بنكيران مع 'يس وي كان' في فرقعة انتخابية مبكرة

بنكيران مع 'يس وي كان' في فرقعة انتخابية مبكرة
رام الله - دنيا الوطن
لأول مرة نرى رئيس حزب ذو مرجعية إسلامية ينهل مباشرة من قاموس باراك اوباما الانتخابي. هذا هو الجديد في الحملة الانتخابية غير الرسمية التي دشنها رئيس الحكومة المغربية منذ مدة ليست بالقصيرة. ففي الجلسة الافتتاحية للملتقى الوطني لشبيبة حزبه العدالة والتنمية، بمراكش الأحد قال بنكيران "يس وي كان" (نعم نستطيع) الإصلاح.

وأكد عبد الإله بنكيران منتشيا أمام أنصاره أن "الإصلاح في المغرب ممكن وأنه يكمن في الأمن والاستقرار والديمقراطية الحقيقية". طرح جميل، لكنه يبقى شعارا انتخابيا يتطلب الكثير من الجرأة والقليل من الدغمائية وصفر من الشعبوية.

فالاستقرار في المغرب كان قبل ولادة حزب العدالة والتنمية بأجيال، والأمن هو رديف الاستقرار ولا يمكن المزايدة عليه انتخابيا وبشكل سياسوي. أما الديمقراطية فهي من أوصلت أعضاء الحزب إلى سدة المسؤولية.

رئيس الحكومة لم يحِد بعد عن فرقعاته الإعلامية ولم يستطع المرور إلى السرعة الثانية في محاربة الفساد. الشعار الذي أطلقه في حملته الانتخابية التي حملته إلى كرسي رئاسة الوزراء، ولازال وفيا له نظريا.

بنكيران أراد ان يسير على درب باراك اوباما في مقاربة "الاستطاعة"، في المجالات السياسية والاجتماعية والادارية وبادر إلى حث حزبه على "تحمل المسؤولية لمواصلة الإصلاحات التي بدأتها حكومته والدفاع عن الديمقراطية، الكفيلة ببقاء المغرب بلدا آمنا مستقرا".

لكن جل المغاربة يلهثون بصدق وأمل كبير وراء الإصلاح ويسعون إلى تحقيقه كاملا غير منقوص ولا مجزوء في أقصى سرعة. وليس مجرد سفسطة وتزجية للوقت السياسي كالذي ينهجه بنكيران. فالإصلاح لن يتم بتفجير قنابل صوتية وإشغال الرأي العام بملفات للتشويش ورمي الفتات.

هل يريد رئيس الحكومة بنكيران تحقيق شعار اوباما؟ إذن سنحيله إلى ما قاله رئيس أميركا المتردد في خطبة النصر في العام 2008، محذرا أولئك الذين يمزقون العالم: سوف نحبطكم. وحازما في قوله "لأولئك الذين ينشدون السلام والأمن: نحن ندعمكم". وصدف مع مرور ولايته الأولى وصدر من ولايته الثانية، أنه كان صادقا في تحقيق شعاره بالمقلوب.

فالذين يمزقون العالم لا زالوا على عهدهم سائرون، أما الذين ينشدون السلام والأمن فقد تخلى عنهم جملة وتفصيلا، وتركهم في أحلامهم يغرقون. وانظر الهدية التي قدمها لإيران الداعمة للتفرقة والفوضى في الشرق الأوسط تفوقت بكثير على ما تفعله إسرائيل.

ومع ذلك فقط، ينزعج بنكيران من استعمال المال في الانتخابات لاستمالة أصوات الناخبين. وليس المال نقدا هو من يجب أن يحذرنا منه رئيس الحكومة والحزب، بل هناك مال معنوي، فعندما تقدم للمواطن البسيط وعودا لا يمكن تحقيقها أو مجرد تذكرها أثناء الولاية الحكومية، فهذا يعتبر رشوة لاستمالة الناخب.

