أنور دوابشة.. مسارات كثيرة خاضها ووثقها صوراً توّجت بعودة الوحش من جديد إلى ربوع قرية دوما

رام الله - دنيا الوطن - حياة أنور دوابشة
هناك إلى الجنوب من مدينة نابلس تتربع قرية دوما الوادعة، قرية لمعت كثيراً في الآونة الأخيرة، لمعت بحادثة حزينة وما تزال كما اعتادها أبناؤها تلمع ما بقي منهم من يحمل همها على أكتافه ويحاول النهوض بها بكل ما أوتي من قوة، اليوم أبت إلا أن تواصل اللمعان باكتشاف حققه ابن القرية الملقب بعاشق الطبيعة الأستاذ أنور دوابشة.

لطالما لفتت رحلات أنور أنظار أهالي القرية والأصدقاء والقائمين على المسارات السياحية، ولطالما أخذ انور على عاتقه رسم مسارات بيديه التي خبرت كل حجر وكل جبل في فلسطين، مسارات بيئية كثيرة قطعها أنور فرحاً، مسار بيتا- دوما، مسار دوما فصايل، مسار قرن سرطبة، مسار وادي العوجا، مسار العرقوب، مسار وادي الزنانير،  وعشرات المسارات الأخرى من الجبال الوسطى حتى غور الأردن.

ولعل قرية دوما تحظى بحصة الأسد من الأنواع الحيوية كافة التي ما زالت طور الاكتشاف، فأين تجد شجرة الدوم (السدرة) ونبتة اللوف والزعتر الفارسي و وعصا الراعي؟ وأين ستعثر على سماء يحلق فيها الهدهد والنسر والصقر والحجل والباشق والشاهين معا؟ في الواقع دوما مثال حي لتنوع حيوي يحتاج للمزيد من العناية.

المناخات الثلاثة التي تتمتع بها القرية ربما تكون السبب وراء هذا التنوع الحيوي الفريد فالقرية تقع ضمن ثلاثة مناخات هي مناخ الجبال الوسطى، ومناخ السفوح الشرقية، ومناخ الغور، لذلك كانت هذه الحقيقة الجغرافية التي تحتاج لمزيد من الدراسة والتوثيق السبب الأبرز وراء احتواء براري القرية على العديد من الأحياء النباتية والمائية والحيوانية.

وبالإمكان إحصاء مئات الأنواع من النباتات والأعشاب والأشجار، وعشرات الأنواع من الطيور المقيمة و المهاجرة، ومجموعة من الحيوانات على رأسها الثعلب الفلسطيني الأحمر والوبر والأرنب البري والشيهم "النيص" والغزال والغرير والضبع.

عودة الوحش

 قبل أيام كان الأستاذ أنور يسير في مسار من عين عوليم شرق بلدة بيتا إلى قريته دوما وفي غضون لحظات عادت على يده ذاكرة القرية التي لطالما سردت حكايا الذئب الوحش الذي يهاجم قطعان الماشية في الليل ، رغم احتياطات الرعاة بوضع سياج من أشجار "القندول" حول المغارة أو الصيرة التي تبيت فيها الماشية.

عشرات القصص المحكيّة عادت أيضاً في تلك اللحظة، حكاياتٍ كانت تتحدّث عن مهاجمة الوحوش لمهاجع الماشية ، في فصايل هاجمت الوحوش ، وحول عين أم عمير وفي منطقة عراق شهبا والعرقوب وفي كل شعاب القرية المنسدلة نحو غور الأردن.

يروي انور غمار تجربة رصد فيها هذا الوحش، يقول" كانت بريّة دوما وما زالت تنبض بالحياة ، وتحتضن العشرات من أنواع النباتات والحيوانات غير المسجّلة والمهددة بالانقراض، اليوم وفي مصادفة رائعة وبينما كنت أقود مجموعة من الأصدقاء الأجانب والعرب حول القرية ضمن نشاطات مجموعة Hike Palestine وضمن عملي كمرشد سياحيّ بيئيّ ،صادفنا ذئبين جميلين رشيقين يتمايلان بين الشجيرات ، يمشيان بكل هدوء ورويّة".

لم يزعج وجود أنور وبقية مجموعته الذئبين على اللذان يختالان على بعد 20 متراً فقط، فاستطاع وزميله الصحفي الذي يشاركه في المسار Clemens Wortmann والذي يعمل في وكالة الصحافة الفرنسية التقاط مجموعة من الصور لهما قبل أن يختفيا خلف التلّة الصغيرة. .

