيها العرب وخاصة الجيش المصري نصرا عسكريا مميزا باختراق قناة السويس بزمن قياسي، وبتكبيد جيش الاحتلال الاسرائيلي خسائر فادحة وتحرير الجزء الاكبر من سيناء، مما اعاد الاعتبار للضابط والجندي العربي بكفاءته وقدراته، ووضع القيادة الاسرائيلية في حالة ضياع وانهيار (كتاب التقصير) . ولولا التدخل الاميركي المباشر باقامة جسر جوي لنقل الطائرات والاسلحة من معسكراتها في المانيا، وفتح ابواب المخازن الموجودة في إسرائيل التابعة للجيش الاميركي نفسها امام الجيش الاسرائيلي، وتحويل الطائرات الاميركية من الاسطول السادس لصالح سلاح الجو الاسرائيلي، لتعويض إسرائيل خسائرها الفادحة، لكانت النتائج أكثر دراماتيكية، مع ان الرئيس السادات أوقف الحرب عند نقطة محددة إرتباطا باتصالاته مع الولايات المتحدة آنذاك.

ولا يمكن القفز عن دور الجيش العربي السوري، رغم الخلل الفاضح في جبهة الجولان، وايضا جيش التحرير الفلسطيني وقوات الثورة الفلسطينية، التي شاركت في اكثر من جبهة وخاصة جبهة الجنوب اللبناني. وكل منها اسهم بالقدر المتاح له في معارك البطولة العربية. لكن يبقى الدور الابرز والاهم لصالح الجيوش المصرية، التي صنعت مجد تلك اللحظة التاريخية. ونكوص القيادة السياسية عن عظمة الانجاز العسكري بوضعها سقف زمني وجغرافي للحرب، لم تفقد النصر قيمته واهميته.

مضى 42 عاما على حرب العاشر من رمضان او حرب الكيبور (حسب التعبير إلاسرائيلي)، لكن دلالاتها ماثلة حتى اليوم، وستبقى صفحة ناصعة في التاريخ العربي الحديث. وتكمن اهميتها هذه الايام باستحضار الدور الريادي للمؤسسة العسكرية المصرية، التي صانت وحمت الدولة العميقة، وقطعت الطريق على مخطط جماعة الاخوان المسلمين وحليفتهم الولايات المتحدة الاميركية، الهادف لتمزيق وحدة الشعب العربي المصري إلى دويلات، تنفيذا لمخطط الشرق الاوسط الجديد.

مجد حرب تشرين 73، لا يجوز ان ينسي القيادات العربية وخاصة القيادة المصرية، ان النهوض بالمؤسسة العسكرية بفروعها واختصاصاتها المختلفة مسألة حيوية لحماية الدولة، شرط ان لا يكون ذلك التطوير على حساب التنمية المستدامة، والارتقاء بالعملية التربوية والصحية وفي محتلف مجالات الحياة، وبحيث لا تكون سيفا على رقبة حرية الرأي والتعبير والتنظيم والتظاهر والديمقراطية. لان تغليب البعد العسكري الامني على التنمية والديمقراطية، سيكون له إنعكاسات سلبية على مسيرة ونهضة المجتمع المصري.

وفي ذكرى حرب اكتوبر، يمكن ان يطلق المرء العنان لخياله السياسي، حين يَّذكر القيادات الاسرائيلية المتغطرسة، بان إستباحة الدم الفلسطيني من قبل مؤسستهم العسكرية وقطعان مستعمريها، لا يمكن ان يمر مرور الكرام بالمعنى الاستراتيجي للكلمة. فإن كانت الظروف الراهنة تحول دون لجوء الشقيقة الكبرى لسياسة العصا الغليظة، لانه لا يوجد فلسطيني او عربي عاقل يقبل التلاعب بمستقبل ومصير مصر المحروسة. بالتالي حماية مصر العربية له الاولوية على فلسطين او اي دولة عربية، لان ضياع مصر، يعني ضياع دول الامة كلها، في حين ان إحتلال فلسطين يمكن معالجته في ظرف سياسي لاحق. عطفا على ذلك، فإن مواصلة  اسرائيل لسياسة القهر والظلم لابناء الشعب الفلسطيني والتهويد والمصادرة لاراضيه، وتصفية خيار السلام، ستكون لها تداعيات إستراتيجية لن تكون في مصلحتها وبقائها في المنطقة. لان تصفية خيار السلام، وتبديد المصالح الفلسطينية العليا سيكون له انعكاس على الامن القومي العربي وخاصة المصري، لذا الضرورات تبيح المحذورات حينئذ، مع التأكيد على ان الشعب والقيادة الفلسطينية، لن ينتظروا حتى تحين الظروف، وسيدافعوا عن حقوقهم بكل ما يملكوا من ارادة المقاومة والبقاء. وكل تشرين ومصر وفلسطين والعرب عموما بخير.

[email protected]

[email protected]