الأموال الرقمية ..؟

الأموال الرقمية ..؟
 بقلم الخبير المالي : فكري جودة

"ماستركارد تختبر طريقة لتأكيد الدفع عبر مسح الوجه"  

 ورد هذا الخبر على مجموعة من المواقع الإخبارية صباح هذا اليوم، وهو ما يدفعني لكتابة هذا المقال، الذي يحتاج بداية إلى مقدمة بسيطة لشرح عنوانه، على أن يكون باكورة لسلسلة من المقالات في هذا المجال:   في عرف مجتمعاتنا عندما تُذكر النقود فإن أوّل ما يتوارد إلى  الذهن هو رزم من ورق البنكنوت التقليدي (Bank Note) الذي نتداول أوراقه كل يوم بين أيدينا بيعا وشراء ومبادلة. 

لكن المجتمعات الأكثر تطورا في العالم دأبت ومنذ ما يزيد على السبعين عاما وبالتحديد من خمسينيات القرن الماضي على إيجاد بديل عملي للنقد التقليدي كوسيلة لتبادل المنافع وتنفيذ العمليات المالية، فظهرت بطاقات الائتمان ومشتقاتها من بطاقات الدفع ومسبقة الدفع وغيرها البطاقات التي تشترك جميعا بأنها مصنعة من البلاستيك، فظهر مصطلح النقود البلاستيكية (Plastic Money) الذي ارتبط بهذه البطاقات. 

ومع ظهور عصر التكنولوجيا الرقمية والانترنت ظهرت الحاجة للتبادل المالي الفوري عبر الشبكة العنكبوتية (Online) ، فظهرت الحسابات الرقمية والمحافظ الإلكترونية ووسائل الدفع عن بعد بواسطة الهواتف النقّالة وغيرها، وهي التي تسود عالم التبادلات النقدية الحديثة اليوم تحت اسم النقود الإلكترونية أو الرقمية (Electronic Money) . 

 تطورت صناعة بطاقات الائتمان مع الزمن تقنياً وقانونيا وائتمانيا بحيث أضحت وسيلة الدفع الأكثر انتشارا وقبولا في المجتمعات الغربية المتطورة. 

جاء ذلك بفضل سيادة اقتصاد الوفرة والانتعاش الاقتصادي في تلك المجتمعات بالإضافة إلى تطور ثقافة الاستهلاك في المجتمعات الغربية بدفع من السياسات التسويقية لكبريات الشركات المنتجة للسلع والخدمات والتي تلاقت مصالحها مع المصارف والشركات المصدرة لبطاقات الائتمان والتي تسعى للترويج لأنماط استهلاكية أكثر شراهة بالاعتماد على الاستدانة من المصارف عبر استخدام هذه البطاقات.

 ولتقنين المبادلات المالية التي تتم بواسطة البطاقات البلاستيكية استجابت التشريعات القانونية المحلية من خلال سن قوانين تحفظ حقوق أطراف العملية المالية وهي : ( حامل البطاقة  - القابل للبطاقة – بنك حامل البطاقة – بنك قابل البطاقة – الشركة المصدرة للبطاقة)، وتطور ذلك إلى منظومة قانونية كونية تدار من قبل كبريات شركات بطاقات الائتمان في العالم وترتبط بمنظومة دولية أرست القواعد القانونية والأمنية المرتبطة بهذه التبادلات.   

في عالمنا اليوم رأينا عددا من الدول المتقدمة والغنية التي اتخذت خطوات ريادية نحو منظوم تبادل نقدي خالية من العملات الورقية، والسويد التي كانت رائدة العالم في صك النقود الورقية عام 1661م  تشق طريقها لتكون أول دولة في العالم خالية من النقد الورقي. وتتبعها في ذلك دول مثل استراليا وكندا والإمارات العربية واليابان.   

أبرز الميزات المرتبطة بتطبيق هذا المبدأ تتلخص في زيادة الكفاءة الاقتصادية للدولة من خلال تخفيض النفقات المرتبطة بالتعامل النقدي (الطباعة -النقل -استبدال التالف -الحفظ الآمن -عدّ وترتيب العملات)، وكذلك القضاء على الفساد الضريبي والحد من عمليات غسل الأموال التقليدية. وتخفيض جرائم السرقة والسطو.  

 لكن الاعتماد الكلي على التكنولوجيا الرقمية ليس ورديا بالكامل، فهنالك مجموعة من التحديات والمخاطر المرتبطة به، وأبرزها مخاطر القرصنة الإلكترونية وانتحال الشخصية والسطو على الأرصدة الرقمية ، كما قد تظهر مشاكل مرتبطة بالبنى التحتية لشبكات الاتصالات والطاقة في بعض المناطق النائية أو الريفية ، وهنالك أيضا الصعوبات المرتبطة بعدم قبول بعض فئات المجتمع لهذا النظام ككبار السن والأميين والزائرين والسوّاح القادمين من الخارج. 

كما تطفو إلى السطح مشاكل التعاملات النقدية الخارجية مع دول لا تعتمد مثل هذه المنظومة أو لا تتوفر لديها بنى تحتية مماثلة.

 كما أثيرت قضايا الحرية الشخصية والملاحقات الأمنية للأفراد من خلال متابعة بياناتهم المالية المسجلة.  

 تساؤلات: أين موقع فلسطين في عالم النقود البلاستيكية والرقمية ؟ وهل لدينا ما يكفي من إمكانات لتطبيق مبدأ الاستغناء عن النقد التقليدي؟ والأهم: هل يمكننا تنفيذ ذلك ؟ سأحاول في المقال القادم – إن شاء الله - مناقشة هذه التساؤلات وتقديم بعض المقترحات حولها .

الكاتب , فكري جودة

التعليقات