مكتبة بلدية نابلس ... ارث ثقافي وحضاري :أقدم مكتبة في فلسطين والمكان شاهد على العصر العثماني

مكتبة بلدية نابلس  ... ارث ثقافي وحضاري :أقدم مكتبة في فلسطين والمكان شاهد على العصر العثماني
نابلس -خاص  دنيا الوطن-عزيزة ظاهر

في كل زاوية من زواياها تجد رواية تتحدث عن عبق التاريخ وعراقة المكان ،وتشتم منها رائحة الورق القديم الممزوج برائحة الحبر ، تتوسط ساحتها نافورة قديمة نقش العلم التركي على احد حجارتها وتحيط بها أشجار الخشخاش القديمة التي تشهد على أصالة الموقع الذي استخدم إبان الحكم العثماني لأغراض عسكرية ومن ثم مقرا لبلدية نابلس وفي فترة من الفترات استغل كقاعة سينما إلى أن استقر به المطاف مكتبة لبلدية نابلس .

مكتبة بلدية نابلس  التي أنشئت في هذا المكان العريق  حيث كان يتجمع الضباط العثمانيين و كان يسمى " المنشية " هي الأقدم على مستوى فلسطين حيث تم افتتاحها في عام 1960 عندما كانت الضفة الغربية تقع تحت الحكم الأردني وكان يرأس مجلس بلدية نابلس في حينه المرحوم احمد السروري وتم افتتاح المكتبة تحت رعاية الملك الراحل حسين بن عبد الله الذي حضر الافتتاح بنفسه.

120 ألف كتاب

يقول مدير المكتبة ضرار طوقان :"  تضم المكتبة أقساما متعددة في جميع المعارف والثقافات  ويزيد عدد الكتب في المكتبة عن 120 ألف كتاب  ومرجع  بعدة لغات إلى جانب العربية منها الألمانية والعبرية والفرنسية والروسية  واليابانية ، كما وتضم المكتبة بعض المكتبات الخاصة لبعض العلامة الفلسطينيين منهم حافظ طوقان والدكتور إبراهيم عطا الله ومكتبة  الدكتور قدري طوقان التي أوصى بها للمكتبة قبل وفاته عام 1975 ويبلغ عدد كتبها 4 ألاف كتاب ، ومكتبات تتعلق بالطفل  وبالدراسات والأبحاث العربية  ،ويضيف طوقان :" في قسم الوثائق والأرشيف تجد عدة زوايا وأقسام كقسم الدوريات العربية والأجنبية الأسبوعية والشهرية والفصلية  والسنوية ،ووثائق هامة يعود بعضها لسنة 1869 توثق تاريخ تأسيس بلدية نابلس ،إضافة لأخرى من زمن الانتداب البريطاني على فلسطين .

الأرشيف الصحفي

يشير طوقان إلى أن الأرشيف الصحفي  يحتوي آلاف النسخ الأرشيفية من كافة الصحف الفلسطينية التي صدرت عبر التاريخ  يعود بعضها  لعام 1925 ،وهي الصحف التي كانت تصدر في فلسطين قبيل النكبة  ،فيما يتم الاحتفاظ بكافة أعداد الصحف اليومية الثلاث إضافة إلى النشرات التي تصدر عن الهيئات والجامعات والمؤسسات المحلية والعربية والدولية  بلغ عددها حوالي 8000 آلاف نشرة .

مكتبة الأسير الفلسطيني

يوضح طوقان أن ما يميز مكتبة بلدية نابلس  وجود مكتبة الأسير الفلسطيني بين أروقتها  والتي تحتوي  على الكتب التي كانت موجودة في سجني الجنيد ونابلس قبل دخول السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 ،وتشتمل مكتبة الأسير أيضا على التوقيعات والتعليقات  المتعلقة بآراء وأفكار وأوجاع الأسرى على صفحات الكتب في ذلك الوقت  ،ومئات الكتيبات التي خطها الأسرى بخط اليد  وتحتوي المكتبة على حوالي 7000 كتاب ونشرة تم الحصول عليها من سجون الاحتلال .