يستكمل أنور دوابشة" منسّق الرحلة سهيل حجازي تابع الموضوع عن كثب ، وتم الاتصال بجمعية حماية البيئة الفلسطينية في بيت ساحور، وإعلام مديرها الزميل عماد الأطرش بالموضوع لتسجيل وجود هذين الحيوانين النادرين ، ووضعهما على سجلّ الحياة البريّة في فلسطين ، لتعود للحياة البريّة أمجادها، أمجاد الذاكرة المحكية التي ارتبطت فيها  الذئاب بالهجمات الشرّيرة.

يقول دوابشة" كان سرور المجموعة كبيراً فقد ذهب التعب بعد قطع مسافة 13 كيلومتراً عند رؤية هذه الحيوانات الهادئة ، وبدت مشاعر الفرح والسرور على الجميع وخصوصاً الزميل وائل الحاج والذي يزور المنطقة للمرة الأولى".

سرعان ما عاد أنور إلى بيته ووثق هذا الإنجاز الحماسي على صفحته ليفخر به أبناء القرية، يوضح دوابشة":أهالي القرية تفاوتت آراؤهم حول الموضوع ، فالشباب الصغار كانوا سعداء بالخبر ، بينما بدأت العجائز باستدعاء القصص الكثيرة عن حكايا الذئاب والماشية وقلة النوم وبقر بطون الأغنام والخراف  .

 وتقول الذكريات المتواترة إن الذئب لا يأكل إلا من فريسته ، على عكس الضبع الرمّام القمّام ، وحسب جمعية حماية البيئة الفلسطينية فإن أعداد الذئاب في فلسطين باتت محصورة بأعداد قليلة تشاهد هنا وهناك في براري الوطن.

 ينوه أنور دوابشة إلى نقطة هامة يقول" تداعت جهود الشباب المخلصين في القرية للمحافظة على هذين الحيوانين بأي وسيلة ، وعدم التعرّض لهما كما حدث في العامين الماضيين حين قتلت خمسة من الضباع المخططة والبنيّة في براري القرية بسبب العداوة المتأصّلة بين هذه الحيوانات والناس".

يختتم دوابشة هذا الإنجاز الذي وضع لمساته بصوره قائلاً" اليوم تعود الذئاب والضباع إلى براري القرية، وما زلنا نبحث عن أنواع أخرى فقدت ، ومنها النمر الذي شوهد في ستينيات القرن الماضي لآخر مرة في منطقة قلعة السلطان ، إضافة لأنواع مختلفة من القطط  والوشق.

 بينما سجّل تواجد كثيف للثعلب الفلسطيني الأحمر والوبر الصخري ، وتناقص كبير في أعداد الغزلان والأرانب البريّة والشّيهم والغرير وطير الشنّار".

ويضاف هذا التسجيل الجديد لسجلّات الناشط البيئي أنور دوابشة والذي رصد مجموعة من الضباع البنيّة والمرقّطة في براري القرية خلال السنوات السابقة إضافة لمجموعة من النباتات والطيور.

وشكلت عودة الذئاب إلى براري القرية حافزاً أمام دليل السياحة البيئية والمجتمعية أنور دوابشة  لعمل أرشيف للحياة البرية في ربوع قرية دوما، والتي تحتاج لجهودٍ حثيثة للمحافظة عليها.

 ومع ظهور الذئاب في بريّة دوما يستدعي تضافر كافة الجهود من المؤسسات ذات العلاقة في الوطن للمحافظة على هذه الثروة الحيوية ومنع أسباب تهديدها ، ووضع برامج وطنيّة مسؤولة للمحافظة عليها في ظلّ توفّر البيئة المناسبة في براري قرية دوما وانتشار ينابيع المياه في شعاب القرية الممتدة حتى غور الأردن.

ومن الجدير ذكره أن سلطة جودة البيئة في دراسة تقول أن فلسطين تعد من أكثر بقاع الأرض غنىً بالتنوع الحيوي ومصادره، ويرجع ذلك إلى التباين الكبير في الأنظمة المناخية والتنوع في التضاريس الجغرافية وأنواع التربة".

وكانت أوضحت في بيان نشرته بمناسبة يوم البيئة العالمي أن موقع فلسطين الاستراتيجي بين قارات العالم الثلاثة آسيا وأوروبا وأفريقيا جعلها مركزاً للحضارات المتعاقبة ومعبراً رئيساً لهجرات الطيور وموطناً للكثير من الأنواع الحية.