(تحقيق) : عقود الاحتكار للشركات الخاصة تُعطى بشكل متسرع

(تحقيق) : عقود الاحتكار للشركات الخاصة تُعطى بشكل متسرع
رام الله - دنيا الوطن
تحقيق: هيثم الشريف
قد لا يكون منح الإمتياز كاحتكارات في الوضع السياسي الغير مستقر قرار خاطيء، فلربما يكون ذلك أمرا مطلوبا وضروريا لتحفيز الإستثمار، لكن المهم في الموضوع إذا ما كان ذلك ينطبق على كل الإمتيازات، إذ يجب ان لا تكون النمط السائد في كل الحالات، لتعارض ذلك مع منطق اقتصاد السوق المبني على اساس التنافس، ناهيك عن ضرورة معرفة تحت أي ظرف تمت تلك القرارات؟ وإذا ما تمت بشفافية ونزاهة؟ هذه الأسئلة وغيرها سنحاول تناولها من خلال هذا التحقيق، الذي استمر العمل عليه بضعة أشهر.

   فترة نشوء السلطة.. والحاجة  لموارد مالية
  أكثر عقود الإمتياز اشكالية كانت في بداية تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية ، حيث ابرمت بطريقة عشوائية ودون ان تستند إلى التشريعات، كما ان معظمها تم بشكل ارتجالي ومحسوبيات، قال وزير التخطيط والتنمية الإدارية السابق، نائب رئيس معهد ابحاث السياسات الإقتصادية الفلسطيني(ماس) عضو الهيئة العامة للإئتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) الدكتور غسان الخطيب، والذي اضاف" حتى ان لجانا في المجلس التشريعي اصدرت تقريرا تحدثت فيه عن العديد من المشاكل وخصوصا ما يتعلق بالإمتيازات، وبشكل مركز في قطاع الإسمنت والدخان وغيرهما".

  بدوره قال وزير الإقتصاد الوطني السابق المهندس مازن سنقرط ان" خبرة السلطة المتواضعة منذ نشوئها هي من تسببت في هذا الأرباك في السوق الفلسطيني، التي نتج عنها الخسارة الفادحة في ان تكون مقدرات السلطة وامكانياتها مستدامة،  ولو اننا بدأنا عملنا بشكل سليم وبطريقة شفافة سادها القانون واسس الشفافية والحوكمة، لما كان هناك اشتراطات أو احتكارات أو هدر".
      وزير الحكم المحلي السابق الدكتور خالد القواسمة قال أنه " في فترة تأسيس السلطة لم تكن السياسات والقوانين واضحة، الأمر الذي نتج عنه الكثير من الأخطاء التي تحتاج للمراجعة".

 عدم الوضوح في القوانين تطرق اليه وزير الإقتصاد الوطني السابق الدكتور حسن ابولبدة" التفسير الغامض لقانون تشجيع الإستثمار في المرحلة الأولى من عمر السلطة ، كان جزء من الأخطاء التي  وقع فيها المشرعين والمطبقين للأنظمة، حيث استفادت الشركات من ذلك، وحصلت على اعفاءات ضريبية لفترات طويلة ".
        ورغم أن ظروف نشأت السلطة جاءت مستعجلة يقول مستشار الرئيس لشؤون تكنولوجيا المعلومات، وزير الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات السابق الدكتور صبري صيدم ، إلا أن اداءنا كان من الواجب ان يكون اكثر حذرا وإلماما بالنسبة لبعض القطاعات.

   نهج الخصخصة في بدايات عمر السلطة لم يكن موفقا في عدة قطاعات قال رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية السابق استاذ الإقتصاد السياسي  في جامعة النجاح  الدكتور محمود ابوالرب" وذلك لأن خصخصة بعض المنشآت المحلية تمت بشكل متسرع، ودون وجود دراسات قائمة على اساس صناعة القرار لمصلحة الوطن والمواطن، على اعتبار حاجة السلطة للحصول على ايرادات مالية سريعة، إلى جانب الرغبة في التماشي مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي فيما يتعلق بالخصخصة، وما كل تلك الأمور سوى مبررات كانت في اذهان من اتخذ القرار،  متناسين أن دور الدولة ضروري جدا في المراحل الأولى من أجل بناء العملية الإقتصادية( إنطلاقا من انه و في المراحل الإنتقالية، دائما ما يكون الأمر محفوف بالمخاطر) وحين ينمو الإقتصاد بحماية الدولة ويكون راس مال القطاع الخاص قادر على النهوض بهذه المؤسسات، من الممكن تسليم هذه القطاعات للقطاع الخاص ولكن بشكل تدريجي، وهذا ما لم يحدث لدينا".

        وقد وافقه القول مراقب عام الشركات في وزارة الإقتصاد الوطني الدكتور حاتم سرحان" أنا مع الدولة القوية في البداية، عبر قيام الدولة بواجباتها من خلال بناء وإدارة المرافق الخدماتية الأساسية ، لأن ذلك يمكّنها من تقييم و تقدير قيمة الخدمات المقدمة بشكل افضل، وإذا لم تقم الدولة بذلك فعلى الأقل عليها ان تجري دراسة مستفيضة لكل المرافق العامة المطروح خصخصتها او إبرام عقود امتياز بشأنها، على ان يسبق ذلك الإستنارة بخبرات الآخرين، والإطلاع على تجارب الدول الأخرى، قبل اتخاذ القرار نظرا لحساسية الموضوع، وأن له تبعات مالية مهمة، وحتى لا تشكل عبء على المواطن".

 وفي المراحل الأخيرة من أنجاز التحقيق نُشرت دراسة اعدتها المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية (مواطن) تناولت الإرث التاريخي للخصخصة في فلسطين، ركزت فيها على عقود الإمتياز التي تمت منذ قدوم السلطة، كما في قطاعات(الطاقة، والإتصالات، والسوق المالي، والمياه، والنقل والمواصلات وتخصيص اراضي الدولة، والتنقيب عن الغاز، والموارد الطبيعية ..وغيرها) جاء فيها انه جرت عمليات خصخصة لبعض القطاعات  ومنحت امتيازات لاستغلال املاك عامة وموارد طبيعية عامة  من خلال قرارات ارتجالية وبطريقة متسرعة وغير مهنية دون دراسة علمية غالبا او رقابة ، ودون مراعاة اسس الحوكمة الرشيدة في ادارة الموارد العامة تحت مبرر تأمين مورد سريع، مما كان له انعكاسات سلبية ما زالت آثارها قائمة حتى تاريخه، تمثلت بهدر المال العام او سوء استخدامه، ونشوء بعض الإحتكارات في بعض القطاعات.

  وقد أوضح ذلك مدير عام المؤسسة الدكتور جورج جقمان" لا يوجد إطار عام أو سياسة مركزية مرشدة تتعلق بالخصخصة ومنح الإمتيازات للسلطة الوطنية الفلسطينية، بمعنى وجود لامركزية مفرطة عبر قرارات من قبل كل وزارة دون تنسيق، في حين أن هكذا قرارات يلزمها قدر من المركزية، كأن يكون هناك فريق أو طاقم متخصص يشرف على الإتفاقيات في الجانب القانوني  ودراسة ابعادها التنفيذية والإقتصادية، إذ لا يمكن ايجاد فريق من هذا النوع في كل وزارة".

     التضارب في المصالح    كما أظهرت دراسة (مواطن)، ان بروز بعض مراكز النفوذ ذات المصالح الخاصة، ادى للنظر للموارد العامة كشكل من اشكال الأصول التي تريد السلطة السيطرة عليها، وأنه لذلك جرت عملية الخصخصة أومنح الإمتيازات أحيانا عبر تبادل المصالح، من خلال انشاء شركات خاصة مملوكة للسلطة أو شركات مساهمة عامة موجهة بتحالف وقيادة من بعض ممثلي القطاع الخاص المتنفذين، فلعبت تلك الشركات دورا هاما في احتكار بعض الخدمات، وذلك ما اعتبره مدير عام المؤسسة الدكتور جورج جقمان غير مقبول، اذا كان لهؤلاء المسؤولين دور في اتخاذ القرار الخاص بعقود الإمتياز التي قد يصبحون شركاء فيها، لأنه يوفر المناخ لتضارب المصالح، وهو الأمر الذي يعد من انواع الفساد".

  كما تناول هذا الجانب  مدير عام اللجان البرلمانية في المجلس التشريعي ومقرر اللجنة الإقتصادية فيه للفترة من عام(1999-2005) الدكتور أحمد ابودية، الذي ساهم في إعداد الدراسة " بعض المقربين من صناع القرار،  كانوا يدخلون السلطة بصفتها شريك في بعض هذه المشاريع، او يشكلون شركات عامة لتقوم باحتكار احد القطاعات العامة، كما في موضوع الإسمنت، والحصمة، ومشاركة السلطة القطاع الخاص بمحطات الوقود في فترة زمنية ما. أضف لذلك أن بعض المتنفذين في تلك المرحلة كانوا أحيانا يُرتبون لتوقيع بعض عقود الإمتياز والإحتكار، إما لأن هذا الإمتياز من الممكن ان يجذب الاموال للسلطة عبر تعهد الشركات المتعاقدة بدفع مبالغ مالية للخزينة العامة مقابل توقيع عقد الإمتياز او الإحتكار، أو لأن بعض هؤلاء المتنفذين كانوا يستفيدون شخصيا من ترتيب مثل هذه العقود".
          