ولا يجب أن يخاف رئيس الحكومة من استعمال المال النقدي والمعنوي، إذا كانت حصيلة حزبه وحكومته منذ 2012 الى اليوم غنية بالمنجزات والآفاق.

عندما يرى المواطن أن الحكومة أنصفته ولم تثقل كاهله بالزيادات المتوالية. وان حزب الأغلبية تحمل مسؤوليته ولم يختبئ وراء الشعارات والاكراهات و"التماسيح والعفاريت"، فآنذاك يمكن للمواطن البسيط أن يطمئن إلى أن صوته الانتخابي لن يذهب في بالوعة الأرقام الجوفاء.

الخوف لدى إخوان بنكيران ليس الانتخابات في ذاتها، فهم متفائلون بها جدا، عندما قال رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني "حيثما رتبت الانتخابات الحزب -إذا كانت نزيهة- فهو منتصر، لأن في ذلك انتصارا للديمقراطية المغربية"

الخوف الملغم لديهم حول نزاهة الانتخابات، وهذا تخوف لا مبرر له إذا كان رئيس الحزب والحكومة هو من سيشرف عليها.

لكن العثماني ربما كان أكثر وضوحا من بنكيران، عندما توجه رأسا للب المشكلة التي يواجهها حزبه العدالة والتنمية، وإن بشكل مستتر عندما قال ان "الاختلاف الداخلي مدمر للأحزاب ومشتت للقوة، لأن الفشل وذهاب الريح كما قال الله تعالى، يكون نتيجة للصراعات الداخلية".

يعني أن الديمقراطية التي يتحدث عنها بنكيران ويراها كفيلة باستقرار المغرب لا يرتضيها، في تناقض سافر لاستقرار حزبه.

وزاد العثماني من وضوحه عندما حذر صراحة من "اختلاف الأفكار الذي يؤدي إلى التموقع والأحقاد، وهذا كله مذموم في الدين والوطنية".

وتجاهل هذا القيادي في الحزب أن اختلاف الأفكار الحقيقي هو تعبير عن التنوع والتعدد، وهو ما يثري الحياة داخل الحزب والمجتمع وليس تقوقعه وانحساره. وما اندثار أحزاب كبرى ودول أكبر، إلا بسبب الفكرة الوحيدة والرأي الأوحد والفكرة المطلقة.

قال العثماني أن "هاجس الحزب ليس هو الفوز بالانتخابات". كلام يناقض ما ذهب إليه رئيسه عبد الإله بنكيران عندما صرح مؤخرا انه قبل تنصيب حكومة التناوب "عرض علينا اليازغي (قيادي في الاتحاد الاشتراكي) منصبا وزاريا واحدا، فقلت لم لا تعطونا منصبين"؟ ويضيف بنكيران "اننا كنا نملك 9 نواب وحصولنا على منصبين كان منطقيا".

أي أن هاجس الوصول لكرسي الوزارة كان غالبا منذ البداية وليس فقط الفوز في الانتخابات. وهذا ما أكده بنكيران في حواره مع إحدى المجلات الشهرية، انه "كانت لدينا رغبة في المشاركة في الحكومة بعد انتخابات 2002، فقد حصلنا على الرتبة الثالثة بـ42 مقعدا".

يبدو أن شعار "نعم نستطيع"، في نسخته البنكيرانية ينسحب على حكومته وحزبه، لكن في شق الحصول على الكراسي. وليس في شق الإصلاح وهو يحاور ويناور مع النقابات حول إصلاح صناديق التقاعد بدعوى أن النقابات لم تقبل اقتراحات الحكومة، والمعارضة لم تقدم أي بدائل واقعية.

كان على بنكيران ان يبعث الحياة في الشعار الاوبامي وان يذهب مباشرة إلى الإصلاح دون مواربة ولا تماطل، إن كان مقتنعا بجدوى آليات الإصلاح التي قدمها ويسوق بها.

التعليقات