اليونان واحتمالية الخروج من اليورو .. القتال من مسافة صفر

اليونان واحتمالية الخروج من اليورو .. القتال من مسافة صفر
الكاتب والمحلل المالي والخبير الاقتصادي امين فايق ابو عيشة

كان اهم وعد قدمه الحزب اليساري بزعامة رئيس الوزراء الحالي اليكسيس تيسيرايبس قبيل الفوز في الانتخابات في 25 من كانون ثاني من العام الحالي هو ان اليونان لن يفرض عليها احد التقشف بعد اليوم وهو في حقيقة الامر وفي رأي ان حزب سيريزا لم يدرك ابعاده ومدي قدرته فعليا على ادارة التخلي عن اليورو . فالذي لا يدركه اليكسيس تيسرايبس هو ان سياسات التقشف لم تعد حاجه لليونان بل هي ضرورة لها سواء ظلت اليونان في منطقة اليورو ام رحلت اليونان من هذه المنطقة... وسواء كان الامر بضغوط الدائنون لها وشركائها الاوربيون او بواسطة الحكومات اليونانية حال تركها لليورو وإحالته لمتاحف التقاعد وذلك لمواجهة العجز المالي والدين الكبير لاثينا وعودة العملة القديمة الدراخمة للتداول من جديد . مخطئ من يظن يوما ان اليونان بفعلتها وتحديدا اليساريون بعد فوزهم بالاستفتاء وحصولهم على اكثر من 61% من الاصوات المعلنة رفض خطط الانقاذ المالية المترافقة مع سياسات تقشفية وإصلاحية طالت وستطول جزء لا باس به من الشعب اليوناني ستكون الرابحة ...صحيح ان اهل مكة ادري بشعابها.. لكن في رأي ان حزب سيريزا راهن على مستقبل اليونان بهذا الاستفتاء وأدار الظهر لأوروبا معتقدا انه ولوحدة فقط سيحل اشكاليات اثينا المالية والاقتصادية وان الدراخمة ستعيد لهذا الاقتصاد النفس والزخم ... ان القارئ للتاريخ الاقتصادي لليونان يلاحظ ان الوضع المالي والاقتصادي قبل دخول اليونان كان اسواء مما هو الان وبدرجات كبيرة .. لقد انتقلت اليونان عند انضوائها تحت عباءة اليورو من القفص الفضي للذهبي وتحسنت دخول اليونانيون بعد دخولهم عرين اليورو . لكن الفساد المالي والترهل الوظيفي وعدم الانضباطية المالية والتلاعب بالحسابات القومية جعل اليونان تقع في شرك الدائنية لترويكا ممثلة بالبنك المركزي الاوروبي والمفوضية الاوروبية وصندوق النقد الدولي . وتطلب خلال عاميين من 2011 وحتى 2012 خطتان للإنقاذ المالي لها تضمنت تيسير اكثر من 240 مليار يورو لعلاج اختلالات هيكلية عانت منها اليونان فقد اصبح الدين العام اليوناني يشكل اكثر من 170% من اجمالي الناتج المحلي لها وقفزت معدلات البطالة لأكثر من 28% وعلت معدلات التضخم وأصبح الاقتصاد يعاني من الركود والكساد وقل الاستهلاك والدخل وزادت نسب الفقر وفقا لهذا الامر طالبت اوروبا وترويكا اليونان بجملة من الاصلاحات المالية والاقتصادية كشرط ضروي للإنقاذ المالي وهذا ما عرف بسياسة شد الاحزمة او التقشف تمثلت بجملة من الاصلاحات التوسعية في فرض الضرائب وتحديدا القيمة المضافة حتي طالت الكهرباء والمياه وبمعدلات 23% و 11% على التوالي وتخفيض الرواتب والأجور وبنسب تتجاوز 4.5% وبزيادة سن التقاعد حتي 65 عاما وذلك لتقليص الانفاق الجاري ومدفوعات الضمان الاجتماعي وزيادة مساهمات العناية الصحية لهؤلاء المتقاعدون من 4% الى 6% ودمج او شطب العديد من المؤسسات ... لقد اقنع اليساريون الشعب اليوناني قبل الاستفتاء بان اليورو هو سبب مشاكلهم وأزماتهم الاقتصادية.. وان الانتقال من تبني ثاني اقوة عملة في العالم الي الدراخمة سيكون هو العلاج لكل اشكاليات اثينا ومواطني اليونان . في اعتقادي ودون شك وريبة مثل هذه الصياغات تعبر عن سوء فهم خطير لحقيقة الأوضاع على الأرض فلم تكن مشكلات اليونان بسبب اليورو، بالعكس لقد تمتع الاقتصاد اليوناني باستقرار نقدي اكبر ومعدلات تضخم أقل ومستويات دخول. بالمجمل ما استطيع ان اقوله ان خروج اليونان من اليورو وخروجها بعد ذلك من اوروبا سيؤثر وبشكل سلبي عليها بإيجاد درجات عالية من عدم الاستقرار النقدي المالي والمصرفي ... خصوصا حينما تعلن اوروبا افلاس اثينا فوفقا للدراسات فان اليونانيون وخلال 20 دقيقة سيلجاون لسحب كل مدخراتهم وودائعهم من البنوك اليونانية وبالتالي ستنخفض معدلات السيولة بل تنعدم وسيوقف اتحاد الدائنون الاوروبيون مد اليونان بدفعات ديونهم وسينخفض الدخل وتزداد نسب البطالة هذا الوضع ان لم يكن انهيارا فهو الانهيار بحد ذاته خصوصا ان اليونان لا تمتلك عملة محلية وان عملية اعاده طباعة الدراخمة سيحتاج الي وقت .. وخلال الوقت سيعيش الشعب اليوناني في ظلام كبير .. كما ان اوروبا ومنطقة اليورو ستعاني من هذا الخروج ان تم لكن درجة المعاناة ستكون وقتية وتحديدا الجهاز المصرفي الذي اجتاز خلال السنوات الماضية اختبارات ضغط كبيرة اهلته للوقوف في وجه الازمات وبشدة .. وما يدعم هذا التوجه هو استمرارية البنك المركزي الاوروبي لعمليات التحفيز الكمي وضخ حوالي 60 مليار يورو شهريا على شكل عمليات شراء للسندات واذونات خزانة من الاسواق المالية... والتي تمكن من تدبير السيولة اللازمة للأسواق حال عجز النظام المالي عن تدبير السيولة المناسبة
.. في الختام ان خروج اليونان من منطقة اليورو سيعيدها للعصر الحجري وهذا ملخص بما سيحدث : "
ستخلو ماكينات صرف النقود من العملة في خلال 20 دقيقة
ستنشأ طوابير طويلة أمام المصارف
سينهار الاقتصاد اليوناني
سيسحب البنك المركزي الأوروبي دعمه للمصارف اليونانية وهو ما سينتهي بانهيارها
خلال الوقت الذي ستطبع فيه الدولة عملتها الجديدة فإن الظلام المطلق سيغطي اليونان
سيتحول 80 في المائة من الشعب اليوناني إلى فقراء
إن الغالبية العظمى من الناس ستندم على اللحظة واليوم الذي تم فيه الإعلان عن وقف برامج المساعدة والتوقف عن خدمة الديون" ..وسيعلمون عندها ان القتال من مسافة صفر يحتاج لأدوات ولسياسات وبناءات فهل هذه الامور في الوضع اليوناني موجودة اعتقد جازما بلا لكن لا ليست ككل لا ....ورحم اجدادي حين قالوا وما زالوا يقولون الجاهل عدو نفسه .. دمتم بعز

التعليقات