   الدراسة المشار لها استعرضت عددا من عقود الإمتياز التي ابرمت في المراحل الأولى من عمر السلطة الوطنية الفلسطينية، والتي قالت انها تمت دون تنافس،  كمنح عقد امتياز لشركة كهرباء فلسطين من اجل بناء محطة توليد كهرباء في غزة عام1998( لمدة 20 عاما)، ومنح عقد امتياز  لشركة الاتصالات الفلسطينية لانشاء وادارة وتشغيل اتصالات الهاتف الثابت والمحمول  عام1996 (لمدة20 عاما بما يتعلق بالهاتف الثابت، و5 سنوات او عند الوصول الى 120 الف مشترك بالنسبة للهاتف المحمول)، والعقود المتعلقة ببيع الرمل واستيراد مادة الحصمة والاسمنت، وعقد الامتياز الممنوح لشركة بريتش غاز البريطانية للتنقيب عن الغاز  عام1999، وعدد من الامثلة الاخرى.

   وعقود الإمتياز الإحتكارية التي لم تتم وفق اسس التنافس يقول الدكتور حسن ابولبده هي عقود ليست في مصلحة الأقتصاد الوطني، وليس لها أي مبرر مهما كان نوعها، لأنها تنعكس سلبا من حيث الكلفة على المواطن" وهذا ما حدث بالدرجة الأولى  في قطاع الإتصالات والطاقة والإسمنت، حيث لم تحصل الدولة على افضل نتائج بالنسبة لمصلحة المواطنين،  في حين ان المفروض أن تمنح تلك العقود بناء على التنافس وتلقي العروض والأسعار بطريقة مهنية وشفافة من قبل الجهات المعنية الداخلية او الخارجية، على أن يتم التعاقد مع الجهة التي قدمت افضل عرض، مقابل قيام تلك الجهة بمجموعة التزامات مالية واقتصادية وبيئة، وأن تتقيد بمجموعة من الشروط والمحددات، وان يكون هناك رقابة على آلية تعاطيها مع هذه العقود، كما أن من الواجب أن تتضمن الإتفاقيات شرح مفصل حول عواقب او تبعات مخالفة شروط المنح، التي اذا ما تمت مخالفتها فُض الإتفاق".

 وذلك ما تناوله الخبير القانوني مدير عام شركة الثقة للخدمات القانونية المستشار القانوني لمؤسسة أمان المحامي بلال البرغوثي " معظم عقود الإمتياز المبرمة لم تراعي الظروف الاستثنائية التي يجوز أن يؤذن فيها للسلطة المتعاقدة منح امتياز دون استخدام إجراءات تنافسية، كأن تكون هناك حاجة ماسة إلى ضرورة استمرارية تقديم الخدمة، أو ان تكون تلك المشاريع قصيرة المدة، أو لدواعي الدفاع أو الأمن الوطني، أو في الحالات التي لا يوجد فيها سوى مصدر واحد قادر على تقديم الخدمة اللازمة، على ان تتم في تلك الحالات المستثناة  مراعاة  الإجراءات التي اشترطها القانون كما أوصى به دليل الأونسيترال التشريعي، ومنها أن تنشر السلطة المتعاقدة إشعارا عن اعتزامها منح امتياز لأجل تنفيذ المشروع المقترح، وأن تباشر المفاوضات مع أكبر عدد تسمح به الظروف من الشركات التي يُرتأى أنها قادرة على القيام بالمشروع، إضافة إلى ضرورة ان تُقيّم العروض، وأن وتُرتب بدرجات وفقًا لمعايير التقييم التي وضعتها السلطة المتعاقدة، إضافة إلى ضرورة ان يتم التسبب بعدم اللجوء إلى إجراءات المنافسة".

الحصرية...وتكريس مبدأ الإحتكار         الدكتورأحمد ابودية اشار إلى ان الدراسة أخذت بعين الإعتبار أن من يوقع عقد احتكار يحتاج لفترة زمنية طويلة نسبيا حتى تتاح له الفرصة لاستغلال هذا المورد او ادارة هذا المرفق، وليبدأ في اعادة ما صرفه على البنية التحتية للمشروع" نتفهم وندرك هذه الحاجة في بعض القطاعات، لكننا نتحدث عن العقود التي زادت مدتها الزمنية عن المدة التي حددت لها بحسب العقد، فعلى سبيل المثال في اتفاقية جوال كانت الإتفاقية تنص على عدد محدد من المشتركين او السنوات ايهما اقل، وكلاهما تم تجاوزه بعدة سنوات، قبل ان يتم اعطاء الرخصة لمشغل ثان".