أنشطة وبرامج

وعن أنشطة المكتبة تحدث طوقان لمراسلة دنيا الوطن :" قبل أن يكون هذا الصرح مكتبة عامة هو مؤسسة ثقافية و نقوم بالأنشطة الثقافية كالأمسيات الثقافية والأدبية  والشعرية من خلال الصالونات الأدبية كصالون  أفنان دروزة  وكذلك  المسابقات على اختلافها ،ونشرة صحفية شهرية تحتوي على مستخلصات  من الصحف اليومية وقريبا ستكون هذه النشرة تصدر الكترونيا ،وتنظم المكتبة بين الحين والآخر أنشطة من شانها التشجيع على القراءة كحملة الاشتراك المجاني لطلبة المدارس لاستقطاب القراء الشباب وزيارات  دائمة للمدارس بهدف التعريف بالمكتبة والتشجيع على الانتساب لها .ونقوم بين الحين والآخر بتكريم المخلصين للمكتبة ومرتاديها من فئات عمرية متعددة من بينهم ربات بيوت  ، ويتابع قائلا رغم أن المكتبة تحتفظ  بسجلات ل 26 ألف و 800 مشترك إلا أننا كباقي المجتمعات العربية نعاني من وجود أزمة في الإقبال على القراءة وهجرة الكتاب  نتيجة إلى زحف الكثيرين نحو الانترنت  ووسائل القراءة الالكترونية  التي  قللت من قيمة اللغة العربية نتيجة للأخطاء الإملائية والنحوية الغير موجودة في الكتب التي تخضع للمراجعة  و التدقيق قبل طبعها ونشرها .

كتب بلغة بريل

أشار طوقان إلى أن الزائر لمكتبة بلدية نابلس يشاهد زوايا متنوعة وضعت فيها وسائل تكنولوجية متنوعة من ضمنها زاوية الكفيفين  تمكنهم من قراءة 200 كتاب طبعت بلغة بريل  وقد افتتح هذا القسم قبل عدة أشهر  الأمر الذي جعل الإقبال عليه مازال محدودا من الكفيفين  موضحا أنها المكتبة الأولى على مستوى فلسطين  تهتم بهذه الفئة .

ويضيف أن المجلس البلدي لبلدية نابلس  يقوم بتمويل المكتبة  بشراء الكتب ورعاية البرامج والأنشطة المختلفة وتوظيف العاملين ودفع رواتبهم  .

تحديات  و طموحات

وعن ابرز الصعوبات والتحديات التي تواجه المكتبة تحدث طوقان :" وجود الاحتلال من ابرز الصعوبات التي تلاحقنا خاصة بشراء الكتب والمقتنيات الهامة من الخارج  والاجتياحات المتكررة خلال الانتفاضة الثانية وإغلاق المدينة لفترات طويلة  أدت إلى فقدان الكثير من الكتب وضياعها مع من دمرت منازلهم أو اعتقلوا واستشهدوا ، عدا عن ذلك نواجه صعوبة في إيصال الرسالة إلى طلبة المدارس  أن المكتبة هي بمثابة بنك للمعلومات وليس صفحات التواصل الاجتماعي ، وعدم اهتمام الأهل بتوعية  أبنائهم بأهمية القراءة وزيارة المكتبة  إضافة إلى عزوف طلبة الجامعات عن  استخدام المنهج العلمي والبحث والتنقيب في إعداد أبحاثهم العلمية والحصول عليها  جاهزة من بعض المكتبات المهتمة ، ونطمح إلى تحويل المكتبة إلى مكتبة رقمية إذ يستطيع القارئ وهو في بيته أن يبحث عن الكتاب الذي يريده  وإخراج الصفحات التي يريدها .

موظفون .. المكتبة بيتنا الثاني

سمر السعودي ( 57 ) سنة من أقدم موظفي المكتبة مسئولة قسم الاستعلامات تقول :" تعينت في مكتبة البلدية بتاريخ 20-7-1977 وأمضيت 38 سنة من عمري بين أروقة المكتبة ، فهي كل حياتي وبيتي الثاني وبيني وبين الكتاب حكاية عشق أبدية ،وتربطني علاقة محبة وصداقة مع الكثيرين من مرتادي المكتبة خاصة أولئك الذين يزورون المكتبة بشكل يومي  واعتدت على رؤيتهم يوميا منذ بداية عملي اذكر منهم الأستاذ علي خليل حمد موجه تربوي متقاعد ،والباحث والمحلل محمد سعيد جود الله فلا اذكر أنهم تغيبوا يوما عن زيارة المكتبة إلا لظروف قاهرة ".

أما نهاد عنتر  ( 59 ) سنة والذي يعمل مراسلا  في المكتبة منذ 37 سنة  يقول لدنيا الوطن بعد أن صمت برهة من الزمن وسرح في فكره إلى الوراء كثيرا :" المكتبة هي رائعة بكل شيء وحياتي معها كانت أروع فأجمل سنين العمر قضيتها ببيتي الثاني  فانا أدمنت عليها لدرجة أنني  سأستمر في العمل هنا إن كتب الله لي عمرا  حتى بعد وصولي إلى سن التقاعد فانا لن أتخيل حياتي ولو ليوم واحد بعيدا عن أجواء المكتبة ".