سكان الرمادي ينعمون بهدوء لكنهم يتأهبون لما هو قادم

رام الله - دنيا الوطن
 استعادت مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار غربي العراق، بعضا من هدوئها عقب فرض مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية سيطرتهم عليها في وقت سابق من هذا الشهر، غير أن السكان المحليين يتأهبون لما هو قادم في ظل حشد القوات العراقية لمعارك استعادة المدينة.

وحاول علي عطية الجبوري المعروف لدى الكثيرين باسم "القاضي الكفيف" -وهو أحد أبرز الشخصيات داخل تنظيم الدولة- طمأنة سكان الرمادي عبر خطبة ألقاها بأحد المساجد، أكد فيها أن التنظيم يملك الآن طريقا مفتوحا بين الرمادي والرقة عاصمة "دولة الخلافة" التي أعلنها التنظيم في وقت سابق.

ونقل أحد السكان عن الجبوري تأكيده أن التنظيم سيسمح بحرية التنقل بين المناطق التي يسيطر عليها، وسيعمل على مساعدة السكان بكل السبل.

وقال مسؤولون محليون لرويترز عبر الهاتف إنه على الرغم من سمعتهم المخيفة بارتكاب أعمال عنف وحشية ضد خصومهم، فقد بذل مسلحو التنظيم جهودا لاستمالة قلوب سكان الرمادي بتقديم خدمات أساسية وإدارة شؤونهم.
وهرب معظم سكان المدينة، لكن من بقوا يستمتعون بما يصفونه مسحة من النظام والهدوء في مدينة ظلت ساحة حرب لأكثر من عام.
وقال عبد الوهاب أحمد -وهو مدرس (45 عاما) "ننعم بحلم سار بالعيش في سلام دون سماع أعيرة نارية أو قنابل ونمشي بحرية في الشوارع"، وشبّه الوضع الحالي "بمنح زجاجة من المياه المثلجة للعطشى".

وكشف سكان عن قيام عناصر تنظيم الدولة بإزالة الحوائط الخرسانية والحواجز من الشوارع باستخدام جرافات، مثلما فعلوا في مدينة الموصل شمالي العراق والتي سيطروا عليها في يونيو/حزيران الماضي.

وقال أحدهم "إنه لشيء جيد أن نرى عودة الحياة إلى طبيعتها بدرجة ما في الرمادي.. كنا نعيش في ثكنة عسكرية حين كانت السيطرة للقوات الحكومية.. الآن نستطيع أن نتذوق الحد الأدنى من الحرية".

وأعاد تنظيم الدولة فتح البلدية ورافق عناصر منه موظفين من إدارة الصحة لجمع جثث عدد غير معروف من قوات الشرطة والجيش من الشوارع ودفنها في مقابر جماعية على مشارف المدينة، بينما سُحبت السيارات المحترقة إلى ساحة للخردة في منطقة ريفية إلى الشمال من الرمادي.

وتحت إشراف المسلحين، أصلحت فرق من السباكين مواسير المياه المكسورة، وتم توزيع الأطعمة والخضار مجانا من شاحنات مبردة.

وقامت شاحنتا صهريج -رافقهما مسلحون من التنظيم- بتوزيع الوقود على أصحاب مولدات الكهرباء في كل حي، وطلبوا منهم عدم المغالاة في الأسعار.

ووجهت الدعوة للعاطلين إلى العمل في البلدية براتب شهري قدره 350 ألف دينار عراقي (270 دولارا)، كما وجهت دعوات متكررة للطبيبات لعلاج النساء في مستشفى الرمادي.

وقال أحد السكان "بعض المقاتلين ودعونا واعتذروا عن أي إساءة قد تكون بدرت منهم، قائلين إنها كانت عن غير قصد". وأضاف "قالوا لنا إنهم سيذهبون لتعزيز الدفاعات على مشارف الرمادي".
وعلى غرار المناطق الأخرى الخاضعة لسيطرته، عيّن تنظيم الدولة خطباء لإدارة مساجد المدينة وخوّلهم سلطة حل الخلافات بين السكان.
وصدرت أوامر إلى أصحاب المتاجر الذين يبيعون ملابس النساء بإحضار الزوجة أو الأخت أو الأم للتعامل مع العميلات للحد من الاختلاط بين الجنسين. كما أمر التنظيم بعدم عرض ملابس النساء في واجهات المتاجر، وإزالة تماثيل العرض.
ويذكر بائع للسجائر كيف اقترب منه أحد عناصر التنظيم وقال له "أخي لا نريدك أن تبيع ما يضر صحة المسلمين.. توقف عن بيع السجائر ونحن مستعدون لمساعدتك في العثور على عمل كريم آخر".
وعبّر بائع السجائر الذي طلب عدم نشر اسمه عن تشككه، وقال "أعرف هذه الحيلة جيدا: داعش (تنظيم الدولة) يطلبون منك بكل أدب في البداية، لكن حين يزدادون قوة لن يتحدثوا معك من الأساس.. سيلوحون بسكين على رقبتك".
بدوره أكد عبد الوهاب أحمد أنه يعي أن "الحلم لن يستمر طويلا"، وقال إنه يتوقع أن يستيقظ قريبا على واقع مرير يكون فيه السكان في مرمى النيران بين مسلحي التنظيم والقوات العراقية التي تستعد لشن هجوم لاستعادة المدينة.
وحذر مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية السكان من المجازفة بالخروج من المدينة لأنهم يقولون إنهم زرعوا شبكة من القنابل للحيلولة دون توغل القوات الحكومية.
وأكد الخبير الأمني العراقي هشام الهاشمي أنه لا يتوقع أن يحتفظ تنظيم الدولة بالسيطرة على الرمادي طويلا، بالنظر إلى عدد القوات التي تستعد لمهاجمة المدينة وطبيعة السلاح الذي بحوزتها.
ورغم الهجوم الوشيك، قال سكان إنهم اختاروا البقاء لأنهم لا يريدون مغادرة بيوتهم، أو أن يعاملوا بنفس الطريقة التي يشكو منها أولئك الذين فروا من الرمادي.
وسعى أغلب الذين شردوا من المنطقة للجوء في بغداد لكن لم يسمح لهم بدخول المدينة بدون كفيل، وقال من تمكنوا من دخولها إنهم تعرضوا لمضايقات من قوات الأمن والجماعات الشيعية المسلحة التي اشتبهت في كونهم متسللين.
وقال أبو عمر العبيدي -أحد سكان الرمادي- "نحن متأكدون أن سيطرة مقاتلي (تنظيم الدولة) مؤقتة.. وأن الحكومة ستعود عاجلا أو آجلا.. مخاوفنا الرئيسية هي أن تتهمنا قوات الأمن بتأييد داعش لأننا بقينا في المدينة".
أما الموظف العمومي المتقاعد سعيد كامل (68 عاما) الذي يملك متجرا للأغذية في وسط الرمادي، فقال إنه استسلم لقدره، وأضاف "بالنسبة لي.. الموت بكرامة أفضل من العيش في مهانة".

التعليقات