     وهو ما أكده  وزير الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات السابق " هذا صحيح، إذ ان الحكومة التاسعة عام 2005،  رأت بأن هناك عملية اطالة لاستمرار شركة الإتصالات بتشغيل الهاتف المحمول، دون ان يفتح سوق الإتصالات لإدخال مشغلين جدد، ورغم تعرضي للإنتقاد الشديد آنذاك، حيث كانت هناك حملة  ضد فتح سوق الإتصالات، قبلت بالتحدي وتم فتح سوق الإتصالات، والإعلان عن العطاء الخاص بمشغل جديد للهاتف المحمول، بناء عليه دخلت شركة الوطنية موبايل.

   حق الرد أعطيناه للرئيس التنفيذي لمجموعة الإتصالات الفلسطينية عمار العكر حيث قال" الرخصة تحدثت عن فترة حصرية يمنع  فيها دخول أي مشغل آخر للسوق خلال فترة مؤقتة، وهي 10 سنوات بالنسبة للخط الثابت، و5 سنوات بالنسبة للمحمول أو 120 الف مشترك ايهما يحصل اولا، وقد انتهت الحصرية سواء بالنسبة للخط الثابت او المحمول. حتى ان دخول خط الدفع المسبق  وتطورالتكنولوجيا ادت لزيادة العدد بخصوص خط المحمول، وبدل ان تأخذ مدة 5 سنوات أخذت سنتين، لكن ومع وجود خطر الإستثمار في الإنتفاصة الثانية والحروب على غزة، ولأن حجم الإستثمار هائل والجدوى الإقتصادية فيه محدودة إلى جانب التطور التكنولوجي ، لم يكن هناك اهتمام كبير من المستثمرين في الخط الثابت من أجل منافستنا،  أما بالنسبة للمحمول فلفترة طويلة لم يكن هناك اهتمام للمنافسة في فلسطين، لحين  نشر العطاء بذلك في 2007".

    ومن المهم الإشارة يقول عمار العكر" إلى اننا  لم نتمتع بالحصرية في أي يوم من الأيام، حيث اضطرنا للتعامل مع المنافسة غير الشرعية مع الشركات الإسرائيلية من أول يوم كي نستطيع جلب مشتركين، وحتى بما يتعلق بالخط الثابت، فالشركات الإسرائيلية مثل(bezeq) لا تزال تصل لأبواب المدن الفلسطينية، ويبحثون عن شركات انترنت صغيرة لتنافسنا داخل المدن الفلسطينية".
      كما اشارت الدراسة لعدة امثلة تدل على تكريس مبدا الاحتكار، منها قيام السلطة بتأسيس شركة احتكارية لبيع الرمل من القطاع الى اسرائيل، واستيراد الحصمة منها للقطاع، اضافة الى احتكار استيراد الاسمنت الى السوق الفلسطينية، ومنح الحق الحصري لشركة كهرباء فلسطين في توليد الكهرباء.

     لكن رئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية الدكتور عمر كتانه رفض ذلك " هذا الكلام مردود فنحن نشتري الطاقة لغزة من 3 مصادر، من محطة التوليد ومن مصر ومن اسرائيل، بالتالي لو كانت الشركة تحتكر التوليد لما استطعنا ان نشتري من غيرها، أو لكان الشراء من غيرها يتم من خلال الشركة، وهذا ما لم يحدث".

   استاذ الإقتصاد السياسي  في جامعة النجاح قال أن "من المفروض ربط هذه الإمتيازات في فترة زمنية محددة يتم خلالها اعادة التقييم واستخلاص العبر، بالتالي كل من لديه امتياز اذا ما شعر ان هذا الإمتياز من الممكن ان يتم فقدانه ان أخلّ بالشروط، فسيؤدي ذلك لتحسين الخدمة وتخفيض التكلفة، كما يجب أن لا تبقى عقود الإمتياز  حكرا على( س )او( ص) كما في  قطاع النقل والمواصلات مثلا، فمن يأخذ خط بين مدينة ومدينة او منطقة وأخرى للأسف يصبح الخط على اسمه! وهذا التوريث إلى الأبد يجب اعادة النظر فيه بشكل جيد، وهو بحاجة إلى قانون ينظمه".

