في بيتنا مدمن ..!؟

في بيتنا مدمن ..!؟
غزة-خاص دنيا الوطن_ منى حلس

من مفارقات الأحكام الاجتماعية أنها في بعض الأحيان تكون بعيدة جدا عن الجاني، فهي على الأغلب تطال أشخاص لم يرتكبوا الجرم، ولكنهم بحسب أعراف ونظريات المجتمع، هم من يجنون سموم ذنوب غيرهم، مثلما يحدث تماما مع ذوي المدمن، اللذين يلبسون ثوب العار والشبهات الذي فصّلته لهم تلك الأحكام، لتتشكل مجريات حياتهم بحسبه! 

"قدري أن أنسب في هذه الحياة لأب عاش فترة من حياته في مستنقع الادمان، ورغم شفاءه من هذا الفعل اللعين، إلا أنني لهذه اللحظة يطاردني شبح ادامنه" في هذه الكلمات بدأت روند حديثها، التي بلغت الثانية والثلاثين من عمرها بلا زواج.

ترجع روند تأخر زواجها لنظرة المجتمع لابنة المدمن، التي تراها غالبا فتاة تربت في بيئة سيئة غير جديرة لتؤهلها أن تكون ربة أسرة على حسب قولها، فكل مرة يدق بابها العريس الذي دائما ما يكون من خارج دائرة الجيران والمعارف ومحيطها، تحضر نفسها للمشهد المعهود، من مدح الخاطبة جمالها وحسنها، ليأتي دور السيناريو المكرر "حنسأل ونرجعلكم" وبعد أن تتم عملية البحث والتنقيب عن أهلها وأصلها وفصلها، تأتي النهاية  بعبارة "ما فيش نصيب" !

ليس تأخر الزواج فحسب ما ينغص حياة روند فهي تصر على أن هذا ما قدره الله لها، لكنها ناقمة على مجتمع حملها وزر، هي أول من عانى منه، كونها نشأت في كنف أب حاضر الجسد ولكنه مغيب العقل والقلب، لم يحمل عناء تربيتها طوال سنوات ادمانه وحتى خلال فترة علاجه، بل على العكس أثقل كاهل أمها وأخيها ذو الثامنة عشر بمسئولية بيت ماديا ومعنويا.

لا حق لزوجة مدمن

بدأت معاناة أم أشرف مع زوج كل هدفه في هذه الحياة كيف يوفر قوت مزاجه من المخدرات، الذي باع في سبيل الحصول عليها ذهبها بعد سرقته منها  وبعض مقتنيات بيته، قطعة تلو الأخرى، وجزءا من كرامتها، عندما باتت ليالي يسمع الجيران عويلها من ضربه المبرح لها، لتصبح على نظرات شفقة جاراتها وسخرية بعضهن وشماتة أخريات.

أما أخوة أم أشرف فلم يترددوا بوضع لمساتهم الأخيرة على هذه المعاناة التي تحولت إلى حرمان ومأساة، كونهم حرموا أختهم من حقها في ميراث أبيها دونا عن أخواتها الخمس، رغم أنها أكثرهن حاجة، ومبرر الفعلة أنها زوجة مدمن!

تقول أم أشرف:"كانت حجة أخوتي أنني جلبت لهم العار كوني مازلت على ذمة زوج مدمن، مستطردة:" كان الأجدر بي فعله، حسب أمرهم؛ الطلاق منه، وأن أرمي بثلاث بنات وصبي لأبيهم المدمن، لأن أخوتي رافضيين تربية أبنائه".

أبت أم أشرف التفريط بفلذات كبدها وكانت النتيجة حرمانها من قبل اخوتها في حقها من الميراث، خوفا على أموال أبيهم التي ستذهب سدا لمدمن سينتزعها من أختهم سواء برضاها أو رغما عنها على حسب قولهم.

"أما معتز كان ثاني مشتبه به عند الشرطة بعد أخيه المعروف عنه ببائع المخدرات، الذي ورث هذا "الكار" عن أبيه وعمومته، في كل حالة شغب تحدث في الحي الذي يقطن فيه، ما دفعه للهروب من البيت، وتركه دراسة الثانوية العامة، ليضيع آخر أمل لدى والدته في حياتها، أن تكون أما لابن صالح" هكذا وصفت أم زياد حال أبنائها من جاني لآخر حكم على نفسه بالفشل بسبب اتهامات المجتمع له!

أحكام جائرة

يقول الأخصائي الاجتماعي صفوت دياب لمراسلة دنيا الوطن :"ينظر المجتمع لذوي المدمن بشكل سلبي، بناء على اعتبارات النظرة الجماعية، و لطالما أن فرد من افراد الاسرة لديه سلوك سلبي؛ فإن المجتمع يوصم الأسرة بمجملها بمثل هذا السلوك، معتبره نتاج لبيئة تربوية غير سليمة". مستطرداً:" و الأقسى من ذلك عندما يكون المدمن هو الأب في الأسرة فإن باقي أفرادها و تحديداً الأبناء يوصمون بوصمة كاللعنة تلاحقهم طوال حياتهم".

أما عن مدى صحة هذه النظرة من قبل المجتمع لذوي المدمن؛ يؤكد دياب على أنها ليست قاعدة، فالكثيرمن المدمنين يحاولون إبعاد أفراد أسرتهم عن طريق الإدمان، لإدراكهم مخاطره و سلبياته، وفي الكثير من الأحيان تجد أن أفراد اسرة المدمن يقومون بسلوكيات ملتزمة أكثر من غيرهم من الأسر الأخرى، كي يثبتوا للمجتمع عكس الاعتقاد السائد، و ليتغلبوا على الصورة النمطية السائدة في المجتمع.

وعن السبل الذي يجب أن تتبع للقضاء على هذه الافكار التي تظلم ذوي المدمن في المجتمع، يشير دياب إلى ضرورة تكثيف التوعية بهذا الاتجاه، عبر كافة وسائل الإعلام، كما و لابد من تنظيم جلسات حوارية في أوساط الشباب في الجامعات و النوادي، لمناقشة هذه القضية، و ضرورة الاهتمام بأفراد اسرة المدمن، من خلال تقويتهم على مواجهة المواقف الاجتماعية السلبية و التعامل معها بحكمة و إثبات ذواتهم أمام المجتمع.