وهل يضر الشاة سلخها بعد ذبحها

وهل يضر الشاة سلخها بعد ذبحها
كتب :أحمد صبحي أبو مصبح


لعل ما يمر به الوطن العربي منذ خمسة أعوام، والذي تمثل في الربيع العربي كما توصفه الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، الداعمة أساساً لتقسيم الوطن العربي وتجزئته، ونشر الفوضى الخلاقة في أرجاءه، لبناء شرق أوسط جديد بمقاسات أمريكية وغربية محضة.

فلم تسلم أي دولة عربية من عواقب هذا الربيع سواءً بـ(الثورات)، التي أطاحت ببعض الأنظمة العربية وغيرت مسار تلك الدول تماماُ نحو الفوضى، بدلاً من التغيير للأفضل، أو من خلال توابع تلك (الثورات) على دول الجوار، والتي اتضحت معالمها بعد فترة قصيرة منذ اندلاعها، وشملت نضوج أفكاراً دخيلة على الوطن العربي، أسهمت في خلق ايديلوجية غريبة عليه، لم يشهدها من ذي قبل، وكأنما الوطن العربي كانت تنقصه المشاكل والأزمات لكي يعيش فترة مليئة بالضبابية وعدم الاتزان.

حيث يعيش الوطن العربي حالياً أزمة كبيرة سواء في الثقافة، أو في الأخلاق، وأصبح علماءنا الأجلاء من رجال الدين الإسلامي يتنازعون للأسف الشديد على كيفية دخول وخروج الشخص من دورة المياه، ونسوا (أو تناسوا) ما يدور حولهم من أحداث جمة يمر بها العالم الإسلامي، من تحريم المحلل، وتحليل المحرم، فهل اقتصر دور رجال الدين فقط على السطحيات المتعارف عليها أصلاً بين طلبة المرحلة الابتدائية؟.

أم يكون لهم بارز وفعال في شتى مناحي، لأن الدين ومما لا شك فيه يعتبر إحدى المحاور التي تستند إليه كافة أمور الحياة المختلفة.

على آية حال، فالمطلوب هنا من المرجعيات الدينية في الوطن العربي، سواء الأزهر الشريف، أو هيئات علماء المسلمين المنتشرة في شتى بقاع العالم الإسلامي، أن يقفوا صفاً واحداً، تاركين خلفهم صراعاتهم ونزاعاتهم، وحملات التشويه التي يقودها بعض من العلماء المسلمين للأسف، وأن يتحدوا نحو التطلع إلى إيجاد لغة إسلامية دينية شاملة، تضمن الخروج من النفق المظلم التي يعيشه العلم الإسلامي.

على صعيد آخر، فلم تجني بلدان الربيع العربي أي مكاسب تذكر، فمن المهم أن نذكر صعود أنظمة معينة حققت نوعاً من التوازن والنماء الاقتصادي والسياسي في بلدانها ، لكن على كافة الأصعدة الأخرى فقد تكبدت تلك البلدان خسائر سياحية، واقتصادية، وتجارية، حتى الرياضية، والأهم من ذلك كله الأمن والأمان التي شكل كابوساً حقيقياً للمواطن العربي، بعد أن انتشرت الفوضى والحروب الداخلية، وخروج عدة تنظيمات جديدة تدعو إلى حمل السلاح في وجه المنظومة الحكومية والجيوش العربية، بهدف استنفاذ قوتهم، والنأي بنفسها جانباً على أساس تشكيل دويلة، تستقل عن الدولة الأم.

من جانب آخر، لم تترك إيران الوطن العربي لحظة واحدة دون التطلع إليه بعين المتربص، الذي يحاول الانقضاض على فريسته ليلتهمها، فإيران ومن تبعها للأسف يسعون جاهدين إلى تكوين إمبراطورية فارسية، وإعادة أمجادها من جديد على حساب العرب.

زاد ذلك تدخلها في البحرين، ودعمها لنظام الأسد، الذي كبد شعبه ووطنه مآسي وجراحات كبيرة يصعب إحصائها أو تجبيرها، أما في اليمن فعملت على زعزعة استقراره، من خلال تسليح ودعم جماعة الحوثي الشيعية، والانقلاب على الشرعية اليمنية، ولا يبعد الحال كثيراً في لبنان، التي تحاول فيه إيران جاهدةً في إسقاط الدولة اللبنانية، وإنشاء دولة داخل لبنان، تتمثل في حزب الله، أما في العراق والتي أصبحت إحدى توابع المرجعية الشيعية في إيران، فلا يسر حالها عدو أو حبيب، منذ أن أسقط الأمريكان وإيران نظام صدام حسين عام 2003م، والذي حجم قوة إيران، وقزّم قدرتها وتدخلها في الشئون العربية.

إذاً فالوطن العربي يمر بمرحلة تشرذم وانقسام كبيرة، تتطلب من قادته التطلع بعين العروبة والقومية، بعيداً عن التفرق والنزاع في قضايا ثانوية، كما تتطلب توحيد لجهود العلماء المسلمين تحت مظلة واحدة تهدف إلى لملمة معاناة الوطن العربي والخروج من تلك الحالة المتردية.

إن ما يتعرض له الوطن العربي حالياً من حملات أمريكية متتالية لتقسيم المقسم، وتجزيء المجزأ، وما تقوم به إيران من سياسات توسعية في الوطن العربي، تهدف إلى ضرب الاستقرار والتقدم، والاتجاه نحو التفكك والانحلال، لكي تصبح هي الدول العظمى في الشرق الأوسط، وتتولى الزعامة فيه.

علاوة على الأوضاع الداخلية الهشة، المتمثلة في بروز تنظيمات مسلحة أرهقت الجيوش العربية، وأوجدت آلاماً جديدة تضاف إلى قائمة الآلام التي يعاني منها مسبقاً.

فالمطلوب هو الوقوف في وجه المخططات الأمريكية والغربية والإيرانية بقوة المتحد، بعيداً عن المناكفات التي لا تخدم وطننا ولا عالمنا العربي، بل تخدم فقط مفتعليها، واتباع بعض الإجراءات التي تتمثل في تشكيل قوة عربية مشتركة، لدعم واستقرار الدول التي تتعرض إلى التغلغل الإيراني مثلما حدث مؤخراً في اليمن بعد أن قررت الدول العربية المشاركة في "عاصفة الحزم"، إضافة إلى فتح صفحة جديدة في علاقات العرب الداخلية لمواجهة الصعاب.

وفي هذا يقول الله عز وجل "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا".