نشطاء السلفية الجهادية واليسار الراديكالي يطالبون بالأمن بمدينة طنجة

رام الله - دنيا الوطن
شكلت مدينة طنجة نهاية الأسبوع المنصرم فضاء لتمثيلية هزلية  اختلطت فيها مشاهد البروباغاندا بالكوميديا السوداء، وذلك بمناسبة التجمهر الذي نفذه بساحة الأمم بالمدينة، شرذمة تعد على رؤوس الأصابع ممن يسمون أنفسهم -تجاوزا- بالمناضلين الحقوقين والسياسيين، تحت يافطة الاحتجاج على "انعدام الأمن" بعاصمة البوغاز ومطالبة الدولة بتوفير الأمن للمواطنين.

وقد كان من عجائب الأقدار أن يجمع هذا التجمهر كل متناقضات دعاة العنف في المغرب، في مشهد سريالي قل نظيره،حيث التأم بعض نشطاء اليسار بمختلف توجهاته الراديكالية من جهة، وشيوخ السلفية الجهادية من جهة ثانية، وذلك في خليط هجين في تركيبته أو حتى في الأهداف التي يبتغيها من وراء هذه الحركة المكشوفة.

وبالعودة قليلا إلى كواليس هذه الوقفة، نجد أنها لا تعدو أن تكون حقا يراد به باطل، فأن يقف نشطاء النهج الديمقراطي وشيوخ السلفية الجهادية جنبا إلى جنب للمطالبة بالأمن فهو منتهى العبث والضحك على الذقون، ذلك أن الأساس العقائدي الوحيد المشترك بين التيارين معا يتمثل في تبنيهما لمنطق التطرف والعنف المنهجي، واعتماد المخططات التخريبية كوسيلة لمشروع مجتمعي.

فاليسار المغربي المعاصر الذي تمتد جذوره الفكرية والعقائدية إلى التنظيمات الراديكالية التي تأسست في المغرب في سنوات الستينيات والسبعينات من القرن الماضي، من قبيل حركتي "إلى الأمام" و"23 مارس"،  والتي تبنت منذ نشأتها منطق العنف والتخريب سبيلا لتحقيق أهدافها السياسية وضرب خصومها، وهو نفس التوجه الذي لا زالت إلى اليوم تتبناه بقايا هذه التنظيمات من قبيل تنظيم النهج الديمقراطي القاعدي الذي جعل من الجامعة المغربية فضاء لنشر العنف والتخريب، وهو الأمر الذي يؤشر لا محالة على تناقض غريب في الخطاب الذي حاول بعض المنتمون إليه ترويجه خلال تجمهر مدينة طنجة.

أما الوجه الآخر من عملة الارتزاق هذه، فيمثله انخراط شيوخ التيار السلفي الجهادي في دعوات الاحتجاج " على انعدام الأمن بالمدينة"، وهم الذين تشكل عقيدتهم الفكرية المبنية على الإرهاب أكبر خطر يهدد الأمن والاستقرار،  بدليل تورط أتباعهم في استهداف أمن المغرب، سواء تعلق الأمر بأفعال تدخل في خانة الجرائم الإرهابية، أو حتى تلك التي يمكن اعتبارها جرائم ترتبط بالحق العام، والتي كانت أرض الدولة بمدينة طنجة نفسها مسرحا لها خلال السنوات الماضية، بعد أن حاول بعض المحسوبين على التوجه السلفي ممارسة البلطجة وترهيب السكان، قبل أن تتدخل مصالح الأمن لإعادة النظام العام وتوقيف المتورطين في هذه الأحداث.

ومن منطلق هذه المعاينات المجردة من أي تحامل، لا يمكن لأي متتبع مهما بلغت درجة حياديته إلى أن ينظر بارتياب إلى ارتفاع أصوات من اليسار الراديكالي والتيار السلفي الجهادي  تطالب بتوفير الأمن بمدينة طنجة، بالتزامن مع إعلان مصالح المختصة عن كشف عمليات ممنهجة لفبركة أشرطة فيديو تروج لتنامي الجريمة بناء على معطيات محرفة، وهو الأمر الذي يزكيه الخط التحريري لبعض المنابر التي تنشر نفس هذه المقاطع المفبركة، خاصة إحدى صفحات الفيسبوك المعروفة بقربها من جماعات ما يسمى بالإسلام السياسي.

والدليل على ذلك أن هذه الصفحة كان لها مؤخرا السبق في نشر أخبار حصرية عن أعمال إجرامية تبين من خلال المعطيات الموضوعية أنه تم تضخيمها بشكل مبالغ فيه، من قبيل واقعة الشجار الذي كان شاطئ طنجة مسرح له وتحول بقدرة قادر إلى هجوم لعصابة على المصطافين...!!

لطالما أثبتت التجارب أن الأمن والاستقرار اللذان يتميز بهما المغرب يشكلان واحدة من أهم أولويات مؤسسات الدولة الأمنية منها والسياسية والاقتصادية، لذا فأن يتم استغلال هذا الملف مطية لضرب مصداقية الدولة وتصفية حسابات ضيقة من خلال نشر مزاعم اللاأمن وتنامي الجريمة، الذي هو جريمة في حد ذاته، خصوصا عندما يكون مصدر هذه المطالب أشخاص وتيارات طالما كانت ولا زالت هي نفسها مصدرا للعنف المادي والفكري. فأمن المغاربة شأن وطني سيادي لا مجال فيه للمزايدات المجانية، ولا مجال فيه لأصحاب السوابق ودعاة الغلو ومرتزقة الفكر المتطرف أن يقدموا الدروس لأي كان.