أربعة أسباب تجعل نجاح "المنطقة الآمنة" السورية أمراً غير مرجح

رام الله - دنيا الوطن
في الأسبوع الماضي، تحولت تركيا من مراقب غير راض عن أحداث الحرب الأهلية السورية إلى طرف مقاتل كامل الأركان. ففي أعقاب هجومين شنهما ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، بدأت تركيا حملة قصف تستهدف كلاً من المتشددين الإسلاميين في سوريا والانفصاليين الأكراد في العراق.

كما سمح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان للولايات المتحدة باستخدام قاعدة انجرليك الجوية في جنوب تركيا في حملتها لقصف مواقع تنظيم الدولة الإسلامية.

ويقول الأتراك أنه كجزء من هذا الاتفاق، ألقت الولايات المتحدة بثقلها وراء إنشاء "منطقة آمنة" تمتد لمسافة 68 ميلاً على طول الحدود التركية-السورية وبعمق 40 ميلاً داخل سوريا، وتصل إلى مشارف حلب، ثاني أكبر المدن السورية.

وتهدف الخطة إلى تطهير تلك المنطقة من ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية بواسطة متمردين سوريين آخرين، وحمايتها من قبل القوات الجوية التركية والأمريكية، مما سيتيح للعديد من 1.8 مليون لاجئ سوري في تركيا العودة إلى ديارهم.

ولكن هناك عدداً من الأسباب التي تجعل إقامة هذه المنطقة أمراً مستبعداً أو إن أُقيمت بالفعل، من المرجح أن لا يعود إلا عدد قليل من اللاجئين.
1. لم توافق الولايات المتحدة فعلاً على إنشاء "منطقة آمنة"

هلل اردوغان لهذه الصفقة، في حين نقلت صحيفتا نيويورك تايمز وواشنطن بوست عن كبار المسؤولين الأميركيين قولهم أن اتفاقاً قد تم عقده بالفعل. ولكن منذ ذلك الحين، تتراجع إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وتعمل على تمييع نسختها من الصفقة. وقد ذكر مسؤولون أن لا نية لدى الولايات المتحدة لدعم "منطقة آمنة، أو منطقة حظر جوي، أو منطقة إقصاء جوي، أو منطقة عازلة إنسانية، أو أي منطقة محمية أخرى من أي نوع".

وقال نواه بونزي، كبير محللي شؤون سوريا في مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة بحثية: "لا يبدو أن السياسة الأميركية قد تغيرت، وتركيا تستخدم عبارة "منطقة آمنة"، لكن المسؤولين الأميركيين لم يستخدموا هذا التعبير. إن الموقف الأميركي كان ولا يزال أن الولايات المتحدة ليست مستعدة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف الهجمات [الجوية التي تشنها الحكومة السورية]. وطالما أن هذا هو الحال، سيكون من الصعب وصفها بأنها منطقة آمنة".

وفي السياق نفسه، أوضح اغا سيشكين، المحلل التركي في مؤسسة بحثية باسم IHS، أن هذا يرجع إلى حد كبير إلى أن الولايات المتحدة منزعجة للغاية بشأن من سيسيطر على الأرض إذا تم طرد تنظيم الدولة الإسلامية.

وأضاف أن "القوى المقاتلة الوحيدة المؤثرة على الأرض هي جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة وجيش الإسلام [جماعة إسلامية أخرى]. الجيش السوري الحر غير قادر. وبالتالي من المرجح أن نرى جماعات تابعة لتنظيم القاعدة تتحرك داخل المنطقة العازلة مع دعم جوي تركي". وبسبب هذا الاحتمال، فإن الولايات المتحدة قلقة بشأن منح دعمها الكامل لهذه الخطة، كما أفاد.

وبالمثل، لم يصدر أي قرار من مجلس الأمن يدعم هذه الخطة. حاولت تركيا الحصول على دعم مجلس الأمن الدولي لهذه الفكرة في عام 2012، ولكنها فشلت. وبالتالي، فإن المجتمع الدولي ليس ملزماً بالمساعدة في تنفيذ الخطة.


2. لدى تركيا أولويات أخرى

على الرغم من عدم وجود شك في أن الحكومة التركية ترغب في اختفاء تنظيم الدولة الإسلامية، فإن سيشكين يقول أن الأولوية المطلقة هي حزب العمال الكردستاني (PKK)، الجماعة الانفصالية التي تقاتلها منذ عدة عقود.