 لكن مراقب المرور العام في وزارة النقل والمواصلات المهندس جمال شقير  نفى وجود إحتكارات في قطاع النقل"يمكنني الجزم انه وفي قطاع النقل ما من إحتكار نهائيا، فعمليا لدينا على مختلف الخطوط 86 شركة نقل عام، و5 شركات للنقل الخاص، وحوالي 3600 رخصة تشغيل تكاسي الطلبات، وقرابة 6 آلاف مركبة سرفيس، الأمر الذي يعني أن هذا القطاع غير محتكر، فأينما كانت هناك حاجة لصرف رخص تشغيل نقوم بذلك، ناهيك عن اهمية حماية كل من حصلوا على رخص تشغيل، لأن نشر عدد ضخم آخر من الرخص سيحول الإستثمار من قبل المواطنين إلى خسارة تؤثر على الإقتصاد". 

وفي سؤال مباشر حول ان كان وجود شركة حافلات وحيدة تعمل من الإستراحة إلى الجسر منذ عقود يُعد احتكارا، رد مراقب عام المرور"هناك أكثر من شركة تعمل على الجسر، الأولى شركة باصات عبدالحي شاهين والتي تنقل المسافرين من الإستراحة إلى الجسر، وشركتي باصات اريحا البلد  وباصات العلمين اللتان تنقلان المسافرين من الجسر إلى الأردن، مع ذلك فللأسف الشديد نحن لا نستطيع ادخال أي شركة أخرى للتنافس إلا بموافقة الجانب الإسرائيلي، وهذه احدى المعضلات التي نواجهها عمليا، فعلى سبيل المثال سبق لنا ان قمنا بترخيص مكتب تكسي لخط الجسر، غير انه ولغاية الآن غير قادر على ادخال سيارات (البرايفت) إلى الجانب الآخر، وحتى على مستوى التسعيرة نحن لا نتحكم بها! وما من شك ان لكل ذلك اثر سلبي على المواطن بالنسبة لمستوى الخدمة المقدمة".

  في ذات الوقت اقر المهندس جمال شقير ان الوزارة لم تقدم طلبا رسميا للجانب الإسرائيلي لادخال شركة حافلات اخرى لخط الجسر منذ قدوم السلطة " بصراحة كمراسلة رسمية لم نقم بذلك، ولكن مندوبينا يخبروننا شفهيا ان لا مجال لذلك بحسب الإسرائيليين، الذين يعتبرون وجود شركة واحدة كافي".

عدم استكمال التشريعات والقوانين..وغياب الأجسام التنظيمية والقوانين القطاعية

   وحول ذلك قال مقرر اللجنة الإقتصادية السابق في المجلس التشريعي ان" الغالبية العظمى من الإمتيازات منحت قبل اقرار القانون الإساسي عام 2002 ، بمعنى انها ابرمت دون وجود للقوانين المتعلقة بمنح الإمتيازات ، (كقوانين المنافسة ومنع الاحتكار وغيرها)، حيث كانت اللجنة قد اقترحتهم ولكن لم يجري اقرارهم واصدارهم كقوانين حتى يومنا هذا، كما لم تكن هناك قوانين قطاعية أو أجسام تنظيمية وتنسيقية يسند لها الدور الرقابي والتنسيقي في مختلف القطاعات".

(الأجسام التنظيمية)        مدير عام الإدارة العامة لحماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني المهندس ابراهيم القاضي قال اننا" عانينا من الإحتكار في بعض القطاعات  بسبب الإجتهادات، نظرا لأن البنية القانونية لم تكن موجوده. وحتى الأجسام والمجالس التنسيقية التي لم تكن موجوده، والتي باتت اليوم قائمة في عدد من القطاعات، لا انتظام لديها في عملها، و ليس لديها اجتماعات دورية، وهي بحاجة إلى تفعيل".

     وذلك ما تناوله الدكتور صبري صيدم" هيئة تنظيم قطاع الإتصالات التي جرى اصدار قرار بقانون بخصوصها عام 2009،  كان يفترض ان تكون قادرة على تنظيم القطاع،  لكن هناك عوامل وأشخاص معطلين لهذا القانون لا يريدون تنفيذه، بالتالي ليس بالإمكان الحديث عن شفافية أو نزاهة في هذا القطاع، إن كانت الرؤى غائبة او مغيبة لأي سبب من الاسباب،  كما أن الدول التي تريد ان تحمي نفسها، تقوم  بتشكيل وتفعل هيئات التنظيم في مختلف القطاعات لتتمكن من تكبير حجم الفائدة ".

