صبري صيدم والعولمة التنظيمية

صبري صيدم والعولمة التنظيمية
كتب غازي مرتجى

بصراحة فوجئت عندما طُرح اسم صبري صيدم وزيرا للتربية والتعليم العالي وكنت على يقين انه سيرفض بشدة هذا العرض نظراً لان القانون السائد منذ بداية الثورة :"فتح أبقى" .. حتى من يتسلم مناصب مهمة في السلطة يُبقي على خطوط مفتوحة مع التنظيم على الأقل مع منطقته التنظيمية حتى لا يقال انه ترك وباع .. عند انتهاء تكليفه بمنصبه بالسلطة يعود بقوة الى العمل العام عبر التنظيم , هكذا جرت العادة حتى في غالب التنظيمات فحركة حماس على سبيل المثال عدد كبير من ابنائها رفضوا العمل في الحكومة واستمروا بعملهم في الحركة وفق قانون :"الحركة أبقى" . 

الدكتور صبري صيدم هو شخصية دمثة وخلوقة ولم ألتق بشخص يذمه بل كان الجميع يُثني على نشاطه العالي وأفكاره المتجددة وقيادته لحملات ومشاريع شبابية مع استمرار عمله كنائب لأمين سر المجلس الثوري لحركة فتح وهو ثاني اعلى هيئة قيادية في فتح ومنصبه في فتح لا يقل أهمية عن عضو لجنة مركزية نظرا لنيابته أمانة السر .

قرار صيدم كان مفاجئاً لكنه قد يعكس حالة الهروب من حجم الترهل الذي أصاب بعض مفاصل التنظيم , وقد تكون العولمة التي انتهجها صيدم في حياته التكنولوجية بالأساس سبباً في تركه نظام "الأوراق" البائد والبائس وهو التشبيه الأكثر واقعية لوضع حركة فتح في ظل الحراك المتسارع للأحداث سواء الداخلية الاقليمية أو العالمية , والعولمة التي ضربت كل مفاصل الحياة  في المقابل استمرار حالة التكلس والكلاسيكية المفرطة في مفاصل فتح وعدم استجابتها لنداءات التطور المتسارعة .

حركة حماس وهي الإطار المنافس لحركة فتح تنتهج أسلوب التجديد والوصول إلى أكبر قدر من أدوات العولمة كمثال لا للحصر , حركة حماس لديها حساب رسمي على تويتر وهو ربما أكثر طرق العولمة مأسسة مؤخرا بينما لا تملك حركة فتح ولا قياداتها وبعض مناصريها حسابات على تويتر , وتجد الكثير منهم مهتماً بالفيسبوك كأقصى قدر وصل له بالتطور الدراماتيكي التكنولوجي .. لن أتحدث عن ماكنة الاعلام التي تتحكم بها حماس فقد يصبح التلفاز او الفضائية درباً من الماضي المنتهية صلاحيته لدى حركة حماس بينما لم تخض فتح تجربة الاعلام الحزبي الترويجي اصلاً .. سوى ساعات قليلة عبر قناة عودة ولا يتصرف بها التنظيم منفرداً . 

عودة الى استقالة صبري صيدم من المجلس الثوري لحركة فتح .. فعلى الرغم من انتظار الفتحاويين استحقاق المؤتمر السابع وكان من ضمن المرشحين "صبري" ذاته لدخول نادي اللجنة المركزية الا ان استقالته هذه أوقفت  طموحه فاستقالته من المجلس الثوري للحركة لن تُعيده الى مربع العمل التنظيمي سوى بعد حين ..

حالة "صبري" تندرج ضمن عشرات الحالات ممن ابتعدوا عن التنظيم الأم ليلحقوا بركب "التكنوقراط" و "المستقلين" ليفوزوا بجائزة وزارة إن سنحت لهم الظروف بذلك , فعدد كبير ممن لم يتمكنوا من الدخول الى الدوائر التنظيمية سواء في المؤتمر السادس وما تلاه انسلوا عن التنظيم الأم وأدرجوا اسماءهم ضمن الأطر المستقلة .. هذه الحالة ليست فريدة فعند الانتخابات التشريعية السابقة ترشح عدد كبير من ابناء فتح ممن لم تخترهم الحركة ليكونوا ضمن قوائمهم الانتخابية كمستقلين وتكنوقراط وأضروا حركتهم بترشحهم وكانوا معولاً رئيسيا في الخسارة التي مُنيت بها الحركة بتلك الانتخابات .

خروج صبري من المجلس الثوري حالة يجب النظر إليها بعينين واسعتين فهي لا تمثل حالته فقط وإنما تمثل أنموذجاً بسيطاً لحالة أكبر بدأت تتغلغل لدى الشخصيات الطامحة في فتح فإن لم تجد لها مكاناً في أي هيئة قيادية سواء في المستوى الأول وحتى الخلية فإنها تبحث عن تنظيم "المستقلين والتكنوقراط" لتجد لها ركناً تحقق من خلاله طموحاتها وما تتطلع إليه .

الخروج من التنظيم بعد ان كان الحضن الدافيء لتطلعات اي شخص وسببا رئيسياً لمن يريد الوصول يُمكن تسميته بالانشقاق الناعم غير الضار على المستوى القريب المُدمر على المستوى الاستراتيجي البعيد .

حملة التجديد في فتح يجب أن تتفاعل وتبدأ بعملية دراماتيكية مُتسارعة تزامنا مع عقد المؤتمر السابع ويجب ان لا يبقى جيل الشباب في فتح يمثله جيل الخمسينات في أفضل تقدير .. في المقابل من ينسى التاريخ ليس له حاضر او مستقبل فلا يُمكن اختزال الحاضر بجيل جديد دون العودة للماضي الجميل ومن على أكتافهم وبأكفهم نهض التنظيم فمن المفضل تشكيل هيئة قيادية بصلاحيات معروفة ومحددة توازي في اهميتها المجلس الثوري واللجنة المركزية .