جدلية العلاقة مع الارض

جدلية العلاقة مع الارض
عمر حلمي الغول

أثار موضوع منح الحكومة الاسرائيلية المواطنين الفلسطينيين تصاريح زيارة للجليل والمثلث والنقب وخاصة مدن الساحل: عكا وحيفا ويافا بالاضافة لطبريا وبحيرتها في إجازة عيد الفطر السعيد جدلا واسعا في اوساط صناع الرأي الفلسطيني، إنعكس في قراءة تداعياته السلبية والايجابية على المصالح الوطنية العليا. البعض إعتبر الزيارة للمدن والشاطىء الفلسطيني التاريخي، شكلا من اشكال التواصل، وتعميق للعلاقة الجدلية بين الفلسطيني وارضه وبحره وروايته. بعض آخر، اعتبر الزيارة، خدمة لمخطط إسرائيل، ودعما لاقتصادها وسياستها الامنية. وبعض ثالث إفترض ان الهدف الاقتصادي، سبب هامشي جدا، وتقدير اصحاب هذا الرأي، ان اليمين الصهيوني المتطرف، يرغب في عودة الامور إلى "الحالة الطبيعية"، التي سادت بعد حرب حزيران 1967، ويرتكز منطقه على قاعدة نظرية، مفادها "ان ارض إسرائيل، يعيش فيها عرب، ومن حق هؤلاء العرب ان يتحركوا فيها".وبالتالي يعولوا على فلسفة الدمج للعرب لا العزل. وبعض رابع إفترض ان الزيارة لها بعدان ايجابي وسلبي.

هناك اراء ووجهات نظر مختلفة تتقاطع او تتباين في بعض المفاصل. ومن موقع الاحترام لكل اصحاب وجهات النظر، لاسيما وان لكل الاجتهادات نصيب بهذا القدر او ذاك من المصداقية. غير ان القراءة العلمية والموضوعية، تملي على المراقب الوطني، الانطلاق من فرضية اساسية، ان التواصل مع الارض والانسان الفلسطيني العربي المتجذر فيها، هي فريضة وواجب، ومصلحة وطنية، تعزز من الروابط بين الانسان وارضه. وهنا ليس المقصود "الحيز الجغرافي" المجرد كما اشار الدكتور خالد ابو عصبة في مداخلة له يوم السبت الماضي في برنامج "الحياة رسالة"، بل الحيز الاوسع والاعمق، الحيز السياسي، التاريخي، الثقافي الحضاري. حيز الانتماء. وتمسك الفلسطيني بحق العودة لارض الاباء والاجداد، التي طردوا منها في اعقاب النكبة في عام 1948، خير دليل على اهمية التواصل ما بين الانسان الفلسطيني وارضه وتاريخه وتراثه، الذي مازال يطبع كل ملمح من ملامح فلسطين التاريخية بطابع الشخصية والهوية الفلسطينية. ورغم مرور قرابة السبعون عاما على النكبة، إلآ ان حكومات إسرائيل المتعاقبة، لم تتمكن من نفي الرواية الفلسطينية. لان الوقائع العنيدة على الارض تفضح وتعري الرواية الصهيونية الزائفة والمزورة. مع ان الولايات المتحدة والغرب الاوروبي، يعمل كل من موقعه على تكريس تلك الرواية عبر اليات وسياسات مختلفة.

مما لاشك فيه، ان اليمن الصهيوني الايديولوجي، سعى ويسعى لتبديد خيار حل الدولتين  على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وبذات القدر، يمضي قدما نحو خيار الحل الاقتصادي، الذي يرتكز على مبدأ التحسين النسبي لمستوى معيشة الفلسطيني، لتحقيق الابعاد الثلاثية: السياسية المتثل باسقاط خيار التسوية السياسية؛ الاقتصادي، وعنوانه رفع مستوى المعيشة في الاوساط الفلسطينية مقابل، التخلي عن الحل السياسي، وفي ذات الوقت، إستفادة قطاعات الانتاج والاقتصاد الاسرائيلي من السياحة الفلسطينية الوافدة، اضف إلى هدف تطبيع العلاقات بين المواطنين الفلسطينيين ودولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية؛ واخيرا خدمة الهدف الامني الاسرائيلي، الذي يهدف إلى تفريغ شحنة الغضب والسخط الفلسطينية من خلال التحسين النسبي لمستوى المعيشة، وحصر موضوع الدويلة في قطاع غزة، وحكم اداري ذاتي مشوه وتافه في الضفة الفلسطينية وضم كامل للقدس والاغوار. 

الاهداف الاسرائيلية، لن تنجح لاكثر من سبب وعامل، اولا لان الزيارات السياحية تعمق الروابط بين الفلسطيني وارضه وتاريخه وابناء جلدته؛ ثانيا إنتباه الفلسطينيين لاخطار الهدف الاقتصادي، مما قلص من إنعكاساته السلبية؛ ثالثا تمسك ابناء الشعب الفلسطيني بخيار السلام واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مترابطا مع حق العودة، يقطع الطريق على المخطط الاسرائيلي؛ رابعا سيضطر الاسرائيليون إلى إتخاذ إجراءات متناقضة مع التسهيلات الممنوحة، كما حصل مع إندلاع شرارة الانتفاضة الكبرى 1987/1993، عندما شعر الاسرائيليون بأن غياب الحواجز بينهم وبين الفلسطينين يهدد طابع الدولة العبرية "اليهودي"، التي يريدونها، مما دفع فريق منهم للاسهام مع العوامل الوطنية الاخرى على إشعال فتيل الانتفاضة، لقطع الصلة مع الفلسطينيين.

إذا الزيارات السياحية الفلسطينية لارض الاباء والاجداد ضرورة وطنية، وحاجة ماسة. لكن على القيادة السياسية بالتعاون مع القطاع الخاص وضع إستراتيجية وطنية متعددة الابعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الحضارية، لتقطع الطريق على مخطط القيادات الصهيونية. وعلى ابناء الشعب، ان يعكسوا الصورة الايجابية في زياراتهم، ويحرصوا على حماية البيئة، ويتخلوا عن مظاهر الفوضى المسيئة.           

[email protected]

[email protected]