    وخاصة في ظل غياب الجهات الرقابية كالمجلس التشريعي، يرى المهندس مازن سنقرط وزير الإقتصاد الوطني السابق ان الأمور ليست في وضعها الصحي والسليم بما يتعلق بالهيئات التنظيمية المشكلة كما في هيئة تنظيم قطاع الإتصالات  ومجلس تنظيم الكهرباء الفلسطيني وغيرهما، لأنها لم تأخذ بعد دورا هاما في  قضية تحديد السياسات والأولويات التي من الممكن ان نحزم من خلالها توجهاتنا ومفهومنا كما يجب في قضية الشفافية والحكم الرشيد".

      حق الرد بما يتعلق بمدى فعالية الأجسام التنظيمية القطاعية ومن بينها  مجلس تنظيم قطاع الكهرباء اعطيناه لرئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية والذي قال" المجلس الذي أنشيء بموجب قرار بقانون عام 2009  يتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري اللازم لممارسة مهامه،  ومن صلاحياته ووفق القانون ان له دور رقابي، ومن مسؤولياته ان يوصي بمنح الرخص واستمراريتها أو الغائها، حيث يقرر كل ذلك بناء على مراقبة مؤشرات الأداء سنويا، من هنا يمكنني التأكيد أن قطاع الطاقة هو القطاع الوحيد المنظم، و الذي فصلت فيه السلطات، بحيث أننا ممثلين الحكومة في هذا القطاع واننا الجهة صانعة السياسات فيه، كما ان هناك الجهات المنفذه لهذه السياسات وهم الشركات والتوزيع والنقل والتوليد، وهناك مجلس تنظيم قطاع الكهرباء الذي يراقب تنفيذ هذه السياسة".

(التشريعات والقوانين القطاعية)      حيث قمنا بعرض بعض العقود المبرمة في الفترة الأولى من قيام السلطة على المستشار والخبير القانوني لتبيان الرأي القانوني حولها، فأكد أن " تلك الإتفاقيات لم تستند لأي مرجعيات قانونية ذات علاقة، كما أنه وانطلاقا من مبدأ الشفافية فإن الإتفاقيات كان يجب ان تحوي المبررات والإعتبارات الإقتصادية والإجتماعية ( المستندة على دراسات اقتصادية ) التي دفعت بالحكومة لتقديم هذا التنازل وابرام عقد الإحتكار، وإلا فستدور حول تلك العقود علامات الإستفهام".

      غير ان مدير عام الإدارة العامة للسياسات والدراسات في وزارة الاقتصاد الوطني اعتبر ان الأمر لا يحتاج لتبرير في الإتفاقيات لأن ذلك يطبق في دول كثيرة وأضاف" وفيما يخص المنظومة القانونية فالوزارة تسير بخطى ثابتة وموزونة مع كل الشركاء، انطلاقا من هدفها الإستراتيجي المتمحور حول ايجاد بيئة ممثلة للإستثمار بشقيها التشريعي والمادي، بالتالي فالكثير من القوانين أوالتعليمات المرتبطة بعقود الإمتياز وانطلاقا من اولويتها تمت مراجعتها او تعديلها أو تم قطع شوط كبير فيها، وليس كما يبدو بأننا تائهين ومن انه ليس هناك شيء ينظم الحياة الإقتصادية، حيث ان هناك القانونين الأردني والمصري، ولكن لا شك نبقى نطمح لتبديلها وتعديلها وتطويرها لتواكب المستجدات وتلبي احتياجات القطاع الخاص وهذا ما نعمل عليه، بدليل ما يحدث من خلال قرارات بقانون في الكثير من القطاعات وبتنظيم وقرارات وتعليمات  مجلس الوزراء بذات الخصوص".

        الأمر الذي جعلنا بين نارين قال نائب رئيس معهد ابحاث السياسات الإقتصادية الفلسطيني(ماس)" نحن لا نشجع كثرة القرارات والمراسيم التي تصدر عن الرئيس لأن هذا الأمر غير صحي، لكننا من ناحية ثانية نحتاج لتشريعات متصلة بعقود الإمتياز، في ظل غياب المجلس التشريعي الذي نأمل ان لا يطول، لذلك فإن وجود قوانين بقرار افضل من عدم وجوده، كي نجد شيء نحتكم له في مناقشة مثل هذه القضايا ".

       هذا ولم نتمكن من الوصول لمستشار الرئيس للشؤون القانونية المستشار حسن العوري لأخذ رد الرئاسة حول ما يمنع من استكمال المنظومة القانونية ذات الصلة بعقود الإمتياز في ظل توقف عمل المجلس التشريعي.