وكان كاشفاً أنه في الأيام الأولى من حملة القصف التركية الأسبوع الماضي، قصفت طائراتها الحربية ثلاثة أهداف فقط تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية من أصل 51 هدفاً، وكان الـ48 هدفاً الآخرين تابعين لحزب العمال الكردستاني.

وأكد بونزي أن الإعلان عن صفقة "المنطقة الآمنة" كان جزءاً من خطط تركية أوسع للضغط على الولايات المتحدة. وأضاف أن "انطباعي عن السياسة التركية هو أنها تريد أن تصل إلى نقطة تجعلها هي والولايات المتحدة تتبنيان نهجاً مشتركاً نحو التعامل مع سوريا وتنظيم الدولة الإسلامية و[الأكراد] وما يعتبره الأتراك أصل المشكلة وهو الحرب بين قوات بشار الأسد والمعارضة".

ولكن سيشكين قال أن هناك خطراً يتمثل في "انحراف المهمة عن مسارها" - أي أن تركيا بحاجة إلى أن تصبح أكثر انخراطاً من أي وقت مضى من أجل فرض مثل هذه المنطقة - بما في ذلك احتمال استخدام القوات البرية.

"وبمجرد فتح صندوق باندورا واستهداف تنظيم الدولة الإسلامية، ستصبح متورطة [ولن تتمكن من الانسحاب]".


3. تنظيم الدولة الإسلامية لن يرحل بهدوء

تخضع المنطقة المعنية الآن لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، وتشمل آخر نقطة حدودية مع تركيا تحت سيطرة الإسلاميين. ومن المرجح أن يدافعوا عنها بشراسة. وحتى لو أُجبر تنظيم الدولة الإسلامية على الانسحاب، فمن غير المحتمل أن يخلي المنطقة من دون أن يجعلها غير صالحة للسكن إلى أقصى حد ممكن.

ففي مدينة كوباني التي تقطنها أغلبية كردية، على سبيل المثال، زرع المسلحون المنسحبون الألغام والشراك الخداعية أينما استطاعوا - ولجؤوا حتى إلى زرع المتفجرات داخل الجثث. وبالتالي، أصبح ما يقرب من 70 بالمائة من المدينة الآن غير صالح للسكن.

ولذلك، قبل أن يصبح أي لاجئين قادرين على العودة إلى "منطقة آمنة"، ربما يكون من الضروري تنفيذ عملية كبيرة لإزالة الألغام، وهذا يتطلب التزام المنظمات غير الحكومية المتخصصة، بما في ذلك الفرق الكبيرة ذات الخبرة الهائلة.

بدأت هذه العملية للتو في كوباني - بعد نحو ستة أشهر من طرد المسلحين - عندما شن تنظيم الدولة الإسلامية هجوماً مفاجئاً، مما أسفر عن مقتل العشرات. وتشعر المنظمات الإنسانية الآن بالقلق إزاء الالتزام بأي تحركات في المستقبل.

وقالت إحدى المنظمات غير الحكومية الدولية التي تحدثت إليها شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنها قد تواجه قضايا أخلاقية تعرقل العمل في "منطقة آمنة"، لاسيما إذا نُظر إلى تركيا على أنها أجبرت السوريين على الخروج من أراضيها.

4. اللاجئون لا يريدون العودة

لا يعيش سوى عدد قليل من السوريين المسجلين في تركيا داخل مخيمات اللاجئين، وتقيم الغالبية العظمى منهم في المدن. وقال متين شوراباتير، رئيس مركز أبحاث اللجوء والهجرة في أنقرة، أنه لا توجد أدلة تُذكر على أن الناس يريدون العودة إلى مناطق لا يعرفونها ويمكن أن تظل غير مستقرة.

وقد فر كثيرون من نظام الأسد والجماعات الإسلامية على حد سواء، واستعدادهم للعيش مرة أخرى في ظل الحكم المحتمل لأي منهما أمر مشكوك فيه في أحسن الأحوال.

وأشار شوراباتير إلى أن لدى الحكومة التركية أيضاً معلومات محدودة عن مناطق تواجد الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا، مضيفاً أن "هناك مليوني لاجئ (تقريباً)، ويعيش 200,000 منهم فقط في المخيمات. يجب أن تكون عملية طوعية".

وقال أيضاً أن "على تركيا أن تسأل الناس إذا كانوا يريدون الرحيل أم لا،" مضيفاً أن إجبار أي لاجئين على العودة سيكون مخالفاً للقانون الدولي.

التعليقات