من نتائج الإحتكارات والثغرات في عقود الإمتياز (عقود اذعان)
    الثغرات القانونية في بعض عقود الإمتياز وغياب الاجسام المنظمة التي يسند لها الدور الرقابي والإشرافي، مكّن الشركات من استغلال موقعها الإحتكاري في تحديد اسعار الخدمات، من خلال عقود اذعان فرضت من قبلها على متلقي الخدمة،  وبغض النظر عن جودتها تقول الدراسة.

  وذلك ما ذهب اليه الدكتور محمود ابوالرب  " الإحتكارات الموجودة في بعض القطاعات هي التي تحدد الأسعار، الأمرالذي يعني فرض عقود اذعان بغض النظر عن الجودة! والمواطن يكون مكرها على الإلتزام بهذه الخدمة، طالما لا يوجد خدمة بديلة".


  بدوره قال المهندس ابراهيم القاضي  " هناك اجحاف بحق المستهلك، خاصة بما يتعلق بعقود الإذعان، التي نرى انها غير ملزمة للمستهلك، علما أن للمجلس الفلسطيني لحماية المستهلك الحق في إعادة قراءتها وإعطاء التعليمات بحقها".
     

(التمدد )    ومن النتائج السلبية الأخرى لغياب التخطيط فيما يتعلق بعقود الإمتياز، امتداد نشاط بعض الشركات التي منحت هذه العقود لنشاطات فرعية ذات علاقة بعملها، كما هو الحال بخدمات الإنترنت بالنسبة لشركة الإتصالات، الأمر الذي مس بقدرة الشركات الاخرى على المنافسة ، وعزز من الهيمنة السوقية للشركة في قطاع الإتصالات بمختلف جوانبه تضيف الدراسة.
         وقد استعرض القاضي هذا الشكل من التمدد والإحتكار"أحد أنواع الإحتكار القائمة خدمات الإنترنت، لأن هناك مزود واحد لخط النفاذ وهي شركة الإتصالات الفلسطينية، وخط النفاذ مربوط بخدمة الإتصالات، بالتالي كي اتمكن من استخدام الإنترنت فإنني ملزم شهريا بدفع ثمن اشتراك خط الهاتف الارضي، رغم انني على ارض الواقع لست بحاجته، عليه من غير المعقول الربط ما بين خدمة خط النفاذ وخدمة الإتصالات.

        فرد  العكر قائلا" الامتداد في ذات القطاع يحدث في كل دول العالم، فكبرى شركات الإتصالات الإسرائيلية  والبريطانية والشركات في الكثير من الدول العربية وغيرها لديها شركات انترنت فرعية، فهذا حق للشركات ما دام لها علاقة بالإتصالات، وما يهم منظم القطاع أن لا يكون هناك دعم للمشغل المهيمن يقوي من المنافسة ضد الشركات الصغيرة، بمعنى ان علي ان لا اعطي ميزة لشركة حضارة، لا اعطيها لشركات انترنت ثانية تستخدم خط النفاذ من الإتصالات، كما ان أي سعر اعطيه لحضارة مقابل خدماتي  يجب ان يكون متوفر للشركات الأخرى، أما ان لا ادخل سوق الإنترنت فبصراحة أنا من احدد نموي".

  وأضاف"  من جانب آخر فان شركة حضارة ساهمت في تطوير سوق الإنترنت، فحين ضاعفنا السرعة 4 مرات  خلال السنتين الماضيتين، اصبح كل من لديه 1 ميجا يأخذ 4 ميجا بنفس السعر، ولو  كانت شركات الإنترنت الأخرى المكونة من رأس مال صغير نسبيا لا تريد ان ترفع السرعة وأن تستثمر وأن تتجاوب معي لمنع ذلك تطور سوق الإنترنت، ولبقينا حتى اليوم على سرعة نصف ميجا!، و لولا وجود شركة حضارة التي لديها القدرة على  رفع السرعة مقابل السرعة التي تعطيها شركة النفاذ، لما كان هناك منافسة من شركات الإنترنت الأخرى على زيادة السرعة، بالتالي فحضارة لم تعزز الإحتكار وإنما ساهمت في المنافسة، وتحسين وضع الإنترنت في فلسطين، لكن للأسف الناس لا ترى هذا الجانب، علما أن حضارة ليس لها أكثر من 45% من السوق في حين الباقي لشركات انترنت اخرى".

من يتحمل مسؤولية نتائج وآثار إبرام تلك العقود   الدكتور جورج جقمان مدير عام المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية (مواطن)  حمل  مسؤولية كل تلك المشاكل الناجمة عن عقود الإمتياز لعدة اطراف " هناك 3 اطراف تتحمل المسؤولية، أولها السلطة التنفيذية ممثلة بالوزارة ذات الصلة لكونها المسؤولة عن التنفيذ، فكيف تم ابرام تلك العقود؟ وهل بطرق معقلنه ومرشدة؟ فيما المسؤولية الثانية تقع على المجلس التشريعي لأن اهم مهامه وأدواره مساءلة ومراقبة عمل السلطة التنفيذية، فما الذي يمنع عدد من اعضاء المجلس بالضفة من أن يجتمعوا ويناقشوا ويسائلوا السلطة التنفيذية؟ ثالثا الرئاسة (وإن كانت تتحمل مسؤولية غير مباشرة)، حيث كان من الممكن ان تستكمل المنظومة القانونية التي توضح الآليات القانونية بكل ما يتعلق بعقود الإمتياز".

          وحول ان كانت وزارة الإقتصاد الوطني تتحمل الجانب الأكبر من المسؤولية عما سببته عقود الإحتكار في عدد من القطاعات ، قال الدكتور حسن ابولبدة وزير الإقتصاد الوطني السابق " رغم ان من مهام الوزارة الحفاظ على البيئة التنافسية والإستثمارية المواتية، وان يكون لديها ما تقوله بشأن أي عقود امتياز تمنح دون ان يكون فيها الحد الأقصى من العدالة في منح مثل هذه العقود، إلا أن أي اخفاقات محتملة  في حماية المال العام وحماية تكافؤ الفرص من مسؤولية الوزارات المسؤولة عن القطاع الذي ابرم فيه عقد الامتياز، اذ ليست كل العقود تمنح من وزارة الإقتصاد الوطني ". 

       وقد وافقه القول المهندس مازن سنقرط  وزير الإقتصاد الوطني السابق " لا يمكن تحميل الوزارة المسؤولية كاملة، فالمنظومة الإقتصادية ليست مسؤولية وزارة الإقتصاد وحدها، إذ ان هناك وزارات مسؤولة عن كل قطاع، اضف لذلك أن هناك مسؤولية التشريعات والمجلس التشريعي، والقضاء ومرجعيته وأهمية تعزيز الشفافية، بالتالي فالكل مسؤول ولا يمكن تحميل المسؤولية لجهة دون أخرى".


     كما حمّل الدكتور حاتم سرحان مراقب عام الشركات في وزارة الإقتصاد الوطني المسؤولية للمؤسسات الفلسطينية بشكل عام"كيف اتخذت القرارات ؟ وكيف تمت صياغة تلك العقود؟ تلام عليه المؤسسات الفلسطينية بشكل عام، اذ ان علينا ان نكون صريحين مع بعضنا البعض من خلال طرح ومناقشة الموضوع، وإذا ما ثبت ان تصورنا كان خاطيء، أو ان اتخاذ القرار تم دون دراسة شاملة وشافية، ان نعترف ونقول أخطأنا".

    ورغم بعض المآخذ من قبل بعض الشركات صاحبة عقود الإمتياز وبعض المسؤولين على أجزاء من الدراسة سابقة الإشارة، بحيث كان يجب تقييم مرحلة نشوء السلطة بعيون تلك المرحلة كما يقولون، كي لا يكون هناك تسرع في الحكم كما رأى البعض، إلا أن الدراسة نفسها كانت ضرورية يجمع كل من تحدثنا اليهم،  خاصة وانها  دعت لاستكمال المنظومة القانونية  المتعلقة بالخصخصة ومنح الإمتياز، وإلى مراجعة كافة عمليات الخصخصة وعقود الإمتياز التي منحت خلال المرحلة الأولى من قيام السلطة الوطنية الفلسطينية.

     الدكتور غسان الخطيب عضو الهيئة العامة للإئتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) أعتبر أن  الدراسة عالجت نقص التشريع، واستخلصت ان هذا يؤدي إلى مفاسد، وبالتالي  يجب ان يبنى عليها من أي جهة لتحدد حجم الإستنزاف المالي "بالنسبة لأمان  فالأهم هو مبدأ الخلل الذي يحتاج إلى تصحيح بغض النظر عن مقدار الخسارة، وطالما أن المبدأ نفسه قائم، فأن هناك حاجة إلى تصحيح وهي الخطوة التالية عبر دراسة و مراجعة الإمتيازات كل حالة بحالتها من جهات حكومية او غير حكومية، وأن يكون هناك انظمة وتشريعات محكمة تنظم هذه المسألة، كي يتم سد الثغرات الموجودة في التشريعات، وكي لا يستمر استنزاف الحق العام وأموال الخزينة بشكل غير محكم وغير مدروس ".

      ننوه ختاما إلى  أننا  لم نتمكن من الوصول لأطراف أخرى جاءت على ذكرها الدراسة. بالتعاون مع الإئتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان)